تخصيص خدمات الأحياء

جريدة الرياض
27-03-2024

من بين أحد أبرز وأهم برامج رؤية السعودية 2030 ذات الطابع الاقتصادي والتنموي، برنامج التخصيص الذي أطلق في عام 2018، ليُعني وفقاً لمستهدفه الأساسي دعم نمو الاقتصاد الوطني، وتعزيز دور القطاع الخاص في التنمية، من خلال تحديد الأصول والخدمات والموارد الحكومية القابلة للتخصيص في عدد من القطاعات والأنشطة الاقتصادية بهدف تحسين جودة وكفاءة الخدمات المقدمة للعامة، وتخفيض تكلفتها على الأفراد والشركات.

كما ويسعى البرنامج أيضاً إلى تعزيز دور القطاع الخاص في تقديم الخدمات الأساسية، والتحسين من جودتها والرفع من كفاءة تشغيل الأصول بشكل عام، بما يسهم في التقليل من تكاليفها على الدولة، بحيث يكون تركيز جهود الدولة على الدور التشريعي والتنظيمي والرقابي وأيضاً التشجيع على الابتكار لدى القطاع الخاص بما يتوافق مع أهداف رؤية السعودية 2030 في تحقيق التنوع الاقتصادي وتعزيز القدرة التنافسية للمملكة العربية السعودية.

وكنقطة انطلاقة للبرنامج فهو يستهدف من تخصيص تلك القطاعات وغيرها، تحقيق 62 مليار ريال استثمارات شراكة بين القطاعين العام والخاص، و14 مليار على شكل قيمة مالية نتيجة للرفع من كفاءة الإنفاق الحكومي لعمليات الشراكة وتحقيق 143 مليار كقيمة للإيرادات الحكومية غير النفطية، وأخيراً خلق الآلاف من الوظائف للمواطنين.

وقد حققت الدولة نجاحات مبهرة بالعديد من المجالات التي شملها التخصيص، والتي لعل من بين أبرزها قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات بالرفع من مستوى جودة أداء القطاع في جميع أنحاء المملكة، وتعزيز المنافسة العادلة بين شركات الاتصالات وخلق العديد من الوظائف للمواطنين من الجنسين.

ولعلي أضرب مثلاً آخراً نجح برنامج التخصيص في تحقيقه، وهو مطار الأمير محمد بن عبدالعزيز الدولي بالمدينة المنورة، الذي يُعد أول مطار في المملكة يتم بناؤه وتشغيله بالكامل عن طريق القطاع الخاص وفقاً لأسلوب البناء وإعادة الملكية والتشغيل بنظام BTO منذ منتصف العام 2012، مما نتج عنه تبوؤه للمركز 52 ضمن قائمة أفضل 100 مطار في العالم.

نتيجة لتلك النجاحات المتتابعة والمتلاحقة لبرنامج التخصيص، فإنني أتطلع إلى خصخصة كافة الخدمات العامة والأساسية المرتبطة بالأحياء، بإسناد تشغيلها للقطاع الخاص، من كهرباء ومياه وشبكات للصرف الصحي ونقل النفايات وتشجير الحي وسفلتة شوارعه وطرقه وتوفير مواقف لسيارات ساكني الحي وزائريهم، بحيث يضمن قاطنو الحي الحصول والتمتع بمستوى عالٍ جداً من جودة الخدمات العامة المقدمة، وبحيث أيضاً يُمكنهم من محاسبة الشركات المقدمة للخدمات في حال ثُبوت أي قصور يذكر، بحيث يصبح دور الأجهزة الحكومية منحصراً في الرقابة وإصدار التشريعات والأنظمة التي تضمن عادلة وجودة خدمات الحي المقدمة لقاطنيه بأسعار منافسة وعادلة.

برأيي أن مثل هذا التوجه في توفير وتقديم الخدمات للأحياء من قبل القطاع الخاص، سيكون محفزاً للشركات وللمنشآت العاملة بالقطاع الخاص على الابتكار والتحديث والتطوير لخدمات الأحياء، بحيث تصبح أكثر تطوراً مما هو عليه واقع الحال اليوم.

فمثلاً يمكن ابتكار طريقة للتخلص من النفايات بطريقة حديثة ومتطورة مقارنة بالطريقة التقليدية الحالية التي يتم من خلالها التخلص من النفايات برميها بالصناديق المنتشرة بالأحياء، بالتأسيس مثلاً لشبكة ولبنية تحتية تحت الأرض يتم من خلالها وبواسطتها التخلص من النفايات ومعالجتها، بما في ذلك إيصالها للمكبات الخاصة بها وإعادة تدويرها.

كما ويمكن ابتكار ما يعرف بنظام مراقب الحي neighborhood watch الذي هو مطبق بدول متقدمة على مستوى العالم كالولايات المتحدة الأميركية، والذي يَهدف وكما وصفته ويكيبيديا إلى مراقبة الأحياء وتثقيف سكان المجتمع حول الأمن والسلامة بغية الوصول إلى إيجاد أحياء آمنة ومأمونة، إضافة إلى تشجيع ساكني الحي على إبلاغ السلطات المعنية عند الاشتباه في أي نشاط إجرامي بالحي.

أخيراً وليس آخراً، يُمكن لشركات القطاع الخاص تطوير الحي، بحيث يتحول إلى حي ذكي وصديق Friendly community and smart neighborhood بتزويد الحي بشبكة واي فاي وحدائق وملاعب للأطفال ونوادي رياضية واجتماعية وأسوق صغيرة.

إن مثل هذا الاقتراح إلى جانب أنه سيحسن من الخدمات العامة والأساسية المقدمة بالأحياء، إلا أنه سيسهم برأيي في الرفع من مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي غير النفطي من 40 % إلى 65 % بحلول عام 2030 وفي خلق الآلاف من الوظائف للمواطنين من الجنسين وخفض معدل البطالة بين السعوديين وصولاً إلى المعدل المستهدف 7 %.