حفلة خداع

جريدة الرياض
12-11-2019

كل وسيلة إعلامية تتحرك في أطر محددة، وغايات متنوعة تستهدف المتلقي فلا قيمة لإعلام من دون جمهور، بل تتميز وتتفوق مكانة وقوة الوسيلة الإعلامية، وتتسع شهرتها بحجم متابعيها.

ومن الطبيعي لدى تلك الوسائل لتحقيق هدفها أن تخترق شرائح المجتمع، أو ترسم خارطة طريق لجمهور المستهدف بجسارة.. فتتحرك موادها ومنتجاتها الإعلامية في سياق قد يكون تصادمياً مع قناعات المتلقي وقيمه واتجاهاته، ولكن القناعة السائدة لدى مسيري تلك الوسائل هي أن الأمور نسبية التقبل والرفض.

والملاحظ كثافة برامج "التوك شو" في عدد من القنوات والتي اختارت طرح قضايا تستهدف استثارة المتلقي لجذبه للمتابعة باستمرار، جعلت خيارات الإثارة في تلك البرامج متنوعة وغريبة.. فكانت حفلة خداع.

ولا شك أن صانع مثل تلك البرامج يحتاج إلى إجادة تامة في لعبة الجذب والإثارة فيبدأ بانتقاء حذر ومناسب لمقدم ما يرى الصانع إمكانية تسويق برنامجه من خلاله ويحفزه على ضرورة الكسب الإعلامي، وبقدر ما يكسب البرنامج يكسب هو مادياً ومعنوياً مما يضع بعض المقدمين اللاهثين للمكاسب لفعل كل أمر وتصرف لجذب المشاهدين إلى برنامجه مستغلاً حاجة المتلقي إلى التشويق والإثارة ورؤية ما هو غريب، فيكون عليه في كل حلقة أن يبتكر شيئاً جديداً مثيراً، وهنا يتم تجاوز كل الخطوط المعقولة، فيكون الجمهور هو الضحية دائماً، فإرضاؤه ليس غاية، بل وسيلة.. وهكذا يتم استهلاك ما تم تقديمه وتكراره، فيبحثون عن أساليب وطرق جديدة وغريبة لتكريس وتمديد الاستثارة.

يضحك البصير حين يشاهد بعض الأساليب التي يعتقدون أنها جاذبة فما بين استخدام الكلام العامي السوقي، أو الانفعال - المفتعل - الزائد عن الحد، أو التصرف بغرابة والقيام بحركات مثيرة، أو استخدام ألفاظ ثقيلة، أو الإيحاءات والاسقاطات والإحراج للضيوف أو الجمهور أو المشاهدين.

في أحد البرامج أحضر مقدمه بصلاً وكوسة وسكيناً وبدأ حلقته بتقطيعها ليتحدث عن موضوع البطالة، وفي برنامج آخر حاولت مقدمته السخرية من ضيفها لتستفزه وتستثيره لجذب الجمهور في الأستديو، ومقدم آخر استخدم لغة الإشارة للإيحاء بقول أمر لم يستطع قوله كلاماً، وآخر تصنع البكاء على خبر ليستجدي التأثر، والآخر قام من مكانه وذهب إلى الكاميرا ليوحي أنه يتحدث عن قرب، ومقدم أحضر ابنه الرضيع، وآخر أتى بصحن فول يأكله ليعبر عن غلاء اللحم.

ويبقى القول: غالباً ما يكون ذلك مفتعلاً ومبرمجاً، هادفاً لخداع الجمهور عن طريق إثارته، واستقطاب عاطفته.. فمزيد من المتابعة يعد مزيداً من الربح للمقدم والبرنامج.. وكثير من الوسائل خدعتنا فقالت إنها تقدم المميز والنافع والمحايد ولكنها افتقرت واقعاً لدورها الوظيفي التنموي المسؤول بسبب تحولها إلى نوادٍ للربح.. كما أن بعض فلسفة الإعلام تقوم على تجهيل وتسطيح العقول، ومن ثَم سلبها والتحكم بها وتمرير الرسائل المقصودة فتتحقق أهدافهم بسهولة.