نتيجة البحث: تفسير الآية و صورتها و تلاوتها


سورة الفيل آية 1
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ

التفسير الميسر ألم تعلم -أيها الرسول- كيف فعل ربك بأصحاب الفيل: أبرهة الحبشي وجيشه الذين أرادوا تدمير الكعبة المباركة؟

تفسير الجلالين
سورة الفيل 1 - (ألم تر) استفهام تعجب أي اعجب (كيف فعل ربك بأصحاب الفيل) هو محمود وأصحابه أبرهة ملك اليمن وجيشه بنى بصنعاء كنيسة ليصرف إليها الحاج عن مكة فأحدث رجل من كنانة فيها ولطخ قبلتها بالعذرة احتقارا بها فحلف ابرهة ليهدمن الكعبة فجاء مكة بجيشه على أفيال اليمن مقدمها محمود فحين توجهوا لهدم الكعبة أرسل الله عليهم ما قصه في قوله

تفسير القرطبي
فيه خمس مسائل: الأولى: قوله تعالى {ألم تر} أي ألم تخبر.
وقيل : ألم تخبر.
وقيل ألم تعلم.
وقال ابن عباس : ألم تسمع؟ واللفظ استفهام، والمعنى تقرير.
والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه عام؛ أي ألم تروا ما فعلت بأصحاب الفيل؛ أي قد رأيتم ذلك، وعرفتم موضع مِنَتِي عليكم، فما لكم لا تؤمنون؟ و{كيف} في موضع نصب بـ {فعل ربك} لا بـ{ألم تر كيف} في معنى الاستفهام.
الثانية: {بأصحاب الفيل} الفيل معروف، والجمع أفيال : وفيول، وفيلة.
قال ابن السكيت : ولا تقل أفيلة.
والأنثى فيلة وصاحبه فيال.
قال سيبوبه : يجوز أن يكون أصل فيل فُعلاً، فكسر من أجل الياء؛ كما قالوا : أبيض وبيض.
وقال الأخفش : هذا لا يكون في الواحد، إنما يكون في الجمع.
ورجل فيل الرأي، أي ضعيف الرأي.
والجمع أفيال.
ورجل فال؛ أي ضعيف الرأي، مخطئ الفراسة.
وقد فال الرأي يفيل فيولة، وفيل رأيه تفييلا : أي ضعفه، فهو فيل الرأي.
الثالثة: في قصة أصحاب الفيل؛ وذلك أن أبرهة بنى القليس بصنعاء، وهي كنيسة لم ير مثلها في زمانها بشيء من الأرض، وكان نصرانيا، ثم كتب إلى النجاشي : إني قد بنيت لك أيها الملك كنيسة لم يبن مثلها لملك كان قبلك، ولست بمنته حتى أصرف إليها حج العرب فلما تحدث العرب بكتاب أبرهة ذلك إلى النجاشي، غضب رجل من النسأة، فخرج حتى أتى الكنيسة، فقعد فيها - أي أحدث - ثم خرج فلحق بأرضه؛ فأخبر بذلك أبرهة، فقال : من صنع هذا؟ فقيل : صنعه رجل من أهل هذا البيت، الذي تحج إليه العرب بمكة، لما سمع قولك : أصرف إليها حج العرب غضب، فجاء فقعد فيها.
أي أنها ليست لذلك بأهل.
فغضب عند ذلك أبرهة، وحلف ليسيرن إلى البيت حتى يهدمه، وبعث رجلا كان عنده إلى بني كنانة يدعوهم إلى حج تلك الكنيسة؛ فقتلت بنو كنانة ذلك الرجل؛ فزاد أبرهة ذلك غضبا وحنقا، ثم أمر الحبشة فتهيأت وتجهزت، ثم سار وخرج معه بالفيل؛ وسمعت بذلك العرب، فأعظموه وفظعوا به، ورأوا جهاده حقا عليهم، حين سمعوا أنه يريد هدم الكعبة بيت الله الحرام.
فخرج إليه رجل من أشراف أهل اليمن وملوكهم، يقال له ذو نفر، فدعا قومه ومن أجابه من سائر العرب إلى حرب أبرهة، وجهاده عن بيت الله الحرام، وما يريد من هدمه وإخرابه؛ فأجابه من أجابه إلى ذلك، ثم عرض له فقاتله، فهزم ذو نفر وأصحابه، وأخذ له ذو نفر فأتي به أسيرا؛ فلما أراد قتله قال له ذو نفر : أيها الملك لا تقتلني، فإنه عسى أن يكون بقائي معك خيرا لك من قتلي؛ فتركه من القتل، وحبسه عنده في وثاق، وكان أبرهة رجلا حليما.
ثم مضى أبرهة على وجهه ذلك، يريد ما خرج له، حتى إذا كان بأرض خثعم عرض له نفيل بن حبيب الخثعمي في قبيلتي خثعم : شهران وناهس، ومن تبعه من قبائل العرب؛ فقاتله فهزمه أبرهة، وأخذ له نفيل أسيرا؛ فأتي به، فلما هم بقتله قال له نفيل : أيها الملك لا تقتلني فإني دليلك بأرض العرب، وهاتان يداي لك على قبيلتي خثعم : شهران وناهس، بالسمع والطاعة؛ فخلى سبيله.
وخرج به معه يدله، حتى إذا مر بالطائف خرج إليه مسعود بن معتب في رجال من ثقيف، فقالوا له : أيها الملك، إنما نحن عبيدك؛ سامعون لك مطيعون، ليس عندنا لك خلاف، وليس بيتنا هذا البيت الذي تريد - يعنون اللات - إنما تريد البيت الذي بمكة، نحن نبعث معك من يدلك عليه؛ فتجاوز عنهم.
وبعثوا معه أبا رغال، حتى أنزله المغمس فلما أنزله به مات أبو رغال هناك، فرجمت قبره العرب؛ فهو القبر الذي يرجم الناس بالمغمس، وفيه يقول الشاعر : وارجم قبره في كل عام ** كرجم الناس قبر أبي رغال فلما نزل أبرهة بالمغمس، بعث رجلا من الحبشة يقال له الأسود بن مقصود على خيل له، حتى انتهى إلى مكة فساق إليه أموال أهل تهامة من قريش وغيرهم، وأصاب فيها مائتي بعير لعبدالمطلب بن هاشم، وهو يومئذ كبير قريش وسيدها؛ فهمت قريش وكنانة وهذيل ومن كان بذلك الحرم بقتاله؛ ثم عرفوا أنهم لا طاقة لهم به، فتركوا ذلك.
وبعث أبرهة حناطة الحميري إلى مكة، وقال له : سل عن سيد هذا البلد وشريفهم، ثم قل له : إن الملك يقول : إني لم آت لحربكم، إنما جئت لهدم هذا البيت، فإن لم تعرضوا لي بحرب، فلا حاجة لي بدمائكم؛ فإن هو لم يرد حربي فأتني به.
فلما دخل حناطة مكة، سأل عن سيد قريش وشريفها؛ فقيل له : عبدالمطلب بن هاشم؛ فجاءه فقال له ما أمره به أبرهة؛ فقال له عبدالمطلب : والله ما نريد حربه، وما لنا بذلك من طاقة، هذا بيت الله الحرام، وبيت خليله إبراهيم عليه السلام، أو كما قال، فإن يمنعه منه فهو حرمه وبيته، وإن يحل بينه وبينه، فوالله ما عندنا دفع عنه.
فقال له حناطة : فانطلق إليه، فإنه قد أمرني أن آتيه بك؛ فانطلق معه عبدالمطلب، ومعه بعض بنيه، حتى أتى العسكر؛ فسأل عن ذي نفر، وكان صديقا له، حتى دخل عليه وهو في محبسه، فقال له : يا ذا نفر، هل عندك من غناء فيما نزل بنا؟ فقال له ذو نفر؛ وما غناء رجل أسير بيدي ملك، ينتظر أن يقتله غدوا وعشيا ما عندي غناء في شيء مما نزل بك، إلا أن أنيسا سائس الفيل صديق لي، فسأرسل إليه، وأوصيه بك، وأعظم عليه حقك، واسأله أن يستأذن لك على الملك، فتكلمه بما بدا لك، ويشفع لك عنده بخير إن قدر على ذلك؛ فقال حسبي.
فبعث ذو نفر إلى أنيس، فقال له : إن عبدالمطلب سيد قريش، وصاحب عين مكة، ويطعم الناس بالسهل، والوحوش في رؤوس الجبال، وقد أصاب له الملك مائتي بعير، فاستأذن له عليه، وانفعه عنده بما استطعت؛ فقال : أفعل.
فكلم أنيس أبرهة، فقال له : أيها الملك، هذا سيد قريش ببابك، يستأذن عليك، وهو صاحب عين مكة، يطعم الناس بالسهل، والوحوش في رؤوس الجبال؛ فأذن له عليك، فيكلمك في حاجته.
قال : فأذن له أبرهة.
وكان عبدالمطلب أوسم الناس، وأعظمهم وأجملهم، فلما رآه أبرهة أجله، وأعظمه عن أن يجلسه تحته؛ فنزل أبرهة عن سريره، فجلس على بساطه وأجلسه معه عليه إلى جنبه.
ثم قال لترجمانه : قل له : حاجتك؟ فقال له ذلك الترجمان، فقال : حاجتي أن يرد علي الملك مائتي بعير أصابها لي.
فلما قال له ذلك، قال أبرهة لترجمانه : قل له لقد كنت أعجبتني حين رأيتك، ثم قد زهدت فيك حين كلمتني، أتكلمني في مائتي بعير أصبتها لك، وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك، قد جئت لهدمه؟ لا تكلمني فيه.
قال له عبدالمطلب : إني أنا رب الإبل، وإن للبيت ربا سيمنعه.
قال : ما كان ليمتنع مني قال أنت وذاك.
فرد عليه إبله.
وانصرف عبدالمطلب إلى قريش، فأخبرهم الخبر، وأمرهم بالخروج من مكة والتحرز في شعف الجبال والشعاب، تخوفا عليهم معرة الجيش.
ثم قام عبدالمطلب فأخذ بحلقة باب الكعبة، وقام معه نفر من قريش، يدعون الله ويستنصرونه على أبرهة وجنده، فقال عبدالمطلب وهو آخذ بحلقة باب الكعبة : لا هم إن العبد يمـ ** ـنع رحله فامنع حلالك لا يغلبن صليبهم ** ومحالهم عدوا محالك إن يدخلوا البلد الحرا ** م فأمر ما بدا لك يقول : أي : شيء ما بدا لك، لم تكن تفعله بنا.
والحلال : جمع حل.
والمحال : القوة وقيل : إن عبدالمطلب لما أخذ بحلقة باب الكعبة قال : يا رب لا أرجو لهم سواكا ** يا رب فامنع منهم حماكا إن عدو البيت من عاداكا ** إنهم لن يقهروا قواكا وقال عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي : لا هم أخز الأسودين مقصود ** الأخذ الهجمة فيها التقليد بين حراء وثبير فالبيد ** يحبسها وهي أولات التطريد فضمها إلى طماطم سود ** قد أجمعوا ألا يكون معبود ويهدموا البيت الحرام المعمود ** والمروتين والمشاعر السود أخفره يا رب وأنت محمود قال ابن إسحاق : ثم أرسل عبدالمطلب حلقة باب الكعبة، ثم انطلق هو ومن معه من قريش إلى شعف الجبال، فتحرزوا فيها، ينتظرون ما أبرهة فاعل بمكة إذا دخلها.
فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة، وهيأ فيله، وعبأ جيشه، وكان اسم الفيل محمودا، وأبرهة مجمع لهدم البيت، ثم الانصراف إلى اليمن، فلما وجهوا الفيل إلى مكة، أقبل نفيل بن حبيب، حتى قام إلى جنب الفيل، ثم أخذ بأذنه فقال له : ابرك محمود، وارجع راشدا من حيث جئت، فإنك في بلد الله الحرام.
ثم أرسل أذنه، فبرك الفيل.
وخرج نفيل بن حبيب يشتد، حتى أصعد في الجبل.
وضربوا الفيل ليقوم فأبى، فضربوا في رأسه بالطبرزين ليقوم فأبى؛ فأدخلوا محاجن لهم في مراقه، فبزغوه بها ليقوم، فأبى، فوجهوه راجعا إلى اليمن، فقام يهرول ووجهوه إلى الشام، ففعل مثل ذلك، ووجهوه إلى المشرق، ففعل مثل ذلك، ووجهوه إلى مكة فبرك.
وأرسل الله عليهم طيرا من البحر، أمثال الخطاطيف والبلسان، مع كل طائر منها ثلاثة أحجار : حجر في منقاره، وحجران في رجليه، أمثال الحمص والعدس، لا تصيب منهم أحدا إلا هلك؛ وليس كلهم أصابت.
وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق التي جاؤوا منها، ويسألون عن نفيل بن حبيب، ليدلهم على الطريق إلى اليمن.
فقال نفيل بن حبيب حين رأى ما أنزل الله بهم من نقمه : أين المفر والإله الطالب ** والأشرم المغلوب ليس الغالب وقال أيضا : حمدت الله إذ أبصرت طيرا ** وخفت حجارة تلقى علينا فكل القوم يسأل عن نفيل ** كأن علي للحبشان دينا فخرجوا يتساقطون بكل طريق، ويهلكون بكل مهلك على كل سهل، وأصيب أبرهة في جسده، وخرجوا به معهم يسقط أنملة أنملة، كلما سقطت منه أنملة أتبعتها منه مدة تمث قيحا ودما؛ حتى قدموا به صنعاء وهو مثل فرخ الطائر، فما مات حتى انصدع صدره عن قلبه؛ فيما يزعمون.
وقال الكلبي ومقاتل بن سليمان - يزيد أحدهما وينقص - : سبب الفيل ما روي أن فتية من قريش خرجوا تجارا إلى أرض النجاشي، فنزلوا على ساحل البحر إلى بيعة للنصارى، تسميها النصاري الهيكل، فأوقدوا نارا لطعامهم وتركوها وارتحلوا؛ فهبت ريح عاصف على النار فأضرمت البيعة نارا، فاحترقت، فأتى الصريخ إلى النجاشي فأخبره، فاستشاط غضبا.
فأتاه أبرهة بن الصباح وحجر بن شرحبيل وأبو يكسوم الكنديون؛ وضمنوا له إحراق الكعبة وسبي مكة.
وكان النجاشي هو الملك، وأبرهة صاحب الجيش، وأبو يكسوم نديم الملك، وقيل وزير، وحجر بن شرحبيل من قواده، وقال مجاهد : أبو يكسوم هو أبرهة بن الصباح.
فساروا ومعهم الفيل.
قال الأكثرون : هو فيل واحد.
وقال الضحاك : هي ثمانية فيلة.
ونزلوا بذي المجاز، واستاقوا سرح مكة، وفيها إبل عبدالمطلب.
وأتى الراعي نذيرا، فصعد الصفا، فصاح : واصباحاه ثم أخبر الناس بمجيء الجيش والفيل.
فخرج عبدالمطلب، وتوجه إلى أبرهة، وسأله في إبله.
واختلف في النجاشي، هل كان معهم؛ فقال قوم كان معهم.
وقال الأكثرون : لم يكن معهم.
ونظر أهل مكة بالطير قد أقبلت من ناحية البحر؛ فقال عبدالمطلب : إن هذه الطير غريبة بأرضنا، وما هي بنجدية ولا تهامية ولا حجازية وإنها أشباه اليعاسيب.
وكان في مناقيرها وأرجلها حجارة؛ فلما أطلت على القوم ألقتها عليهم، حتى هلكوا.
قال عطاء بن أبي رباح : جاءت الطير عشية؛ فباتت ثم صبحتهم بالغداة فرمتهم.
وقال الكلبي : في مناقيرها حصى كحصى الخذف، أمام كل فرقة طائر يقودها، أحمر المنقار، أسود الرأس، طويل العنق.
فلما جاءت عسكر القوم وتوافت، أهالت ما في مناقيرها على من تحتها، مكتوب على كل حجر اسم صاحبه المقتول به.
وقيل : كان كل حجر مكتوب : من أطاع الله نجا، ومن عصاه غوى.
ثم انصاعت راجعة من حيث جاءت.
وقال العوفي : سألت عنها أبا سعيد الخدري، فقال : حمام مكة منها.
وقيل : كان يقع الحجر على بيضة أحدهم فيخرقها، ويقع في دماغه، ويخرق الفيل والدابة.
ويغيب الحجر في الأرض من شدة وقعه.
وكان أصحاب الفيل ستين ألفا، لم يرجع منهم إلا أميرهم، رجع ومعه شرذمة لطيفة.
فلما أخبروا بما رأوا هلكوا.
وقال الواقدي : أبرهة جد النجاشي الذي كان في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبرهة هو الأشرم، سمي بذلك لأنه تفاتن مع أرياط، حتى تزاحفا، ثم اتفقا على أن يلتقيا بشخصيهما، فمن غلب فله الأمر.
فتبارزا - وكان أرياط جسيما عظيما، في يده حربة، وأبرهة قصيرا حادرا ذا دين في النصرانية، ومع أبرهة وزير له يقال له عتودة - فلما دنوا ضرب أرياط بحربته رأس أبرهة، فوقعت على جبينه، فشرمت عينه وأنفه وجبينه وشفته؛ فلذلك سمي الأشرم.
وحمل عتودة على أرياط فقتله.
فاجتمعت الحبشة لأبرهة؛ فغضب النجاشي، وحلف ليحزن ناصية أبرهة، ويطأن بلاده.
فجز أبرهة ناصيته وملأ مزودا من تراب أرضه، وبعث بهما إلى النجاشي، وقال : إنما كان عبدك، وأنا عبدك، وأنا أقوم بأمر الحبشة، وقد جززت ناصيتي، وبعثت إليك بتراب أرضي، لتطأه وتبر في يمينك؛ فرضي عنه النجاشي.
ثم بنى أبرهة كنيسة بصنعاء، ليصرف إليها حج العرب؛ على ما تقدم.
الرابعة: قال مقاتل : كان عام الفيل قبل مولد النبي صلى الله عليه بأربعين سنة.
وقال الكلبي وعبيد بن عمير : كان قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث وعشرين سنة.
والصحيح ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (ولدت عام الفيل).
وروي عنه أنه قال : (يوم الفيل).
حكاه الماوردي في التفسير له.
وقال في كتاب أعلام النبوة : ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول، وكان بعد الفيل بخمسين يوما.
ووافق من شهور الروم العشرين من أسباط، في السنة الثانية عشرة من ملك هرمز بن أنوشروان.
قال : وحكى أبو جعفر الطبري أن مولد النبي صلى الله عليه وسلم كان لاثنتين وأربعين سنة من ملك أنوشروان.
وقد قيل : إنه عليه السلام حملت به أمه آمنة في يوم عاشوراء من المحرم، وولد يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان؛ فكانت مدة حمله ثمانية أشهر كملا ويومين من التاسع.
وقيل : إنه ولد يوم عاشوراء من شهر المحرم؛ حكاه ابن شاهين أبو حفص، في فضائل يوم عاشوراء له.
ابن العربي : قال ابن وهب عن مالك : ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل، وقال قيس بن مخرمة : ولدت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل.
وقد روى الناس عن مالك أنه قال : من مروءة الرجل ألا يخبر بسنه؛ لأنه إن كان صغيرا استحقروه وإن كان كبيرا استهرموه.
وهذا قول ضعيف؛ لأن مالكا لا يخبر بسن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكتم سنه؛ وهو من أعظم العلماء قدوة به.
فلا بأس بأن يخبر الرجل بسنه كان كبيرا أو صغيرا.
وقال عبدالملك بن مروان لعتاب بن أسيد : أنت أكبر أم النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال : النبي صلى الله عليه وسلم أكبر مني، وأنا أسن منه؛ ولد النبي صلى الله عليه وسلم عام الفيل، وأنا أدركت سائسه وقائده أعميين مقعدين يستطعمان الناس، وقيل لبعض القضاة : كم سنك؟ قال : سن عتاب بن أسيد حين ولاه النبي صلى الله عليه وسلم مكة، وكان سنه يومئذ دون العشرين.
الخامسة: قال علماؤنا : كانت قصة الفيل فيما بعد من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم وإن كانت قبله وقبل التحدي؛ لأنها كانت توكيدا لأمره، وتمهيدا لشأنه.
ولما تلا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه السورة، كان بمكة عدد كثير ممن شهد تلك الوقعة؛ ولهذا قال {ألم تر} ولم يكن بمكة أحد إلا وقد رأى قائد الفيل وسائقه أعميين يتكففان الناس.
وقالت عائشة رضي الله عنها مع حداثة سنها : لقد رأيت قائد الفيل وسائقه أعميين يستطعمان الناس.
وقال أبو صالح : رأيت في بيت أم هانئ بنت أبي طالب نحوا من قفيزين من تلك الحجارة، سودا مخططة بحمرة.

تفسير ابن كثير هذه من النعم التي امتن اللّه بها على قريش، فيما صرف عنهم من أصحاب الفيل، الذين كانوا قد عزموا على هدم الكعبة ومحو أثرها من الوجود، فأبادهم اللّه، وأرغم آنافهم، وخيب سعيهم، وأضل عملهم، وردهم بشر خيبة، هذه قصة أصحاب الفيل على وجه الإيجاز والاختصار. يروى أن أبرهة الأشرم بنى كنيسة هائلة بصنعاء، رفيعة البناء عالية الفِناء مزخرفة الأرجاء، سمتها العرب القليس لارتفاعها، لأن الناظر إليها تكاد تسقط قلنسوته عن رأسه من ارتفاع بنائها، وعزم أبرهة على أن يصرف حج العرب إليها كما يحج إلى الكعبة بمكة، ونادى بذلك في مملكته، فكرهت العرب ذلك، وغضبت قريش، لذلك غضباً شديداً، حتى قصدها بعضهم وتوصل إلى أن دخلها، فأحدث فيها وكرّ راجعاً، فلما رأى السدنة ذلك الحدث رفعوا أمرهم إلى ملكهم أبرهة وقالوا له: إنما صنع هذا بعض قريش غضباً لبيتهم الذي ضاهيت هذا به، فأقسم أبرهة ليسيرن إلى بيت مكة وليخربنه حجراً حجراً، ذكر مقاتل أن فتية من قريش دخلوها، فأججوا فيها ناراً، وكان يوماً فيه هواء شديد فاحترقت، فتأهب أبرهة لذلك، وصار في جيش كثيف عرمرم لئلا يصده أحد عنه، واستصحب معه فيلاً عظيماً كبير الجثة لم ير مثله، يقال له محمود ويقال: كان معه اثنا عشر فيلاً غيره، فلما سمعت العرب بمسيره أعظموا ذلك جداً، ورأوا أن حقاً عليهم المحاجبة دون البيت، ورد من أراده بكيد، فخرج إليه رجل من أشراف أهل اليمن وملوكهم يقال له ذو نفر فدعا قومه إلى حرب أبرهة وجهاده عن بيت اللّه، فأجابوه وقاتلوا أبرهة فهزمهم، ثم مضى لوجهه حتى إذا كان بأرض خثعم اعترض له نفيل بن حبيب الخثعمي في قومه فقاتلوه، فهزمهم أبرهة وأسر نفيل بن حبيب، فأراد قتله ثم عفا عنه، واستصحبه معه ليدله في بلاد الحجاز، فلما اقترب من أرض الطائف خرج إليه أهلها ثقيف، وصانعوه خيفة على بيتهم الذي عندهم الذي يسمونه اللات، فأكرمهم وبعثوا معه أبا رغال دليلاً، فلما انتهى أبرهة إلى المغمس وهو قريب من مكة نزل به، وأغار جيشه على سرح أهل مكة من الإبل وغيرها، فأخذوه، وكان في السرح مائتا بعير لعبد المطلب، وبعث أبرهة حناطة الحِمْيَري إلى مكة، وأمره أن يأتيه بأشرف قريش، وأن يخبره أن الملك لم يجئ لقتالكم إلا أن تصدُّوه عن البيت، فجاء حناطة فدل على عبد المطلب بن هاشم وبلغه عن أبرهة ما قال، فقال له عبد المطلب: واللّه ما نريد حربه، ومالنا بذلك من طاقة، هذا بيت اللّه الحرام وبيت خليله إبراهيم، فإن يمنعه منه فهو بيته وحرمه، وإن يخلي بينه وبينه، فواللّه ما عندنا دفع عنه. فقال له حناطة: فاذهب معي إليه، فذهب معه، فلما رآه أبرهة أجلّه - وكان عبد المطلب رجلاً جسيماً حسن المنظر - ونزل أبرهة عن سريره وجلس معه على البساط، وقال لترجمانه: قل له ما حاجتك؟ فقال للترجمان: إن حاجتي أن يرد عليّ الملك مائتي بعير أصابها لي، فقال أبرهة لترجمانه: قل له: لقد كنت أعجبتني حين رأيتك، ثم قد زهدت فيك حين كلمتني، أتكلمني في مائتي بعير أصبتها لك، وتترك بيتاً هو دينك ودين آبائك، قد جئت لهدمه لا تكلمني فيه؟ فقال له عبد المطلب: إني أنا رب الإبل، وإن للبيت رباً سيمنعه، قال: ما كان ليمتنع مني، قال: أنت وذاك، ويقال: إنه ذهب مع عبد المطلب جماعة من أشراف العرب، فعرضوا على أبرهة ثلث أموال تهامة على أن يرجع عن البيت، فأبى عليهم، ورد أبرهة على عبد المطلب إبله، ورجع عبد المطلب إلى قريش، فأمرهم بالخروج من مكة، والتحصن في رءوس الجبال تخوفاً عليهم من معرة الجيش، ثم قام عبد المطلب فأخذ بحلقة باب الكعبة، وقام معه نفر من قريش يدعون اللّه، ويستنصرون على أبرهة وجنده، فقال عبد المطلب وهو آخذ بحلقة باب الكعبة: اللهم إن المرء يمنع ** رحله فامنع رحالك وانصر على آل الصليب ** وعابديه اليوم آلك لا يغلبنّ صليبهم ** ومحالهم أبداً محالك ثم خرجوا إلى رءوس الجبال. وذكر مقاتل أنهم تركوا عند البيت مائة بدنة مقلدة، لعل بعض الجيش ينال منها شيئاً بغير حق فينتقم اللّه منهم، فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة وهيأ جيشه، فلما وجهوا الفيل نحو مكة، برك الفيل، وخرج نفيل بن حبيب يشتد حتى صعد في الجبل، وضربوا الفيل ليقوم، فأبى، فضربوا في رأسه بالطبرزين وأدخلوا محاجن لهم في مراقه، فنزعوه بها ليقوم، فأبى، فوجهوه راجعاً إلى اليمن، فقام يهرول، ووجهوه إلى الشام، ففعل مثل ذلك، ووجهوه إلى المشرق، ففعل مثل ذلك، ووجهوه إلى مكة فبرك، وأرسل اللّه عليهم طيراً من البحر أمثال الخطاطيف والبلسان مع كل طائر منها ثلاثة أحجار يحملها: حجر في منقاره وحجران في رجليه أمثال الحمص والعدس، لا يصيب منهم أحداً إلا هلك، وليس كلهم أصابت، وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق، ويسألون عن نفيل ليدلّهم على الطريق، هذا ونفيل على رأس الجبل مع قريش، وعرب الحجاز ينظرون ماذا أنزل اللّه بأصحاب الفيل من النقمة، وجعل نفيل يقول: أين المفر والإله الطالب ** والأشرم المغلوب ليس الغالب وذكر الواقدي بإسناده: أنهم لما تعبأوا لدخول الحرم، وهيأوا الفيل جعلوا لا يصرفونه إلى جهة من سائر الجهات إلا ذهب فيها، فإذا وجهوه إلى الحرم ربض وصاح، وجعل أبرهة يحمل على سائس الفيل وينهره ويضربه ليقهر الفيل على دخول الحرم، وعبد المطلب وجماعة من أشراف مكة على حراء ينظرون ما الحبشة يصنعون، وماذا يلقون من أمر الفيل وهو العجب العجاب، فبينما هم كذلك إذ بعث اللّه عليهم {طيراً أبابيل} أي قطعاً قطعاً صفراً دون الحمام وأرجلها حمر، ومع كل طائر ثلاثة أحجار، وجاءت فحلّقت عليهم، وأرسلت تلك الأحجار عليهم فهلكوا، قال عطاء: ليس كلهم أصابه العذاب في الساعة الراهنة، بل منهم من هلك سريعاً، ومنهم من جعل يتساقط عضواً عضواً، وهم هاربون، وكان أبرهة ممن تساقط عضواً عضواً حتى مات ببلاد خثعم، قال ابن إسحاق: فلما بعث اللّه محمداً صلى اللّه عليه وسلم، كان فيما يعد به على قريش من نعمته عليهم وفضله، ما رد عليهم من أمر الحبشة لبقاء أمرهم ومدتهم فقال: {ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل} إلى قوله: {فجعلهم كعصف مأكول}، وقوله: {لإيلاف قريش . إيلافهم . رحلة الشتاء والصيف . فليعبدوا رب هذا البيت . الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف}. قال ابن هشام: (الأبابيل) الجماعات ولم تتكلم العرب بواحدة قال: وأما (السجيل) فأخبرني يونس النحوي أنه عند العرب الشديد الصلب، (والعصف) ورق الزرع الذي لم يقضب واحدته عصفة. انتهى ما ذكره. وقال ابن عباس والضحّاك: أبابيل يتبع بعضها بعضاً، وقال الحسن البصري وقتادة: الأبابيل الكثيرة، وقال مجاهد (أبابيل) شتى متتابعة مجتمعة، وقال ابن زيد: (الأبابيل) المختلفة تأتي من ههنا، ومن ههنا، أتتهم من كل مكان، وقال عكرمة: كانت طيراً خضراً خرجت من البحر لها رءوس كرءوس السباع. وعن ابن عباس ومجاهد: كانت الطير الأبابيل مثل التي يقال لها عنقاء مغرب، وقال عبيد بن عمير: لما أراد اللّه أن يهلك أصحاب الفيل بعث عليهم طيراً أنشئت من البحر أمثال الخطاطيف، كل طير منها يحمل ثلاثة أحجار حجرين في رجليه وحجراً في منقاره، قال: فجاءت حتى صفت على رءوسهم ثم صاحت وألقت ما في أرجلها ومناقيرها، فما يقع على رأس رجل إلا وخرج من دبره، ولا يقع على شيء من جسده إلا خرج من الجانب الآخر، وبعث اللّه ريحاً شديدة فضربت الحجارة فزادتها شدة فأهلكوا جميعاً. وقال ابن عباس {حجارة من سجيل} قال: طين في حجارة. وقوله تعالى: {فجعلهم كعصف مأكول} قال سعيد بن جبير: يعني التبن الذي تسميه العامة هبور، وقال ابن عباس: العصف القشرة التي على الحبة كالغلاف على الحنطة، وقال ابن زيد: العصف ورق الزرع، وورق البقل إذا أكلته البهائم فراثته فصار دريناً، المعنى أن اللّه سبحانه وتعالى أهلكهم ودمّرهم وردهم بكيدهم وغيظهم، لم ينالوا خيراً، وأهلك عامتهم ولم يرجع منهم مخبر إلا وهو جريح، كما يروى لأمية بن أبي الصلت بن ربيعة قوله: إن آيات ربنا باقيات ** ما يماري فيهن إلا الكفور خلق الليل والنهار فكل ** مستبين حسابه مقدور ثم يجلو النهار رب رحيم ** بمهاة شعاعها منشور حبس الفيل بالمغمّس حتى ** صار يحبو كأنه معقور خلّفوه ثم ابذعرّوا جميعاً ** كلهم عظم ساقه مكسور كل دِين يوم القيامة عند اللّه ** إلا دِين الحنيفة بور وقد قدمنا في تفسير سورة الفتح أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما أطل يوم الحديبية على الثنية التي تهبط به على قريش بركت ناقته، فزجرها فألحت، فقالوا: خلأت القصواء، أي حرنت، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل)، ثم قال: (والذي نفسي بيده لا يسألوني اليوم خطة يعظمون فيها حرمات اللّه إلا أجبتهم إليها)، ثم زجرها فقامت ""الحديث أخرجه البخاري"". وفي الصحيحين أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال يوم فتح مكة: (إن اللّه حبس عن مكة الفيل وسلّط عليها رسوله والمؤمنين، وإنه قد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، ألا فيبلغ الشاهد الغائب).

ِترجمة معني الآية

ِاردو | Espanol | Française | English | Malaysian | Indonesian | বাঙালি