نتيجة البحث: تفسير الآية و صورتها و تلاوتها


سورة المائدة آية 14
وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۚ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ

التفسير الميسر وأخذنا على الذين ادَّعوا أنهم أتباع المسيح عيسى -وليسوا كذلك- العهد المؤكد الذي أخذناه على بني إسرائيل: بأن يُتابعوا رسولهم وينصروه ويؤازروه، فبدَّلوا دينهم، وتركوا نصيبًا مما ذكروا به، فلم يعملوا به، كما صنع اليهود، فألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة، وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون يوم الحساب، وسيعاقبهم على صنيعهم.

تفسير الجلالين
14 - (ومن الذين قالوا إنا نصارى) متعلق بقوله (أخذنا ميثاقهم) كما أخذنا على بني إسرائيل اليهود (فنسوا حظا مما ذكروا به) في الإنجيل من الإيمان وغيره ونقضوا الميثاق (فأغرينا) أوقعنا (بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة) بتفرقهم واختلاف أهوائهم فكل فرقة تكفر الأخرى (وسوف ينبئهم الله) في الآخرة (بما كانوا يصنعون) فيجازيهم عليه

تفسير القرطبي
قوله تعالى {ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم} أي في التوحيد والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم؛ إذ هو مكتوب في الإنجيل.
{فنسوا حظا} وهو الإيمان بمحمد عليه الصلاة والسلام؛ أي لم يعملوا بما أمروا به، وجعلوا ذلك الهوى والتحريف سببا للكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم.
ومعنى {أخذنا ميثاقهم} هو كقولك : أخذت من زيد ثوبه ودرهمه؛ قاله الأخفش.
ورتبة {الذين} أن تكون بعد {أخذنا} وقيل الميثاق؛ فيكون التقدير : أخذنا من الذين قالوا إنا نصارى ميثاقهم؛ لأنه في موضع المفعول الثاني لأخذنا.
وتقديره عند الكوفيين ومن الذين قالوا إنا نصارى من أخذنا ميثاقه؛ فالهاء والميم تعودان على {من} المحذوفة، وعلى القول الأول تعودان على {الذين}.
ولا يجيز النحويون أخذنا ميثاقهم من الذين قالوا إنا نصارى، ولا ألينها لبست من الثياب؛ لئلا يتقدم مضمر على ظاهر.
وفي قولهم {إنا نصارى} ولم يقل من النصارى دليل على أنهم ابتدعوا النصرانية وتسموا بها؛ روي معناه عن الحسن.
قوله تعالى {فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء} أي هيجنا.
وقيل : ألصقنا بهم؛ مأخوذ من الغراء وهو ما يلصق الشيء بالشيء كالصمغ وشبهه.
يقال : غري بالشيء يغرى غرا (بفتح الغين) مقصورا وغراء (بكسر الغين) ممدودا إذا أولع به كأنه التصق به.
وحكى الرماني : الإغراء تسليط بعضهم على بعض.
وقيل : الإغراء التحريش، وأصله اللصوق؛ يقال : غريت بالرجل غرا - مقصور وممدود مفتوح الأول - إذ لصقت به.
وقال كثير.
إذا قيل مهلا قالت العين بالبكا ** غراء ومدتها حوافل نهل وأغريت زيدا بكذا حتى غري به؛ ومنه الغراء الذي يغري به للصوقه؛ فالإغراء بالشيء الإلصاق به من جهة التسليط عليه.
وأغريت الكلب أي أولعته بالصيد.
{بينهم} ظرف للعداوة.
{والبغضاء} البغض.
أشار بهذا إلى اليهود والنصارى لتقدم ذكرهما.
عن السدي وقتادة : بعضهم لبعض عدو.
وقيل : أشار إلى افتراق النصارى خاصة؛ قاله الربيع بن أنس، لأنهم أقرب مذكور؛ وذلك أنهم افترقوا إلى اليعاقبة والنسطورية والملكانية؛ أي كفر بعضهم بعضا.
قال النحاس : ومن أحسن ما قيل في معنى {أغرينا بينهم العداوة والبغضاء} أن الله عز وجل أمر بعداوة الكفار وإبغاضهم، فكل فرقة مأمُورة بعداوة صاحبتها وإبغاضها لأنهم كفار.
وقوله {وسوف ينبئهم الله} تهديد لهم؛ أي سيلقون جزاء نقض الميثاق.
قوله تعالى {يا أهل الكتاب} الكتاب اسم جنس بمعنى الكتب؛ فجميعهم مخاطبون.
{قد جاءكم رسولنا} محمد صلى الله عليه وسلم.
{يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب} أي من كتبكم؛ من الإيمان به، ومن آية الرجم، ومن قصة أصحاب السبت الذين مسخوا قردة؛ فإنهم كانوا يخفونها.
{ويعفو عن كثير} أي يتركه ولا يبينه، وإنما يبين ما فيه حجة على نبوته، ودلالة على صدقه وشهادة برسالته، ويترك ما لم يكن به حاجة إلى تبيينه.
وقيل {ويعفو عن كثير} يعني يتجاوز عن كثير فلا يخبركم به.
وذكر أن رجلا من أحبارهم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فقال : يا هذا عفوت عنا؟ فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين؛ وإنما أراد اليهودي أن يظهر مناقضة كلامه، فلما لم يبين له رسول الله صلى الله عليه وسلم قام من عنده فذهب وقال لأصحابه : أرى أنه صادق فيما يقول : لأنه كان وجد في كتابه أنه لا يبين له ما سأله عنه.
{قد جاءكم من الله نور} أي ضياء؛ قيل : الإسلام.
وقيل : محمد عليه السلام؛ عن الزجاج.
{وكتاب مبين} أي القرآن؛ فإنه يبين الأحكام، وقد تقدم.
{يهدي به الله من اتبع رضوانه} أي ما رضيه الله.
{سبل السلام} طرق السلامة الموصلة إلى دار السلام المنزهة عن كل آفة، والمؤمنة من كل مخافة؛ وهي الجنة.
وقال الحسن والسدي {السلام} الله عز وجل؛ فالمعنى دين الله - وهو الإسلام - كما قال {إن الدين عند الله الإسلام}[آل عمران : 19].
{ويخرجهم من الظلمات إلى النور} أي من ظلمات الكفر والجهالات إلى نور الإسلام والهدايات.
{بإذنه} أي بتوفيقه وإرادته.

تفسير ابن كثير لما أمر تعالى عباده المؤمنين بالوفاء بعهده وميثاقه الذي أخذه عليهم على لسان عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم وأمرهم بالقيام بالحق والشهادة بالعدل، وذكرهم نعمه عليهم الظاهرة والباطنة فيما هداهم له من الحق والهدى، شرع يبين لهم كيف أخذ العهود والمواثيق على من كان قبلهم من أهل الكتابين اليهود والنصارى فلما نقضوا عهوده ومواثيقه أعقبهم ذلك لعناً منه لهم، وطرداً عن بابه وجنابه، وحجاباً لقلوبهم عن الوصول إلى الهدى ودين الحق وهو العلم النافع والعمل الصالح فقال تعالى: {ولقد أخذ الله ميقاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيباً} يعني عرفاء على قبائلهم بالمبايعة والسمع والطاعة للّه ولرسوله ولكتابه، وقد ذكر ابن عباس أن هذا كان لما توجه موسى عليه السلام لقتال الجبابرة، فأمر بأن يقيم نقباء من كل سبط نقيب، وهكذا لما بايع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم الأنصار ليلة العقبة كان فيهم اثنا عشر نقيباً، ثلاثة من الأوس وهم: أسيد بن الحضير وسعد بن خيثمة وأبو الهيثم بن التيهان رضي الله عنهم، وتسعة من الخزرج وهم: أبو أمامة أسعد بن زرارة، وسعد بن الربيع، وعبد اللّه بن رواحة، ورافع بن مالك بن العجلان، والبراء بن معرور، وعبادة بن الصامت، وسعد بن عبادة، وعبد اللّه بن عمرو بن حرام، والمنذر بن عمر بن خنيس رضي اللّه عنهم، وقد ذكرهم كعب بن مالك في شعر له، كما أورده ابن إسحاق رحمه الله. والمقصود أن هؤلاء كانوا عرفاء على قومهم ليلتئذ عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم لهم بذلك، وهم الذين ولوا المعاقدة والمبايعة عن قومهم للنبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة. قال الإمام أحمد عن مسروق قال: كنا جلوساً عند عبد اللّه بن مسعود، وهو يقرئنا القرآن، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن هل سألتم رسول الله صلى الله عليه وسلم كم يملك هذه الأمة من خليفة؟ فقال عبد اللّه: ما سألني منها أحد منذ قدمت العراق قبلك، ثم قال: نعم، ولقد سألنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال: (اثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل) وأصل هذا الحديث ثابت في الصحيحين من حديث جابر بن سمرة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً)، ثم تكلم النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة خفيت عليَّ، فسالت، أي ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال: (كلهم من قريش) ومعنى هذا الحديث البشارة بوجود اثني عشر خليفة صالحاً يقيم الحق ويعدل فيهم، ولا يلزم من هذا تواليهم وتتابع أيامهم، بل قد وجد أربعة على نسق، وهم الخلفاء الأربعة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي اللّه عنهم، ومنهم عمر بن عبد العزيز بلا شك عند الأئمة، وبعض بني العباس، ولا تقوم الساعة حتى تكون ولايتهم لا محالة، والظاهر أن منهم المهدي المبشر به في الأحاديث الواردة بذكره، فذكر أنه يواطىء اسمه اسم النبي صلى الله عليه وسلم واسم أبيه فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً، وليس هذا بالمنتظر الذي تتوهم الرافضة وجوده ثم ظهوره من سرداب سامراء، فإن ذلك ليس له حقيقة ولا وجود بالكلية بل هو من هوس العقول السخيفة، وتوهم الخيالات الضعيفة، وليس المراد بهؤلاء الخلفاء الإثني عشر الأئمة الإثني عشر الذين يعتقد فيهم الروافض لجهلهم وقلة عقلهم. وفي التوراة البشارة بإسماعيل عليه السلام وأن الله يقيم من صلبه اثني عشر عظيماً وهم هؤلاء الخلفاء الإثنا عشر المذكورون في حديث ابن مسعود وجابر بن سمرة. وبعض الجهلة ممن أسلم من اليهود إذا اقترن بهم بعض الشيعة يوهمونهم أنهم الأئمة الإثنا عشر، فيتشيع كثير منهم جهلاً وسفهاً لقلة علمهم وعلم من لقنهم ذلك بالسنن الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقوله تعالى: {وقال الله إني معكم} أي بحفظي وكلاءتي ونصري {لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي} أي صدقتموهم فيم يجيئونكم به من الوحي {وعزرتموهم} أي نصرتموهم ووازرتموهم على الحق {وأقرضتم اللّه قرضاً حسناً} وهو الإنفاق في سبيله وابتغاء مرضاته {لأكفرن عنكم سيئاتكم} أي ذنوبكم أمحوها وأسترها ولا أؤاخذكم بها {ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار} أي أدفع عنكم المحذور وأحصل لكم المقصود. وقوله: {فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل} أي فمن خالف هذا الميثاق بعد عقده وتوكيده فقد أخطأ الطريق الواضح وعدل عن الهدى إلى الضلال. ثم أخبر تعالى عما حل بهم من العقوبة عند مخالفتهم ميثاقه ونقضهم عهده، فقال: {فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم} أي فبسبب نقضهم الميثاق الذي أخذ عليهم لعناهم أي أبعدناهم عن الحق وطردناهم عن الهدى {وجعلنا قلوبهم قاسية} أي فلا يتعظون بموعظة لغلظها وقساوتها، {يحرفون الكلم عن مواضعه} أي فسدت فهومهم وساء تصرفهم في آيات الله، وتأولوا كتابه على غير ما أنزله وحملوه على غير مراده، وقالوا عليه ما لم يقل، عياذاً باللّه من ذلك {ونسوا حظاً مما ذكروا به} أي وتركوا العمل به رغبة عنه. وقال الحسن: تركوا عرى دينهم ووظائف اللّه تعالى التي لا يقبل العمل إلا بها. وقال غيره: تركوا العمل فصاروا إلى حالة رديئة فلا قلوب سليمة ولا فطر مستقيمة ولا أعمال قويمة {ولا تزال تطلع على خائنة منهم} يعني مكرهم وغدرهم لك ولأصحابك. وقال مجاهد: يعني بذلك تمالؤهم على الفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم {فاعف عنهم واصفح} وهذا هو عين النصر والظفر كما قال بعض السلف (ما عاملت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه) وبهذا يحصل لهم تأليف وجمع على الحق ولعل الله أن يهديهم، ولهذا قال تعالى: {إن الله يحب المحسنين} يعني به الصفح عمن أساء إليك. وقال قتادة: هذه الآية: {فاعف عنهم واصفح} منسوخة بقوله: {قاتلوا الذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر} الآية. وقوله تعالى: {ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم} أي ومن الذين ادعوا أنهم نصارى متابعون المسيح ابن مريم عليه السلام وليسو كذلك، أخذنا عليهم العهود والمواثيق على متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ومناصرته وموازرته واقتفاء آثاره، وعلى الإيمان بكل نبي يرسله اللّه إلى أهل الأرض، ففعلوا كما فعل اليهود: خالفوا المواثيق ونقضوا العهود، ولهذا قال تعالى: {فنسوا حظاً مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة} أي فألقينا بينهم العداوة والبغضاء لبعضهم بعضاً ولا يزالون كذلك إلى قيام الساعة. وكذلك طوائف النصارى على اختلاف أجناسهم لا يزالون متباغضين متعادين يكفر بعضهم بعضاً ويلعن بعضهم بعضاً، فكل فرقة تحرم الأخرى ولا تدعها تلج معبدها: فالملكية تكفر اليعقوبية، وكذلك الآخرون، وكذلك النسطورية والأريوسية، كل طائفة تكفر الأخرى في هذه الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، ثم قال تعالى: {وسوف ينبئهم اللّه بما كانوا يصنعون} وهذا تهديد ووعيد أكيد للنصارى على ما ارتكبوه من الكذب على الله وعلى رسوله، وما نسبوه إلى الرب عزَّ وجلَّ وتقدس عن قولهم علواً كبيراً من جعلهم له صاحبة وولداً، تعالى الواحد الأحد الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد.

ِترجمة معني الآية

ِاردو | Espanol | Française | English | Malaysian | Indonesian | বাঙালি