مشكل إعراب القرآن

16 - تَفْسِير سُورَة النَّحْل

قَوْله تَعَالَى {أَتَى أَمر الله} هُوَ بِمَعْنى يَأْتِي أَمر الله وَحسن لفظ الْمَاضِي فِي مَوضِع الْمُسْتَقْبل لصدق اتيان الْأَمر فَصَارَ فِي أَنه لابد أَن يَأْتِي بِمَنْزِلَة مَا قد مضى وَكَانَ فَحسن الْإِخْبَار عَنهُ بالماضي وَأكْثر مَا يكون هَذَا فِيمَا يخبرنا الله جلّ ذكره بِهِ أَنه يكون فلصحة وُقُوعه وَصدق الْمخبر بِهِ صَار كَأَنَّهُ شَيْء قد كَانَ

قَوْله {أَن أنذروا} أَن فِي مَوضِع خفض على الْبَدَل من الرّوح وَالروح هُنَا الْوَحْي أَو فِي مَوضِع نصب على حذف الْخَافِض أَي بِأَن أنذروا

قَوْله {وزينة} نصب على إِضْمَار فعل أَي وَجَعَلنَا زِينَة وَقيل هُوَ مفعول من أَجله أَي وللزينة

قَوْله {أَن تميد بكم} أَن فِي مَوضِع نصب مفعول من أَجله وَقيل تَقْدِيره كَرَاهَة أَن تميد وَقيل مَعْنَاهُ لِئَلَّا تميد

قَوْله {مَاذَا أنزل ربكُم} مَا فِي مَوضِع رفع بِالِابْتِدَاءِ وَهِي اسْتِفْهَام مَعْنَاهُ التَّقْرِير وَذَا بِمَعْنى الَّذِي وَهُوَ خبر مَا وَأنزل ربكُم صلَة ذَا وَمَعَ أنزل هَاء محذوفة تعود على ذَا تَقْدِيره مَا الَّذِي أنزلهُ ربكُم وَلما كَانَ السُّؤَال مَرْفُوعا جرى الْجَواب على ذَلِك فَرفع أساطير الْأَوَّلين على الِابْتِدَاء وَالْخَبَر أَيْضا تَقْدِيره قَالُوا هُوَ أساطير الْأَوَّلين وَأما الثَّانِي فَمَا وَذَا اسْم وَاحِد فِي مَوضِع نصب بأنزل وَمَا اسْتِفْهَام أَيْضا وَلما كَانَ السُّؤَال مَنْصُوبًا جرى الْجَواب على ذَلِك فَقَالَ قَالُوا خيرا أَي أنزل خيرا

قَوْله {طيبين} حَال من الْهَاء وَالْمِيم فِي تتوفاهم

قَوْله {كن فَيكون} قَرَأَهُ ابْن عَامر وَالْكسَائِيّ بِنصب فَيكون عطفا على أَن تَقول وَمن رَفعه قطعه مِمَّا قبله أَي فَهُوَ يكون وَمَا بعد الْفَاء يسْتَأْنف وَيبعد النصب فِيهِ على جَوَاب كن لِأَن لَفظه لفظ الْأَمر وَمَعْنَاهُ الْإِخْبَار عَن قدرَة الله إِذْ لَيْسَ ثمَّ مَأْمُور بِأَن يفعل شَيْئا فَالْمَعْنى فَإِنَّمَا نقُول لَهُ كن فَهُوَ يكون وَمثله فِي لفظ الْأَمر وَلَيْسَ بِأَمْر قَوْله تَعَالَى أسمع بِهِ وَأبْصر لَفظه لفظ الْأَمر وَمَعْنَاهُ التَّعَجُّب فَلَمَّا كَانَ معنى كن الْخَبَر بعد أَن يكون فَيكون جَوَابا لَهُ فينصب على ذَلِك وَيبعد أَيْضا من جِهَة أُخْرَى وَذَلِكَ أَن جَوَاب الْأَمر إِنَّمَا جزم لِأَنَّهُ فِي معنى الشَّرْط فَإِذا قلت قُم أكرمك جزمت الْجَواب لِأَنَّهُ بِمَعْنى أَن تقم فأكرمك وَكَذَلِكَ إِذا قلت قُم فأكرمك إِنَّمَا نصبت لِأَنَّهُ فِي معنى ان تقم فأكرمك وَهَذَا إِنَّمَا يكون أبدا فِي فعلين مختلفي اللَّفْظ ومختلفي الفاعلين فَإِن اتفقَا فِي اللَّفْظ وَالْفَاعِل وَاحِد لم يجز لِأَنَّهُ لَا معنى لَهُ لَو قلت قُم تقم وقم فتقوم واخرج فَتخرج لم يكن لَهُ معنى كَمَا أَنَّك لَو قلت إِن تخرج تخرج وان تقم فتقوم لم يكن لَهُ معنى لِاتِّفَاق الْفِعْلَيْنِ والفاعلين وَكَذَلِكَ كن فَيكون لما اتّفق لفظ الْفِعْلَيْنِ والفاعلان وَاحِد لم يحسن أَن يكون فَيكون جَوَابا للْأولِ وَالنّصب على الْجَواب إِنَّمَا يجوز على بعد على التَّشْبِيه فِي كن بِالْأَمر الصَّحِيح وعَلى التَّشْبِيه بالفعلين الْمُخْتَلِفين وَقد أجَاز الْأَخْفَش فِي قَوْله تَعَالَى قل لعبادي الَّذين آمنُوا يقيموا أَن يكون يقيموا جَوَابا لقل وَلَيْسَ هُوَ بِجَوَاب لَهُ على الْحَقِيقَة لِأَن أَمر الله تَعَالَى لنَبيه عَلَيْهِ السَّلَام بالْقَوْل لَيْسَ فِيهِ بَيَان الْأَمر لَهُم بِأَن يقيموا الصَّلَاة حَتَّى يَقُول لَهُم أقِيمُوا الصَّلَاة فنصب فَيكون على جَوَاب كن إِنَّمَا يجوز على التَّشْبِيه على مَا ذكرنَا وَهُوَ بعيد لفساد الْمَعْنى وَقد أجَازه الزّجاج وعَلى ذَلِك قَرَأَ ابْن عَامر بِالنّصب فِي سُورَة الْبَقَرَة وَفِي آل عمرَان وَفِي غَافِر فَأَما فِي هَذِه السُّورَة وَفِي يس فالنصب حسن على الْعَطف على نقُول لِأَن قبله أَن

قَوْله {الَّذين صَبَرُوا} الَّذين فِي مَوضِع رفع على الْبَدَل من الَّذين هَاجرُوا أَو فِي مَوضِع نصب على الْبَدَل من الْهَاء وَالْمِيم فِي لنبوئنهم أَو على إِضْمَار أَعنِي

قَوْله {إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ} اثْنَيْنِ تَأْكِيد بِمَنْزِلَة وَاحِد فِي قَوْله تَعَالَى إِنَّمَا الله اله وَاحِد

قَوْله {الدّين واصبا} نصب على الْحَال

قَوْله {وَلَهُم مَا يشتهون} مَا رفع بِالِابْتِدَاءِ وَلَهُم الْخَبَر وَأَجَازَ الْفراء أَن تكون مَا فِي مَوضِع نصب على تَقْدِير ويجعلون لَهُم مَا يشتهون وَلَا يجوز هَذَا عِنْد الْبَصرِيين كَمَا لَا يجوز جعلت لي طَعَاما إِنَّمَا يجوز جعلت لنَفْسي طَعَاما فَلَو كَانَ لفظ الْقُرْآن ولأنفسهم مَا يشتهون جَازَ مَا قَالَ الْفراء عِنْد الْبَصرِيين وَهَذَا أصل يحْتَاج إِلَى تَعْلِيل وَبسط كثير

قَوْله {ظلّ وَجهه مسودا} وَجهه اسْم ظلّ ومسودا الْخَبَر وَيجوز فِي الْكَلَام أَن تضمر فِي ظلّ اسْمهَا وترفع وَجهه ومسودا على الِابْتِدَاء وَالْخَبَر وَالْجُمْلَة خبر ظلّ

قَوْله {وتصف ألسنتهم الْكَذِب} اللِّسَان يذكر وَيُؤَنث فَمن أنثه قَالَ فِي جمعه ألسن وَمن ذكره قَالَ فِي جمعه أَلْسِنَة وَبِذَلِك أَتَى الْقُرْآن وَالْكذب مَنْصُوب بتصف وَأَن لَهُم بدل من الْكَذِب بدل الشَّيْء من الشَّيْء وَهُوَ هُوَ وَقد قرىء الْكَذِب بِثَلَاث ضمات على أَنه نعت للألسنة وَهُوَ جمع كَاذِب وتنصب أَن لَهُم بتصف

قَوْله {لَا جرم أَن لَهُم النَّار} أَن فِي مَوضِع رفع بجرم بِمَعْنى وَجب ذَلِك لَهُم وَقيل هِيَ فِي مَوضِع نصب بِمَعْنى كسبهم أَن لَهُم النَّار وأصل معنى جرم كسب وَمِنْه المجرمون أَي الكاسبون الذُّنُوب

قَوْله {وَهدى وَرَحْمَة} مفعولان من أجلهما

قَوْله {مِمَّا فِي بطونه} الْهَاء تعود على الْأَنْعَام لِأَنَّهَا تذكر وتؤنث يُقَال هُوَ الْأَنْعَام وَهِي الْأَنْعَام فَجرى هَذَا الْحَرْف على لُغَة من يذكر وَالَّذِي فِي سُورَة الْمُؤمنِينَ على لُغَة من يؤنث حُكيَ هَذَا عَن يُونُس بن حبيب الْبَصْرِيّ وَجَوَاب ثَان وَهُوَ أَن الْهَاء فِي بطونه تعود على الْبَعْض لِأَن من فِي قَوْله مِمَّا فِي بطونه دلّت على التَّبْعِيض وَهُوَ الَّذِي لَهُ لبن مِنْهَا فتقديره مِمَّا فِي بطُون الْبَعْض الَّذِي لَهُ لبن وَلَيْسَ لكلها لبن وَهُوَ قَول أبي عُبَيْدَة وَجَوَاب ثَالِث وَهُوَ أَن الْهَاء فِي بطونه تعود على الْمَذْكُور تَقْدِيره نسقيكم مِمَّا فِي بطُون الْمَذْكُور وَجَوَاب رَابِع وَهُوَ أَن الْهَاء تعود على النعم لِأَن الْأَنْعَام وَالنعَم سَوَاء فِي الْمَعْنى وَجَوَاب خَامِس وَهُوَ أَن الْهَاء تعود على وَاحِد الْأَنْعَام وواحدها نعم وَالنعَم مُذَكّر وَالنعَم وَاحِد الْأَنْعَام وَالْعرب تصرف الضَّمِير إِلَى الْوَاحِد وان كَانَ لفظ الْجمع قد تقدم قَالَ الشَّاعِر وَهُوَ الْأَعْشَى ... فَإِن تعهديني ولي لمة ... فَإِن الْحَوَادِث أودى بهَا ...فَقَالَ بهَا فَرد الضَّمِير فِي أودى على الْحدثَان أَو على الْحَادِث وَذكر لِأَنَّهُ لَا مُذَكّر لَهَا من لَفظهَا وَجَوَاب سادس وَهُوَ أَن الْهَاء تعود على الذُّكُور خَاصَّة حُكيَ هَذَا القَوْل عَن إِسْمَاعِيل القَاضِي وَدلّ ذَلِك أَن اللَّبن للفحل فَشرب اللَّبن من الْإِنَاث وَاللَّبن للفحل فَرجع الضَّمِير عَلَيْهِ وَاسْتدلَّ بِهَذَا على أَن اللَّبن فِي الرَّضَاع للفحلوَالْهَاء فِي

قَوْله {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ} تعود على وَاحِد الثمرات الْمُتَقَدّمَة الذّكر فَهِيَ تعود على الثَّمر كَمَا عَادَتْ الْهَاء فِي بطونه على وَاحِد الْأَنْعَام وَهُوَ النعم وَقيل بل تعود على مَا المضمرة لِأَن التَّقْدِير وَمن ثَمَرَات النخيل وَالْأَعْنَاب مَا تَتَّخِذُونَ مِنْهُ فالهاء مَا ودلت من عَلَيْهَا وَجَاز حذف مَا كَمَا جَازَ حذف من فِي قَوْله تَعَالَى وَمَا منا إِلَّا لَهُ مقَام مَعْلُوم أَي إِلَّا من لَهُ مقَام فحذفت من لدلَالَة من عَلَيْهَا فِي قَوْله وَمَا منا وَقيل الْهَاء فِي مِنْهُ تعود على الْمَذْكُور كَأَنَّهُ قَالَ تَتَّخِذُونَ من الْمَذْكُور سكراوَالْهَاء فِي

قَوْله {فِيهِ شِفَاء للنَّاس} تعود على الشَّرَاب الَّذِي هُوَ الْعَسَل وَقيل بل تعود على الْقُرْآن

قَوْله {مَا لَا يملك لَهُم رزقا من السَّمَاوَات وَالْأَرْض شَيْئا} انتصب شَيْء على الْبَدَل من رزق وَهُوَ عِنْد الْكُوفِيّين مَنْصُوب برزق والرزق عِنْد الْبَصرِيين اسْم لَيْسَ بمصدر فَلَا يعْمل إِلَّا فِي شعر

قَوْله {بعد توكيدها} هَذِه الْوَاو فِي التوكيد هِيَ الأَصْل وَيجوز أَن تبدل مِنْهَا همزَة فَتَقول تَأْكِيد وَلَا يحسن أَن يُقَال الْوَاو بدل من الْهمزَة كَمَا لَا يحسن ذَلِك فِي أحد إِذْ أَصله وحد فالهمزة بدل من الْوَاو

قَوْله {أنكاثا} نصب على الْمصدر وَالْعَامِل فِيهِ نقضت لِأَنَّهُ بِمَعْنى نكثت نَكثا فأنكاث جمع نكث قَالَ الزّجاج أنكاثا نصب لِأَنَّهُ فِي معنى الْمصدر

قَوْله {دخلا} مفعول من أَجله

قَوْله {أَن تكون أمة} أَن فِي مَوضِع نصب على حذف الْخَافِض تَقْدِيره بِأَن تكون أَو لِأَن تكون

قَوْله {هِيَ أربى من أمة} هِيَ مُبْتَدأ وأربى فِي مَوضِع رفع خبر هِيَ وَالْجُمْلَة خبر كَانَ وَأَجَازَ الْكُوفِيُّونَ أَن تكون هِيَ فاصلة لَا مَوضِع لَهَا من الْإِعْرَاب وأربى فِي مَوضِع نصب خبر كَانَ وَهُوَ قِيَاس قَول الْبَصرِيين لأَنهم أَجَازُوا أَن تكون هِيَ وَهُوَ وَأَنا وَأَنت وَشبه ذَلِك فواصل لَا مَوضِع لَهَا من الْإِعْرَاب مَعَ كَانَ وَأَخَوَاتهَا وان وَأَخَوَاتهَا وَالظَّن وأخواته إِذا كَانَ بعدهن معرفَة أَو مَا قرب من الْمعرفَة وأربى من أمة هُوَ مِمَّا يقرب من الْمعرفَة لملازمة من لأَفْعَل ولطول الِاسْم لِأَن من وَمَا بعْدهَا من تَمام أفعل وَإِنَّمَا فرق البصريون فِي هَذِه الْآيَة وَلم يجيزوا أَن تكون هِيَ فاصلة لِأَن اسْم كَانَ نكرَة فَلَو كَانَ معرفَة لحسن وَجَازوَالْهَاء فِي {يبلوكم الله بِهِ} ترجع على الْعَهْد وَقيل ترجع على الْكَثْرَة وَالتَّكَاثُر

قَوْله {من كفر بِاللَّه} من فِي مَوضِع رفع بدل من الْكَاذِبين

قَوْله {إِلَّا من أكره} من نصب على الِاسْتِثْنَاءوَالْهَاء فِي

قَوْله {إِنَّه لَيْسَ لَهُ سُلْطَان} تعود على الشَّيْطَان لَعنه الله وَقيل للْحَدِيث وَالْخَبَروَالْهَاء فِي

قَوْله {هم بِهِ مشركون} تعود على الله جلّ ذكره وَقيل على الشَّيْطَان على معنى هم من أَجله مشركون بِاللَّه

قَوْله {وَلَكِن من شرح بالْكفْر صَدرا} من مُبْتَدأ وفعليهم الْخَبَر

قَوْله {لما تصف أَلْسِنَتكُم الْكَذِب} الْكَذِب نصب بتصف وَمَا وتصف مصدر وَمن رفع الْكَذِب وَضم الْكَاف والذال جعله نعتا للألسنة وَقَرَأَ الْحسن وَطَلْحَة وَمعمر الْكَذِب بالخفض وَفتح الْكَاف جَعَلُوهُ نعتا لما أَو بَدَلا مِنْهَا

قَوْله {أَن اتبع مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفا} حَنِيفا حَال من الْمُضمر الْمَرْفُوع فِي اتبع وَلَا يحسن أَن يكون حَالا من إِبْرَاهِيم لِأَنَّهُ مُضَاف إِلَيْهِ وَمعنى حَنِيفا مائلا عَن كل الْأَدْيَان إِلَى دين إِبْرَاهِيم وأصل الحنف الْميل وَمِنْه الْأَحْنَف

قَوْله {وَلَا تحزن عَلَيْهِم} الْهَاء وَالْمِيم تعودان على الْكفَّار أَي لَا تحزن على تخلفهم عَن الْإِيمَان وَدلّ على ذَلِك قَوْله يمكرون وَقيل الضَّمِير للشهداء الَّذين نزل فيهم وَإِن عَاقَبْتُمْ إِلَى آخر السُّورَة أَي لَا تحزن على قتل الْكفَّار اياهم والضيق بِالْفَتْح الْمصدر وبالكسر الِاسْم وَحكى الْكُوفِيُّونَ أَن الضّيق بِالْفَتْح يكون فِي الْقلب والصدر وبالكسر يكون فِي الثَّوْب وَفِي الدَّار وَنَحْو ذَلِك بِسم الله الرَّحْمَن