نتيجة البحث: تفسير الآية و صورتها و تلاوتها


سورة القدر آية 5
سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ

التفسير الميسر هي أمن كلها، لا شرَّ فيها إلى مطلع الفجر.

تفسير الجلالين
5 - (سلام هي) خبر مقدم ومبتدأ (حتى مطلع الفجر) بفتح اللام وكسرها إلى وقت طلوعه جعلت سلاما لكثرة السلام فيها من الملائكة لا تمر بمؤمن ولا بمؤمنة إلا سلمت عليه

تفسير القرطبي
قيل : إن تمام الكلام {من كل أمر} ثم قال {سلام}.
روي ذلك عن نافع وغيره؛ أي ليلة القدر سلامة وخير كلها لا شر فيها.
{حتى مطلع الفجر} أي إلى طلوع الفجر.
قال الضحاك : لا يقدر اللّه في تلك الليلة إلا السلامة، وفي سائر الليالي يقضي بالبلايا والسلامة وقيل : أي هي سلام؛ أي ذات سلامة من أن يؤثر فيها شيطان في مؤمن ومؤمنة.
وكذا قال مجاهد : هي ليلة سالمة، لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءا ولا أذى.
وروي مرفوعا.
وقال الشعبي : هو تسليم الملائكة على أهل المساجد، من حين تغيب الشمس إلى أن يطلع الفجر؛ يمرون على كل مؤمن، ويقولون : السلام عليك أيها المؤمن.
وقيل : يعني سلام الملائكة بعضهم على بعض فيها.
وقال قتادة {سلام هي} : خير هي.
{حتى مطلع الفجر} أي إلى مطلع الفجر.
وقرأ الكسائي وابن محيصن {مطلع} بكسر اللام، الباقون بالفتح.
والفتح والكسر : لغتان في المصدر.
والفتح الأصل في فعل يفعل؛ نحو المقتل والمخرج.
والكسر على أنه مما شذ عن قياسه؛ نحو المشرق والمغرب والمنبت والمسكن والمنسك والمحشر والمسقط والمجزر.
حكى في ذلك كله الفتح والكسر، على أن يراد به المصدر لا الاسم.
وهنا ثلاث مسائل : الأولى : في تعيين ليلة القدر؛ وقد اختلف العلماء في ذلك.
والذي عليه المعظم أنها ليلة سبع وعشرين؛ لحديث زر بن حبيش قال : قلت لأبي بن كعب : إن أخاك عبدالله بن مسعود يقول : من يقم الحول يصب ليلة القدر.
فقال : يغفر اللّه لأبي عبدالرحمن! لقد علم أنها في العشر الأواخر من رمضان، وأنها ليلة سبع وعشرين؛ ولكنه أراد ألا يتكل الناس؛ ثم حلف لا يستثني : أنها ليلة سبع وعشرين.
قال قلت : بأي شيء تقول ذلك يا أبا المنذر؟ قال : بالآية التي أخبرنا بها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، أو بالعلامة أن الشمس تطلع يومئذ لا شعاع لها.
قال الترمذي : حديث حسن صحيح.
وخرجه مسلم.
وقيل : هي في شهر رمضان دون سائر العام؛ قاله أبو هريرة وغيره.
وقيل : هي في ليالي السنة كلها.
فمن علق طلاق امرأته أو عتق عبده بليلة القدر، لم يقع العتق والطلاق إلا بعد مضى سنة من يوم حلف.
لأنه لا يجوز إيقاع الطلاق بالشك، ولم يثبت اختصاصها بوقت؛ فلا ينبغي وقوع الطلاق إلا بمضى حول.
وكذلك العتق؛ وما كان مثله من يمين أو غيره.
وقال ابن مسعود : من يقم الحول يصبها؛ فبلغ ذلك ابن عمر، فقال : يرحم اللّه أبا عبدالرحمن! أما إنه علم أنها في العشر الأواخر من شهر رمضان، ولكنه أراد ألا يتكل الناس.
وإلى هذا القول ذهب أبو حنيفة أنها في جميع السنة.
وقيل عنه : إنها رفعت - يعني ليلة القدر - وأنها إنما كانت مرة واحدة؛ والصحيح أنها باقية.
وروي عن ابن مسعود أيضا : أنها إذا كانت في يوم من هذه السنة، كانت في العام المقبل في يوم آخر.
والجمهور على أنها في كل عام من رمضان.
ثم قيل : إنها الليلة الأولى من الشهر؛ قال أبو رزين العقيلي.
وقال الحسن وابن إسحاق وعبدالله بن الزبير : هي ليلة سبع عشرة من رمضان، وهي الليلة التي كانت صبيحتها وقعة بدر.
كأنهم نزعوا بقوله تعالى {وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان} [الأنفال : 41]، وكان ذلك ليلة سبع عشرة، وقيل هي ليلة التاسع عشر.
والصحيح المشهور : أنها في العشر الأواخر من رمضان؛ وهو قول مالك والشافعي والأوزاعي وأبي ثور وأحمد.
ثم قال قوم : هي ليلة الحادي والعشرين.
ومال إليه الشافعي رضي اللّه عنه، لحديث الماء والطين ورواه أبو سعيد الخدري، خرجه مالك وغيره.
وقيل ليلة الثالث والعشرين؛ لما رواه ابن عمر أن رجلا قال : يا رسول اللّه إني رأيت ليلة القدر في سابعة تبقى.
فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : (أرى رؤياكم قد تواطأت على ثلاث وعشرين، فمن أراد أن يقوم من الشهر شيئا فليقم ليلة ثلاث وعشرين).
قال معمر : فكان أيوب يغتسل ليلة ثلاث وعشرين ويمس طيبا.
وفي صحيح مسلم أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال : (إني رأيت أني أسجد في صبيحتها في ماء وطين).
قال عبدالله بن أنيس : فرأيته في صبيحة ليلة ثلاث وعشرين في الماء والطين، كما أخبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.
وقيل : ليلة خمس وعشرين؛ لحديث أبي سعيد الخدري : أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال : (التمسوها في العشر.
الأواخر في تاسعة تبقى، في سابعه تبقى، في خامسة تبقى).
"" رواه مسلم،"" قال مالك : يريد بالتاسعة ليلة إحدى وعشرين، والسابعة ليلة ثلاث وعشرين، والخامسة ليلة خمس وعشرين.
وقيل : ليلة سبع وعشرين.
وقد مضى دليله، وهو قول علي رضي اللّه عنه وعائشة ومعاوية وأبيّ بن كعب.
وروى ابن عمر أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال : (من كان متحريا ليلة القدر، فليتحرها ليلة سبع وعشرين).
وقال أبيّ بن كعب : سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول : (ليلة القدر ليلة سبع وعشرين).
وقال أبو بكر الوراق : إن اللّه تعالى قسم ليالي هذا الشهر - شهر رمضان - على كلمات هذه السورة، فلما بلغ السابعة والعشرين أشار إليها فقال : هي وأيضا فإن ليلة القدر كرر ذكرها ثلاث مرات، وهي تسعة أحرف، فتجيء سبعا وعشرين.
وقيل : هي ليلة تسع وعشرين؛ لما روي أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال ليلة القدر التاسعة والعشرون - أو السابعة والعشرون - وأن الملائكة في تلك الليلة بعدد الحصى .
وقد قيل : إنها في الأشفاع.
قال الحسن : ارتقبت الشمس ليلة أربع وعشرين عشرين سنة، فرأيتها تطلع بيضاء لا شعاع لها.
يعني من كثرة الأنوار في تلك الليلة.
وقيل إنها مستورة في جميع السنة، ليجتهد المرء في إحياء جميع الليالي.
وقيل : أخفاها في جميع شهر رمضان، ليجتهدوا في العمل والعبادة ليالي شهر رمضان، طمعا في إدراكها، كما أخفى الصلاة الوسطى في الصلوات، واسمه الأعظم في أسمائه الحسنى، وساعة الإجابة في ساعات الجمعة وساعات الليل، وغضبه في المعاصي، ورضاه في الطاعات، وقيام الساعة في الأوقات، والعبد الصالح بين العباد؛ رحمة منه وحكمة.
الثانية : في علاماتها : منها أن الشمس، تطلع في صبيحتها بيضاء لا شعاع لها.
وقال الحسن قال النبي صلى اللّه عليه وسلم في ليلة القدر : (إن من أماراتها : أنها ليلة سمحة بلجة، لا حارة ولا باردة، تطلع، الشمس صبيحتها ليس لها شعاع).
وقال عبيد بن عمير : كنت ليلة السابع والعشرين في البحر، فأخذت من مائه، فوجدته عذبا سلسا.
الثالثة : في فضائلها.
وحسبك بقوله تعالى {ليلة القدر خير من ألف شهر} وقوله تعالى{تنزل الملائكة والروح فيه}.
"" وفي الصحيحين"" : (من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر اللّه له ما تقدم من ذنبه) رواه أبو هريرة.
وقال ابن عباس : قال النبي صلى اللّه عليه وسلم : (إذا كان ليلة القدر، تنزل الملائكة الذين هم سكان سدرة المنتهى، منهم جبريل، ومعهم ألوية ينصب منها لواء على قبري، ولواء على بيت المقدس، ولواء على المسجد الحرام، ولواء على طور سيناء، ولا تدع فيها مؤمنا ولا مؤمنة إلا تسلم عليه، إلا مدمن الخمر، وآكل الخنزير، والمتضمخ بالزعفران) : وفي الحديث : (إن الشيطان لا يخرج في هذه الليلة حتى يضيء فجرها، ولا يستطيع أن يصيب فيها أحدا بخبل ولا شيء من الفساد، ولا ينفذ فيها سحر ساحر{.
وقال الشعبي : وليلها كيومها، ويومها كليلها.
وقال الفراء؛ لا يقدر اللّه في ليلة القدر إلا السعادة والنعم، ويقدر في غيرها البلايا والنقم؛ وقد تقدم عن الضحاك.
ومثله لا يقال من جهة الرأي، فهو مرفوع.
واللّه أعلم.
"" وقال سعيد بن المسيب في الموطأ"" : (من شهد العشاء من ليلة القدر، فقد أخذ بحظه منها)، ومثله لا يدرك بالرأي.
وقد روى عبيدالله بن عامر بن ربيعة : أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال : (من صلى صلاة المغرب والعشاء الآخرة من ليلة القدر في جماعة فقد أخذ بحظه من ليلة القدر) ذكره الثعلبي في تفسيره.
وقالت عائشة رضي اللّه عنها : قلت : يا رسول اللّه إن وافقت ليلة القدر فما أقول؟ قال : (قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني).
.

تفسير ابن كثير يخبر تعالى أنه أنزل القرآن {ليلة القدر} وهي الليلة المباركة التي قال اللّه عزَّ وجلَّ: {إنا أنزلناه في ليلة مباركة} وهي من شهر رمضان، كما قال تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن}، قال ابن عباس: أنزل اللّه القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا، ثم نزل مفصلاً بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ثم قال تعالى معظماً لشأن ليلة القدر التي اختصها بإنزال القرآن الكريم فيها، فقال: {وما أدراك ما ليلة القدر . ليلة القدر خير من ألف شهر}. روى ابن أبي حاتم، عن مجاهد أن النبي صلى اللّه عليه وسلم ذكر رجلاً من بني إسرائيل لبس السلاح في سبيل الله ألف شهر، قال: فعجب المسلمون من ذلك قال: فأنزل اللّه عزَّ وجلَّ: {إنا أنزلناه في ليلة القدر . وما أدراك ما ليلة القدر . ليلة القدر خير من ألف شهر} التي لبس ذلك الرجل السلاح في سبيل اللّه ألف شهر ""أخرجه ابن أبي حاتم""، وروى ابن جرير، عن مجاهد قال: كان في بني إسرائيل رجل يقوم الليل حتى يصبح، ثم يجاهد العدّو بالنهار حتى يمسي، ففعل ذلك ألف شهر، فأنزل اللّه هذه الآية {ليلة القدر خير من ألف شهر} قيام تلك الليلة، خير من عمل ذلك الرجل ""أخرجه ابن جرير عن مجاهد موقوفاً"". وقال سفيان الثوري: بلغني عن مجاهد ليلة القدر خير من ألف شهر قال: عملها وصيامها وقيامها خير من ألف شهر، وعن مجاهد: ليلة القدر خير من ألف شهر ليس في تلك الشهور ليلة القدر، وقال عمرو بن قيس: عملٌ فيها خير من ألف شهر، وهذا القول بأنها أفضل من عبادة ألف شهر ليس فيها ليلة القدر هو اختيار ابن جرير، والصواب، كقوله صلى اللّه عليه وسلم: (رباط ليلة في سبيل اللّه خير من ألف ليلة فيما سواه من المنازل) ""أخرجه أحمد"". وفي الحديث الصحيح في فضائل رمضان قال عليه السلام: (فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم) ""أخرجه أحمد والنسائي""ولما كانت ليلة القدر تعدل عبادتها عبادة ألف شهر، ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) ""أخرجه الشيخان"". وقوله تعالى: {تنزّل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر} أي يكثر تنزل الملائكة في هذه الليلة لكثرة بركتها، والملائكة يتنزلون مع تنزل البركة والرحمة، كما يتنزلون عند تلاوة القرآن، ويحيطون بحلق الذكر، ويضعون أجنحتهم لطالب العلم تعظيماً له، وأما الروح فقيل: المراد به ههنا جبريل عليه السلام، فيكون من باب عطف الخاص على العام، وقيل: هم ضرب من الملائكة كما تقدم في سورة النبأ، واللّه أعلم. وقوله تعالى: {من كل أمر} قال مجاهد: سلام هي من كل أمر، وقال سعيد بن منصور عن مجاهد في قوله: {سلام هي} قال: هي سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءاً، أو يعمل فيها أذى، وقال قتادة: تقضى فيها الأمور، وتقدر الآجال والأرزاق، كما قال تعالى: {فيها يفرق كل أمر حكيم}وروى أبو داود الطيالسي، عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال في ليلة القدر: (إنها ليلة سابعة، أو تاسعة وعشرين، وإن الملائكة تلك الليلة في الأرض أكثر من عدد الحصى) ""رواه الطيالسي"". وقال قتادة وابن زيد في قوله: {سلام هي} يعني هي خير كلها ليس فيها شر إلى مطلع الفجر، وأمارة ليلة القدر أنها صافية بلجة، كأن فيها قمراً ساطعاً، ساكنة ساجية لا برد فيها ولا حر، والشمس صبيحتها تخرج مستوية ليس لها شعاع مثل القمر ليلة البدر، عن ابن عباس أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال في ليلة القدر: (ليلة سمحة طلقة لا حارة ولا باردة وتصبح شمس صبيحتها ضعيفة حمراء) ""أخرجه الطيالسي""، وعن جابر بن عبد اللّه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (إني رأيت ليلة القدر فأنسيتها وهي في العشر الأواخر من لياليها وهي طلقة بلجة، لا حارة ولا باردة، كأن فيها قمراً لا يخرج شيطانها حتى يضيء فجرها). فصل. اختلف العلماء هل كانت ليلة القدر في الأمم السالفة أو هي من خصائص هذه الأمة؟ فقال الزهري: حدثنا مالك أنه بلغه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أُرِيَ أعمار الناس قبله أو ما شاء اللّه من ذلك، فكأنه تقاصر أعمار أُمته ألا يبلغوا من العمل الذي بلغ غيرهم في طول العمر، فأعطاه اللّه ليلة القدر خيراً من ألف شهر ""أخرجه مالك""، وهذا الذي قاله مالك يقتضي تخصيص هذه الأمة بليلة القدر، وقيل: إنها كانت في الأمم الماضين كما هي في أمتنا، ثم هي باقية إلى يوم القيامة وفي رمضان خاصة لا كما روي عن ابن مسعود ومن تابعه من علماء أهل الكوفة من أنها توجد في جميع السنة، وترتجى في جميع الشهور على السواء، وقد ترجم أبو داود في سننه على هذا فقال: باب بيان أن ليلة القدر في كل رمضان ثم روى بسنده عن عبد اللّه بن عمر قال: سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأنا أسمع عن ليلة القدر؟ فقال: (هي في كل رمضان) ""أخرجه أبو داود""، وقد حكي عن أبي حنيفة رحمه اللّه رواية أنها ترتجى في كل شهر رمضان وهو وجه حكاه الغزالي. فصل. ثم قد قيل: إنها تكون في أول ليلة من شهر رمضان، وقيل: إنها تقع ليلة سبع عشرة، وهو قول الشافعي، ويحكى عن الحسن البصري، ووجهوه بأنها ليلة بدر، وكانت ليلة جمعة هي السابعة عشرة من شهر رمضان، وفي صبيحتها كانت وقعة بدر، وهو اليوم الذي قال اللّه تعالى فيه: يوم الفرقان وقيل: ليلة تسع عشرة، يحكى عن علي وابن مسعود، وقيل: ليلة إحدى وعشرين لحديث أبي سعيد الخدري قال: اعتكف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في العشر الأول من رمضان، واعتكفنا معه، فأتاه جبريل فقال: إن الذي تطلب أمامك، فاعتكف العشر الأوسط، فاعتكفنا معه، فأتا جبريل فقال: الذي تطلب أمامك، ثم قام النبي صلى اللّه عليه وسلم خطيباً صبيحة عشرين من رمضان، فقال: (من كان اعتكف معي فليرجع فإني رأيت ليلة القدر، وإني أنسيتها وإنها في العشر الأواخر في وتر، وإني رأيت كأني أسجد في طين وماء)، وكان سقف المسجد جريداً من النخل، وما نرى في السماء شيئاً، فجاءت قزعة، فمطرنا فصلّى بنا النبي صلى اللّه عليه وسلم، حتى رأيت أثر الطين والماء على جبهة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تصديق رؤياه في صبح إحدى وعشرين) ""أخرجه الشيخان"". قال الشافعي: وهذا الحديث أصح الروايات، وقيل: ليلة ثلاث وعشرين، وقيل: تكون ليلة خمس وعشرين لما رواه البخاري عن عبد اللّه بن عباس أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (التمسوها في العشر الأواخر من رمضان في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى) ""أخرجه البخاري"" فسره كثيرون بليالي الاوتار، وهو أظهر وأشهر، وحمله آخرون على الأشفاع. وقيل: إنها تكون ليلة سبع وعشرين، لما رواه مسلم في صحيحه عن أُبي بن كعب عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنها ليلة سبع وعشرين، قال الإمام أحمد: عن زر: سألت أُبي بن كعب قلت: أبا المنذر إن أخاك ابن مسعود يقول: من يقم الحول يصب ليلة القدر، قال: يرحمه اللّه لقد علم أنها في شهر رمضان، وأنها ليلة سبع وعشرين، ثم حلف، قلت: وكيف تعلمون ذلك؟ قال: بالعلامة أو بالآية التي أخبرنا بها، تطلع ذلك اليوم لاشعاع لها يعني الشمس ""أخرجه أحمد ورواه مسلم بنحوه"". وهو قول طائفة من السلف، ومذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه اللّه، وهو رواية عن أبي حنيفة أيضاً، وقيل: إنها تكون في ليلة تسع وعشرين، روى الإمام أحمد بن حنبل عن عبادة بن الصامت أنه سأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن ليلة القدر، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (في رمضان فالتمسوها في العشر الأواخر فإنها وتر إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين أو خمس وعشرين أو سبع وعشرين أو تسع وعشرين أو في آخر ليلة) ""أخرجه أحمد"". وعن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال في ليلة القدر: (إنها في ليلة سابعة أو تاسعة وعشرين، وإن الملائكة تلك الليلة في الأرض أكثر من عدد الحصى) ""أخرجه أحمد"". وقيل: إنها تكون في آخر ليلة لما تقدم من هذا الحديث آنفاً، ولما رواه الترمذي والنسائي من حديث عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي بكر أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (في تسع يبقين أو سبع يبقين أو خمس يبقين أو ثلاث يبقين أو آخر ليلة يعني التمسوا ليلة القدر) ""أخرجه الترمذي والنسائي، وقال الترمذي: حسن صحيح"". وفي المسند من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم في ليلة القدر: (إنها آخر ليلة). فصل. قال الشافعي في هذه الروايات: صدرت من النبي صلى اللّه عليه وسلم جواباً للسائل إذا قيل له: أنلتمس ليلة القدر في الليلة الفلانية؟ يقول: (نعم)، وإنما ليلة القدر ليلة معينة لا تنتقل، وروي عن أبي قلابة أنه قال: ليلة القدر تنتقل في العشر الأواخر؛ وهذا الذي حكاه عن أبي قلابة هو الأشبه، واللّه أعلم. وقد يستأنس لهذا القول بما ثبت في الصحيحين عن عبد اللّه بن عمر أن رجالاً من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر من رمضان، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها، فليتحرها في السبع الأواخر ""أخرجاه في الصحيحين""، وفيهما أيضاً عن عائشة رضي اللّه عنها أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان) ""أخرجه الشيخان، واللفظ للبخاري"". ويحتج الشافعي أنها لا تنتقل وأنها معينة من الشهر بما رواه البخاري في صحيحه عن عبادة بن الصامت قال: خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين فقال: (خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرفعت، وعسى أن يكون خيراً لكم فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة) ""أخرجه البخاري""، وجه الدلالة منه أنها لو لم تكن معينة مستمرة التعيين لما حصل لهم العلم بعينها في كل سنة، إذ لو كانت تنتقل لما علموا تعيينها إلا ذلك العام فقط، اللهم إلا أن يقال إنه إنما خرج ليعلمهم بها تلك السنة فقط، وقوله: (فتلاحى فلان وفلان فرفعت) فيه استئناس لما يقال: إن المماراة تقطع الفائدة والعلم النافع، كما جاء في الحديث: (إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه) وقوله: (فرفعت) أي رفع علم تعينها لكم، لا أنها رفعت بالكلية من الوجود، كما يقوله جهلة الشيعة، لأنه قد قال بعد هذا: (فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة)، وقوله: (وعسى أن يكون خيراً لكم) يعني عدم تعينها لكم فإنها إذا كانت مبهمة اجتهد طلابها في ابتغائها في جميع محال رجائها، فكان أكثر للعبادة بخلاف ما إذا علموا عينها، فإنها كانت الهمم تتقاصر على قيامها فقط، وإنما اقتضت الحكمة إبهامها لتعم العبادة جميع الشهر في ابتغائها، ويكون الاجتهاد في العشر الأخير أكثر، ولهذا كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه اللّه عزَّ وجلَّ، ثم اعتكف أزواجه بعده، عن ابن عمر: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان ""أخرجاه في الصحيحين""، وقالت عائشة: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله، وشد المئزر، ولمسلم عنها: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يجتهد في العشر ما لا يجتهد في غيره، وهذا معنى قولها وشد المئزر، وقيل: المراد بذلك اعتزال النساء، ويحتمل أن يكون كناية عن الأمرين لما رواه الإمام أحمد، عن عائشة قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا بقي عشر من رمضان شد مئزره، واعتزل نساءه، وقد حكي عن مالك رحمه اللّه أن جميع ليالي العشر في تطلب ليلة القدر على السواء، لا يترجح منها ليلة على أُخرى، والمستحب الإكثار من الدعاء في جميع الأوقات وفي شهر رمضان أكثر، وفي العشر الأخير منه، ثم في أوتاره أكثر، والمستحب أن يكثر من هذا الدعاء: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني، لما رواه الإمام أحمد عن عبد اللّه ابن بريدة أن عائشة قالت: يا رسول اللّه: إن وافقت ليلة القدر فما أدعو؟ قال: (قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني) ""أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة"".

ِترجمة معني الآية

ِاردو | Espanol | Française | English | Malaysian | Indonesian | বাঙালি