مشكل إعراب القرآن

14 - تَفْسِير سُورَة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام

قَوْله تَعَالَى {كتاب أَنزَلْنَاهُ} كتاب رفع على إِضْمَار مُبْتَدأ أَي هَذَا كتاب وأنزلناه فِي مَوضِع النَّعْت للْكتاب

قَوْله {عوجا} مصدر فِي مَوضِع الْحَال وَقَالَ عَليّ بن سُلَيْمَان هُوَ مفعول بيبغون وَاللَّام محذوفة من الْمَفْعُول الأول تَقْدِيره ويبغون لَهَا عوجا

قَوْله {فيضل الله} رفع فيضل لِأَنَّهُ مُسْتَأْنف وَيبعد عطفه على مَا قبله لِأَنَّهُ يصير الْمَعْنى أَن الرَّسُول إِنَّمَا أرْسلهُ الله ليضل وَالرَّسُول لم يُرْسل للضلال إِنَّمَا أرسل للْبَيَان وَقد أجَاز الزّجاج نَصبه على أَن تحمله على مثل قَوْله تَعَالَى ليَكُون لَهُم عدوا وحزنا لِأَنَّهُ لما آل أَمرهم إِلَى الضلال مَعَ بَيَان الرَّسُول لَهُم صَار كَأَنَّهُ إِنَّمَا أرسل لذَلِك

قَوْله {أَن أخرج قَوْمك} أَن فِي مَوضِع نصب تَقْدِيره بِأَن أخرج وَقيل هِيَ لَا مَوضِع لَهَا من الْإِعْرَاب بِمَعْنى أَي الَّتِي تكون للتفسير

قَوْله {ويذبحون} إِنَّمَا زيدت بِالْوَاو لتدل على أَن الثَّانِي غير الأول وَحذف الْوَاو فِي غير هَذَا الْموضع إِنَّمَا هُوَ على الْبَدَل فَالثَّانِي بعض الأول

قَوْله {وَمَا كَانَ لنا أَن نأتيكم} أَن فِي مَوضِع رفع لِأَنَّهَا اسْم كَانَ وبأذن الله الْخَبَر وَيجوز أَن يكون لنا الْخَبَر وَالْأول أحسن

قَوْله {وَمَا لنا أَلا نتوكل على الله} أَن فِي مَوضِع نصب على حذف الْجَار تَقْدِيره وَمَا لنا فِي أَن لَا نتوكل على الله وَمَا اسْتِفْهَام فِي مَوضِع رفع بِالِابْتِدَاءِ وَلنَا الْخَبَر وَمَا بعد لنا فِي مَوضِع الْحَال كَمَا تَقول مَالك قَائِما وَمَالك فِي أَن لَا تقوم

قَوْله {وَمن وَرَائه عَذَاب} أَي من قدامه وَقيل تَقْدِيره وَمن وَرَاء مَا يعذب بِهِ عَذَاب غليظ فالهاء على القَوْل الأول تعود على الْكَافِر وَفِي القَوْل الثَّانِي تعود على الْعَذَاب

قَوْله {مثل الَّذين كفرُوا} مثل رفع بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر مَحْذُوف تَقْدِيره عِنْد سِيبَوَيْهٍ وَفِيمَا يقص عَلَيْكُم مثل الَّذين كفرُوا وَقَالَ الْكسَائي كرماد الْخَبَر على حذف مُضَاف تَقْدِيره مثل أَعمال الَّذين كفرُوا مثل رماد هَذِه صفته وَقيل أَعْمَالهم بدل من مثل وكرماد الْخَبَر وَقيل أَعْمَالهم ابْتِدَاء ثَان وكرماد خَبره وَالْجُمْلَة خبر عَن مثل وَلَو كَانَ فِي الْكَلَام لحسن خفض الْأَعْمَال على الْبَدَل من الَّذين وَهُوَ بدل الاشتمال وَقيل هُوَ مَحْمُول على الْمَعْنى لِأَن الَّذين هم الْمخبر عَنْهُم فالقصد إِلَى الَّذين وَمثل مقحم وَالتَّقْدِير الَّذين كفرُوا أَعْمَالهم كرماد فَالَّذِينَ مُبْتَدأ وأعمالهم ابْتِدَاء ثَان وكرماد خَبره وَالْجُمْلَة خبر عَن الَّذين وان شِئْت جعلت أَعْمَالهم رفعا عَن الْبَدَل من الَّذين على الْمَعْنى وكرماد خبر الَّذين تَقْدِيره أَعمال الَّذين كفرُوا كرماد هَذِه صفته

قَوْله {فِي يَوْم عاصف} أَي عاصف رِيحه كَمَا تَقول مَرَرْت بِرَجُل قَائِم أَبوهُ ثمَّ تحذف الْأَب إِذا علم الْمَعْنى وَقيل تَقْدِيره فِي يَوْم ذِي عصوف

قَوْله {أجزعنا أم صَبرنَا} إِذا وَقعت ألف الِاسْتِفْهَام مَعَ التَّسْوِيَة على مَاض دخلت أم بعْدهَا على مَاض أَو على مُسْتَقْبل أَو على جملَة نَحْو أم أَنْتُم صامتون وَإِذا دخلت الْألف بعد التَّسْوِيَة على أسم جِئْت بِأَو بَين الاسمين نَحْو سَوَاء عَليّ أَزِيد عنْدك أَو عَمْرو وَإِن لم تدخل ألف الِاسْتِفْهَام جِئْت بِالْوَاو بَين الاسمين نَحْو سَوَاء عَليّ زيد وَعَمْرو

قَوْله {وَمَا أَنْتُم بمصرخي} من فتح الْيَاء وَهِي قِرَاءَة الْجَمَاعَة فأصلها ياءان يَاء الْجمع وياء الْإِضَافَة وَفتحت لالتقاء الساكنين وَكَانَ الْفَتْح أخف مَعَ الياءات من الْكسر وَيجوز أَن يكون أدغم يَاء الْجمع فِي يَاء الْإِضَافَة وَهِي مَفْتُوحَة فَبَقيت على فتحهَا وَهُوَ أَصْلهَا والإسكان فِي يَاء الْإِضَافَة إِنَّمَا هُوَ للتَّخْفِيف وَمن كسر الْيَاء وَهِي قِرَاءَة حَمْزَة وَبِه قَرَأَ الْأَعْمَش وَيحيى بن وثاب فَالْأَصْل عِنْده فِي مصرخي ثَلَاث ياءات يَاء الْجمع وياء الْإِضَافَة وَيَا زيدت للمد كَمَا زيدت فِي بهي لِأَن يَاء الْمُتَكَلّم كهاء الْغَائِب وَقد زادوا يَاء مَعَ تَاء الْمُؤَنَّث حَيْثُ كَانَت بِمَنْزِلَة هَاء الْغَائِب قَالَ الشَّاعِر ... رميتيه فأصميت ... وَمَا أَخْطَأت الرَّمية ...ثمَّ حذفت الْيَاء الَّتِي للمد وَبقيت الْيَاء الْمُشَدّدَة مَكْسُورَة كَمَا تحذف من بهي وَتبقى الْهَاء مَكْسُورَة وَقد كَانَ الْقيَاس اسْتِعْمَال الْيَاء صلَة لياء الْمُتَكَلّم كَمَا فعلوا بهاء الْغَائِب لَكِن رفضوا اسْتِعْمَال ذَلِك لثقل الكسرة على الْيَاء فالقراءة بِكَسْر الْيَاء فِيهَا بعد من جِهَة الِاسْتِعْمَال وَهِي حَسَنَة على الْأُصُول لَكِن الأَصْل إِذا طرح صَار اسْتِعْمَاله مَكْرُوها بَعيدا وَقد ذكر قطرب أَنَّهَا لُغَة فِي بني يَرْبُوع يزِيدُونَ على يَاء الْإِضَافَة يَاء وَأنْشد ... مَاض إِذا مَا هم بالمضي ... قَالَ لَهَا هَل لَك يَا تافي ...

قَوْله {إِلَّا أَن دعوتكم} أَن فِي مَوضِع نصب اسْتثِْنَاء لَيْسَ من الأول

قَوْله {تحيتهم فِيهَا سَلام} ابْتِدَاء وَخير وَالْهَاء وَالْمِيم يحْتَمل أَن يَكُونَا فِي تَأْوِيل فَاعل أَي يحيى بَعضهم بَعْضًا بِالسَّلَامِ وَيحْتَمل أَن يَكُونَا فِي تَأْوِيل مفعول لم يسم فَاعله أَي يحيون بِالسَّلَامِ على معنى تحييهم الْمَلَائِكَة وَلَفظ الضَّمِير الْخَفْض لإضافة الْمصدر إِلَيْهِ وَالْجُمْلَة فِي مَوضِع نصب على الْحَال من الَّذين وَهِي حَال مقدرَة أَو حَال من الْمُضمر فِي خَالِدين وَلَا تكون حَالا مقدرَة وَيجوز أَن تكون فِي مَوضِع نصب على النَّعْت لجنات مثل تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار فَأَما خَالِدين فِيهَا فَيحْتَمل أَن تكون حَالا من الَّذين حَالا مقدرَة وَيحْتَمل أَن تكون نعتا لجنات أَيْضا وَيلْزم إِظْهَار الضَّمِير فَتَقول خَالِدين هم فِيهَا وَإِنَّمَا ظهر لِأَنَّهُ جرى نعتا لغير من هُوَ لَهُ وَحسن كل ذَلِك لِأَن فِيهِ ضميرين ضمير الجنات وَضمير الَّذين وَقد مضى نَظِيره فيقاس عَلَيْهِ مَا شابهه وَنصب جنَّات على حذف حرف الْجَرّ وَهُوَ نَادِر لَا يُقَاس عَلَيْهِ تَقول دخلت الدَّار وأدخلت زيدا الدَّار تُرِيدُ فِي الدَّار وَالدَّلِيل على أَن دخلت لَا يتَعَدَّى أَن نقيضه لَا يتَعَدَّى وَهُوَ خرجت وكل فعل لَا يتَعَدَّى نقيضه لَا يتَعَدَّى هُوَ فافهمه

قَوْله {وبرزوا لله جَمِيعًا} نصب على الْحَال من الْمُضمر فِي برزوا

قَوْله {وَأَحلُّوا قَومهمْ دَار الْبَوَار} مفعولان لأحلوا وجهنم بدل من دَار

قَوْله {يقيموا الصَّلَاة} تَقْدِيره عِنْد أبي إِسْحَاق قل لَهُم ليقيموا الصَّلَاة ثمَّ حذف اللَّام لتقدم لفظ الْأَمر وَقَالَ الْمبرد يقيموا جَوَاب لأمر مَحْذُوف تَقْدِيره قل لَهُم أقِيمُوا الصَّلَاة يقيموا وَقَالَ الْأَخْفَش هُوَ جَوَاب قل وَفِيه بعد لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجَوَاب لَهُ على الْحَقِيقَة لِأَن أَمر الله لنَبيه لَيْسَ فِيهِ أَمر لَهُم بِإِقَامَة الصَّلَاة وَله نَظَائِر فِي الْقُرْآن

قَوْله {دائبين} نصب على الْحَال من الشَّمْس وَالْقَمَر وَغلب الْقَمَر لِأَنَّهُ مُذَكّر

قَوْله {من كل مَا سألتموه} مَا نكرَة عِنْد الْأَخْفَش وسألتموه نعت لما وَهِي فِي مَوضِع خفض وَقيل مَا وسألتموه مصدر فِي مَوضِع خفض

قَوْله {هَذَا الْبَلَد آمنا} الْبَلَد بدل من هَذَا أَو عطف بَيَان وآمنا مفعول ثَان

قَوْله {مهطعين مقنعي رؤوسهم} حالان من الضَّمِير الْمَحْذُوف تَقْدِيره إِنَّمَا يؤخرهم ليَوْم تشخص فِيهِ أَبْصَارهم فِي هَاتين الْحَالَتَيْنِ

قَوْله {وأنذر النَّاس يَوْم يَأْتِيهم الْعَذَاب فَيَقُول الَّذين ظلمُوا} يَوْم مفعول لأنذروا وَلَا يحسن أَن يكون ظرفا للانذار لِأَنَّهُ لَا إنذار يَوْم الْقِيَامَة وفيقول عطف على يَأْتِيهم وَلَا يحسن نَصبه على جَوَاب الْأَمر لِأَن الْمَعْنى يتَغَيَّر فَيصير إِن أنذرتهم فِي الدُّنْيَا قَالُوا رَبنَا أخرنا وَلَيْسَ الْأَمر على ذَلِك إِنَّمَا قَوْلهم وسؤالهم التَّأْخِير إِذا أَتَاهُم الْعَذَاب وَرَأَوا الْحَقَائِق

قَوْله {وَإِن كَانَ مَكْرهمْ لتزول مِنْهُ الْجبَال} من نصب لتزول فَاللَّام لَام جحد وَالنّصب على إِضْمَار أَن وَلَا يحسن إظهارها كَمَا يجوز ذَلِك مَعَ لَام كي لِأَن لَام الْجحْد مَعَ الْفِعْل كالسين مَعَ الْفِعْل فِي سيقوم إِذْ هُوَ نفي مُسْتَقْبل فَكَمَا لَا يحسن أَن تفرق بَين السِّين وَالْفِعْل كَذَا لَا يحسن أَن يفرق بَين اللَّام وَالْفِعْل وَتَقْدِيره وَمَا كَانَ مَكْرهمْ لتزول مِنْهُ الْجبَال على التصغير والتحقير لمكرهم أَي هُوَ أَضْعَف وأحقر من ذَلِك فالجبال فِي هَذِه الْقِرَاءَة تَمْثِيل لأمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ ونبوته ودلائله وَقيل هِيَ تَمْثِيل لِلْقُرْآنِ وَالضَّمِير فِي مَكْرهمْ لقريش وعَلى هَذِه الْقِرَاءَة أَكثر الْقُرَّاء أَعنِي كسر اللَّام الأولى وَفتح الثَّانِيَة وَقد قَرَأَ الْكسَائي بِفَتْح اللَّام الأولى وَضم الثَّانِيَة فَاللَّام الأولى لَام تَأْكِيد على هَذِه الْقِرَاءَة وَإِن مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة وَالْهَاء مضمرة مَعَ أَن تَقْدِيره وَإنَّهُ كَانَ مَكْرهمْ لتزول مِنْهُ الْجبَال فَهَذِهِ الْقِرَاءَة تدل على تَعْظِيم مَكْرهمْ وَمَا ارتكبوا من فعلهم وَالْجِبَال أَيْضا يُرَاد بهَا أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا أَتَى بِهِ مثل الأول وَتَقْدِيره مثل الْجبَال فِي الْقُوَّة والثبات وَالْهَاء وَالْمِيم ترجع على كفار قُرَيْش وَقيل أَنَّهَا ترجع على نمْرُود بن كنعان فِي محاولته الصعُود إِلَى السَّمَاء لِيُقَاتل من فِيهَا وَالْجِبَال هِيَ الْمَعْهُودَة كَذَا قَالَ أهل التَّفْسِير وَقد رُوِيَ عَن عَليّ بن أبي طَالب وَعَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قرءا وَإِن كَاد مَكْرهمْ لتزول بِفَتْح اللَّام الأولى وَضم الثَّانِيَة وَكَاد فِي مَوضِع كَانَ قَالَ عِكْرِمَة وَغَيره هُوَ نمْرُود بن كوش حِين أَتَّخِذ التابوت وشده إِلَى النسور بعد أَن أجاعها أَيَّامًا وَجعل فِيهِ خَشَبَة فِي رَأسهَا لحم وَجلسَ هُوَ وَصَاحبه فِي التابوت فرفعتهما النسور إِلَى حَيْثُ شَاءَ الله وهاب نمْرُود الِارْتفَاع فَقَالَ لصَاحبه صوب الْخَشَبَة فصوبها وانحطت النسور فظنت الْجبَال انه أَمر من عِنْد الله نزل من السَّمَاء فَزَالَتْ عَن موَاضعهَا

قَوْله {مخلف وعده رسله} هُوَ من الاتساع لمعْرِفَة الْمَعْنى تَقْدِيره مخلف رسله وعده