المطيع لله أبو القاسم

المطيع لله ابو القاسم الفضل بن المقتدر بن المعتضد أمه أم ولد اسمها شغله ولد سنة إحدى وثلثمائة وبويع له بالخلافة عند خلع المستكفى في جمادى الآخرة سنة اربع وثلاثين وثلثمائة وقرر له معز الدولة كل يوم نفقة مائة دينار فقط وفي هذه السنة من خلافته اشتد الغلاء ببغداد حتى أكلوا الجيف والروث وماتوا على الطرق واكلت الكلاب لحومهم وبيع العقار بالرغفان ووجد الصغار مشوية مع المساكين واشترى لمعز الدولة كر دقيق بعشرين ألف درهم والكر سبعة عشر قنطارا بالدمشقى وفيها وقع بين معز الدولة وبين ناصر الدولة بن حمدان فخرج لقتاله ومعه المطيع ثم رجع والمطيع معه كالأسير وفيها مات الأخشيد صاحب مصر وهو محمد بن طغج الفرغانى والأخشيد ملك الملوك وهو لقب لكل من ملك فرغانة كما أن الأصبهذ لقب ملك طبرستان وصول ملك جرجان وخاقان ملك الترك والأفشين ملك أشر وسنة وسامان ملك سمرقند وكان الأخشيد شجاعا مهيبا ولى مصر من قبل القاهر وكان له ثمانية آلاف مملوك وهو أستاذ كافور وفيها مات القائم العبيدى صاحب المغرب وقام بعده ولى عهده ابنه المنصور بالله إسماعيل وكان القائم شرا من أبيه زنديقا ملعونا أظهر سب الأنبياء وكان منادية ينادى العنوا الغار وما حوى وقتل خلقا من العلماء وفي سنة خمس وثلاثين جدد معز الدولة الإيمان بينه وبين المطيع وأزال عنه التوكيل وأعاده إلى دار الخلافة وفي سنة ثمان وثلاثين سأل معز الدولة أن يشرك معه في الأمر اخاه على ابن بويه عماد الدولة ويكون من بعده فأجابه المطيع ثم لم ينشب أن مات عماد الدولة من عامه فأقام المطيع اخاه ركن الدولة والد عضد الدولة وفي سنة تسع وثلاثين أعيد الحجر الأسود إلى موضعه وجعل له طوق فضة يشد به وزنه ثلاثة آلاف وسبعمائة وستون درهما ونصف وقال محمد بن نافع الخزاعى تأملت الحجر الأسود وهو مقلوع فإذا السواد في رأسه فقط وسائره ابيض وطوله قدر عظم الذراع وفي سنة إحدى وأربعين ظهر قوم من التناسخية فيهم شاب يزعم أن روح على انتقلت إليه وامرأته تزعم أن روح فاطمة انتقلت إليها وآخر يدعى أنه جبريل فضربوا فتعززوا بالإنتماء إلى أهل البيت فأمر معز الدولة بإطلاقهم لميله إلى أهل البيت فكان هذا من أفعاله الملعونة وفيها مات المنصور العبيدي صاحب المغرب بالمنصورية التى مصرها وقام بالأمر ولى عهده ابنه معد ولقب بالمعز لدين الله وهو الذي بنى القاهرة وكان المنصور حسن السيرة بعد أبيه وابطل المظالم فأحبه الناس وأحسن أيضا ابنه السيرة وصفت له المغرب وفي سنة ثلاث واربعين خطب صاحب خراسان للمطيع ولم يكن خطب له قبل ذلك فبعث إليه المطيع اللواء والخلع وفي سنة أربع وأربعين زلزلت مصر زلزلة صعبة هدمت البيوت ودامت ثلاث ساعات وفزع الناس إلى الله بالدعاء وفي سنة ست وأربعين نقص البحر ثمانين ذراعا وظهر فيه جبال والجزائر وأشياء لم تعهد وكان بالرى ونواحيها زلازل عظيمة وخسف ببلد الطالقان ولم يفلت من أهلها إلا نحو ثلاثين رجلا وخسف بمائة وخمسين قرية من قرى الرى واتصل الأمر إلى حلوان فخسف بأكثرها وقذفت الأرض عظام الموتى وتفجرت منها المياه وتقطع بالرى جبل وعلقت قرية بين السماء والأرض بمن فيها نصف النهار ثم خسف بها وانخرقت الأرض خروقا عظيمة وخرج منها مياه منتنة ودخان عظيم هكذا نقل ابن الجوزى وفي سنة سبع وأربعين عادت الزلازل بقم وحلوان والجبال فأتلفت خلقا عظيما وجاء جراد طبق الدنيا فأتى على جميع الغلات والأشجار وفي سنة خمسين بنى معز الدولة ببغداد دارا هائلة عظيمة أساسها في الأرض ستة وثلاثون ذراعا وفيها قلد القضاء ابا العباس عبدالله بن الحسن بن ابي الشوارب وركب بالخلع من دار معز الدولة وبين يديه الدبادب والبوقات وفي خدمته الجيش وشرط على نفسه أن يحمل في كل سنة إلى خزانة معز الدولة مائتى ألف درهم وكتب عليه بذلك سجلا وامتنع المطيع من تقلده ومن دخوله عليه وأمر ان لا يمكن من الدخول إليه أبدا وفيها ضمن معز الدولة الحسبة ببغداد والشرطة وكل ذلك عقب ضعفة ضعفها وعوفى منها فلا كان الله عافاه وفيها أخذت الروم جزيرة أقريطش من المسلمين وكانت فتحت في حدود الثلاثين والمائتين وفيها توفى صاحب الأندلس الناصر لدين الله وقام بعده ابنه الحاكم وفي سنة إحدى وخمسين كتبت الشيعة ببغداد على ابواب المساجد لعنة معاوية ولعنة من غصب فاطمة حقها من فدك ومن منع الحسن أن يدفن مع جده ولعنة من نفى أباذر ثم إن ذلك محى في الليل فأراد معز الدولة أن يعيده فأشار عليه الوزير المهلبى أن يكتب مكان ما محى لعن الله الظالمين لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصرحوا بلعنة معاوية فقط وفي سنة اثنتين وخمسين يوم عاشوراء الزم معز الدولة الناس بغلق الأسواق ومنع الطباخين من الطبيخ ونصبوا القباب في الأسواق وعلقوا عليها المسوح وأخرجوا نساء منتشرات الشعور يلطمن في الشوارع ويقمن المأتم على الحسين وهذا أول يوم نيح عليه فيه ببغداد واستمرت هذه البدعة سنين وفي ثانى عشر ذى الحجة منها عمل عيد غدير خم وضربت الدبادب وفي هذه السنة بعث بعض بطارقة الأرمن إلى ناصر الدولة بن حمدان رجلين ملتصقين عمرهما خمس وعشرون سنة والالتصاق في الجنب ولهما بطنان وسرتان ومعدتان ويختلف أوقات جوعهما وعطشهما وبولهما ولكل واحد كفان وذراعان ويدان وفخذان وساقان وإحليلان وكان أحدهما يميل إلى النساء والآخر يميل إلى المرد ومات أحدهما وبقى أياما واخوه حى فأنتن وجمع ناصر الدولة الأطباء على ان يقدروا على فصل الميت من الحي فلم يقدروا ثم مرض الحى من رائحة الميت ومات وفي سنة ثلاث وخمسين عمل لسيف الدولة خيمة عظيمة الارتفاع عمودها خمسون ذراعا وفي سنة أربع وخمسين ماتت أخت معز الدولة فنزل المطيع في طيارة إلى دار معز الدولة يعزيه فخرج إليه معز الدولة ولم يكلفه الصعود من الطيارة وقبل الأرض مرات ورجع الخليفة إلى داره وفيها بنى يعقوب ملك الروم قيسارية قريبا من بلاد المسلمين وسكنها ليغير كل وقت وفي سنة ست وخمسين مات معز الدولة فأقيم ابنه بختيار مكانه في السلطنة ولقبه المطيع عز الدولة وفي سنة سبع ملك القرامطة دمشق ولم يحج أحد فيها لا من الشام ولا من مصر وعزموا على قصد مصر ليملكوها فجاء العبيديون فأخذوها وقامت دولة الرفض في الأقاليم المغرب ومصر والعراق وذلك أن كافورا الأخشيدي صاحب مصر لما مات اختل النظام وقلت الأموال على الجند فكتب جماعة إلى المعز يطلبون منه عسكرا ليسلموا إليه مصر فأرسل مولاه جوهرا القائد في مائة ألف فارس فملكها ونزل موضع القاهرة اليوم واختطها وبنى دار الإمارة للمعز وهى المعروفة الآن بالقصرين وقطع خطبة بنى العباس ولبس السواد وألبس الخطباء البياض وأمر ان يقال في الخطبة اللهم صلى على محمد المصطفى وعلى على المرتضى وعلى فاطمة البتول وعلى الحسن والحسين سبطى الرسول وصل على الأئمة آباء أمير المؤمنين المعز بالله وذلك كله في شهر شعبان سنة ثمان وخمسين ثم في ربيع الآخر سنة تسع وخمسين أذنوا في مصر بحى على خير العمل وشرعوا في بناء الجامع الأزهر ففرغ في رمضان سنة إحدى وستين وفي سنة تسع وخمسين انقض بالعراق كوكب عظيم أضاءت منه الدنيا حتى صار كأنه شعاع الشمس وسمع بعد انقضاضه صوت كالرعد الشديد وفي سنة ستين أعلن المؤذنون بدمشق فى الأذان بحى على خير العمل بأمر جعفر بن فلاح نائب دمشق للمعز بالله ولم يجسر احد على مخالفته وفي سنة اثنتين وستين صادر السلطان بختيار المطيع فقال المطيع أنا ليس لى غير الخطبة فإن أحببتم اعتزلت فشدد عليه حتى باع قماشه وحمل أربعمائة الف درهم وشاع في الألسنة أن الخليفة صودر وفيها قتل رجل من أعوان الموالى ببغداد فبعث الوزير أبو الفضل الشيرازى من طرح النار من النحاسين إلى السماكين فاحترق حريق عظيم لم ير مثله واحترقت اموال واناس كثيرون في الدور والحمامات وهلك الوزير من عامه لا رحمه الله وفي رمضان من هذه السنة دخل المعز إلى مصر ومعه توابيت آبائه وفي سنة ثلاث وستين قلد المطيع القضاء أبا الحسن محمد بن أم شيبان الهاشمى بعد تمنع وشرط لنفسه شروطا منها ان لا يرتزق على القضاء ولا يخلع عليه ولا يشفع إليه فيما يخالف الشرع وقرر لكاتبه في كل شهر ثلثمائة درهم ولحاجبه مائة وخمسين وللفارض على بابه مائة ولخازن ديوان الحكم والأعوان ستمائة وكتب له عهد صورته هذا ما عهد به عبدالله الفضل المطيع لله أمير المؤمنين إلى محمد بن صالح الهاشمى حين دعاه إلى ما يتولاه من القضاء بين أهل مدينة السلام مدينة المنصورة والمدينة الشرقية من الجانب الشرقى والجانب الغربى والكوفة وسقى الفرات وواسط وكرخى وطريق الفرات ودجلة وطريق خراسان وحلوان وقرميسين وديار مضر وديار ربيعة وديار بكر والموصل والحرمين واليمن ودمشق وحمص وجند قنسرين والعواصم ومصر والإسكندرية وجند فلسطين والأردن واعمال ذلك كلها ومن يجرى من ذلك من الأشراف على من يختاره من العباسيين بالكوفة وسقى الفرات واعمال ذلك وما قلده إياه من قضاء القضاة وتصفح أحوال الحكام والاستشراف على ما يجرى عليه أمر الأحكام من سائر النواحى والأمصار التى تشتمل عليه المملكة وتنتهى إليها الدعوة وإقرار من يحمد هديه وطريقه والاستبدال بمن يذم شيمته وسجيته احتياطا للخاصة والعامة وجنوا على الملة والذمة عن علم بأنه المقدم في بيته وشرفه المبرز في عفافته الزكى في دينة وأمانته الموصوف في ورعه ونزاهته المشار إليه بالعلم والحجى المجمع عليه في الحلم والنهى البعيد من الأدناس اللابس من التقى أجمل اللباس النقى الحبيب المحبو بصفاء الغيب العالم بصالح الدنيا العارف بما يفسد سلامة العقبى أمره بتقوى الله فإنها الجنة الواقية وليجعل كتاب الله في كل ما يعمل فيه رويته ويرتب عليه حكمه وقضيته إمامه الذي يفزع إليه وان يتخذ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم منارا يقصده ومثالا يتبعه وان يراعى الإجماع وان يقتدى بالأئمة الراشدين وان يعمل اجتهاده فيما لا يوجد فيه كتاب ولا سنة ولا إجماع وأن يحضر مجلسه من يستظهر بعلمه ورأيه وأن يسوى بين الخصمين إذا تقدما إليه في لحظه ولفظه ويوفى كلا منهما من إنصافه وعدله حتى يأمن الضعيف حيفه وييأس القوى من ميله وأمره أن يشرف على اعوامه وأصحابه ومن يعتمد عليه من أمنائه واسبابه إشرافا يمنع من التخطى إلى السيرة المحظورة ويدفع عن الإسفاف إلى المكاسب المحجورة وذكر من هذا الجنس كلاما طويلا قلت كان الخلفاء يولون القاضى المقيم ببلدهم القضاء بجميع الأقاليم والبلاد التى تحت ملكهم ثم يستنيب القاضى من تحت أمره من شاء في كل إقليم وفي كل بلد ولهذا كان يلقب قاضى القضاة ولا يلقب به إلا من هو بهذه الصفة ومن عداه بالقاضى فقط أو قاضى بلد كذا واما الآن فصار في البلد الواحد أربعة مشتركون كل منهم يلقب قاضى القضاة ولعل آحاد نواب أولئك كان في حكمه أضعاف ما كان في حكم الواحد من قضاة القضاة الآن ولقد كان قاضى القضاة إذ ذاك أوسع حكما من سلاطين هذا الزمان وفي هذه السنة أعنى سنة ثلاث وستين حصل للمطيع فالج وثقل لسانه فدعاه حاجب عز الدولة الحاجب سبكتكين إلى خلع نفسه وتسليم الأمر الى ولده الطائع لله ففعل وعقد له الأمر في يوم الأربعاء ثالث عشرى ذى القعدة فكانت مدة خلافة المطيع تسعا وعشرين سنة وأشهرا وأثبت خلعه على القاضى ابن أم شيبان وصار بعد خلعه يسمى الشيخ الفاضل قال الذهبى وكان المطيع وابنه مستضعفين مع بنى نويه ولم يزل أمر الخلفاء في ضعف إلى أن استخلف المقتفى لله فانصلح أمر الخلافة قليلا وكان دست الخلافة لبنى عبيد الرافضة بمصر أميز وكلمتهم أنفذ ومملكتهم تناطح مملكة العباسيين في وقتهم وخرج المطيع إلى واسط مع ولده فمات في المحرم سنة اربع وستين قال ابن شاهين خلع نفسه غير مكره فيما صح عندى قال الخطيب حدثنى محمد بن يوسف القطان سمعت أبا الفضل التميمى سمعت المطيع لله سمعت شيخى ابن منيع سمعت احمد بن حنبل يقول إذا مات أصدقاء الرجل ذل وممن مات في أيام المطيع من الأعلام الخرقى شيخ الحنابلة وأبو بكر الشلبى الصوفى وابن القاص إمام الشافعية وأبو رجاء الأسوانى وأبو بكر الصولى والهيثم بن كليب الشاشى وأبو الطيب الصعلوكى وابو جعفر النحاس النحوى وأبو نصر الفارابى وابو إسحاق المروزى أمام الشافعية وأبو القاسم الزجاجى اللنحوى والكرخى شيخ الحنفية والدينورى صاحب المجالسة وأبو بكر الضبعى والقاضى أبو القاسم التنوخى وابن الحداد صاحب الفروع وأبو على ابن أبى هريرة من كبار الشافعية وأبو عمر الزاهد والمسعودى صاحب مروج الذهب وابن درستويه وأبو على الطبرى أول من جرد الخلاف والفاكهى صاحب تاريخ مكة والمتنبى الشاعر وابن حبان صاحب الصحيح وابن شعبان من أئمة المالكية وأبو على القالى وأبو الفرج صاحب الأغانى