نتيجة البحث: تفسير الآية و صورتها و تلاوتها


سورة المائدة آية 5
الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۖ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ ۖ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ۗ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ

التفسير الميسر ومن تمام نعمة الله عليكم اليوم -أيها المؤمنون- أن أَحَلَّ لكم الحلال الطيب، وذبائحُ اليهود والنصارى -إن ذكَّوها حَسَبَ شرعهم- حلال لكم وذبائحكم حلال لهم. وأَحَلَّ لكم -أيها المؤمنون- نكاح المحصنات، وهُنَّ الحرائر من النساء المؤمنات، العفيفات عن الزنى، وكذلك نكاحَ الحرائر العفيفات من اليهود والنصارى إذا أعطيتموهُنَّ مهورهن، وكنتم أعِفَّاء غير مرتكبين للزنى، ولا متخذي عشيقات، وأمِنتم من التأثر بدينهن. ومن يجحد شرائع الإيمان فقد بطل عمله، وهو يوم القيامة من الخاسرين.

تفسير الجلالين
5 - (اليوم أحل لكم الطيبات) المستلذات (وطعام الذين أوتوا الكتاب) أي ذبائح اليهود والنصارى (حل) حلال (لكم وطعامكم) إياهم (حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات) الحرائر (من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) حل لكم أن تنكحوهن (إذا آتيتموهن أجورهن) مهورهن (محصنين) متزوجين (غير مسافحين) معلنين بالزنا بهن (ولا متخذي أخدان) منهن تسرون بالزنا بهن (ومن يكفر بالإيمان) أي يرتد (فقد حبط عمله) الصالح قبل ذلك فلا يعتد به ولا يثاب عليه (وهو في الآخرة من الخاسرين) إذا مات عليه

تفسير القرطبي
فيه عشر مسائل: الأولى: قوله تعالى {اليوم أحل لكم الطيبات}، أي {اليوم أكملت لكم دينكم} و{اليوم أحل لكم الطيبات} فأعاد تأكيدا أي أحل لكم الطيبات التي سألتم عنها؛ وكانت الطيبات أبيحت للمسلمين قبل نزول هذه الآية؛ فهذا جواب سؤالهم إذ قالوا : ماذا أحل لنا ؟.
وقيل : أشار بذكر اليوم إلى وقت محمد صلى الله عليه وسلم كما يقال : هذه أيام فلان؛ أي هذا أوان ظهوركم وشيوع الإسلام؛ فقد أكملت بهذا دينكم، وأحللت لكم الطيبات.
وقد تقدم ذكر الطيبات في الآية قبل هذا.
الثانية: قوله تعالى {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم} ابتداء وخبر.
والطعام اسم لما يؤكل والذبائح منه، وهو هنا خاص بالذبائح عند كثير من أهل العلم بالتأويل.
وأما ما حرم علينا من طعامهم فليس بداخل تحت عموم الخطاب؛ قال ابن عباس : قال الله تعالى {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه}[الأنعام : 121] ، ثم استثنى فقال {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم} يعني ذبيحة اليهودي والنصراني؛ وإن كان النصراني يقول عند الذبح : باسم المسيح واليهودي يقول : باسم عزير؛ وذلك لأنهم يذبحون على الملة.
وقال عطاء : كل من ذبيحة النصراني وإن قال باسم المسيح؛ لأن الله جل وعز قد أباح ذبائحهم، وقد علم ما يقولون.
وقال القاسم بن مخيمرة : كُلْ من ذبيحته وإن قال باسم سرجس - اسم كنيسة لهم - وهو قول الزهري وربيعة والشعبي ومكحول؛ وروي عن صحابيين : عن أبي الدرداء وعبادة بن الصامت.
وقالت طائفة : إذا سمعت الكتابي يسمي غير اسم الله عز وجل فلا تأكل؛ وقال بهذا من الصحابة علي وعائشة وابن عمر؛ وهو قول طاوس والحسن متمسكين بقوله تعالى {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق}[الأنعام : 121].
وقال مالك : أكره ذلك، ولم يحرمه.
قلت : العجب من الكيا الطبري الذي حكى الاتفاق على جواز ذبيحة أهل الكتاب، ثم أخذ يستدل بذلك على أن التسمية على الذبيحة ليست بشرط فقال : ولا شك أنهم لا يسمون على الذبيحة إلا الإله الذي ليس معبودا حقيقة مثل المسيح وعزير، ولو سموا الإله حقيقة لم تكن تسميتهم على طريق العبادة، وإنما كان على طريق آخر؛ واشتراط التسمية لا على وجه العبادة لا يعقل، ووجود التسمية من الكافر وعدمها بمثابة واحدة؛ إذا لم تتصور منه العبادة، ولأن النصراني إنما يذبح على اسم المسيح، وقد حكم الله بحل ذبائحهم مطلقا، وفي ذلك دليل على أن التسمية لا تشترط أصلا كما يقول الشافعي، وسيأتي ما في هذا للعلماء في [الأنعام] إن شاء الله تعالى.
الثالثة: ولا خلاف بين العلماء أن ما لا يحتاج إلى ذكاة كالطعام الذي لا محاولة فيه كالفاكهة والبر جائز أكله؛ إذ لا يضر فيه تملك أحد.
والطعام الذي تقع فيه محاولة على ضربين : أحدهما : ما فيه محاولة صنعة لا تعلق للدين بها؛ كخبز الدقيق، وعصر الزيت ونحوه؛ فهذا إن تجنب من الذمي فعلى وجه التقزز.
والضرب الثاني : هي التذكية التي ذكرنا أنها هي التي تحتاج إلى الدين والنية؛ فلما كان القياس ألا تجوز ذبائحهم - كما نقول إنهم لا صلاة لهم ولا عبادة مقبولة - رخص الله تعالى في ذبائحهم على هذه الأمة، وأخرجها النص عن القياس على ما ذكرناه من قول ابن عباس؛ والله أعلم.
الرابعة: واختلف العلماء أيضا فيما ذكوه هل تعمل الذكاة فيما حرم عليهم أولا ؟ على قولين؛ فالجمهور على أنها عاملة في كل الذبيحة ما حل له منها وما حرم عليه، لأنه مذكى.
وقالت جماعة من أهل العلم : إنما حل لنا من ذبيحتهم ما حل لهم؛ لأن ما لا يحل لهم لا تعمل فيه تذكيتهم؛ فمنعت هذه الطائفة الطريف، والشحوم المحضة من ذبائح أهل الكتاب؛ وقصرت لفظ الطعام على البعض، وحملته الأولى على العموم في جميع ما يؤكل.
وهذا الخلاف موجود في مذهب مالك.
قال أبو عمر : وكره مالك شحوم اليهود وأكْل ما نحروا من الإبل، وأكثر أهل العلم لا يرون بذلك بأسا؛ وسيأتي هذا في [الأنعام] إن شاء الله تعالى؛ وكان مالك رحمه الله يكره ما ذبحوه إذا وجد ما ذبحه المسلم، وكره أن يكون لهم أسواق يبيعون فيها ما يذبحون؛ وهذا منه رحمه الله تنزه.
الخامسة: وأما المجوس فالعلماء مجمعون - إلا من شذ منهم - على أن ذبائحهم لا تؤكل، ولا يتزوج منهم؛ لأنهم ليسوا أهل كتاب على المشهور عند العلماء.
ولا بأس بأكل طعام من لا كتاب له كالمشركين وعبدة الأوثان ما لم يكن من ذبائحهم ولم يحتج إلى ذكاة؛ إلا الجبن؛ لما فيه من إنفحة الميتة.
فإن كان أبو الصبي مجوسيا وأمه كتابية فحكمه حكم أبيه عند مالك، وعند غيره لا تؤكل ذبيحة الصبي إذا كان أحد أبويه ممن لا تؤكل ذبيحته.
السادسة: وأما ذبيحة نصارى بني تغلب وذبائح كل دخيل في اليهودية والنصرانية فكان علي رضي الله عنه ينهى عن ذبائح بني تغلب؛ لأنهم عرب، ويقول : إنهم لم يتمسكوا بشيء من النصرانية إلا بشرب الخمر؛ وهو قول الشافعي؛ وعلى هذا فليس ينهى عن ذبائح النصارى المحققين منهم.
وقال جمهور الأمة : إن ذبيحة كل نصراني حلال؛ سواء كان من بني تغلب أو غيرهم، وكذلك اليهودي.
واحتج ابن عباس بقوله تعالى {ومن يتولهم منكم فإنه منهم}[المائدة : 51] ، فلو لم تكن بنو تغلب من النصارى إلا بتوليهم إياهم لأكلت ذبائحهم.
السابعة: ولا بأس بالأكل والشرب والطبخ في آنية الكفار كلهم، ما لم تكن ذهبا أو فضة أو جلد خنزير بعد أن تغسل وتغلى؛ لأنهم لا يتوقون النجاسات ويأكلون الميتات؛ فإذا طبخوا في تلك القدور تنجست، وربما سرت النجاسات في أجزاء قدور الفخار؛ فإذا طبخ فيها بعد ذلك توقع مخالطة تلك الأجزاء النجسة للمطبوخ في القدر ثانية؛ فاقتضى الورع الكف عنها.
وروي عن ابن عباس أنه قال : إن كان الإناء من نحاس أو حديد غسل، وإن كان من فخار أغلي فيه الماء ثم غسل - هذا إذا احتيج إليه - وقاله مالك؛ فأما ما يستعملونه لغير الطبخ فلا بأس باستعماله من غير غسل؛ لما روى الدارقطني عن عمر أنه توضأ من بيت نصراني في حُق نصرانية؛ وهو صحيح وسيأتي في [الفرقان] بكماله.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي ثعلبة الخشني قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله إنا بأرض قوم من أهل كتاب نأكل في آنيتهم، وأرض صيد، أصيد بقوسي وأصيد بكلبي المعلم، وأصيد بكلبي الذي ليس بمعلم؛ فأخبرني ما الذي يحل لنا من ذلك؟ قال : (أما ما ذكرت أنكم بأرض قوم من أهل كتاب تأكلون في آنيتهم فإن وجدتم غير آنيتهم فلا تأكلوا فيها وإن لم تجدوا فاغسلوها ثم كلوا فيها) ثم ذكر الحديث.
الثامنة: قوله تعالى {وطعامكم حل لهم} دليل على أنهم مخاطبون بتفاصيل شرعنا؛ أي إذا اشتروا منا اللحم يحل لهم اللحم ويحل لنا الثمن المأخوذ منهم.
التاسعة: قوله تعالى {والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} الآية.
قد تقدم معناها في [البقرة] و[النساء] والحمد لله.
وروي عن ابن عباس في قوله تعالى {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب}.
هو على العهد دون دار الحرب فيكون خاصا.
وقال غيره : يجوز نكاح الذمية والحربية لعموم الآية.
وروي عن ابن عباس أنه قال {المحصنات} العفيفات العاقلات.
وقال الشعبي : هو أن تحصن فرجها فلا تزني، وتغتسل من الجنابة.
وقرأ الشعبي {والمحصنات} بكسر الصاد، وبه قرأ الكسائي.
وقال مجاهد {المحصنات} الحرائر؛ قال أبو عبيد : يذهب إلى أنه لا يحل نكاح إماء أهل الكتاب؛ لقوله تعالى {فمن ما ملكت أيمانكم من فتيانكم المؤمنات}[النساء : 25] وهذا القول الذي عليه جلة العلماء.
العاشرة: قوله تعالى {ومن يكفر بالإيمان} قيل : لما قال تعالى {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب} قال نساء أهل الكتاب : لولا أن الله تعالى رضي ديننا لم يبح لكم نكاحنا؛ فنزلت {ومن يكفر الإيمان} أي بما أنزل على محمد.
وقال أبو الهيثم : الباء صلة؛ أي ومن يكفر الإيمان أي يجحده {فقد حبط عمله} وقرأ ابن السميقع {فقد حبط} بفتح الباء.
وقيل : لما ذكرت فرائض وأحكام يلزم القيام بها، ذكر الوعيد على مخالفتها؛ لما في ذلك من تأكيد الزجر عن تضييعها.
وروي عن ابن عباس ومجاهد أن المعنى : ومن يكفر بالله؛ قال الحسن بن الفضل : إن صحت هذه الرواية فمعناها برب الإيمان.
وقال الشيخ أبو الحسن الأشعري : ولا يجوز أن يسمى الله إيمانا خلافا للحشوية والسالمية؛ لأن الإيمان مصدر آمن يؤمن إيمانا، واسم الفاعل منه مؤمن؛ والإيمان التصديق، والتصديق لا يكون إلا كلاما، ولا يجوز أن يكون الباري تعالى كلاما.

تفسير ابن كثير لما ذكر تعالى ما حرمه على عباده المؤمنين من الخبائث وما أحله لهم من الطيبات قال بعده: {اليوم أحل لكم الطيبات}، ثم ذكر حكم ذبائح أهل الكتابين من اليهود والنصارى، فقال: {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم}، قال ابن عباس: يعني ذبائحهم، وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء، إن ذبائحهم حلال للمسلمن لأنهم يعتقدون تحريم الذبح لغير الله، ولا يذكرون على ذبائحهم إلا اسم اللّه، وإن اعتقدوا فيه تعالى ما هو منزه عنه تعالى وتقدس. وقد ثبت في الصحيح عن عبد الله بن مغفل قال: أدلي بجراب من شحم يوم خيبر، فحضنته، وقلت: لا أعطي اليوم من هذا أحداً والتفت فإذا النبي صلى الله عليه وسلم يتبسم، وفي الصحيح أن أهل خيبر أهدوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مصلية وقد سموا ذراعها، وكان يعجبه الذراع، فتناوله فنهش منه نهشة، فأخبره الذراع أنه مسموم فلفظه، وأثر ذلك في ثنايا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وفي أبهره، وأكل معه منها بشر بن البراء بن معرور فمات، فقتل اليهودية التي سمتها، وكان اسمها زينب وقال ابن أبي حاتم، عن مكحول قال: أنزل الله: {ولا تأكلوا مما لم ذكر اسم الله عليه} ثم نسخه الرب عزَّ وجلَّ ورحم المسلمين فقال: {اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتو الكتاب حل لكم} فنسخها بذلك وأحل طعام أهل الكتاب، وفي هذا الذي قاله مكحول رحمه الله نظر، فإنه لا يلزم من إباحته طعام أهل الكتاب إباحة أكل ما لم يذكر اسم الله عليه لأنهم يذكرون اسم الله على ذبائحهم وقرابينهم وهم متعبدون بذلك، ولهذا لم يبح ذبائح من عداهم من أهل الشرك ومن شابههم لأنهم لم يذكروا اسم الله على ذبائحهم، بل ولا يتوقفون فيما يأكلونه من اللحم على ذكاة، بل يأكلون الميتة بخلاف أهل الكتابين ومن شاكلهم من السامرة والصابئة ومن يتمسك بدين إبراهيم وشيث وغيرهما من الأنبياء على أحد قولي العلماء، ونصارى العرب كبني تغلب وتنوخ وبهرا وجذام ولخم وعاملة ومن أشبههم، لا تؤكل ذبائحهم عند الجمهور. وقال أبو جعفر بن جرير عن محمد بن عبيدة قال، قال علي: لا تأكلوا ذبائح بني تغلب لأنهم إنما يتمسكون من النصرانية بشرب الخمر، وكذا قال غير واحد من الخلف والسلف. وقوله تعالى: {وطعامكم حل لهم} أي ويحل لكم أن تطعموهم من ذبائحكم، وليس هذا إخباراً عن الحكم عندهم، اللّهم إلا أن يكون خبراً عما أمروا به من الأكل من كل طعام ذكر اسم الله عليه، سواء كان من أهل ملتهم أو غيرها، والأول أظهر في المعنى أي ولكم أن تطعموهم من ذبائحكم كما أكلتم من ذبائحهم، وهذا من باب المكافأة والمقابلة والمجازاة، كما ألبس النبي صلى الله عليه وسلم ثوبه لعبد الله بن ابي بن سلول حين مات ودفنه فيه، قالوا: لأنه كان قد كسا العباس حين قدم المدينة ثوبه، فجازاه النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فأما الحديث الذي فيه: (لا تصحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي) ""أخرجه الترمذي وأبو داود عن أبي سعيد""فمحمول على الندب والاستحباب، والله أعلم. وقوله تعالى: {والمحصنات من المؤمنات} أي وأحل لكم نكاح الحرائر العفائف من النساء المؤمنات، وذكر هذا توطئة لما بعده وهو قوله تعالى: {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} فقيل أراد بالمحصنات الحرائر دون الإماء، حكاه ابن جرير عن مجاهد، وإنما قال مجاهد: المحصنات الحرائر، فيحتمل أن يكون أراد ما حكاه عنه، ويحتمل أن يكون أراد بالحرة العفيفة، كما قال في الرواية الأخرى عنه، وهو قول الجمهور ههنا، وهو الأشبه لئلا يجتمع فيها أن تكون ذمية وهي مع ذلك غير عفيفة، فيفسد حالها بالكلية ويتحصل زواجها على ما قيل في المثل: حشفاً وسوء كيله والظاهر من الآية أن المراد من المحصنات: العفيفات عن الزنا كما قال تعالى في الآية الأخرى: {محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان}؛ وقد كان عبد اللّه بن عمر لا يرى التزويج بالنصرانية، ويقول: لا أعلم شركاً أعظم من أن تقول إن ربها عيسى، وقد قال الله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} الآية. وقال ابن أبي حاتم عن ابن عباس: نزلت هذه الآية {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} قال: فحجز الناس عنهن حتى نزلت الآية التي بعدها: {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} فنكح الناس نساء أهل الكتاب، وقد تزوج جماعة من الصحابة من نساء النصارى ولم يروا بذلك بأساً أخذاً بهذا الآية الكريمة {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} فجعلوا هذه مخصصة للتي في سورة البقرة {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} إن قيل بدخول الكتابيات في عمومها، وإلا فلا معارضة بينها لأن أهل الكتاب قد انفصلوا في ذكرهم عن المشركين في غير موضع، كقوله تعالى: {لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة} وقوله: {إذا آتيتموهن أجورهن} أي مهورهن، أي كما هن محصنات عفائف، فابذلوا لهن المهور عن طيب نفس. وقد أفتى جابر بن عبد اللّه وإبراهيم النخعي والحسن البصري: بأن الرجل إذا نكح امرأة فزنت قبل دخوله بها أنه يفرق بينهما، وترد عليه ما بذل لها من المهر، رواه ابن جرير عنهم. وقوله تعالى: {محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان} فكما شرط الإحصان في النساء، وهي العفة عن الزنا، كذلك شرطها في الرجال، وهو أن يكون الرجل أيضاً محصناً عفيفاً، ولهذا قال غير مسافحين، وهم الزناة الذين لا يرتدعون عن معصية ولا يردون أنفسهم عمن جاءهم {ولا متخذي أخدان} أي ذوي العشيقات الذين لا يفعلون إلا معهن، ولهذا ذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله إلى أنه لا يصح نكاح المرأة البغي حتى تتوب، وما دامت كذلك لا يصح تزويجها من رجل عفيف، وكذلك لا يصح عنده عقد الرجل الفاجر على عفيفة حتى يتوب ويقلع عما هو فيه من الزنا لهذا الآية، وللحديث: (لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله)، وقال ابن جرير عن الحسن قال، قال عمر بن الخطاب: لقد هممت أن لا أدع أحداً أصاب فاحشة في الإسلام أن يتزوج محصنة، فقال له أبي بن كعب: يا أمير المؤمنين الشرك أعظم من ذلك، وقد يقبل منه إذا تاب، وسيأتي الكلام على هذه المسألة مستقصى عند قوله: {الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة} ولهذا قال تعالى ههنا: {ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين}.

ِترجمة معني الآية

ِاردو | Espanol | Française | English | Malaysian | Indonesian | বাঙালি