عطا السيد الشعراوي - الانسحاب من الجنائية الدولية

31-10-2016

ستة على ستة

أعلنت دولة جنوب أفريقيا أنها بدأت إجراءات انسحابها رسميًا من المحكمة الجنائية الدولية، لتنتقل بذلك من حالة الكلام والانتقادات التي نكتفي بها في الغالب عند حديثنا عن كثير من المنظمات الدولية التي يفترض فيها تحقيق العدالة العالمية والالتزام بالمهنية والموضوعية إلى حالة رد الفعل العملي المعبر عن الرفض لهذه السياسة وعدم الانصياع لها ومحاولة تغييرها لتكون على قدر معقول ومقبول من التوزان في مراعاة مصالح جميع الدول دون تمييز، فأرادت بانسحابها توجيه رسالة للمحكمة لكي تقوم بإصلاح نفسها قبل فوات الأوان وقبل أن يفقد المجتمع الدولي ثقته فيها وفي قضاتها.
دولة جنوب أفريقيا كانت واضحة مع نفسها ولم تقبل أن تظل تكيل الاتهامات للجنائية الدولية بعدم النزاهة أو الاستقلالية، وفي نفس الوقت تستمر في العضوية بها، خصوصا بعد أن بات واضحًا لها عدم القدرة على الوفاء بمتطلبات هذه العضوية، بعد أن رفضت حكومتها في يونيو من عام 2015 توقيف الرئيس السوداني عمر البشير أثناء حضوره مؤتمر القمة الأفريقية ففضلت الالتزام بحماية ضيوفها من الرؤساء وعدم الاستجابة لطلب المحكمة بتوقيف الرئيس عمر البشير، وهو الأمر الذي يعد مخالفة لقانون المحكمة الجنائية رغم أن جنوب أفريقيا تستند في هذا التصرف إلى مبدأ حصانة الرؤساء.
بطبيعة الحال، هناك من ينتقد جنوب أفريقيا على الخروج من الجنائية الدولية، وينظر إلى الأمر بأنه انتكاسة لحقوق الإنسان من دولة مهمة وذات تجربة ناجحة في مجال الحقوق والحريات، وأنها أعلت من مصالحها الدبلوماسية على حساب اعتبارات العدالة.
بل إن هناك من يدفع بعدم قانونية ما قامت به جنوب أفريقيا على اعتبار أنه يخالف الدستور لأنه تم من دون الحصول أولا على قرار من البرلمان يجيز الانسحاب من المحكمة الجنائية الدولية، وستكون هناك كلمة فصل من المحكمة الدستورية في هذا الموضوع، وعلى كل حال، فإن رد فعل جنوب أفريقيا سيشجع دولا أخرى على السير في طريق الانسحاب من المحكمة الجنائية الدولية، خصوصا أنها كانت من أوائل الدول الموقعة على معاهدة روما المؤسسة لهذه المحكمة وهو ما سيحدث تآكلاً في شرعية ومصداقية المحكمة الجنائية.
ما يقال عن المحكمة الجنائية الدولية يقال عن منظمات دولية كثيرة تعمل في ميادين مختلفة تتعلق بالدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان ومع ذلك تقع في مخالفات لهذه المبادئ التي تدافع عنها، وما فعلته جنوب أفريقيا مع المحكمة الجنائية هو ذاته ما يجب أن تفعله دول عربية وإسلامية كثيرة مع هذه المنظمات الدولية التي تحمل أجندات خاصة أو تعمل وفق توجهات دول بعينها حتى لا نكون نحن من يساهم في استمرار هذه المنظمات بما تفرضه علينا من التزامات مالية، وحتى لا نظل ضحية لها.