نتيجة البحث: تفسير الآية و صورتها و تلاوتها


سورة البروج آية 4
قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ

التفسير الميسر أقسم الله تعالى بالسماء ذات المنازل التي تمر بها الشمس والقمر، وبيوم القيامة الذي وعد الله الخلق أن يجمعهم فيه، وشاهد يشهد، ومشهود يشهد عليه. ويقسم الله- سبحانه- بما يشاء من مخلوقاته، أما المخلوق فلا يجوز له أن يقسم بغير الله، فإن القسم بغير الله شرك. لُعن الذين شَقُّوا في الأرض شقًا عظيمًا؛ لتعذيب المؤمنين، وأوقدوا النار الشديدة ذات الوَقود، إذ هم قعود على الأخدود ملازمون له، وهم على ما يفعلون بالمؤمنين من تنكيل وتعذيب حضورٌ. وما أخذوهم بمثل هذا العقاب الشديد إلا أن كانوا مؤمنين بالله العزيز الذي لا يغالَب، الحميد في أقواله وأفعاله وأوصافه، الذي له ملك السماوات والأرض، وهو- سبحانه- على كل شيء شهيد، لا يخفى عليه شيء.

تفسير الجلالين
4 - (قتل) لعن (أصحاب الأخدود) الشق في الأرض

تفسير القرطبي
قوله تعالى {قتل أصحاب الأخدود} ي لعن.
قال ابن عباس : كل شيء في القرآن {قتل} فهو لعن.
وهذا جواب القسم في قول الفراء - واللام فيه مضمرة؛ كقوله {والشمس وضحاها}[الشمس : 1] ثم قال {قد أفلح من زكاها}[الشمس : 9] : أي لقد أفلح.
وقيل : فيه تقديم وتأخير؛ أي قتل أصحاب الأخدود والسماء ذات البروج؛ قاله أبو حاتم السجستاني.
ابن الأنباري : وهذا غلط لأنه لا يجوز لقائل أن يقول : والله قام زيد على معنى قام زيد والله.
وقال قوم : جواب القسم {إن بطش ربك لشديد} وهذا قبيح؛ لأن الكلام قد طال بينهما.
وقيل {إن الذين فتنوا}.
وقيل : جواب القسم محذوف، أي والسماء ذات البروج لتبعثن.
وهذا اختيار ابن الأنباري.
والأخدود : الشق العظيم المستطيل في الأرض كالخندق، وجمعه أخاديد.
ومنه الخد لمجاري الدموع، والمخدة؛ لأن الخد يوضع عليها.
ويقال : تخدد وجه الرجل : إذا صارت فيه أخاديد من جراح.
قال طرفة : ووجه كأن الشمس حلت رداءها ** عليه نقي اللون لم يتخدد {النار ذات الوقود} {النار} بدل من {الأخدود} بدل الاشتمال.
و{الوقود} بفتح الواو قراءة العامة وهو الحطب.
وقرأ قتادة وأبو رجاء ونصر بن عاصم بضم الواو على المصدر؛ أي ذات الاتقاد والالتهاب.
وقيل : ذات الوقود بأبدان الناس.
وقرأ أشهب العقيلي وأبو السمال العدوي وابن السميقع {النار ذات} بالرفع فيهما؛ أي أحرقتهم النار ذات الوقود.
قوله تعالى {إذ هم عليها قعود} أي الذين خددوا الأخاديد وقعدوا عليها يلقون فيها المؤمنين، وكانوا بنجران في الفترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم.
وقد اختلفت الرواة في حديثهم.
والمعنى متقارب.
ففي صحيح مسلم عن صهيب : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كان ملك فيمن كان قبلكم، وكان له ساحر؛ فلما كبر قال للملك : إني قد كبرت فابعث إلى غلاما أعلمه السحر؛ فبعث إليه غلاما يعلمه؛ فكان في طريقه إذا سلك، راهب، فقعد إليه وسمع كلامه، فأعجبه؛ فكان إذا أتى الساحر مر بالراهب وقعد إليه؛ فإذا أتى الساحر ضربه؛ فشكا ذلك إلى الراهب، فقال : إذا خشيت الساحر فقل : حبسني أهلي.
وإذا خشيت أهلك فقل : حبسني الساحر.
فبينما هو كذلك إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس، فقال : اليوم أعلم الساحر أفضل أم الراهب أفضل؟ فأخذ حجرا فقال : اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة، حتى يمضى الناس؛ فرماها فقتلها ومضى الناس.
فأتى الراهب فأخبره فقال له الراهب : أي بني؟ أنت اليوم أفضل مني، قد بلغ من أمرك ما أرى، وإنك ستبتلي؛ فإن أبتليت فلا تدل علي.
وكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص، ويداوي الناس من سائر الأدواء.
فسمع جليس للملك كان قد عمي، فأتاه بهدايا كثيرة فقال : ما ها هنا لك أجمع إن أنت شفيتني.
فقال : إني لا أشفي أحدا، إنما يشفي الله؛ فإن أنت آمنت بالله دعوت الله فشفاك؟ فآمن بالله فشفاه الله.
فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس؛ فقال له الملك : من رد عليك بصرك؟ قال ربي.
قال : ولك رب غيري؟ قال : ربي وربك الله.
فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام؛ فجيء بالغلام فقال له الملك : أي بني! أقد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص، وتفعل وتفعل؟ ! قال : أنا لا أشفي أحدا، إنما يشفي الله.
فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب؛ فجيء بالراهب، فقيل له : ارجع عن دينك.
فأبى فدعا بالمنشار، فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه حتى وقع شقاه.
ثم جيء بجليس الملك فقيل له : ارجع عن دينك؛ فأبي فوضع المنشار في مفرق رأسه، فشقه به حتى وقع شقاه.
ثم جيء بالغلام فقيل له : ارجع عن دينك، فأبي فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال : اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا، فاصعدوا به الجبل، فإذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه؛ فذهبوا به فصعدوا به الجبل فقال : اللهم أكفنيهم بما شئت؛ فرجف بهم الجبل، فسقطوا.
وجيء يمشي إلى الملك، فقال له الملك : ما فعل أصحابك؟ قال : كفانيهم الله.
فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال : اذهبوا به فاحملوه في قرقور، فتوسطوا به البحر، فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه؛ فذهبوا به فقال : اللهم أكفنيهم بما شئت؛ فانكفأت بهم السفينة، فغرقوا.
وجاء يمشي إلى الملك، فقال له الملك : ما فعل أصحابك؟ قال : كفانيهم الله.
فقال للملك : إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به.
قال : وما هو؟ قال : تجمع الناس في صعيد واحد، وتصلبني على جذع، ثم خذ سهما من كنانتي، ثم ضع السهم في كبد القوس، ثم قل : باسم الله رب الغلام، ثم ارمني؛ فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني.
فجمع الناس في صعيد واحد، وصلبه على جذع، ثم أخذ سهما من كنانته، ثم وضع السهم في كبد القوس ثم قال : باسم الله رب الغلام؛ ثم رماه فوقع السهم في صدغه، فوضع يده في صدغه، في موضع السهم، فمات؛ فقال الناس : آمنا برب الغلام! آمنا برب الغلام! آمنا برب الغلام فأتى الملك فقيل له : أرأيت ما كنت، تحذر؟ قد والله نزل بك حذرك، قد آمن الناس؛ فأمر بالأخدود في أفواه السكك، فحدث، وأضرم النيران، وقال : من لم يرجع عن دينه فأحموه فيها - أو قيل له اقتحم - ففعلوا؛ حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها، فتقاعست أن تقع فيها، فقال، لها الغلام : (يا أمة اصبري فإنك على الحق).
""خرجه الترمذي بمعناه"" وفيه : (وكان على طريق، الغلام راهب في صومعة) قال معمر : أحسب أن أصحاب الصوامع كانوا يومئذ مسلمين.
وفيه : (أن الدابة التي حبست الناس كانت أسدا، وأن الغلام دفن - قال - : فيذكر أنه أخرج في زمن عمر بن الخطاب وأصبعه على صدغه كما وضعها حين قتل).
وقال : حديث حسن غريب.
ورواه الضحاك عن ابن عباس قال : كان ملك بنجران، وفي رعيته رجل له فتى، فبعثه إلى ساحر يعلمه السحر، وكان طريق الفتى على راهب يقرأ الإنجيل؛ فكان يعجبه ما يسمعه من الراهب، فدخل في دين الراهب؛ فأقبل يوما فإذا حية عظيمة قطعت على الناس طريقهم، فأخذ حجرا فقال باسم الله رب السموات والأرض وما بينهما؛ فقتلها.
وذكر نحو ما تقدم.
وأن الملك لما رماه بالسهم وقتله قال أهل مملكة الملك : لا إله إلا إله عبدالله بن ثامر، وكان اسم الغلام، فغضب الملك، وأمر فخدت أخاديد، وجمع فيها حطب ونار، وعرض أهل مملكته عليها، فمن رجع عن التوحيد تركه، ومن ثبت على دينه قذفه في النار.
وجيء بامرأة مرضع فقيل لها ارجعي عن دينك وإلا قذفناك وولدك - قال - فأشفقت وهمت بالرجوع، فقال لها الصبي المرضع : يا أمي، اثبتي على ما أنت عليه، فإنما هي غميضة؛ فألقوها وابنها.
وروى أبو صالح عن ابن عباس أن النار ارتفعت من الأخدود فصارت فوق الملك وأصحابه أربعين ذراعا فأحرقتهم.
وقال الضحاك : هم قوم من النصارى كانوا باليمن قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربعين سنة، أخذهم يوسف بن شراحيل بن تبع الحميري، وكانوا نيفا وثمانين رجلا، وحفر لهم أخدودا وأحرقهم فيه.
حكاه الماوردي، وحكى الثعلبي عنه أن أصحاب الأخدود من بني إسرائيل، أخذوا رجالا ونساء، فخدوا لهم الأخاديد، ثم أوقدوا فيها النار، ثم أقيم المؤمنون عليها.
وقيل لهم : تكفرون أو تقذفون في النار؟ ويزعمون أنه دانيال وأصحابه؛ وقال عطية العوفي.
وروي نحو هذا عن ابن عباس.
وقال علي رضي الله عنه : إن ملكا سكر فوقع على أخته، فأراد أن يجعل ذلك شرعا في رعيته فلم يقبلوا؛ فأشارت إليه أن يخطب بأن الله - عز وجل - أحل نكاح الأخوات، فلم يسمع منه.
فأشارت إليه أن يخد لهم الأخدود، ويلقي فيه كل من عصاه.
ففعل.
قال : وبقاياهم ينكحون الأخوات وهم المجوس، وكانوا أهل كتاب.
وروي عن علي أيضا أن أصحاب الأخدود كان سببهم أن نبيا بعثه الله تعالى إلى الحبشة، فاتبعه ناس، فخد لهم قومهم أخدودا، فمن اتبع النبي رمي فيها، فجيء بامرأة لها بني رضيع فجزعت، فقال لها : يا أماه، أمضى ولا تجزعي.
وقال أيوب عن عكرمة قال {قتل أصحاب الأخدود} قال : كانوا من قومك من السجستان.
وقال الكلبي : هم نصارى نجران، أخذوا بها قوما مؤمنين، فخدوا لهم سبعة أخاديد، طول كل أخدود أربعون ذراعا، وعرضه أثنا عشر ذراعا.
ثم طرح فيه النفط والحطب، ثم عرضوهم عليها؛ فمن أبى قذفوه فيها.
وقيل : قوم من النصارى كانوا بالقسطنطينية زمان قسطنطين.
وقال مقاتل : أصحاب الأخدود ثلاثة؛ واحد بنجران، والآخر بالشام، والآخر بفارس.
أما الذي بالشام فأنطنيانوس الرومي، وأما الذي بفارس فبختنصر، والذي بأرض العرب يوسف بن ذي نواس.
فلم ينزل الله في الذي بفارس والشام قرآنا، وأنزل قرآنا في الذي كان بنجران.
وذلك أن رجلين مسلمين كان أحدهما بتهامة، والآخر بنجران، أجر أحدهما نفسه، فجعل يعمل ويقرأ الإنجيل؛ فرأت ابنة المستأجر النور في قراءة الإنجيل، فأخبرت أباها فأسلم.
وبلغوا سبعة وثمانين بين رجل وامرأة، بعد ما رفع عيسى، فخد لهم يوسف بن ذي نواس بن تبع الحميري أخدودا، وأوقد فيه النار؛ وعرضهم على الكفر، فمن أبي أن يكفر قذفه في النار، وقال : من رجع عن دين عيسى لم يقذف.
وإن امرأة معها ولدها صغير لم يتكلم، فرجعت، فقال لها ابنها : يا أماه، إني أرى أمامك نارا لا تطفأ، فقذفا جميعا أنفسهما في النار، فجعلها الله وابنها في الجنة.
فقذف في يوم واحد سبعة وسبعون إنسانا.
وقال ابن إسحاق عن وهب بن منبه : كان رجل من بقايا أهل دين عيسى بن مريم عليه السلام، يقال له قيميون، وكان رجلا صالحا مجتهدا زاهدا في الدنيا مجاب الدعوة، وكان سائحا في القرى، لا يعرف بقرية إلا مضى عنها، وكان بنّاء يعمل الطين.
قال محمد بن كعب القرظي، وكان أهل نجران أهل شرك يعبدون الأصنام، وكان في قرية من قراها قريبا من نجران ساحر يعلم غلمان أهل نجران السحر؛ فلما نزل بها قيميون، بنى بها خيمة بين نجران وبين تلك القرية التي بها الساحر، فجعل أهل نجران يبعثون غلمانهم إلى ذلك الساحر يعلمهم السحر، فبعث إليه الثامر عبدالله بن الثامر، فكان مع غلمان أهل نجران، وكان عبدالله إذا مر بصاحب الخيمة أعجبه ما يرى من أمر صلاته وعبادته، فجعل يجلس إليه ويسمع منه، حتى أسلم، فوحد الله وعبده، وجعل يسأله عن آسم الله الأعظم، وكان الراهب يعلمه، فكتمه إياه وقال : يا ابن أخي، إنك لن تحمله، أخشى ضعفك عنه؛ وكان أبو الثامر لا يظن إلا أن ابنه يختلف إلى الساحر كما يختلف الغلمان.
فلما رأى عبدالله أن الراهب قد بخل عليه بتعليم اسم الله الأعظم، عمد إلى قداح فجمعها، ثم لم يبق لله تعالى أسما يعلمه إلا كتبه في قدح، لكل اسم قدح؛ حتى إذا أحصاها أوقد لها نارا، ثم جعل يقذفها فيها قدحا قدحا، حتى إذا مر بالاسم الأعظم قذف فيها بقدحه، فوثب القدح حتى خرج منها لم يضره شيء، فأخذه ثم قام إلى صاحبه، فأخبره أنه علم اسم الله الأعظم الذي كتمه إياه، فقال : وما هو؟ قال : كذا وكذا.
قال : وكيف علمته؟ فأخبره بما صنع.
فقال له : يا ابن أخي، قد أصبته، فأمسك على نفسك، وما أظن أن تفعل.
فجعل عبدالله بن الثامر إذا دخل نجران لم يلق أحدا به ضر إلا قال : يا عبدالله، أتوحد الله وتدخل في ديني، فأدعو الله لك فيعافيك مما أنت فيه من البلاء؟ فيقول : نعم؛ فيوحد الله ويسلم، فيدعوا الله له فيشفي، حتى لم يبق أحد بنجران به ضر إلا أتاه فاتبعه على دينه ودعا له فعوفي؛ حتى رفع شأنه إلى ملكهم، فدعاه فقال له : أفسدت علي أهل قريتي، وخالفت ديني ودين أبائي، فلأمثلن بك.
قال : لا تقدر على ذلك؛ فجعل يرسل به إلى الجبل الطويل، فيطرح عن رأسه، فيقع على الأرض ليس به بأس.
وجعل يبعث به إلى مياه نجران، بحار لا يلقى فيها شيء إلا هلك، فيلقي فيها فيخرج ليس به بأس؛ فلما غلبه قال له عبدالله بن الثامر : والله لا تقدر على قتلي حتى توحد الله وتؤمن بما آمنت به؛ فإنك إن فعلت ذلك سلطت علي وقتلتني.
فوحد الله ذلك الملك وشهد شهادته، ثم ضربه بعصا فشجه شجة صغيرة ليست بكبيرة، فقتله، وهلك الملك مكانه، واجتمع أهل نجران على دين عبدالله بن الثامر، وكان على ما جاء به عيسى بن مريم من الإنجيل وحكمه.
ثم أصابهم ما أصاب أهل دينهم من الأحداث؛ فمن، ذلك كان أصل النصرانية بنجران.
فسار إليهم ذو نواس اليهودي بجنوده من حمير، فدعاهم إلى اليهودية، وخيرهم بين ذلك أو القتل، فاختاروا القتل، فخد لهم الأخدود، فحرق بالنار وقتل بالسيف، ومثل بهم حتى قتل منهم عشرين ألفا.
وقال وهب بن منبه : اثني عشر ألفا.
وقال الكلبي : كان أصحاب الأخدود سبعين ألفا .
قال وهب :ثم لما غلب أرياط على اليمن خرج ذو نواس هاربا، فاقتحم البحر بفرسه فغرق.
قال ابن إسحاق : وذو نواس هذا اسمه زرعة بن تبان أسعد الحميري، وكان أيضا يسمى يوسف، وكان له غدائر من شعر تنوس، أي تضطرب، فسمي ذا نواس، وكان فعل هذا بأهل نجران، فأفلت منهم رجل اسمه دوس ذو ثعلبان، فساق الحبشة لينتصر بهم، فملكوا اليمن وهلك ذو نواس في البحر، ألقي نفسه فيه، وفيه يقول عمرو بن معدي كرب : أتوعدني كأنك ذو رعين ** بأنعم عيشة أو ذو نواس وكائن كان قبلك من نعيم ** وملك ثابت في الناس راس قديم عهده من عهد عاد ** عظيم قاهر الجبروت قاس أزال الدهر ملكهم فأضحى ** ينقل من أناس في أناس وذو رعين : ملك من ملوك حمير.
ورعين حصن له وهو من ولد الحرث بن عمرو بن حمير بن سبأ.
مسألة : قال علماؤنا : أعلم الله عز وجل المؤمنين من هذه الأمة في هذه الآية، ما كان يلقاه من وحد قبلهم من الشدائد، يؤنسهم بذلك.
وذكر لهم النبي صلى الله عليه وسلم قصة الغلام ليصبروا على ما يلاقون من الأذى والآلام، والمشقات التي كانوا عليها، ليتأسوا بمثل هذا الغلام، في صبره وتصلبه في الحق وتمسكه به، وبذله نفسه في حق إظهار دعوته، ودخول الناس في الدين مع صغر سنه وعظم صبره.
وكذلك الراهب صبر على التمسك بالحق حتى نشر بالمنشار.
وكذلك كثير من الناس لما آمنوا بالله تعالى ورسخ الإيمان في قلوبهم، صبروا على الطرح في النار ولم يرجعوا في دينهم.
ابن العربي : وهذا منسوخ عندنا، حسب ما تقدم بيانه في سورة [النحل] قلت : ليس بمنسوخ عندنا، وأن الصبر على ذلك لمن قويت نفسه وصلب دينه أولى، قال الله تعالى مخبرا عن لقمان {يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور}[لقمان : 17] : وروى أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إن من أعظم الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر) : ""خرجه الترمذي وقال : حديث حسن غريب""، وروى ابن سنجر (محمد بن سنجر) عن أميمة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كنت أوضئ النبي صلى الله عليه وسلم، فأتاه رجل، قال : أوصني فقال : (لا تشرك بالله شيئا وإن قطعت أو حرقت بالنار.
.
) الحديث قال علماؤنا : ولقد امتحن كثير من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالقتل والصلب والتعذيب الشديد، فصبروا ولم يلتفتوا إلى شيء من ذلك ويكفيك قصة عاصم وخبيب وأصحابهما وما لقوا من الحروب والمحن والقتل والأسر والحرق، وغير ذلك، وقد مضى في [النحل] أن هذا إجماع ممن قوي في ذلك، فتأمله هناك.
قوله تعالى {قتل أصحاب الأخدود} دعاء على هؤلاء الكفار بالإبعاد من رحمة الله تعالى : وقيل : معناه الإخبار عن قتل أولئك المؤمنين، أي إنهم قتلوا بالنار فصبروا : وقيل : هو إخبار عن أولئك الظالمين، فإنه روي أن الله قبض أرواح الذين ألقوا في الأخدود قبل أن يصلوا إلى النار، وخرجت نار من الأخدود فأحرقت الذين هم عليها قعود : وقيل : إن المؤمنين نجوا، وأحرقت النار الذين قعدوا، ذكره النحاس، ومعنى {عليها} أي عندها وعلى بمعنى عند، وقيل {عليها} على ما يدنو منها من حافات الأخدود، كما قال : وبات على النار الندى والمحلق العامل في {إذ} {قتل}، أي لعنوا في ذلك الوقت {وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود} أي حضور : يعني الكفار، كانوا يعرضون الكفر على المؤمنين، فمن أبي ألقوه في النار وفي ذلك وصفهم بالقسوة ثم بالجد في ذلك : وقيل {على} بمعنى مع، أي وهم : مع ما يفعلون بالمؤمنين شهود.

تفسير ابن كثير يقسم تعالى بالسماء وبروجها وهي النجوم العظام، قال ابن عباس: البروج النجوم، وقال يحيى بن رافع: البروج قصور في السماء، وقال المنهال بن عمرو: {والسماء ذات البروج} الخلق الحسن، واختار ابن جرير أنها منازل الشمس والقمر، وهي اثنا عشر برجاً تسير الشمس في كل واحد منها شهراً، ويسير القمر في كل واحد منها يومين وثلثا، فذلك ثمانية وعشرون منزلة ويستسر ليلتين، وقوله تعالى: {واليوم الموعود وشاهد ومشهود} اختلف المفسرون في ذلك فروي عن أبي هريرة مرفوعاً {واليوم الموعود} يوم القيامة، {شاهد} يوم الجمعة، {مشهود} يوم عرفة ""أخرجه ابن أبي حاتم، والأشبه أنه موقوف على أبي هريرة"". روى الإمام أحمد، عن أبي هريرة أنه قال في هذه الآية {وشاهد ومشهود} قال: الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة، والموعود يوم القيامة ""أخرجه أحمد"". وعن سعيد بن المسيب أنه قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (إن سيد الأيام يوم الجمعة، وهو الشاهد، والمشهود يوم عرفة) ""هذا من مراسيل سعيد بن المسيب"". ورى ابن جرير عن ابن عباس قال: الشاهد هو محمد صلى اللّه عليه وسلم، والمشهود يوم القيامة. ثم قرأ: {ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود} ""أخرجه ابن جرير"". وسأل رجل الحسن بن علي عن {وشاهد ومشهود} فقال: سألت أحداً قبلي؟ قال: نعم، سألت ابن عمرو وابن الزبير فقالا: يوم الذبح ويوم الجمعة، فقال: لا، ولكن الشاهد محمد صلى اللّه عليه وسلم، ثم قرأ: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً} والمشهود يوم القيامة، ثم قرأ: {ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود} ""أخرجه ابن جرير أيضاً""وهكذا قال الحسن البصري، وقال مجاهد والضحّاك: الشاهد ابن آدم، والمشهود يوم القيامة؛ وعن عكرمة: الشاهد محمد صلى اللّه عليه وسلم، والمشهود يوم الجمعة، وقال ابن عباس: الشاهد اللّه، والمشهود يوم القيامة، وقال ابن أبي حاتم عن مجاهد عن ابن عباس {وشاهد ومشهود} قال: الشاهد الإنسان، والمشهود يوم الجمعة ""أخرجه ابن أبي حاتم""، وقال ابن جرير، عن ابن عباس: {وشاهد ومشهود} الشاهد يوم عرفة، والمشهود يوم القيامة، قال ابن جرير: وقال آخرون: {المشهود} يوم الجمعة، لحديث أبي الدرداء قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (أكثروا من الصلاة يوم الجمعة، فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة) ""أخرجه ابن جرير""، وعن سعيد بن جبير: الشاهد اللّه، وتلا: {وكفى باللّه شهيداً} والمشهود نحن ""حكاه البغوي""، وقال الأكثرون على أن الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة. وقوله تعالى: {قتل أصحاب الأُخْدُود} أي لعن أصحاب الأُخدود، وجمعه أخاديد وهي الحفر في الأرض، وهذا خبر عن قوم من الكفار عمدوا إلى من عندهم من المؤمنين باللّه عزَّ وجلَّ فقهروهم، وأرادوهم أن يرجعوا عن دينهم فأبوا عليهم، فحفروا لهم في الأرض أُخدوداً، وأججوا فيه ناراً، وأعدوا لها وقوداً يسعرونها به، ثم أرادوهم فلم يقبلوا منهم، فقذفوهم فيها، ولهذا قال اللّه تعالى: {قتل أصحاب الأخدود . النار ذات الوقود . إذ هم عليها قعود . وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود} أي مشاهدون لما يفعل بأولئك المؤمنين. قال اللّه تعالى: {وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا باللّه العزيز الحميد} أي وما كان لهم ذنب إلا إيمانهم باللّه {العزيز} الذي لا يضام من لاذ بجنابه، {الحميد} في جميع أقواله وأفعاله وشرعه وقدره، ثم قال تعالى: {الذي له ملك السماوات والأرض} من تمام الصفة أنه المالك لجميع السماوات والأرض وما فيهما وما بينهما، {واللّه على كل شيء شهيد} أي لا يغيب عنه شيء في جميع السماوات والأرض، ولا تخفى عليه خافية، وقد اختلف أهل التفسير في أهل هذه القصة من هم؟ فعن علي أنهم أهل فارس، حين أراد ملكهم تحليل تزويج المحارم فامتنع عليه علماؤهم، فعمد إلى حفر أُخدود فقذف فيه من أنكر عليه منهم، واستمر فيهم تحليل المحارم إلى اليوم. وعن ابن عباس قال: ناس من بني إسرائيل خدوا أُخدوداً في الأرض، ثم أوقدوا فيه ناراً، ثم أقاموا على ذلك الأخدود رجالاً ونساء، فعرضوا عليها، وزعموا أنه دانيال وأصحابه، وقيل غير ذلك. وقد روى الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب الرومي أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (كان فيمن كان قبلكم ملك، وكان له ساحر، فلما كبر الساحر قال للملك: إني قد كبر سني وحضر أجلي، فادفع إليّ غلاماً لأعلمه السحر، فدفع إليه غلاماً كان يعلمه السحر، وكان بين الساحر وبين الملك راهب، فأتى الغلام على الراهب، فسمع من كلامه فأعجبه نحوه وكلامه، وكان إذا أتى الساحر ضربه، وقال: ما حبسك؟ وإذا أتى أهله ضربوه، وقالوا ما حبسك؟ فشكا ذلك إلى الراهب، فقال: إذا أراد الساحر أن يضربك فقل: حبسني أهلي، وإذا أراد أهلك أن يضربوك فقل: حبسني الساحر، قال: فبينما ذات يوم إذ أتى على دابة فظيعة عظيمة قد حبست الناس فلا يستطيعون أن يجوزوا، فقال: اليوم أعلم: أمر الراهب أحب إلى اللّه أم أمر الساحر؟ قال، فأخذ حجراً، فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك وأرضى من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يجوز الناس، ورماها فقتلها، ومضى الناس، فأخبر الراهب بذلك، فقال: أي بني أنت أفضل مني، وإنك ستبتلى، فإن ابتليت فلا تدلّ عليّ، فكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص وسائر الأدواء ويشفيهم، وكان للملك جليس، فعمي، فسمع به، فأتاه بهدايا كثيرة فقال: اشفني ولك ما ههنا أجمع، فقال: ما أنا أشفي أحداً، إنما يشفي اللّه عزَّ وجلَّ، فإن آمنت به دعوت اللّه فشفاك، فآمن فدعا اللّه فشفاه، ثم أتى الملك فجلس منه نحو ما كان يجلس، فقال الملك: يا فلان من رد عليك بصرك؟ فقال: ربي؟ فقال: أنا! قال: لا، ربي وربك اللّه، قال: ولك رب غيري؟ قال: نعم، ربي وربك اللّه، فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام، فبعث إليه فقال: أي بني بلغ من سحرك أن تبرئ الأكمه والأبرص وهذه الأدواء؟ قال: ما أشفي أحداً إنما يشفي اللّه عزَّ وجلَّ. قال: أنا؟ قال: لا، قال: أولك رب غيري؟ قال: ربي وربك اللّه، فأخذه أيضاً بالعذاب، فلم يزل به حتى دل على الراهب، فأتى بالراهب، فقال: ارجع عن دينك، فأبى فوضع المنشار في مفرق رأسه حتى وقع شقاه، وقال للأعمى: ارجع عن دينك فأبى، فوضع المنشار في مفرق رأسه، حتى وقع شقاه إلى الأرض، وقال للغلام: ارجع عن دينك فأبى، فبعث به مع نفر إلى جبل كذا وكذا، وقال: إذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإلا فدُهدهوه، فذهبوا به فلما علوا به الجبل قال: اللهم اكفنيهم بما شئت، فرجف بهم الجبل، فدهدهوا أجمعون، وجاء الغلام يتلمس حتى دخل على الملك، فقال: ما فعل أصحابك؟ فقال: كفانيهم اللّه تعالى، فبعث به مع نفر في قرقور، فقال: إذا لججتم به البحر، فإن رجع عن دينه وإلا فغرقوه في البحر، فلججوا به البحر، فقال الغلام: اللهم اكفنيهم بما شئت فغرقوا أجمعون، وجاء الغلام حتى دخل على الملك، فقال: ما فعل أصحابك؟ فقال: كفانيهم اللّه تعالى، ثم قال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به، فإن أنت فعلت ما آمرك به قتلتني، وإلا فإنك لا تستطيع قتلي، قال: وما هو، قال: تجمع الناس في صعيد واحد، ثم تصلبني على جذع، وتأخذ سهماً من كنانتي، ثم قل: باسم اللّه رب الغلام، فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني، ففعل ووضع السهم في كبد قوسه، ثم رماه وقال: باسم اللّه رب الغلام، فوقع السهم في صدغه فوضع الغلام يده على موضع السهم، ومات، فقال الناس: آمنا برب الغلام. فقيل للملك: أرأيت ما كنت تحذر؟ فقد واللّه نزل بك؛ قد آمن الناس كلهم، فأمر بأفواه السكك فخدت فيها الأخاديد، وأضرمت فيها النيران، وقال: من رجع عن دينه فدعوه وإلا فأقحموه فيها، قال: فكانوا يتعادون فيها ويتدافعون، فجاءت امرأة بابن لها ترضعه، فكأنها تقاعست أن تقع في النار، فقال الصبي: اصبري يا أُماه فإنك على الحق ""أخرجه أحمد ورواه مسلم والنسائي بنحوه"". وروى ابن أبي حاتم، عن الربيع بن أنس في قوله تعالى: {قتل أصحاب الأخدود} قال: سمعنا أنهم كانوا قوماً في زمان الفترة، فلما رأوا ما وقع في الناس من الفتنة والشر، وصاروا أحزاباً كل حزب بما لديهم فرحون، اعتزلوا إلى قرية سكنوها وأقاموا على عبادة اللّه مخلصين له الدين، فكان هذا أمرهم حتى سمع بهم جبار من الجبارين وحدث حديثهم فأرسل إليهم، فأمرهم أن يعبدوا الأوثان التي اتخذوا وأنهم أبو عليه كلهم، وقالوا: لا نعبد إلا اللّه وحده لا شريك له، فقال لهم: إن لم تعبدوا هذه الآلهة التي عبدت فإني قاتلكم، فأبوا عليه، فخد أخدوداً من نار، وقال لهم الجبار بعد أن وقفهم عليها، اختاروا هذه أو الذي نحن فيه، فقالوا: هذه أحب إلينا وفيهم نساء وذرية، ففزعت الذرية، فقالوا لهم - أي آباؤهم: لا نار من بعد اليوم، فوقعوا فيها، فقبضت أرواحهم من قبل أن يمسهم حرها، وخرجت النار من مكانها فأحاطت بالجبارين، فأحرقهم اللّه بها، ففي ذلك أنزل اللّه عزَّ وجلَّ: {قتل أصحاب الأخدود . النار ذات الوقود . إذ هم عليها قعود . وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود . وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا باللّه العزيز الحميد . الذي له ملك السماوات والأرض والله على كل شيء شهيد} ""أخرجه ابن أبي حاتم، وروى محمد بن إسحاق قصة أصحاب الأخدود بسياق آخر وأنها كانت مع عبد اللّه بن التامر وأصحابه المؤمنين في نجران، واللّه أعلم""، وقوله تعالى: {إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات} أي حرقوا، قاله ابن عباس ومجاهد {ثم لم يتوبوا} أي لم يقلعوا عما فعلوا ويندموا على ما أسلفوا {فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق} وذلك أن الجزاء من جنس العمل، قال الحسن البصري: انظروا إلى هذا الكرم والجود قتلوا أولياءه وهو يدعوهم إلى التوبة والمغفرة.

ِترجمة معني الآية

ِاردو | Espanol | Française | English | Malaysian | Indonesian | বাঙালি