وحدة القيادة وتلاحم الشعب

جريدة الرياض
12-11-2019

عاشت بلادنا وهي تؤمن بحقيقتين لا تقبلان الجدل: الأصالة المتمثلة في التمسك بالعقيدة الصافية، ثم ما تبع ذلك من إقامة دعائم الوحدة الشاملة وتحقيق التلاحم الوطني، والمعاصرة كدولة تهتم ببناء أبنائها والرقي بمجتمعها..

وحدة القيادة وتلاحم الشعب متلازمتان تعدان من المسلمات المعروفة والمتوارثة في هذه البلاد منذ توحيدها وحتى قبل ذلك، حيث تعود إلى بدايات تأسيس الدولة السعودية الأولى قبل أكثر من 350 عامًا.

ولم تتحقق هذه المسلمات إلا من إحساسنا بالوحدة الوطنية، التي تعني ضمن ما تعنيه قيام رابطة قوية بين المواطنين مبنية على عناصر واضحة يشعر بها الجميع، ويؤمنون بها، ويستعدون للتضحية في الدفاع عنها. ولم لا يكونون كذلك وهم يجتمعون تحت راية واحدة هي راية لا إله إلا الله محمد رسول الله بعيدًا عن أي خلاف أو تحزّب أو طائفية؟ وهذا هو التلاحم الذي نفخر به دائمًا.

عاشت بلادنا وهي تؤمن بحقيقتين لا تقبلان الجدل: الأصالة المتمثلة في التمسك بالعقيدة الصافية، ثم ما تبع ذلك من إقامة دعائم الوحدة الشاملة وتحقيق التلاحم الوطني، والمعاصرة كدولة تهتم ببناء أبنائها والرقي بمجتمعها، من خلال مسيرة البناء والتنمية الشاملة وخططها المتعاقبة، والانفتاح على مصادر المعرفة بمختلف أنواعها من ابتعاث لأبنائها، وتأسيس للمؤسسات التعليمية الكبرى لإعداد الناشئة وتهيئتهم لمواجهة المستقبل، والتجاوب مع الطموحات والتطلعات الوطنية.

وهذا التلاحم والوحدة بين القيادة والشعب إنما تحققتا لوجود أسس أصيلة ساعدت على استمرار الوحدة والتلاحم الفريد بين القيادة والشعب، فوحدة الدين أهم مكون من مكونات ثقافة المجتمع، فالشعب دينه واحد، وتمثل المملكة قبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم بوجود أقدس البقاع في مدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة، ما جعلها تحظى بمكانة فريدة في العالمين العربي والإسلامي.

والأساس الثاني الذي أسهم في تعزيز هذه الوحدة واستمراريتها وحدة اللغة، فالشعب يتحدث لغة واحدة هي اللغة العربية الأصيلة، ويحرص على أن تكون حاضرة في كل مناسباته الرسمية والشعبية، يدعمها تناغم في العادات والتقاليد والأعراف، وإن اختلف بعضها من منطقة لأخرى، إلا أنه يدعمها التعليم والثقافة الموحدة، التي تشكل مكونًا رئيسًا من مكونات الثقافة الرئيسة للمجتمع، ومظهرًا عامًا يعبر عن سلوكيات جميع أفراده، وطريقة تنظيمهم لحياتهم الاجتماعية، فدائمًا ما نلحظ أن برامجنا الثقافية والاجتماعية حريصة على المحافظة على المكونات الرئيسة لثقافة المجتمع، وإن اختلفت مناطقيًا ما دامت تتوافق مع القيم الأساسية للمجتمع، ولهذا فإن الأنظمة والقواعد السائدة لا تسمح بالسخرية أو الاحتقار لأي منها.

وتعزز هذا التلاحم العدالة الاجتماعية، التي تنظر إلى جميع أفراد المجتمع سواسية في الحقوق والواجبات دون تفريق مناطقي أو عرقي، يؤطرهم مبدأ تكافؤ الفرص، والتوزيع المتوازن للتنمية الشاملة بجوانبها المختلفة، ثم تأتي التشريعات والأنظمة واللوائح المنظمة لحياة هذا المجتمع والمستمدّة من الأساس الأول، وهو الدين المتمثل في الشريعة الإسلامية. كما يعزز هذا التلاحم الوعي بالإرث الحضاري وما نتج من أحداث تاريخية مميزة للدولة السعودية، وحكامها، ومواطنيها، وقيام الدعوة الإصلاحية التجديدية، وبناء الدولة على الإسلام بما يحقق الاعتزاز بالتميز الحضاري التاريخي للمملكة، والجمع بين الأصالة والمعاصرة، والتأكيد على قيم العلم ومنجزاته، والقدرة على التغيير والتغير، التي هي الأساس لاستمرار محافظتنا على هويتنا الإسلامية والثقافية.

وهذه اللحمة الوطنية المتوارثة رسخها ما تقوم به قيادة هذه البلاد من اعتماد مبدأ صناعة الإنسان، فهو هدفها وغايتها، والأداة الفاعلة لتنفيذ برامجها ومشروعاتها. فالإنسان أساس أي بناء أو تقدم أو تطور، وهو السبيل الوحيد لانطلاقة البناء ورسوخه وتطويره، فالإنسان السعودي يحتل مكانة متميزة في فكر وعقل القيادة، فعمليات بنائه خير استثمار للمستقبل، وهو الأساس الذي يعزز من هذه اللحمة الوطنية والتلاحم الفريد.

ولهذا نجد أن خطط الدولة وفرت مناخًا مناسبًا للارتقاء ببناء المواطن تعليميًا وثقافيًا وعلميًا وعمليًا واجتماعيًا مع المحافظة على الأصالة التي يمثلها المجتمع السعودي، ما حقق الأثر الإيجابي في استمرار مسيرة البناء الحضاري، فمفهوم بناء الإنسان لا يقتصر على فرد دون آخر، أو على فئة دون غيرها، وإنما يتوزع على جميع أفراد المجتمع الذين ينبغي أن نرتقي بقدراتهم العلمية ومهاراتهم الفكرية ليصبحوا الدعامة الحقيقية لكثير من التجديدات والتعديلات التي يشهدها حاليًا وسيشهدها مستقبلاً مجتمعنا السعودي تحقيقًا لرؤية المملكة 2030 التي جاءت نابعة من إدراك القيادة لأهمية تحقيق الرفاهية والتقدم الحضاري لجميع المواطنين.. ولهذا نجد تركيزها ينصب على التوفيق بين القيم الحضارية والتاريخية للمجتمع، والتقدم الحضاري والتقني الذي يعيشه عالم اليوم، لينشأ مجتمع المملكة مجتمعًا متوازنًا يجمع بين الأصالة التي يعتز بها جميع أبنائه، والمعاصرة التي هي هدف من أهداف قيادته والإحساس الذاتي لأبنائه.

ولقد أدركت رؤية المملكة 2030 هذه الحقيقة، فوضعت في مقدم أولوياتها لبناء شعب سعودي طموح العناية بالشباب، وتوجيههم للرفع من إسهامهم في تنمية الوطن ليصبحوا قادرين على مواجهة تحديات الحاضر، ومستجدات المستقبل. وترتفع هذه الطموحات إذا أدركنا مدى التلاحم والولاء بين القيادة والشعب، الذين يعيشون معًا في بوتقة واحدة، يجمعهم الأمل للمستقبل المشرق لهذا الوطن.