العذروب… العذاريب محبرة وقلم

16-09-2018

مشعل عثمان السعيد

اليوم سنريحكم من اللغة العربية قليلاً، ونذهب إلى اللهجة الشعبية موقتا، عندما يرى الإنسان شيئا لا يعجبه يسميه عيباً، وفي الماضي كانوا يسمون العيب “العذروب” هو لا يرقى الى العيب بل اخف وطأ منه، ومثل ما يقولون في لهجتنا المحلية: اذرب من العيب، والعذروب مفرد والجمع منه: العذاريب، وربما جاء معنى كلمة عذروب على وجهين، الوجه الأول هو العيب أو ما دون العيب قليلاً، فمثلاً نقول: البنت هذي حلوة بس عذروبها القصر، فالمعنى هنا تحصيل حاصل فإذا قورن القصر ببقية محاسنها لا يشينها وانما يطغى جمالها على قصرها، ربما قالوا في جملة أخرى: الرجال هذا كامل والكامل وجه الله ما تنقد عليه بشي عذروبه اللي فيه مخباته موله، هنا استخدمنا عذروب كناية لشدة كرمه والكرم ليس عيباً فأصبحت مدحاً لا قدحاً، وإذا قيل: أقول لا تعذرب، فالمعنى هنا لا تذكر عيوبي، وعذروب وعيب تبدآن بحرف العين، ربما أتى معنى العذاريب بالخطأ والقصور والأمر غير المقبول، بقول الشعر في هذا الصدد:
الشيب ما هو عيب ولا هو بعذروب
الشيب يرفع راس من هو براسه
وكلمة عذروب مصدر تأتي بصيغة ماضي ومضارع وأمر كالتالي:
عذرب، يعذرب، والأخيرة بكسر الراء وقد حاولت جاهدا تقطيع كلمة العذروب لأصل الى شيء فوجدتها هكذا:
العذر+ وب، ولم أجد لها إلا معنى واحداً هو: العذر، وب، وكان الأصل: العذر وبه وبه، لم أجد غير هذا التفسير، وكأنه يقول عذراً هذه البضاعة من حالها وحالها إلا أن بها هذا العيب، كأنه يقول: عذرا وبها، وكلمة تعذروب مستخدمة في الحاضرة والبادية على حد سواء، فنقول للرجل عذروبه، ونقول للمرأة عذروبها اما الجماعة فنقول لهم عذروبهم أوعذاريبهم، ويقال: الجماعة هذولا ما فيهم عذروب أي لاعيب فيهم وهم كما يقال في اللغة العربية: كمل، وكلمة عذروب جاءت كثيراً في معنى الحسن والجمال والشيء اللافت مثل قول الشاعر الكبير جاسم شهاب رحمه الله:
عذروب خلي حسنة الفتان
يا زين خلي ومحلا عذروبه
هنا في هذا البيت أصبح العذروب شيئا جميلاً لا عيباً ولا شك ان الشاعر يجوز له ما لا يجوز لغيره، والعذروب الذي ذكره جاسم شهاب في البيت السابق جمالاً متناهياً وحسناً لافتاً للأنظار، يروى في الماضي ان أعداد الرجال يفوق أعداد النساء أضعافاً مضاعفة وقد أرسل رجل خطابه لتخطب له فتاة فذهبت الخطابة إلى أم الفتاة فأخبرتها ان الرجل راغب في ابنتها فسألتها عن أمور الرجل وحالته المادية فذكرت الخطابة أموراً كثيرة منها: رجال محترم مزيون طويل يترس العين، راعي طار وشاعر وشابوش عرضه وزكرتي بس:
لا بيت ولا سبيت (هذا عذروبه)، ردت أم البنت: لا بيت ولا سبيت!! وشاكبر منه هذا العذروب، بعينه وعلمه وسبيت اسم تصغير لسبت واسم سبت باللغة معناه: الراحة والسكون وترك العمل فيقال: سبت، يسبت، سبته، بمعنى استراحة وسكن، واليهود لا يعملون يوم السبت، وما دمت ذكرت لكم مثل: لا بيت ولا سبيت، فلا بد أن أوضح لكم شيئا وهو ان أصل المثل: سبيت ولا بيت وليس كما تقال في الماضي لا بيت ولا سبيت، وسبيت هذا درويش من الدراويش ليس له بيت وانما ينتقل من مكان الى مكان كحال الدراويش المريدين، والسائحين وبالعودة الى العذاريب نجد ان الشعراء في الماضي استخدموا هذه الكلمة كثيراً كما ذكرت لكم فهذا الشاعر يقول:
حنا بدو مكثرين العذاريب
وحنا هل الناموس يا جاهلينه
وهذا شاعر آخر يقول:
ماني مدور في رفيقي عذاريب
خابر خويي ما تجي منه زله
والأشهر قول أمير شعراء النبط، الأمير محمد بن أحمد السديري، رحمه الله:
اذا لحقني من رفيقي عذاريب
دورت له عذر (ن) سميت وعذرته
وهناك أيضا بيت شهير في هذا المعنى للأمير عبيدالعلي الرشيد يقول:
ربعي لقوا بي عقب شيبي عذاريب
بتسطير كذب مفسرين الحلامي
انتهى حديثي.
جف القلم ونشفت المحبرة، في أمان الله.
كاتب كويتي