نتيجة البحث: تفسير الآية و صورتها و تلاوتها


سورة المائدة آية 32
مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ

التفسير الميسر بسبب جناية القتل هذه شَرَعْنا لبني اسرائيل أنه من قتل نفسا بغير سبب من قصاص، أو فساد في الأرض بأي نوع من أنواع الفساد، الموجب للقتل كالشرك والمحاربة فكأنما قتل الناس جميعًا فيما استوجب من عظيم العقوبة من الله، وأنه من امتنع عن قَتْل نفس حرَّمها الله فكأنما أحيا الناس جميعًا؛ فالحفاظ على حرمة إنسان واحد حفاظ على حرمات الناس كلهم. ولقد أتت بني إسرائيل رسلُنا بالحجج والدلائل على صحة ما دعَوهم إليه من الإيمان بربهم، وأداء ما فُرِضَ عليهم، ثم إن كثيرًا منهم بعد مجيء الرسل إليهم لمتجاوزون حدود الله بارتكاب محارم الله وترك أوامره.

تفسير الجلالين
32 - (من أجل ذلك) الذي فعله قابيل (كتبنا على بني إسرائيل أنه) أي الشأن (من قتل نفسا بغير نفس) قتلها (أو) بغير (فساد) أتاه (في الأرض) من كفر أو زنا أو قطع طريق أو نحوه (فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها) بأن امتنع عن قتلها (فكأنما أحيا الناس جميعا) قال ابن عباس: مِنْ حيثُ انتهاكِ حرمتها وصونها (ولقد جاءتهم) أي بني إسرائيل (رسلنا بالبينات) المعجزات (ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون) مجاوزون الحد بالكفر والقتل وغير ذلك

تفسير القرطبي
قوله تعالى {من أجل ذلك} أي من جراء ذلك القاتل وجريرته.
وقال الزجاج : أي من جنايته؛ يقال : أجل الرجل على أهله شرا يأجل أجلا إذا جنى؛ مثل أخذ يأخذ أخذ.
قال الخنوت : وأهل خباء صالح كنت بينهم ** قد احتربوا في عاجل أنا آجله أي جانيه، وقيل : أنا جاره عليهم.
وقال عدي بن زيد : أجل أن الله قد فضلكم ** فوق من أحكأ صلبا بإزار وأصله الجر؛ ومنه الأجل لأنه وقت يجر إليه العقد الأول.
ومنه الآجل نقيض العاجل، وهو بمعنى يجر إليه أمر متقدم.
ومنه أجل بمعنى نعم.
لأنه انقياد إلى ما جر إليه.
ومنه الإجل للقطيع من بقر الوحش؛ لأن بعضه ينجر إلى بعض؛ قاله الرماني.
وقرأ يزيد بن القعقاع أبو جعفر {من أجل ذلك} بكسر النون وحذف الهمزة وهي لغة، والأصل {من إجل ذلك} فألقيت كسرة الهمزة على النون وحذفت الهمزة.
ثم قيل : يجوز أن يكون قوله {من أجل ذلك} متعلقا بقوله {من النادمين}[المائدة : 31] ، فالوقف على قوله {من أجل ذلك}.
ويجوز أن يكون متعلقا بما بعده وهو {كتبنا}.
فـ {من أجل} ابتداء كلام والتمام {من النادمين}؛ وعلى هذا أكثر الناس؛ أي من سبب هذه النازلة كتبنا.
وخص بني إسرائيل بالذكر وقد تقدمته أمم قبلهم كان قتل النفس فيهم محظورا - لأنهم أول أمة نزل الوعيد عليهم في قتل الأنفس مكتوبا، وكان قبل ذلك قولا مطلقا؛ فغلظ الأمر على بني إسرائيل بالكتاب بحسب طغيانهم وسفكهم الدماء.
ومعنى {بغير نفس} أي بغير أن يقتل نفسا فيستحق القتل.
وقد حرم الله القتل في جميع الشرائع إلا بثلاث خصال : كفر بعد إيمان، أو زني بعد إحصان، أو قتل نفس ظلما وتعديا.
{أو فساد في الأرض} أي شرك، وقيل : قطع طريق.
وقرأ الحسن {أو فسادا} بالنصب على تقدير حذف فعل يدل عليه أول الكلام تقديره؛ أو أحدث فسادا؛ والدليل عليه قوله {من قتل نفسا بغير نفس} لأنه من أعظم الفساد.
وقرأ العامة {فساد} بالجر على معنى أو بغير فساد.
{فكأنما قتل الناس جميعا} اضطرب لفظ المفسرين في ترتيب هذا التشبيه لأجل أن عقاب من قتل الناس جميعا أكثر من عقاب من قتل واحدا؛ فروي عن ابن عباس أنه قال : المعنى من قتل نبيا أو إمام عدل فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياه بأن شد عضده ونصره فكأنما أحيا الناس جميعا.
وعنه أيضا أنه قال : المعنى من قتل نفسا واحدة وانتهك حرمتها فهو مثل من قتل الناس جميعا، ومن ترك قتل نفس واحدة وصان حرمتها واستحياها خوفا من الله فهو كمن أحيا الناس جميعا.
وعنه أيضا.
المعنى فكأنما قتل الناس جميعا عند المقتول، ومن أحياها واستنقذها من هلكة فكأنما أحيا الناس جميعا عند المستنقذ.
وقال مجاهد : المعنى أن الذي يقتل النفس المؤمنة متعمدا جعل الله جزاءه جهنم وغضب عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما؛ يقول : لو قتل الناس جميعا لم يزد على ذلك، ومن لم يقتل فقد حيي الناس منه.
وقال ابن زيد : المعنى أن من قتل نفسا فيلزمه من القود والقصاص ما يلزم من قتل الناس جميعا، قال : ومن أحياها أي من عفا عمن وجب له قتله؛ وقاله الحسن أيضا؛ أي هو العفو بعد المقدرة.
وقيل : المعنى أن من قتل نفسا فالمؤمنون كلهم خصماؤه؛ لأنه قد وتر الجميع، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا، أي يجب على الكل شكره.
وقيل : جعل إثم قاتل الواحد إثم قاتل الجميع؛ وله أن يحكم بما يريد.
وقيل : كان هذا مختصا ببني إسرائيل تغليظا عليهم.
قال ابن عطية : وعلى الجملة فالتشبيه على ما قيل واقع كله، والمنتهك في واحد ملحوظ بعين منتهك الجميع؛ ومثاله رجلان حلفا على شجرتين ألا يطعما من ثمرهما شيئا، فطعم أحدهما واحدة من ثمر شجرته، وطعم الآخر ثمر شجرته كلها، فقد استويا في الجث.
وقيل : المعنى أن من استحل واحدا فقد استحل الجميع؛ لأنه أنكر الشرع.
وفي قوله قوله تعالى {ومن أحياها} تجوز؛ فإنه عبارة عن الترك والإنقاذ من هلكة، وإلا فالإحياء حقيقة - الذي هو الاختراع - إنما هو لله تعالى.
وإنما هذا الإحياء بمنزلة قول نمروذ اللعين {أنا أحيي وأميت}[البقرة : 258] فسمى الترك إحياء.
ثم أخبر الله عن بني إسرائيل أنهم جاءتهم الرسل بالبينات، وأن أكثرهم مجاوزون الحد، وتاركون أمر الله.

تفسير ابن كثير يقول تعالى من أجل قتل ابن آدم أخاه ظلماً وعدوانا {كتبنا على بني إسرائيل} أي شرعنا لهم وأعلمناهم {أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا} أي من قتل نفساً بغير سبب من قصاص أو فساد في الأرض، واستحل قتلها بلا سبب ولا جناية، فكأنما قتل الناس جميعاً، لأنه لا فرق عنده بين نفس ونفس، ومن أحياها أي حرم قتلها واعتقد ذلك فقد سلم الناس كلهم منه بهذا الاعتبار، ولهذا قال: {فكأنما أحيا الناس جميعاً} وقال الأعمش عن أبي هريرة قال: دخلت على عثمان يوم الدار فقلت: جئت لأنصرك، وقد طاب الضرب يا أمير المؤمنين، فقال: يا أبا هريرة أيسرك أن تقتل الناس جميعاً وإياي معهم؟ قلت: لا، قال: فإنك إن قتلت رجلاً واحداً فكأنما قتلت الناس جميعاً، فانصرف مأذوناً لك، مأجوراً غير مأزور، قال: فانصرفت ولم أقاتل. وقال ابن عباس هو كما قال اللّه تعالى: {من قتل نفساً بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً} وإحياؤها ألا يقتل نفساً حرمها الله فذلك الذي أحيا الناس جميعاً، يعني أنه من حرم قتلها إلا بحق حيي الناس منه؛ وهكذا قال مجاهد، ومن أحياها أي كف عن قتلها. وقال العوفي عن ابن عباس في قوله {فكأنما قتل الناس جميعاً} يقول: من قتل نفساً واحدة حرمها الله فهو مثل من قتل الناس جميعاً. وقال سعيد بن جبير: من استحل دم مسلم فكأنما استحل دماء الناس جميعاً، ومن حرم دم مسلم فكأنما حرم دماء الناس جميعاً، هذا قول وهو الأظهر، وقال مجاهد في رواية أخرى عنه: من قتل نفساً بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعاً وذلك لأن من قتل النفس فله النار فهو كما لو قتل الناس كلهم. وقال مجاهد في رواية {ومن أحياها} أي أنجاها من غرق أو حرق أو هلكة. وقال الحسن وقتادة في قوله: أنه {من قتل نفساً بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعاً} هذا تعظيم لتعاطي القتل. قال قتادة عظيم واللّه وزرها، وعظيم واللّه أجرها. وقال ابن المبارك عن سليمان الربعي قال، قلت للحسن: هذه الآية لنا يا أبا سعيد كما كانت لبني إسرائيل؟ فقال: أي والذي لا إله غيره كما كانت لبني إسرائيل، وما جعل دماء بني إسرائيل أكرم على اللّه من دمائنا. وقال الإمام أحمد: جاء حمزة بن عبد المطلب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقال: يا رسول اللّه اجعلني على شيء أعيش به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يا حمزة نفس تحييها أحب إليك أم نفس تميتها) قال: بل نفس أحييها، قال: (عليك بنفسك)، وقوله تعالى: {ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات} أي بالحجيج والبراهين والدلائل الواضحة {ثم إن كثيراً منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون} وهذا تقريع لهم وتوبيخ على ارتكابهم المحارم بعد علمهم بها، كما كانت بنو قريظة و النضير يقاتلون مع الأوس والخزرج إذا وقعت بينهم الحروب في الجاهلية، ثم إذا وضعت الحروب أوزارها فدوا من أسروه وودوا من قتلوه، وقد أنكر الله عليهم ذلك في سورة البقرة حيث قول: {ثم أنتم هؤلاء تقلتون أنفسكم وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان}. وقوله تعالى: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض} الآية. المحاربة هي المضادة والمخالفة، وهي صادقة على الكفر وعلى قطع الطريق وإخافة السبيل، وكذا الإفساد في الأرض يطلق على أنواع من الشر، حتى قال كثير من السلف منهم سعيد بن المسيب: إن قبض الدراهم والدنانير من الإفساد في الارض، وقد قال الله تعالى: {وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل واللّه لا يحب الفساد}، ثم قال بعضهم: نزلت هذه الآية الكريمة في المشركين، كما قال ابن جرير عن عكرمة والحسن البصري قالا: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله إلى - إن اللّه غفور رحيم} نزلت هذه الآية في المشركين فمن تاب منهم من قبل أن تقدروا عليه لم يكن عليه سبيل، وليست تحرز هذه الآية الرجل المسلم من الحد إن قتل أو أفسد في الأرض أو حارب اللّه ورسوله ثم لحق بالكفار قبل أن يقدر عليه لم يمنعه ذلك أن يقام عليه الحد الذي أصاب. ورواه أبو داود والنسائي من طريق عكرمة عن ابن عباس: إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً: نزلت في المشركين، فمن تاب منهم قبل أن يقدر عليه لم يمنعه ذلك أن يقام عليه الحد الذي أصابه. وقال ابن عباس في قوله: {إنما جزاء الذين يحاربون اللّه ورسوله ويسعون في الأرض فساداً} الآية. قال: كان قوم من أهل الكتاب بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد وميثاق فنقضوا العهد وأفسدوا في الأرض، فخيّر اللّه رسوله إن شاء أن يقتل وإن شاء أن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف رواه ابن جرير. وروي عن مصعب بن سعد عن أبيه قال: نزلت في الحرورية {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا} رواه ابن مردويه، والصحيح أن هذه الآية عامة في المشركين وغيرهم ممن ارتكب هذه الصفات كما رواه البخاري ومسلم عن أنس بن مالك: أن نفراً من عكل ثمانية قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعوه على الإسلام فاستوخموا المدينة، وسقمت أجسامهم، فشكوا إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ذلك، فقال: (ألا تخرجون مع راعينا في إبله فتصيبوا من أبوالها وألبانها) فقالوا: بلى فخرجوا فشربوا من أبوالها وألبانها، فصحوا، فقتلوا الراعي وطردوا الإبل، فبلغ ذلك رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فبعث في آثارهم فأدركوا فجيء بهم، فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم، وسمرت أعينهم، ثم نبذوا في الشمس حتى ماتوا، لفظ مسلم. وفي لفظ: وألقوا في الحرة فجعلوا يستسقون فلا يسقون، وعند البخاري، قال أبو قلابة: فهؤلاء سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم وحاربوا اللّه ورسوله. وقال حماد بن سلمة عن أنس بن مالك: أن ناساً من عرينة قدموا المدينة فاجتووها، فبعثهم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في إبل الصدقة، وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها، ففعلوا، فصحوا، فارتدوا عن الإسلام، وقتلوا الراعي، وساقوا الإبل، فأرسل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في آثارهم، فجيء بهم فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وسمر أعينهم، وألقاهم في الحرة؛ قال أنس: فلقد رأيت أحدهم يكدم الأرض بفيه عطشأ حتى ماتوا، ونزلت: {إنما جزاء الذين يحاربون اللّه ورسوله} ""رواه أبو داود والترمذي والنسائي""الآية. وقد رواه ابن مردويه عن أنس بن مالك قال: ما ندمت على حديث سألني عنه الحجاج، قال: أخبرني عن أشد عقوبة عاقب بها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ؟ قال: قلت: قدم على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قوم من عرينة من البحرين، فشكوا إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ما لقوا من بطونهم، وقد اصفرت ألوانهم، وضمرت بطونهم، فأمرهم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن يأتوا إبل الصدقة، فيشربوا من أبوالها وألبانها، حتى إذا رجعت إليهم ألوانهم وانخمصت بطونهم، عمدوا إلى الراعي فقتلوه، وساتاقوا الإبل، فأرسل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في آثارهم، فقطع أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم، ثم ألقاهم في الرمضاء حتى ماتوا، فكان الحجاج إذا صعد المنبر يقول: إن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قطع أيدي قوم وأرجلهم ثم ألقاهم في الرمضاء حتى ماتوا، بحال ذود من الإبل، فكان الحجاج يحتج بهذا الحديث على الناس. وقد اعتنى الحافظ الجليل أبو بكر بن مردويه بتطريق هذا الحديث من وجوه كثيرة جداً فرحمه اللّه وأثابه. وقال ابن جرير: كان أناس أتوا رسول للّه صلى الله عليه وسلم، فقالوا: نبايعك على الإسلام، فبايعوه وهم كَذَبة وليس الإسلام يريدون، ثم قالوا: إنا نجتوي المدينة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هذه اللقاح تغدو عليكم وتروح، فاشربوا من أبوالها وألبانها، قال: فبينما هم كذلك إذ جاءهم الصريخ، فصرخ إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال: قتلوا الراعي، واستاقوا النعم، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم فنودي في الناس: (أن يا خيل اللّه اركبي)، قال: فركبوا، لا ينتظر فارس فارساً، قال: وركب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم على أثرهم، فلم يزالوا يطلبونهم، حتى أدخلوهم مأمنهم، فرجع صحابة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وقد أسروا منهم، فأتوا بهم النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل اللّه: {إنما جزاء الذين يحاربون اللّه ورسوله} الآية، قال: فكان نفيهم أن نفوهم حتى أدخلوهم مأمنهم وأرضهم ونفوهم من أرض المسلمين، وقتل نبي الله صلى الله عليه وسلم منهم، وصلب، وقطع، وسمر الأعين، قال: فما مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ولا بعد، قال: ونهى عن المثلة، وقال: (ولا تمثلوا بشيء) وقد اختلف الأئمة في حكم هؤلاء العرنيين هل هو منسوخ أو محكم؟ فقال بعضهم: هو منسوخ بهذه الآية، وزعموا أن فيها عتاباً للنبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم من قال: هو منسوخ بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن المثلة، وهذا القول فيه نظر. ثم قائله مطالب ببيان تأخر الناسخ الذي ادعاه عن المنسوخ، وقا بعضهم: كان هذا قبل أن تنزل الحدود، وفيه نظر، فإن قصته متأخرة. ومنهم من قال: لم يسمر النبي أعينهم، وإنما عزم على ذلك حتى نزل القرآن فبين حكم المحاربين، وهذا القول أيضاً فيه نظر. فإنه قد تقدم في الحديث المتفق عليه أنه سمل، وفي رواية سمر أعينهم. ثم قد احتج بعموم هذه الآية جمهور العلماء في ذهابهم إلى أن حكم المحاربة في الأمصار وفي السبلان على السواء لقوله: {ويسعون في الأرض فساداً} وهذا مذهب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل، حتى قال مالك في الذي يغتال الرجل فيخدعه حتى يدخله بيتاً فيقتله ويأخذ ما معه: إن هذه محاربة ودمه إلى السلطان لا إلى ولي المقتول، ولا اعتبار بعفوه عنه في إسقاط القتل. وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا تكون المحاربة إلا في الطرقات، فأما في الأمصار فلا، لأنه يلحقه الغوث إذا استغاث، بخلاف الطريق لبعده ممن يغيثه ويعينه. وقوله تعالى: {أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض} قال ابن عباس في الآية: من شَهَر السلاح في فئة الإسلام، وأخاف السبيل، ثم ظُفِرَ به وقدر عليه، فإمام المسلمين فيه بالخيار إن شاء قتله وإن شاء صلبه، وإن شاء قطع يده ورجله، وكذا قال سعيد بن المسيب ومجاهد والضحاك، ومستند هذا القول أن ظاهر (أو) للتخيير كما في نظائر ذلك في القرآن، كقوله في كفارة الفدية: {ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} وكقوله في كفارة اليمين: {إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون به أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة} وهذه كلها على التخيير، فكذلك فلتكن هذه الآية. وقال الجمهور: هذه الآية منزلة على أحوال، كما قال الشافعي عن ابن عباس في قطاع الطريق: إذا قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا، وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا، وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا المال نفوا من الأرض. وهكذا قال غير واحد من السلف والأئمة. واختلفوا، هل يصلب حياً ويترك حتى يموت بمنعه من الطعام والشراب، أو يقتله برمح أو نحوه، أو يقتل أولاً ثم يصلب، تنكيلاً وتشديداً لغيره من المفسدين؟ في ذلك كله خلاف محرر في موضعه، وباللّه الثقة، وعليه التكلان. وأما قوله تعالى: {أو ينفوا من الأرض} قال بعضهم: هو أن يطلب حتى يقدر عليه فيقام عليه الحد أو يهرب من دار الإسلام، رواه ابن جرير عن ابن عباس، وقال آخرون: هو أن ينفى من بلده إلى بلد آخر، أو يخرجه السلطان أو نائبه من معاملته بالكلية. وقال عطاء الخراساني : ينفى من جند إلى جند سنين ولا يخرج من دار الإسلام، وكذا قال سعيد بن جبير ومقاتل بن حيان: أنه ينفى ولا يخرج من أرض الإسلام. وقال آخرون: المراد بالنفي ههنا السجن، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، واختار ابن جرير: أن المراد بالنفي ههنا أن يخرج من بلده إلى بلد آخر فيسجن فيه. وقوله تعالى: {ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم} أي هذا الذي ذكرته من قتلهم ومن صلبهم وقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ونفيهم، خزيٌ لهم بين الناس في هذه الحياة الدنيا، مع ما ادخر الله لهم من العذاب العظيم يوم القيامة، وهذا يؤيد قول من قال: إنها نزلت في المشركين، فأما أهل الإسلام ففي صحيح مسلم عن عبادة بن الصامت رضي اللّه عنه قال: أخذ علينا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كما أخذ على النساء ألا نشرك بالله شيئاً ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا يَعْضَهُ بعضنا بعضاً، يَعْضَهُ: يرمي غيره بالإفك والكذب والبهتان فمن وفى منكم فأجره على اللّه تعالى، ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب فهو كفارة له، ومن ستره اللّه فأمره إلى اللّه إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه. وعن علي قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : (من أذنب ذنباً في الدنيا فعوقب به فاللّه أعدل من أن يثني عقوبته على عبده، ومن أذنب ذنباً في الدنيا فستره الله عليه وعفا عنه، فاللّه أكرم من أن يعود عليه في شيء قد عفا عنه) ""رواه أحمد والترمذي وابن ماجة "" وقال ابن جرير {ذلك لهم خزي في الدنيا}: يعني شر وعار ونكال وذلة وعقوبة في عاجل الدنيا قبل الآخرة {ولهم في الآخرة عذاب عظيم} أي إذا لم يتوبوا من فعلهم ذلك حتى هلكوا فلهم في الآخرة مع الجزاء الذي جازيتهم به في الدنيا والعقوبة التي عاقبتهم بها في الدنيا عذاب عظيم يعني عذاب جهنم. وقوله تعالى: {إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن اللّه غفور رحيم} أما على قول من قال: إنها في أهل الشرك، فظاهر. وأما المحاربون المسلمون فإذا تابوا قبل القدرة عليهم فإنه يسقط عنهم انحتام القتل والصلب وقطع الرجل، وهل يسقط قطع اليد أم لا؟ فيه قولان للعلماء، وظاهر الآية يقتضي سقوط الجميع وعليه عمل الصحابة. وروى ابن جرير عن عامر الشعبي قال: جاء رجل من مراد إلى أبي موسى، وهو على الكوفة في إمارة عثمان رضي اللّه عنه بعدما صلى المكتوبة، فقال: يا أبا موسى هذا مقام العائذ بك، أنا فلان بن فلان المرادي، وإني كنت حاربت اللّه ورسوله وسعيت في الأرض فسادا، وإني تبت من قبل أن تقدروا علي، فقال أبو موسى: إن هذا فلان بن فلان، وإنه كان حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فساداً، وإنه تاب من قبل أن نقدر عليه، فمن لقيه فلا يعرض له إلا بخير. فإن يك صادقاً فسبيل من صدق، وإن يك كاذباً تدركه ذنوبه، فأقام الرجل ما شاء اللّه، ثم إنه خرج فأدركه الله تعالى بذنوبه فقتله. ثم روى ابن جرير أن علياً الأسدي حارب، وأخاف السبيل، وأصاب الدم والمال، فطلبه الأئمة والعامة فامتنع، ولم يقدروا عليه حتى جاء تائباً، وذلك أنه سمع رجلاً يقرأ هذه الآية: {قل يا عبادي الذين اسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه إن اللّه يغفر الذنوب جميعاً أنه هو الغفور الرحيم} فوقف عليه، فقال: يا عبد الله أعد قراءتها فأعادها عليه، فغمد سيفه، ثم جاء تائباً، حتى قدم المدينة من السحر، فاغتسل، ثم أتى مسجد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فصلى الصبح، ثم قعد إلى أبي هريرة في أغمار أصحابه، فلما أسفروا عرفه الناس، فقاموا إليه، فقال: لا سبيل لكم علي، جئت تائباً من قبل أن تقدروا علي، فقال أبو هريرة: صدق، وأخذ بيده حتى أتى مروان بن الحكم، وهو أمير على المدينة في زمن معاوية فقال: هذا جاء تائباً ولا سبيل لكم عليه، ولا قتل، فترك من ذلك كله، قال: وخرج علي تائباً مجاهداً في سبيل اللّه في البحر، فلقوا الروم، فقربوا سفينته إلى سفينة من سفنهم، فاقتحم على الروم في سفينتهم، فهربوا منه إلى شقها الآخر، فمالت به وبهم، فغرقوا جميعاً.

ِترجمة معني الآية

ِاردو | Espanol | Française | English | Malaysian | Indonesian | বাঙালি