القاهر بالله أبو المنصور القاهر بالله

أبو منصور محمد بن المعتضد بن طلحة بن المتوكل أمه أم ولد فتنة لما قتل المقتدر أحضر هو ومحمد بن المكتفى فسألوا ابن المكتفى أن يتولى فقال لا حاجة لي في ذلك وعمى هذا أحق به فكلم القاهر فأجاب فبويع ولقب القاهر بالله كما لقب به في سنة سبع عشرة فأول ما فعل ان صادر آل المقتدر وعذبهم وضرب أم المقتدر حتى ماتت في العذاب وفي سنة إحدى وعشرين شغب عليه الجند واتفق مؤنس وابن مقلة وآخرون على خلعه بابن المكتفى فتحيل القاهر عليهم إلى ان امسكهم وذبحهم وطين على ابن المكتفى بين حيطتين وأما ابن مقلة فاختفى فأحرقت داره ونهبت دور المخالفين ثم أطلق أرزاق الجند فسكنوا واستقام الأمر للقاهر وعظم في القلوب وزيد في ألقابه المنتقم من أعداء دين الله ونقش ذلك على السكة وفي هذه السنة امر بتحريم القيان والخمر وقبض على المغنين ونفى المخانيث وكسر آلات اللهو وأمر ببيع المغنيات من الجوارى على أنهن سوادج وكان مع ذلك لا يصحو من السكر ولا يفتر عن سماع الغناء وفي سنة اثنتين وعشرين ظهرت الديلم وذلك لأن أصحاب مرداويج دخلوا أصبهان وكان من قواده على بن بويه فاقتطع مالا جليلا فانفرد عن مخدومه ثم التقى هو ومحمد بن ياقوت نائب الخليفة فهزم محمد واستولى ابن بويه على فارس وكان بويه فقيرا صعلوكا يصيد السمك رأى كأنه بال فخرج من ذكره عمود نار ثم تشعب العمود حتى ملأ الدنيا فعبرت بأن أولاده يملكون الدنيا ويبلغ سلطانهم على قدر ما احتوت عليه النار فمضت السنون وآل الأمر على هذا إلى أن صار قائدا لمرداويج ابن زياد الديلمى فأرسله يستخرج له مالا من الكرخ فاستخرج خمسمائة ألف درهم واتى همذان ليملكها فغلق أهلها في وجهه الأبواب فقتلهم وفتحها عنوة وقيل صلحا ثم صار إلى شيراز ثم أنه قل عنده من مال فنام على ظهره فخرجت حية من سقف المجلس فأمر بنقضه فخرجت صناديق ملأى ذهبا فأنفقها في جنده وطلب خياطا يخيط له شيئا وكان أطروشا فظن أنه قد سعى به فقال والله ما عندى سوى اثنى عشر صندوقا لا أعلم ما فيها فأحضرت فوجد فيها مالا عظيما وركب يوما فساخت قوائم فرسه فحفروه فوجدوا فيه كنزا واستولى على البلاد وخرجت خراسان وفارس عن حكم الخلافة وفي هذه السنة قتل القاهر إسحاق بن إسماعيل النوبختى الذي قد كان اشار بخلافة القاهر ألقاه على رأسه في بئر وطمت وذنبه انه زايد القاهر قبل الخلافة في جارية واشتراها فحقد عليه وفيها تحرك الجند عليه لأن ابن مقلة في اختفائه كان يوحشهم منه ويقول لهم إنه بنى لكم المطامير ليحبسكم وغير ذلك فأجمعوا على الفتك به فدخلوا عليه بالسيوف فهرب فأدركوه وقبضوا عليه في سادس من جمادى الآخرة وبايعوا أبا العباس محمد بن المقتدر ولقبوه الراضى بالله ثم أرسلوا إلى القاهر الوزير والقضاة أبا الحسين بن القاضى أبى عمر والحسن بن عبدالله ابن أبي الشوارب وأبا طالب بن البهلول فجاؤه فقيل له ما تقول قال أنا أبو المنصور محمد بن المعتضد لى في أعناقكم بيعة وفي أعناق الناس ولست أبرئكم ولا أحلكم منها فقوموا فقاموا فقال الوزير يخلع ولا نفكر فيه أفعاله مشهورة وقال القاضي أبو الحسين فدخلت على الراضى وأعدت عليه ما جرى وأعلمته أنى أرى إمامته فرضا فقال انصرف ودعنى وإياه فأشار سيماء مقدم الحجرية على الراضى بسلمه فكحله بمسمار محمى قال محمود الأصبهانى كان سبب خلع القاهر سوء سيرته وسفكه الدماء فامتنع من الخلع فسملوا عينيه حتى سالتا على خديه وقال الصولى كان أهوج سفاكا للدماء قبيح السيرة كثير التلون والاستحالة مدمن الخمر ولولا جودة حاجبه سلامة لأهلك الحرث والنسل وكان قد صنع حربة يحميها فلا يطرحها حتى يقتل بها انسانا قال على بن محمد الخراسانى أحضرنى القاهر يوما والحربة بين يديه فقال أسألك عن خلفاء بنى العباس عن أخلاقهم وشيمم قلت أما السفاح فكان مسرعا إلى سفك الدماء واتبعه عماله على مثل ذلك وكان مع ذلك سمحا وصولا بالمال قال فالمنصور قلت كان أول من أوقع الفرقة بين ولد العباس وولد أبى طالب وكانوا قبلها متفقين وهو أول خليفة قرب المنجمين وأول خليفة ترجمت له الكتب السريانية والأعجمية وكتاب كليلة ودمنة وكتاب إقليدس وكتب اليونان فنظر الناس فيها وتعلقوا بها فلما رأى ذلك محمد بن إسحاق جمع المغازى والسير والمنصور اول من استعمل مواليه وقدمهم على العرب قال فالمهدى قلت كان جوادا عادلا منصفا رد ما أخذ أبوه من الناس غصبا وبالغ في إتلاف الزنادقة وبنى المسجد الحرام ومسجد المدينة والمسجد الأقصى قال فالهادى قلت كان جبارا متكبرا فسلك عماله طريقه على قصر ايامه قال فالرشيد قلت كان مواظبا على الغزو والحج وعمر القصور والبرك بطريق مكة وبنى الثغور كأذنة وطرسوس والمصيصة ومرعش وعم الناس إحسانه وكان في أيامه البرامكة وما اشتهر من كرمهم وهو أول خليفة لعب بالصولجة ورمى النشاب في البرجاس ولعب بالشطرنج من بنى العباس قال فالأمين قلت كان جوادا إلا أنه انهمك في لذاته ففسدت الأمور قال فالمأمون قلت غلب عليه النجوم والفلسفة وكان حليما جوادا قال فالمعتصم قلت سلك طريقه وغلب عليه حب الفروسية والتشبه بملوك الأعاجم واشتغل بالغزو والفتوح قال فالواثق قلت سلك طريقة أبيه قال فالمتوكل قلت خالف ما كان عليه المأمون والمعتصم والواثق من الاعتقادات ونهى عن الجدال والمناظرات والأهواء وعاقب عليها وأمر بقراءة الحديث وسماعه ونهى عن القول بخلق القرآن فأحبه الناس ثم سأل عن باقى الخلفاء وانا أجيبه بما فيهم فقال لى سمعت كلامك وكأنى أشاهد القوم ثم قام وقال المسعودى أخذ القاهر مؤنس وأصحابه مالا عظيما فلما خلع وسمل طولب بها فأنكر فعذب بأنواع العذاب فلم يقر بشىء فأخذه الراضى بالله فقر به وأدناه وقال له قد ترى مطالبة الجند بالمال وليس عندى شىء والذى عندك فليس بنافع لك فاعترف به فقال اما إذ فعلت هذا فالمال مدفون في البستان وكان قد أنشأ بستانا فيه أصناف الشجر حملت إليه من البلاد وزخرفته وعمل فيه قصرا وكان الراضى مغرما بالبستان والقصر فقال وفي أى مكان المال منه فقال أنا مكفوف ولا أهتدى إلى مكان فاحفر البستان تجده فحفر الراضى البستان واساسات القصر وقلع الشجر فلم يجد شيئا فقال له واين المال فقال وهل عندى مال وإنما كان حسرتى في جلوسك في البستان وتنعمك فأردت أن افجعك فيه فندم الراضى وحبسه فأقام إلى سنة ثلاث وثلاثين ثم اطلقوه وأهملوه فوقف يوما بجامع المنصور بين الصفوف وعليه مبطنة بيضاء وقال تصدقوا على فأنا من قد عرفتم وذلك في أيام المستكفى ليشنع عليه فمنع من الخروج إلى أن مات سنة تسع وثلاثين في جمادى الأولى عن ثلاث وخمسين سنة وكان له من الولد عبدالصمد وأبو القاسم وأبو الفضل وعبدالعزيز ومات في ايامه من الأعلام الطحاوى شيخ الحنفية وابن دريد وأبو هاشم الجبائى وآخرون