نتيجة البحث: تفسير الآية و صورتها و تلاوتها


سورة الفلق آية 2
مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ

التفسير الميسر من شر جميع المخلوقات وأذاها.

تفسير الجلالين
2 - (من شر ما خلق) من حيوان مكلف وغير مكلف وجماد كالسم وغير ذلك

تفسير القرطبي
فيه تسع مسائل: الأولى: ""روى النسائي عن عقبة بن عامر""، قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكب، فوضعت يدي على قدمه، فقلت : أقرئني سورة [هود] أقرئني سورة [يوسف].
فقال لي : (ولن تقرأ شيئا أبلغ عند الله من {قل أعوذ برب الفلق }).
وعنه قال : بينا أنا أسير مع النبي صلى الله عليه وسلم بين الجحفة والأبواء، إذ غشتنا ريح مظلمة شديدة، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ بـ{أعوذ برب الفلق}، و{ أعوذ برب الناس }، ويقول : (يا عقبة، تعوذ بهما فما تعوذ متعوذ بمثلهما).
قال : وسمعته يقرأ بهما في الصلاة.
و""روى النسائي عن عبدالله"" قال : أصابنا طش وظلمة، فانتظرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج.
ثم ذكر كلاما معناه : فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي بنا، فقال : قل.
فقلت : ما أقول؟ قال : (قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي، وحين تصبح ثلاثا، يكفك كل شيء) وعن عقبة بن عامر الجهني قال : قال لي رسول الله صلىالله عليه وسلم : (قل).
قلت : ما أقول؟ قال قل : (قل هو الله أحد.
قل أعوذ برب الفلق.
قل أعوذ برب الناس - فقرأهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال : لم يتعوذ الناس بمثلهن، أو لا يتعوذ الناس بمثلهن).
وفي حديث ابن عباس {قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس،} هاتين السورتين .
"" وفي صحيح البخاري ومسلم عن عائشة"" أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى قرأ على نفسه بالمعوذتين وينفث، كلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه، وأمسح عنه بيده، رجاء بركتها.
النفث : النفخ ليس معه ريق.
الثانية: ثبت في الصحيحين من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم سحره يهودي من يهود بني زريق، يقال له لبيد بن الأعصم، حتى يخيل إليه أنه كان يفعل الشيء ولا يفعله، فمكث كذلك ما شاء الله أن يمكث - في غير الصحيح : سنة - ثم قال : (يا عائشة أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه.
أتاني ملكان، فجلس أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، فقال الذي عند رأسي للذي عند رجلي : ما شأن الرجل؟ قال : مطبوب.
قال ومن طبه؟ قال لبيد بن الأعصم.
قال في ماذا؟ قال في مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر، تحت راعوفة في بئر ذي أوران) فجاء البئر واستخرجه.
انتهى الصحيح.
وقال ابن عباس : (أما شعرت يا عائشة أن الله تعالى أخبرني بدائي).
ثم بعث عليا والزبير وعمار بن ياسر، فنزحوا ماء تلك البئر كأنه نقاعة الحناء، ثم رفعوا الصخرة وهي الراعوفة - صخرة تترك أسفل البئر يقوم عليها المائح، وأخرجوا الجف، فإذا مشاطة رأس إنسان، وأسنان من مشط، وإذا وتر معقود فيه إحدى عشرة عقدة مغرزة بالإبر، فأنزل الله تعالى هاتين السورتين، وهما إحدى عشرة آية على عدد تلك العقد، وأمر أن يتعوذ بهما؛ فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة، ووجد النبي صلى الله عليه وسلم خفة، حتى انحلت العقدة الأخيرة، فكأنما أنشط من عقال، وقال : ليس به بأس.
وجعل جبريل يرقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول : (باسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من شر حاسد وعين، والله يشفيك).
فقالوا : يا رسول الله، ألا نقتل الخبيث.
فقال : (أما أنا فقد شفاني الله، وأكره أن أثير على الناس شرا).
وذكر القشيري في تفسيره أنه ورد في الصححاح : أن غلاما من اليهود كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فدست إليه اليهود، ولم يزالوا به حتى أخذ مشاطة رأس النبي صلى الله عليه وسلم.
والمشاطة بضم الميم : ما يسقط من الشعر عند المشط.
وأخذ عدة من أسنان مشطه، فأعطاها اليهود، فسحروه فيها، وكان الذي تولى ذلك لبيد بن الأعصم اليهودي.
وذكر نحو ما تقدم عن ابن عباس.
الثالثة: تقدم في [البقرة] القول في السحر وحقيقته، وما ينشأ عنه من الآلام والمفاسد، وحكم الساحر؛ فلا معنى لإعادته.
الرابعة: قوله تعالى {الفلق} اختلف فيه؛ فقيل : سجن في جهنم؛ قال ابن عباس.
وقال أبي بن كعب : بيت في جهنم إذا فتح صاح أهل النار من حره.
وقال الحبلي أبو عبدالرحمن : هو اسم من أسماء جهنم.
وقال الكلبي : واد في جهنم.
وقال عبدالله بن عمر : شجرة في النار.
سعيد بن جبير : جب في النار.
النحاس : يقال لما اطمأن من الأرض فلق؛ فعلى هذا يصح هذا القول.
وقال جابر بن عبدالله والحسن وسعيد بن جبير أيضا ومجاهد وقتادة والقرظي وابن زيد : الفلق، الصبح.
وقال ابن عباس.
تقول العرب : هو أبين من فلق الصبح وفرق الصبح.
وقال الشاعر : يا ليلة لم أنمها بت مرتفقا ** أرعى النجوم إلى أن نور الفلق وقيل : الفلق : الجبال والصخور تنفرد بالمياه؛ أي تتشقق.
وقيل : هو التفليق بين الجبال والصخور؛ لأنها تتشقق من خوف الله عز وجل.
قال زهير : ما زلت أرمقهم حتى إذا هبطت ** أيدي الركاب بهم من راكس فلقا الراكس : بطن الوادي.
وكذلك هو في قول النابغة : أتاني ودوني راكس فالضواجع والراكس أيضا : الهادي، وهو الثور وسط البيدر، تدور عليه الثيران في الدياسة.
وقيل : الرحم تنفلق بالحيوان.
وقيل : إنه كل ما انفلق عن جميع ما خلق من الحيوان والصبح والحب والنوى، وكل شيء من نبات وغيره؛ قاله الحسن وغيره.
قال الضحاك : الفلق الخلق كله؛ قال : وسوس يدعو مخلصا رب الفلق ** سرا وقد أون تأوين العقق قلت : هذا القول يشهد له الاشتقاق؛ فإن الفلق الشق.
فلقت الشيء فلقا أي شققته.
والتفليق مثله.
يقال : فلقته فانفلق وتفلق.
فكل ما انفلق عن شيء من حيوان وصبح وحب ونوى وماء فهو فلق؛ قال اللة تعالى {فالق الإصباح}[الأنعام : 96] قال {فالق الحب والنوى}[الأنعام : 95].
وقال ذو الرمة يصف الثور الوحشي : حتى إذا ما انجلى عن وجهه فلق ** هاديه في أخريات الليل منتصب يعني بالفلق هنا : الصبح بعينه.
والفلق أيضا : المطمئن من الأرض بين الربوتين، وجمعه : فلقان؛ مثل خلق وخلقان، وربما قال : كان ذلك بفالق كذا وكذا؛ يريدون المكان المنحدر بين الربوتين، والفلق أيضا مقطرة السجان.
فأما الفلق بالكسر : فالداهية والأمر العجب؛ تقول منه : أفلق الرجل وافتلق.
وشاعر مفلق، وقد جاء بالفلق أي بالداهية.
والفلق أيضا : القضيب يشق باثنين، فيعمل منه قوسان، يقال لكل واحدة منهما فلق، وقولهم : جاء بعلق فلق؛ وهي الداهية؛ لا يجرى مجرى عمر.
يقال منه : أعلقت وأفلقت؛ أي جئت بعلق فلق.
ومر يفتلق في عدوه؛ أي يأتي بالعجب من شدته.
وقوله تعالى {من شر ما خلق} قيل : هو إبليس وذريته.
وقيل جهنم.
وقيل : هوعام؛ أي من شر كل ذي شر خلقه الله عز وجل.
الخامسة: قوله تعالى {ومن شر غاسق إذا وقب} اختلف فيه؛ فقيل : هو الليل.
والغسق : أول ظلمة الليل؛ يقال منه : غسقا الليل يغسق أي أظلم.
قال ابن قيس الرقيات : إن هذا الليل قد غسقا ** واشتكيت الهم والأرقا وقال آخر : يا طيف هند لقد أبقيت لي أرقا ** إذ جئتنا طارقا والليل قد غسقا هذا قول ابن عباس والضحاك وقتادة والسدي وغيرهم.
و{وقب} على هذا التفسير : أظلم؛ قاله ابن عباس.
والضحاك : دخل.
قتادة : ذهب.
يمان بن رئاب : سكن.
وقيل : نزل؛ يقال : وقب العذاب على الكافرين؛ نزل.
قال الشاعر : وقب العذاب عليهم فكأنهم ** لحقتهم نار السموم فاحصدوا وقال الزجاج : قيل الليل غاسق لأنه أبرد من النهار.
والغاسق : البارد.
والغسق : البرد؛ ولأن في الليل تخرج السباع من آجامها، والهوام من أماكنها، وينبعث أهل الشر على العبث والفساد.
وقيل : الغاسق : الثريا؛ وذلك أنها إذا سقطت كثرت الأسقام والطواعين، وإذا طلعت ارتفع ذلك؛ قال عبدالرحمن بن زيد.
وقيل : هو الشمس إذا غربت؛ قاله ابن شهاب.
وقيل : هو القمر.
قال القتبي {إذا وقب} القمر : إذا دخل في ساهوره، وهو كالغلاف له، وذلك إذا خسف به.
وكل شيء أسود فهو غسق.
وقال قتادة {إذا وقب} إذا غاب.
وهو أصح؛ لأن في الترمذي عن عائشة : أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى القمر، فقال : (يا عائشة، استعيذي بالله من شر هذا، فإن هذا هو الغاسق إذا وقب).
قال أبو عيس : هذا حديث حسن صحيح.
وقال أحمد بن يحيى ثعلب عن ابن الأعرابي في تأويل هذا الحديث : وذلك أن أهل الريب يتحينون وجبة القمر.
وأنشد : أراحني الله من أشياء أكرهها ** منها العجوز ومنها الكلب والقمر هذا يبوح وهذا يستضاء به ** وهذه ضمرز قوامة السحر وقيل : الغاسق : الحية إذا لدغت.
وكأن الغاسق نابها؛ لأن السم يغسق منه؛ أي يسيل.
ووقب نابها : إذا دخل في اللديغ.
وقيل : الغاسق : كل هاجم يضر، كائنا ما كان؛ من قولهم : غسقت القرحة : إذا جرى صديدها.
السادسة: قوله تعالى: {ومن شر النفاثات في العقد} يعني الساحرات اللائي ينفثن في عقد الخيط حين يرقين عليها.
شبه النفخ كما يعمل من يرقي.
قال الشاعر : أعوذ بربي من النافثات ** في عضه العاضه المعضه وقال متمم بن نويرة : نفثت في الخيط شبيه الرقى ** من خشية الجنة والحاسد وقال عنترة : فإن يبرأ فلم أنفث عليه ** وإن يفقد فحق له الفقود و""روى النسائي عن أبي هريرة"" قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من عقد عقدة ثم نفث فيها، فقد سحر، ومن سحر فقد أشرك، ومن تعلق شيئا وكل إليه).
واختلف في النفث عند الرقي فمنعه قوم، وأجازه آخرون.
قال عكرمة : لا ينبغي للراقي أن ينفث، ولا يمسح ولا يعقد.
قال إبراهيم : كانوا يكرهون النفث في الرقي.
وقال بعضهم : دخلت، على الضحاك وهو وجع، فقلت : ألا أعوذك يا أبا محمد؟ قال : لا شيء من ذلك ولكن لا تنفث؛ فعوذته بالمعوذتين.
وقال ابن جريج قلت لعطاء : القرآن ينفخ به أو ينفث؟ قال : لا شيء من ذلك ولكن تقرؤه هكذا.
ثم قال بعد : انفث إن شئت.
وسئل محمد بن سيرين عن الرقيه ينفث فيها، فقال : لا أعلم بها بأسا، وإذا اختلفوا فالحاكم بينهم السنة.
روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفث في الرقية؛ رواه الأئمة، وقد ذكرناه أول السورة وفي [الإسراء] .
وعن محمد بن حاطب أن يده احترقت فأتت به أمه النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل ينفث عليها ويتكلم بكلام؛ زعم أنه لم يحفظه.
وقال محمد بن الأشعث : ذهب بي إلى عائشة رضي الله عنها وفي عيني سوء، فرقتني ونفثت.
وأما ما روي عن عكرمة من قوله : لا ينبغي للراقي أن ينفث، فكأنه ذهب فيه إلى أن الله تعالى جعل النفث في العقد مما يستعاذ به، فلا يكون بنفسه عوذة.
وليس هذا هكذا؛ لأن النفث في العقد إذا كان مذموما لم يجب أن يكون النفث بلا عقد مذموما.
ولأن النفث في العقد إنما أريد به السحر المضر بالأرواح، وهذا النفث لاستصلاح الأبدان، فلا يقاس ما ينفع بما يضر.
وأما كراهة عكرمة المسح فخلاف السنة.
قال علي رضي الله عنه : اشتكيت، فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أقول : اللهم إن كان أجلي قد حضر فأرحني، وإن كان متأخرا فاشفني وعافني، وإن كان بلاء فصبرني.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم (كيف قلت)؟ فقلت له : فمسحني بيده، ثم قال : (اللم اشفه) فما عاد ذلك الوجع بعد.
وقرأ عبدالله بن عمرو وعبدالرحمن بن سابط وعيسى بن عمر ورويس عن يعقوب {من شر النافثات} في وزن (فاعلات).
ورويت عن عبدالله بن القاسم مولى أبي بكر الصديق رضي الله عنهما.
وروي أن نساء سحرن النبي صلى الله عليه وسلم في إحدى عشرة عقدة، فأنزل الله المعوذتين إحدى عشرة آية.
قال ابن زيد : كن من اليهود؛ يعني السواحر المذكورات.
وقيل : هن بنات لبيد بن الأعصم.
الثامنة: قوله تعالى {ومن شر حاسد إذا حسد} قد تقدم في سورة [النساء] معنى الحسد، وأنه تمنى زوال نعمة المحسود وإن لم يصر للحاسد مثلها.
والمنافسة هي تمني مثلها وإن لم تزل.
فالحسد شر مذموم.
والمنافسة مباحة وهي الغبطة.
وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (المؤمن يغبط، والمنافق يحسد).
"" وفي الصحيحين"" : (لا حسد إلا في اثنتين) يريد لا غبطة وقد مضى في سورة [النساء] والحمد لله.
قلت : قال العلماء : الحاسد لايضر إلا اذا ظهر حسده بفعل أو قول، وذلك بأن يحمله الحسد على إيقاع الشر بالمحسود، فيتبع مساوئه، ويطلب عثراته.
قال صلى الله عليه وسلم : (إذا حسدت فلا تبغ.
.
) الحديث.
وقد تقدم.
والحسد أول ذنب عصي الله به في السماء، وأول ذنب عصي به في الأرض، فحسد إبليس آدم، وحسد قابيل هابيل.
والحاسد ممقوت مبغوض مطرود ملعون ولقد أحسن من قال : قل للحسود إذا تنفس طعنة ** يا ظالما وكأنه مظلوم التاسعة: هذه سورة دالة على أن الله سبحانه خالق كل شر، وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتعوذ من جميع الشرور.
فقال {من شر ما خلق}.
وجعل خاتمة ذلك الحسد، تنبيها على عظمه، وكثرة ضرره.
والحاسد عدو نعمة الله.
قال بعض الحكماء : بارز الحاسد ربه من خمسة أوجه : أحدها : أنه أبغض كل نعمة ظهرت على غيره.
وثانيها : أنه ساخط لقسمة ربه، كأنه يقول : لم قسمت هذه القسمة؟ وثالثها : أنه ضاد فعل الله، أي إن فضل الله يؤتيه من يشاء، وهو يبخل بفضل الله.
ورابعها : أنه خذل أولياء الله، أو يريد خذلانهم وزوال النعمة عنهم.
وخامسها : أنه أعان عدوه إبليس.
وقيل : الحاسد لا ينال في المجالس إلا ندامة، ولا ينال عند الملائكة إلا لعنة وبغضاء، ولا ينال في الخلوة إلا جزعا وغما، ولا ينال في الآخرة إلا حزنا واحتراقا، ولا ينال من الله إلا بعدا ومقتا.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (ثلاثة لا يستجاب دعاؤهم : آكل الحرام، ومكثر الغيبة، ومن كان في قلبه غل أو حسد للمسلمين).
والله سبحانه وتعالى أعلم.

تفسير ابن كثير قال ابن عباس {الفلق} الصبح، وقال ابن جرير: وهي كقوله تعالى: {فالق الإصباح}، وقال ابن عباس: {الفلق} الخلق، أمر اللّه نبيّه أن يتعوذ من الخلق كله، وقال كعب الأحبار: {الفلق} بيت في جهنم، إذا فتح صاح جميع أهل النار من شدة حره، قال ابن جرير: والصواب القول، إنه فلق الصبح، وهذا هو الصحيح، وهو اختيار البخاري رحمه اللّه تعالى، {من شر ما خلق} أي من شر جميع المخلوقات، وقال الحسن البصري: جهنم وإبليس وذريته مما خلق، {ومن شر غاسق إذا وقب} قال مجاهد {غاسق} الليل {إذا وقب}غروب الشمس ""حكاه البخاري عنه وهو قول ابن عباس والضحّاك""، وقال الحسن وقتادة: إنه الليل إذا أقبل بظلامه، وقال الزهري: الشمس إذا غربت، وعن عطية وقتادة: {إذا وقب} الليل إذا ذهب، وقال أبو هريرة {ومن شر غاسق إذا وقب} الكوكب، قال ابن جرير: وقال آخرون: هو القمر، قالت عائشة رضي اللّه عنها: أخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بيدي فأراني القمر حين طلع، وقال: (تعوذي باللّه من شر هذا الغاسق إذا وقب) ""أخرجه أحمد والترمذي والنسائي، وقال الترمذي: حسن صحيح""، ولفظ النسائي: (تعوذي باللّه من شر هذا، هذا الغاسق إذا وقب)، قال الأولون: هذا لا ينافي قولنا، لأن القمر آية الليل، ولا يوجد له سلطان إلاّ فيه، وكذلك النجوم لا تضيء إلا بالليل، فهو يرجع إلى ما قلناه، واللّه أعلم. وقوله تعالى: {ومن شر النفاثات في العقد} قال مجاهد وعكرمة: يعني السواحر، قال مجاهد: إذا رقين ونفثن في العقد، وفي الحديث: أن جبريل جاء إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال اشتكيت يا محمد؟ فقال: (نعم)، فقال: باسم اللّه أرقيك، من كل داء يؤذيك، ومن كل شر حاسد وعين، اللّه يشفيك. ولعل هذا كان من شكواه صلى اللّه عليه وسلم حين سحر، ثم عافاه اللّه تعالى وشفاه، ورد كيد السحرة الحساد من اليهود في رءوسهم وجعل تدميرهم في تدبيرهم. روى البخاري في كتاب الطب من صحيحه، عن عائشة قالت: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سحر، حتى كان يرى أنه يأتي النساء، ولا يأتيهن. قال سفيان: وهذا أشد ما يكون من السحر إذا كان كذا فقال: (يا عائشة أعلمت أن اللّه قد أفتاني فيما استفتيته فيه؟ أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجليَّ، فقال الذي عند رأسي للآخر: ما بال الرجل؟ قال: مطبوب، قال: ومن طبه؟ قال لبيد بن أعصم رجل من بني زريق حليف اليهود كان منافقاً، فقال: وفيم؟ قال: في مشط ومشاطة، قال: وأين؟ قال: في جف طلعة ذكر، تحت راعوفة في بئر ذروان، قالت: فأتى البئر حتى استخرجه، فقال: (هذه بئر التي أُريتها وكأن ماءها نقاعة الحناء وكأن نخلها رءوس الشياطين)، قال: فاستخرج، فقلت: أفلا تنشَّرت؟ فقال: (أما اللّه فقد أشفاني، وأكره أن أثير على أحد من الناس شراً) ""أخرجه البخاري ورواه مسلم وأحمد بمثله"". وروى الثعلبي في تفسيره، قال ابن عباس وعائشة رضي اللّه عنهما: كان غلام من اليهود يخدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فدبت إليه اليهود، فلم يزالوا به حتى أخذ مشاطة رأس النبي صلى اللّه عليه وسلم، وعدة من أسنان مشطه، فأعطاها اليهود فسحروه فيها، وكان الذي تولى ذلك رجل منهم يقال له ابن أعصم ثم دسها في بئر لبني زريق، يقال له ذوران، فمرض رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وانتثر شعر رأسه ولبث ستة أشهر يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن، وجعل يذوب، ولا يدري ما عراه، فبينما هو نائم إذ أتاه ملكان فجلس أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه، فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه: ما بال الرجل؟ قال: طبَّ، قال: وما طب؟ قال: سحر، قال: ومن سحره، قال: لبيد بن الأعصم اليهودي، قال: وبم طبه؟ قال: بمشط ومشاطة، قال: وأين هو؟ قال: في جف طلعة ذكر تحت راعوفة في بئر ذروان، والجف: قشر الطلع، والراعوفة: حجر في أسفل البئر ناتئ يقوم عليه الماتح، فانتبه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: مذعوراً، وقال: (يا عائشة أما شعرت أن اللّه أخبرني بدائي)، ثم بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم علياً والزبير وعمار بن ياسر، فنزحوا ماء البئر، كأنه نقاعة الحناء، ثم رفعوا الصخرة، وأخرجوا الجف، فإذا فيه مشاطة رأسه وأسنان من مشطه، وإذا فيه وتر معقود فيه اثنا عشر عقدة مغروزة بالإبر، فأنزل اللّه تعالى السورتين، فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة، ووجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خفة حين انحلت العقدة الأخيرة، فقام كأنما نشط من عقال، وجعل جبريل عليه السلام يقول: باسم اللّه أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من حاسد وعين، اللّه يشفيك، فقالوا: يا رسول اللّه أفلا نأخذ الخبيث نقتله؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (أما أنا فقد شفاني اللّه، وأكره أن يثير على الناس شراً) ""قال ابن كثير: هكذا أورده الثعلبي بدون إسناد وفيه غرابة، وفي بعضه نكارة شديدة، ولبعضه شواهد مما تقدم"".

ِترجمة معني الآية

ِاردو | Espanol | Française | English | Malaysian | Indonesian | বাঙালি