«اتفاق الرياض».. تعزيز للوحدة اليمنية ومرحلة للسلام الشامل

جريدة الرياض
12-11-2019

هذا التفاؤل الكبير تجاه تعزيز الوحدة اليمنية، وتقوية الحكومة الشرعية اليمنية يجب ألا يتوقف عند هذه الحدود الدُنيا، وإنما يجب أن يرتفع سقف التفاؤل حتى يتم تحقيق السَّلام الشَّامِل بين جميع الأطراف اليمنية..

سياسة السَّلام ودعم الأمن والاستقرار منهج ثابت تأسست عليه السياسة السعودية وعملت به مُنذُ عهد الملك المؤسس، "عبدالعزيز" - طيب الله ثراه -، وما زالت تعمل على ذلك المنهج الرَّصين تحت قيادة قائد الأمتين العربية والإسلامية، خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - أيده الله -، ومن منطلقات ذلك المنهج البنَّاء القائم على المبادئ الإسلامية الصحيحة، والقيم العربية الأصيلة، والقانون الدولي المعمول به، جاءت مواقف المملكة التاريخية تجاه الدولة اليمنية وشعبها الكريم مُؤيدة لِسلمهِ الاجتماعي، وداعمه لأمنه واستقراره، ورافضة لشتى أشكال ووسائل التدخل في شؤونه الداخلية من أي جهة كانت. وإذا كانت المواقف التاريخية البعيدة والجهود السياسية القريبة شاهدة على مواقف المملكة المُشرفة تجاه اليمن وشعبه الكريم، فإن سجلات الشَّرف ستُضمن في قوائمها شهامة وفروسية موقف المملكة في رعايتها وتأييدها ودعمها للمُصالحة اليمنية - اليمنية، الذي أثمر عن التوقيع على وثيقة "اتفاق الرياض" بين الحكومة الشرعية اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي في 5 نوفمبر 2019م.

هذا الاتفاق الذي تم العمل عليه والإعداد له بشكل عالي الاحترافية، تطلب جهداً دبلوماسياً وتفاوضياً وسياسياً كبيراً بين جميع الأطراف اليمنية تحت الرعاية السعودية الكاملة، سيكون له أثر إيجابي كبير على مُستقبل الأزمة اليمنية، وتخفيف الأعباء على أبناء الشعب اليمني، فإن كانت الشرعية اليمنية تتأسف من عدم تبعية بعض أبناء الشعب اليمني لقراراتها وتوجهاتها، فإن هذا التأسف انقضى بعد اتفاق الرياض، وإن كانت الشرعية اليمنية تتشكى من إنهاك قوتها واستنزاف قدراتها الداخلية في صراعات هامشية على حساب هدفها الرئيس، فإن هذه الشكوى ستنتهي بعد اتفاق الرياض، وإن كانت الشرعية اليمنية تُبرر عدم توجهها تجاه المناطق التي تسيطر عليها جماعة الحوثي بسبب الانقسامات الداخلية في المناطق التي تسيطر عليها، فإن هذا التبرير لن يكون قائماً بعد اتفاق الرياض. وإن كانت الشرعية اليمنية تُبرر عدم تواجدها في الداخل اليمني بأنها مستهدفة من أطراف يمنية في المناطق التي تسيطر عليها، فإن هذا التبرير سينتهي بعد اتفاق الرياض، وإن كانت الشرعية اليمنية تدعي انشغالها الدائم بحل المسائل اليمنية - اليمنية على حساب بناء حكومة يمنية قوية قادرة على إرضاء الشعب اليمني وتلبية متطلباته الرئيسة وتحسين مستوى معيشته، فإن هذا الادعاء لن يكون مقبولاً بعد اتفاق الرياض، وإن كان المجلس الانتقالي الجنوبي يُبرر عدم فاعلية الحكومة اليمنية ويدعي ضعف سياساتها المحلية والدولية، فإن هذه التبريرات وتلك الادعاءات لن تكون مقبولة بعد اتفاق الرياض، إذاً يمكن القول إن "اتفاق الرياض" سيساهم مساهمة رئيسة في تعزيز وحدة الدولة اليمنية السياسية والجغرافية، وسيعمل على تقوية موقف الحكومة الشرعية في داخل الدولة اليمنية وأمام الشعب اليمني في جميع المناطق والأقاليم اليمنية بما فيها تلك الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي، وسيعزز من مكانة الشرعية اليمنية في الداخل اليمني وأمام المجتمع الدولي.

هذا التفاؤل الكبير تجاه تعزيز الوحدة اليمنية وتقوية الحكومة الشرعية اليمنية يجب ألا يتوقف عند هذه الحدود الدُنيا، وإنما يجب أن يرتفع سقف التفاؤل حتى يتم تحقيق السَّلام الشَّامِل بين جميع الأطراف اليمنية، هذا التفاؤل الكبير أسس له "اتفاق الرياض" الذي سيكون، في حال تم تطبيقه، نموذجاً إيجابياً لحل جميع المشكلات اليمنية - اليمنية عن طريق التفاهم والحوار والتفاوض بين جميع الأطراف اليمنية بما فيها جماعة الحوثي بِصفتها حِزباً أو مكوناً سياسياً كغيرها من مكونات المجتمع اليمني، هذه النتيجة الإيجابية والبنَّاءة، التي يتطلع لتحقيقِها كل عاقل لإنها الصراع بين الأحزاب والمكونات اليمنية بالطرق السياسية، تتوافق تماماً مع سياسة وتوجهات المملكة الداعية للسِّلم والأمن والاستقرار في الدولة اليمنية؛ ويمكن قراءة ذلك في الكلمة الكريمة التي ألقاها ولي العهد الأمين الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - عند رعايته لحفل توقيع وثيقة "اتفاق الرياض" في 5 نوفمبر 2019م، حيث جاء فيها، كما أوردتها "واس"، قوله - حفظه الله -: "وسنواصل السعي لتحقيق تطلعات الشعب اليمني في استعادة دولته، والوصول إلى حل سياسي للأزمة وفقاً للمرجعيات الثلاث، وتفويت الفرصة على كل من لا يريد الخير لليمن، وتؤكد المملكة على أن هذه النوايا الصادقة والحكمة اليمانية التي تجسدت في اتفاق الرياض، وإعلاء مصلحة الشعب اليمني فوق كل اعتبار وفوق مطامع الأطراف التي تسعى لنشر الطائفية والفوضى وعدم الاستقرار في اليمن، ستحقق - بمشيئة الله - تطلعات الشعب اليمني، وسيفتح هذا الاتفاق المبارك - بإذن الله - الباب أمام تفاهمات أوسع بين المكونات اليمنية للوصول إلى الحل السياسي الذي ينهي الأزمة اليمنية ويحصن اليمن ويحميه ممن لا يريد الخير لليمن بجميع مكوناته وسائر شعوب أمتنا العربية".

وفي الختام من الأهمية القول إن على جميع مكونات الشعب اليمني أن يكونوا على قدر المسؤولية التاريخية التي وضعوا أمامها، وأن يغلبوا المصلحة العليا للشعب والدولة اليمنية على جميع المصالح الشخصية والخاصة؛ فالمُؤامرات التي يحيكها ويخطط لها أعداء اليمن تستهدفهم جميعاً، ولن تستثني منهم أحداً مهما كانت توجهاته الفكرية وانتماءاته المذهبية وعلاقاته السياسية، فأعداء اليمن هم أعداء للأمة العربية وساعون للإطاحة بها وزعزعة أمنها واستقرارها، وما اليمن إلا مرحلة من مراحل مخططاتهم الهدامة تجاه الأمة العربية بكاملها، فهل يعي أبناء اليمن حجم المخاطر التي تحاك ضدهم، وتسعى لتدمير ما تبقى من مجتمعهم ودولتهم؟.