غسان الشهابي - “دروب المستقبليات”

27-10-2016

ذرائع

فيما الكثير من الناس غارقون في الماضي والتاريخ، لا من أجل الاستفادة منه، أو تجنب ويلاته، ولكن من أجل العيش فيه، والتمرّغ في أحداثه التي لا يمكن تغيير نتائجها؛ فإن الكثير من المؤسسات السياسية والاقتصادية وغيرها، تعمل ليلا ونهارا من أجل الدراسات المستقبلية، وذلك ببناء سيناريوهات العيش في المستقبل انطلاقاً من اليوم، حتى يمكنها تشييد البناء الخاص بالغد عن طريق معطيات اليوم.
وظهرت، في أوقات متقاربة جداً، رؤى لعدة دول من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، تتطلع من خلالها إلى ما تريد أن تكون عليه بعد عقدين ونيّف من تاريخ إطلاق هذه الرؤى.
فقد أطلقت دولة الإمارات في 2010 رؤيتها للعام 2021، حينما يكون عمر الدولة قد بلغ الخمسين لتكون في مصاف أفضل دول العالم.
وسبقتها قطر لتطلق في يوليو 2008 “رؤية قطر الوطنية 2030” معتمدة على: التنمية الاقتصادية، والتنمية الاجتماعية، والتنمية البشرية، والتنمية البيئية.
وفي أكتوبر من العام نفسه، أطلقت رؤية البحرين الاقتصادية 2030، مرتكزة على “الحاجة إلى إصلاحات متكاملة، بوضع رؤية اقتصادية متكاملة ومنسَّقة لمملكة البحرين. قائمة على: الاستدامة والتنافسية والعدالة.  ويتمثل الهدف الرئيسي للرؤية في زيادة دخل الأسرة الحقيقي إلى أكثر من الضعف بحلول العام 2030”.
فيما استمرت سلطنة عمان في طرح رؤاها الاستراتيجية باكراً، حيث جرى طرح الرؤية الأولى في الذكرى 25 لتولي السلطان قابوس بن سعيد، الحكم، وكانت الرؤية لربع قرن آتٍ، ممتدة إلى 2020، إلا أنه جرى التنادي لإعادة النظر مجدداً في هذه الرؤية في 2013 لتعاد صياغتها لتمتد إلى 2040، ولا تزال تحت الدرس والتنقيح. وكذلك فعلت دولة الكويت إذ انها تتحدث عن رؤية تفيد بالتحول إلى مركز مالي وتجاري على المستوى الإقليمي في العام 2035.
كل ما تقدم يعتبر من الأمور الرائعة، التي وإن تأخرت، فإنها أفضل من ألا تأتي بتاتاً، إلا أنه من الضروري ألا تضل الدروب من تحت الأقدام والمستقبل يتنكّب الطريق، والأعمار لا تحتمل العودة من البداية في كل مرة، فلا أحد ينتظر، والإخفاق في تلمس الطريق يكلف الأمم والشعوب ما لا يمكن تقديره بثمن، ويُبعدها عن القدرة على المنافسة لعقود طويلة.
ولوضوح المستقبل لابد من وضوح الحاضر، والعمل على التعامل معه من دون مواربة أو مجاملة، وتعديل المسارات الحالية بالقوة إن استدعى الأمر، لأن السكوت عن انحراف بسيط اليوم عن الدرب، سيغدو درباً آخر بعد عقدين من الزمان. لا خير فينا إن لم تعلمنا تجارب الأمس، أن النعمة زوّالة، والبحبوحة لا تدوم، والبكاء من بعد الضحك أكثر إيلاماً من الضحك بعد البكاء، فلنبدأ اليوم في تعديل المسارات حتى لا نصحو من غفلتنا ونرى أنفسنا في واد ليس ذي زرع.