الاستهلاك وصناعة النفايات غير الضرورية

12-04-2018

هالني ما رأيته في أحد البرامج التلفزيونية؛ حيث عرضت عائلة صغيرة مكونة من زوج ألماني وزوجة آسيوية طريقة حياتهما في بيتهما، ووسائل التسوق وحصولهما على حاجياتهما المنزلية. وقد بدأ التقرير المدهش بإظهار المذيع علبة زجاجية بحجم قبضة اليد أمام الكاميرا قائلاً: هذه العلبة هي التي جمعت فيها هذه العائلة نفاياتها خلال سنة. ما أدري عما في تلك العلبة، ولم تظهر الكاميرا محتوياتها بدقة، لكن تلك العائلة هي مثال مبهر للابتكار في طرق الحصول على الأشياء مع التفكير الدائم في عدم ترك مخلفات لاستخدامها، وهي لا تتخلى عن أي وسيلة لممارسة حياتها الطبيعية.

فكيف كانت تلك العائلة تتسوق، وتأخذ أغراضها من المحلات التجارية إلى المنزل، وكيف تشتري الأشياء دون محتوياتها البلاستيكية، التي لا بد أن تكون ضمن المخلفات المرعبة في نفايات المدن اليومية؟ في الواقع أن هذه العائلة ترتب أمورها بدقة من أجل التسوق والحصول على كل متطلباتها من محلات تبيع الأشياء من حاويات زجاجية كبيرة، يأخذ منها الزبون حاجته، ثم يتجه لوزنها ودفع ما تكلفه الكمية التي أخذها. فأظهر التقرير الأكياس القماشية التي تصطحبها العائلة معها من أجل التسوق، وتأخذ في بعضها الحبوب، وفي بعضها الآخر الفواكه والخضار. كما تصطحب معها علبًا زجاجية تأخذ فيها المنظفات والزيوت وبعض الحاجيات السائلة، أو التي تحتاج في حفظها إلى أغطية. أما الصابون فتشتري قطعًا غير معلبة من الصابون الطبيعي المصنّع لمحلات التجميل والعطارة المحلية، وأما الشعر فيُغسل ببعض عصائر وزيوت طبيعية، تختار منها ما لا يسبب رائحة في الشعر أو لزوجة أو تأثيرًا سلبيًا في الشعر.

وفي التقرير كانت البيانات مرعبة لمعدي تلك المادة الإعلامية ومقدميها، من كون معدل نفايات الفرد الألماني قرابة 600 كيلوجرام سنويًا، مقارنة بهذه العلبة من النفايات لتلك العائلة المثالية، التي قد تصل إلى 300 جرام فقط في السنة (أي أن المعدل يفوقها بقرابة ألفي ضعف). لكن الذي أدهشني هو كمية إعادة التدوير في الصناعات القائمة على تلك المخلفات، التي تقوم بها البلدان الأوروبية، وألمانيا على رأس تلك البلدان تقدمًا في هذه الصناعة، إضافة إلى ما نراه في الشوارع والمراكز والمحطات والمطارات من وجود حاويات مختلفة لكل نوع من النفايات، مما يدل على عناية كبيرة بعدم رميها وحرقها مما يدمر البيئة والهواء ودورة الحياة. بل إن بعض المنتجات الخطرة مثل البطاريات الصغيرة لا ترمى مطلقًا مع النفايات المعتادة، حيث تكون الحاويات المعدة لها محكمة نتيجة لخطورة محتوياتها. وقد نشأت في الغرب صناعات قائمة على استخلاص الطاقة من تلك النفايات حسب مكوناتها، علاوة على إعادة تدوير المواد الأولية القابلة للتدوير كالبلاستيك والمطاط في إعادة صناعة الإطارات والألمنيوم وغيرها من المواد، التي أصبحت مدار تنافس بين الأوروبيين من جهة، والصينيين والروس من جهة أخرى.

فماذا كان سيقول معدو هذا التقرير، لو كانوا يقارنون وضع تلك العائلة المثالية مع أوضاعنا في شرقنا العربي؟ حيث يأخذ أحدنا كميات من البلاستيك مع كل قطعة يشتريها، ونرى في حالات كثيرة كيف يأخذ المستهلك ما بداخل البلاستيك عندما يركب سيارته، ثم يرمي الكيس في الشارع. ويكاد يكون منظر محلات الترفيه لدينا في الحدائق وحتى البراري أماكن مفزعة لانتشار تلك الأكياس فيها بكثافة.