نتيجة البحث: تفسير الآية و صورتها و تلاوتها


سورة التكوير آية 4
وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ

التفسير الميسر إذا الشمس لُفَّت وذهب ضَوْءُها، وإذا النجوم تناثرت، فذهب نورها، وإذا الجبال سيِّرت عن وجه الأرض فصارت هباءً منبثًا، وإذا النوق الحوامل تُركت وأهملت، وإذا الحيوانات الوحشية جُمعت واختلطت؛ ليقتصَّ الله من بعضها لبعض، وإذا البحار أوقدت، فصارت على عِظَمها نارًا تتوقد، وإذا النفوس قُرنت بأمثالها ونظائرها، وإذا الطفلة المدفونة حية سُئلت يوم القيامة سؤالَ تطييب لها وتبكيت لوائدها: بأيِّ ذنب كان دفنها؟ وإذا صحف الأعمال عُرضت، وإذا السماء قُلعت وأزيلت من مكانها، وإذا النار أوقدت فأضرِمت، وإذا الجنة دار النعيم قُرِّبت من أهلها المتقين، إذا وقع ذلك، تيقنتْ ووجدتْ كلُّ نفس ما قدَّمت من خير أو شر.

تفسير الجلالين
4 - (وإذا العشار) النوق الحوامل (عطلت) تركت بلا راع أو بلا حطب لما دهاهم من الأمر ولم يكن مال أعجب إليهم منها

تفسير القرطبي
قوله تعالى {إذا الشمس كورت} قال ابن عباس : تكويرها : إدخالها في العرش.
والحسن : ذهاب ضوئها.
وقاله قتادة ومجاهد : وروي عن ابن عباس أيضا.
سعيد بن جبير : عورت.
أبو عبيدة : كورت مثل تكوير العمامة، تلف فتمحى.
وقال الربيع بن خثيم {كورت}رمي بها؛ ومنه : كورته فتكور؛ أي سقط.
قلت : وأصل التكوير : الجمع، مأخوذ من كار العمامة على رأسه يكورها أي لاثها وجمعها فهي تكور ويمحى ضوءها، ثم يرمى بها في البحر.
والله أعلم.
وعن أبي صالح : كورت : نكست.
{وإذا النجوم انكدرت} أي تهافتت وتناثرت.
وقال أبو عبيدة : أنصبت كما تنصب العقاب إذا انكسرت.
قال العجاج يصف صقرا : أبصر خربان فضاء فانكدر ** تقضِّيَ البازي إذا البازي كسر وروى أبو صالح عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا يبقى في السماء يومئذ نجم إلا سقط في الأرض، حتى يفزع أهل الأرض السابعة مما لقيت وأصاب العليا)، يعني الأرض.
وروى الضحاك عن ابن عباس قال : تساقطت؛ وذلك أنها قناديل معلقة بين السماء والأرض بسلاسل من نور، وتلك السلاسل بأيدي ملائكة من نور، فإذا جاءت النفخة الأولى مات، من في الأرض ومن في السموات، فتناثرت تلك الكواكب وتساقطت السلاسل من أيدي الملائكة؛ لأنه مات من كان يمسكها.
ويحتمل أن يكون انكدارها طمس آثارها.
وسميت النجوم نجوما لظهورها في السماء بضوئها.
وعن ابن عباس أيضا : انكدرت تغيرت فلم يبق لها ضوء لزوالها عن أماكنها.
والمعنى متقارب.
قوله تعالى {وإذا الجبال سيرت} يعني قلعت من الأرض، وسيرت في الهواء؛ وهو مثل قوله تعالى {ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة}[الكهف : 47].
وقيل : سيرها تحولها عن منزلة الحجارة، فتكون كثيبا مهيلا أي رملا سائلا وتكون كالعهن، وتكون هباء منثورا، وتكون سرابا، مثل السراب الذي ليس بشيء.
وعادت الأرض قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمنا.
وقد تقدم في غير موضع والحمد لله.
{وإذا العشار عطلت} أي النوق الحوامل التي في بطونها أولادها؛ الواحدة عشراء أو التي أتى عليها في الحمل عشرة أشهر، ثم لا يزال ذلك اسمها حتى تضع، وبعدما تضع أيضا.
ومن عادة العرب أن يسموا الشيء باسمه المتقدم وإن كان قد جاوز ذلك؛ يقول الرجل لفرسه وقد قرح : هاتوا مهري وقربوا مهري، ويسميه بمتقدم اسمه؛ قال عنترة : لا تذكري مهري وما أطمعته ** فيكون جلدك مثل جلد الأجرب وقال أيضا : وحملت مهري وسطها فمضاها وإنما خص العشار بالذكر؛ لأنها أعزما تكون على العرب، وليس عطلها أهلها إلا حال القيامة.
وهذا على وجه المثل؛ لأن في القيامة لا تكون ناقة عشراء، ولكن أراد به المثل؛ أن هول يوم القيامة بحال لو كان للرجل ناقة عشراء لعطلها واشتغل بنفسه.
وقيل : إنهم إذا قاموا من قبورهم، وشاهد بعضهم بعضا، ورأوا الوحوش والدواب محشورة، وفيها عشارهم التي كانت أنفس أموالهم، لم يعبؤوا بها، ولم يهمهم أمرها.
وخوطبت العرب بأمر العشار؛ لأن مالها وعيشها أكثره من الإبل.
وروى الضحاك عن ابن عباس : عطلت : عطلها أهلها، لاشتغالهم بأنفسهم.
وقال الأعشى : هو الواهب المائة المصطفا ** ة إما مخاضا وإما عشارا وقال آخر : ترى المرء مهجورا إذا قل ماله ** وبيت الغني يهدي له ويزار وما ينفع الزوار مال مزورهم ** إذا سرحت شول له وعشار يقال : ناقة عشراء، وناقتان عشراوان، نوق عشار وعشراوات، يبدلون من همزة التأنيث واوا.
وقد عشرت الناقة تعشبوا : أي صارت عشراء.
وقيل : العشار : السحاب يعطل مما يكون فيه وهو الماء فلا يمطر؛ والعرب تشبه السحاب بالحامل.
وقيل : الديار تعطل فلا تسكن.
وقيل : الأرض التي يعشر زرعها تعطل فلا تزرع.
والأول أشهر، وعليه من الناس الأكثر.
قوله تعالى {وإذا الوحوش حشرت} أي جمعت والحشر : الجمع.
عن الحسن وقتادة وغيرهما.
وقال ابن عباس : حشرها : موتها.
رواه عنه عكرمة.
وحشر كل شيء : الموت غير الجن والإنس، فإنهما يوافيان يوم القيامة.
وعن ابن عباس أيضا قال : يحشر كل شيء حتى الذباب.
قال ابن عباس : تحشر الوحوش غدا : أي تجمع حتى يقتص لبعضها من بعض، فيقتص للجماء من القرناء، ثم يقال لها كوني ترابا فتموت.
وهذا أصح مما رواه عنه عكرمة، وقد بيناه في كتاب التذكرة مستوفى، ومضى في سورة الأنعام بعضه.
أي إن الوحوش إذا كانت هذه حالها فكيف ببني آدم.
وقيل : عني بهذا أنها مع نفرتها اليوم من الناس وتنددها في الصحاري، تنضم غدا إلى الناس من أهوال ذلك اليوم.
قال معناه أبي بن كعب.
قوله تعالى {وإذا البحار سجرت} أي ملئت من الماء؛ والعرب تقول : سجرت الحوض أسجره سجرا : إذا ملأته، وهو مسجور والمسجور والساجر في اللغة : الملآن.
وروى الربيع بن خثيم : سجرت : فاضت وملئت.
وقاله الكلبي ومقاتل والحسن والضحاك.
قال ابن أبي زمنين : سجرت : حقيقته ملئت، فيفيض بعضها إلى بعض فتصير شيئا واحدا.
وهو معنى قول الحسن.
وقيل : أرسل عذبها على مالحها ومالحها على عذبها، حتى امتلأت.
عن الضحاك ومجاهد : أي فجرت فصارت بحرا واحدا.
القشيري : وذلك بأن يرفع الله الحاجز الذي ذكره في قوله تعالى {بينهما برزخ لا يبغيان}[الرحمن : 20]، فإذا رفع ذلك البرزخ تفجرت مياه البحار، فعمت الأرض كلها، وصارت البحار بحرا واحدا.
وقيل : صارت بحرا واحدا من الحميم لأهل النار.
وعن الحسن أيضا وقتادة وابن حيان : تيبس فلا يبقى من مائها قطرة.
القشيري : وهو من سجرت التنور أسجره سجرا : إذا أحميته وإذا سلط عليه الإيقاد نشف ما فيه من الرطوبة وتسير الجبال حينئذ وتصير البحار والأرض كلها بساطا واحدا، بأن يملأ مكان البحار بتراب الجبال.
وقال النحاس : وقد تكون الأقوال متفقة؛ يكون تيبس من الماء بعد أن يفيض، بعضها إلى بعض، فتقلب نارا.
قلت : ثم سير الجبال حينئذ، كما ذكر القشيري، والله أعلم.
وقال ابن زيد وشمر وعطية وسفيان ووهب وأبي وعلي بن أبي طالب وابن عباس في رواية الضحاك عنه : أوقدت فصارت نارا.
قال ابن عباس : يكور الله الشمس والقمر والنجوم في البحر، ثم يبعث الله عليها ريحا دبورا، فتنفخه حتى يصير نارا.
وكذا في بعض الحديث : (يأمر الله جل ثناؤه الشمس والقمر والنجوم فينتثرون في البحر، ثم يبعث الله جل ثناؤه الدبور فيسجرها نارا، فتلك نارا، فتلك نار الله الكبرى، التي يعذب بها الكفار).
قال القشيري : قيل في تفسير قول ابن عباس {سجرت} أوقدت، يحتمل أن تكون جهنم في قعور من البحار، فهي الآن غير مسجورة لقوام الدنيا، فإذا أنقضت الدنيا سجرت، فصارت كلها نارا يدخلها الله أهلها.
ويحتمل أن تكون تحت البحر نار، ثم يوقد الله البحر كله فيصير نارا.
وفي الخبر : البحر نار.
في نار.
وقال معاوية بن سعيد : بحر الروم وسط الأرض، أسفله آبار مطبقة بنحاس يسجر نارا يوم القيامة.
وقيل : تكون الشمس في البحر، فيكون البحر نارا بحر الشمس.
ثم جميع ما في هذه الآيات يجوز أن يكون في الدنيا قبل يوم القيامة ويكون من أشراطها، ويجوز أن يكون يوم القيامة، وما بعد هذه الآيات فيكون في يوم القيامة.
قلت : روي عن عبدالله بن عمرو : لا يتوضأ بماء البحر لأنه طبق جهنم.
وقال أبي بن كعب : ست آيات من قبل يوم القيامة : بينما الناس في أسواقهم ذهب ضوء الشمس وبدت النجوم فتحيروا ودهشوا، فبينما هم كذلك ينظرون إذ تناثرت النجوم وتساقطت، فبينما هم كذلك إذ وقعت الجبال على وجه الأرض، فتحركت واضطربت واحترقت، فصارت هباء منثورا، ففزعت الإنس إلى الجن والجن إلى الإنس، واختلطت الدواب والوحوش والهوام والطير، وماج بعضها في بعض؛ فذلك قوله تعالى {وإذا الوحوش حشرت} ثم قالت الجن للإنس : نحن نأتيكم بالخبر، فانطلقوا إلى البحار فإذا هي نار تأجج، فبينما هم كذلك تصدعت الأرض صدعة واحدة إلى الأرض السابعة السفلي، وإلى السماء السابعة العليا، فبينما هم كذلك إذ جاءتهم ريح فأماتتهم.
وقيل : معنى {سجرت} : هو حمرة مائها، حتى تصير كالدم؛ مأخوذ من قولهم : عين سجراء : أي حمراء.
وقرأ ابن كثير {سجرت} وأبو عمرو أيضا، إخبارا عن حالها مرة واحدة.
وقرأ الباقون بالتشديد إخبارا عن حالها في تكرير ذلك منها مرة بعد أخرى.
قوله تعالى {وإذا النفوس زوجت} قال النعمان بن بشير : قال النبي صلى الله عليه وسلم {وإذا النفوس زوجت} قال : (يقرن كل رجل مع كل قوم كانوا يعملون كعمله).
وقال عمر بن الخطاب : يقرن الفاجر مع الفاجر، ويقرن الصالح مع الصالح.
وقال ابن عباس : ذلك حين يكون الناس أزواجا ثلاثة، السابقون زوج - يعني صنفا - وأصحاب اليمين زوج، وأصحاب الشمال زوج.
وعنه أيضا قال : زوجت نفوس المؤمنين بالحور العين، وقرن الكافر بالشياطين، وكذلك المنافقون وعنه أيضا : قرن كل شكل بشكله من أهل الجنة وأهل النار، فيضم المبرز في الطاعة إلى مثله، والمتوسط إلى مثله، وأهل المعصية إلى مثله؛ فالتزويج أن يقرن الشيء بمثله؛ والمعنى : وإذا النفوس قرنت إلى أشكالها في الجنة والنار.
وقيل : يضم كل رجل إلى من كان يلزمه من ملك وسلطان، كما قال تعالى {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم}[الصافات : 22].
وقال عبدالرحمن بن زيد : جعلوا أزواجا على أشباه أعمالهم ليس بتزويج، أصحاب اليمين زوج، وأصحاب الشمال زوج، والسابقون زوج؛ وقد قال جل ثناؤه {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم}[الصافات : 22] أي أشكالهم.
وقال عكرمة {وإذا النفوس زوجت} قرنت الأرواح بالأجساد؛ أي ردت إليها.
وقال الحسن : ألحق كل امرئ بشيعته : اليهود باليهود، والنصاري بالنصارى، والمجوس بالمجوس، وكل من كان يعبد شيئا من دون الله يلحق بعضهم ببعض، والمنافقون بالمنافقين، والمؤمنون بالمؤمنين.
وقيل : يقرن الغاوي بمن أغواه من شيطان أو إنسان، على جهة البغض والعداوة، ويقرن المطيع بمن دعاه إلى الطاعة من الأنبياء والمؤمنين.
وقيل : قرنت النفوس بأعمالها، فصارت لاختصاصها به كالتزويج.
قوله تعالى {وإذا الموؤودة سئلت، بأي ذنب قتلت} الموؤودة المقتولة؛ وهي الجارية تدفن وهي حية، سميت بذلك لما يطرح عليها من التراب، فيوءدها أي يثقلها حتى تموت؛ ومنه قوله تعالى {ولا يؤوده حفظهما}[البقرة : 255] أي لا يثقله؛ وقال متمم بن نويرة : وموؤودة مقبورة في مفازة ** بآمتها موسودة لم تمهد وكانوا يدفنون بناتهم أحياء لخصلتين : إحداهما كانوا يقولون إن الملائكة بنات الله، فألحقوا البنات به.
الثانية إما مخافة الحاجة والإملاق، وإما خوفا من السبي والاسترقاق.
وقد مضى في سورة النحل هذا المعنى، عند قوله تعالى {أم يدسه في التراب}[النحل : 59] مستوفى.
وقد كان ذوو الشرف منهم يمتنعون من هذا، ويمنعون منه، حتى افتخر به الفرزدق، فقال : ومنا الذي منع الوائدات ** فأحيا الوئيد فلم يوأَد يعني جده صعصعة كان يشتريهن من آبائهن.
فجاء الإسلام وقد أحيا سبعين موؤودة.
وقال ابن عباس : كانت المرأة في الجاهلية إذا حملت حفرت حفرة، وتمخضت على رأسها، فإن ولدت جارية رمت بها في الحفرة، وردت التراب عليها، وإن ولدت غلاما حبسته، ومنه قوال الراجز : سميتها إذ ولدت تموت ** والقبر صهر ضامن زميت الزميت الوقور، والزميت مثال الفسيق أوقر من الزميت، وفلان أزمت الناس أي أوقرهم، وما أشد تزمته؛ عن الفراء.
وقال قتادة : كانت الجاهلية يقتل أحدهم ابنته، ويغذو كلبه، فعاتبهم الله على ذلك، وتوعدهم بقوله {وإذا الموؤودة سئلت} قال عمر في قوله تعالى {وإذا الموؤودة سئلت} قال : جاء قيس بن عاصم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله! إني وأدت ثماني بنات كن لي في الجاهلية، قال : (فأعتق عن كل واحدة منهن رقبة) قال : يا رسول الله إني صاحب إبل، قال : (فأهد عن كل واحدة منهن بدنة إن شئت).
وقوله تعالى {سئلت} سؤال الموؤودة سؤال توبيخ لقاتلها، كما يقال للطفل إذا ضرب : لم ضربت؟ وما ذنبك؟ قال الحسن : أراد الله أن يوبخ قاتلها؛ لأنها قتلت بغير ذنب.
وقال ابن أسلم : بأي ذنب ضربت، وكانوا يضربونها.
وذكر بعض أهل العلم في قوله تعالى {سئلت} قال : طلبت؛ كأنه يريد كما يطلب بدم القتيل.
قال : وهو كقوله {وكان عهد الله مسؤولا}[الأحزاب : 15] أي مطلوبا.
فكأنها طلبت منهم، فقيل أين أولادكم؟ وقرأ الضحاك وأبو الضحا عن جابر بن زيد وأبي صالح {وإذا الموؤودة سألت} فتتعلق الجارية بأبيها، فتقول : بأي ذنب قتلتني؟! فلا يكون له عذر؛ قال ابن عباس وكان يقرأ {وإذا الموؤودة سألت} وكذلك هو في مصحف أبي.
وروى عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إن المرأة التي تقتل ولدها تأتي يوم القيامة متعلقا ولدها بثدييها، ملطخا بدمائه، فيقول يا رب، هذه أمي، وهذه قتلتني).
والقول الأول عليه الجمهور، وهو مئل قوله تعالى لعيسى {أأنت قلت للناس}، على جهة التوبيخ والتبكيت لهم، فكذلك سؤال الموؤودة توبيخ لوائدها، وهو أبلغ من سؤالها عن قتلها؛ لأن هذا مما لا يصح إلا بذنب، فبأي ذنب كان ذلك، فإذا ظهر أنه لا ذنب لها، كان أعظم في البلية وظهور الحجة على قاتلها.
والله أعلم.
وقرئ {قتلت} بالتشديد، وفيه دليل بين على أن أطفال المشركين لا يعذبون، وعلى أن التعذيب لا يستحق إلا بذنب.
قوله تعالى {وإذا الصحف نشرت} أي فتحت بعد أن كانت مطوية، والمراد صحف الأعمال التي كتبت الملائكة فيها ما فعل أهلها من خير وشر، تطوي بالموت، وتنشر في يوم القيامة، فيقف كل إنسان على صحيفته، فيعلم ما فيها، فيقول {مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها}[الكهف : 49].
وروى مرثد بن وداعة قال : إذا كان يوم القيامة تطايرت الصحف من تحت العرش، فتقع صحيفة المؤمن في يده {في جنة عالية}[الحاقة : 22] إلى قوله {الأيام الخالية}[الحاقة : 24] وتقع صحيفة الكافر في يده {في سموم وحميم} إلى قوله {ولا كريم}[الواقعة : 42].
وروي عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة) فقلت : يا رسول الله فكيف بالنساء؟ قال : (شغل الناس يا أم سلمة).
قلت : وما شغلهم؟ قال : (نشر الصحف فيها مثاقيل الذر ومثاقيل الخردل).
وقد مضى في سورة الإسراء قول أبي الثوار العدوي : هما نشرتان وطية، أما ما حييت يا ابن آدم فصحيفتك المنشورة فأمل فيها ما شئت، فإذا مت طويت، حتى إذا بعثت نشرت {اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا}[الإسراء : 14].
وقال مقاتل : إذا مات المرء طويت صحيفة عمله، فإذا كان يوم القيامة نشرت.
وعن عمر رضي الله عنه أنه كان إذا قرأها قال : إليك يساق الأمر يا ابن آدم.
وقرأ نافع وابن عام وعاصم وأبو عمرو {نشرت} مخففة، على نشرت مرة واحدة، لقيام الحجة.
الباقون بالتشديد، على تكرار النشر، للمبالغة في تقريع العاصي، وتبشير المطيع.
وقيل : لتكرار ذلك من الإنسان والملائكة الشهداء عليه.
قوله تعالى {وإذا السماء كشطت} الكشط : قلع عن شدة التزاق؛ فالسماء تكشط كما يكشط الجلد عن الكبش وغيره والقشط : لغة فيه.
وفي قراءة عبدالله {وإذا السماء قشطت} وكشطت البعير كشطا : نزعت جلده ولا يقال سلخته؛ لأن العرب لا تقول في البعير إلا كشطته أو جلدته، وانكشط : أي ذهب؛ فالسماء تنزع من مكانها كما ينزع الغطاء عن الشيء.
وقيل : تطوى كما قال تعالى {يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب}[الأنبياء : 104] فكأن المعنى : قلعت فطويت.
والله أعلم.
قوله تعالى {وإذا الجحيم سعرت} أي أو قدت فأضرمت للكفار وزيد في إحمائها.
يقال : سعرت النار وأسعرتها.
وقراءة العامة بالتخفيف من السعير.
وقرأ نافع وابن ذكوان ورويس بالتشديد لأنها أوقدت مدة بعد مرة.
قال قتادة : سعرها غضب الله وخطايا بني آدم.
وفي الترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (أوقد على النار ألف سنة حتى أحمرت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى أبيضت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى أسودت، فهي سوداء مظلمة وروي موقوفا.
قوله تعالى {وإذا الجنة أزلفت} أي دنت وقربت من المتقين.
قال الحسن : إنهم يقربون منها؛ لا أنها تزول عن موضعها.
وكان عبدالرحمن بن زيد يقول : زينت : أزلفت؟ والزلفى في كلام العرب : القربة قال الله تعالى {وأزلفت الجنة للمتقين}[الشعراء : 90]، وتزلف فلان تقرب.
قوله تعالى {علمت نفس ما أحضرت} يعني ما عملت من خير وشر.
وهذا جواب {إذا الشمس كورت} وما بعدها.
قال عمر رضي الله عنه لهذا أجري الحديث.
وروي عن ابن عباس وعمر رضي الله عنهما أنهما قرآها، فلما بلغا {علمت نفس ما أحضرت} قالا لهذا أجريت القصة؛ فالمعنى على هذا إذا الشمس كورت وكانت هذه الأشياء، علمت نفس ما أحضرت من عملها.
وفي الصحيحين عن عدي بن حاتم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما منكم من أحد إلا وسيكلمه الله ما بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدمه [وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم] بين يديه، فتستقبله النار، فمن استطاع منكم أن : يتقي النار ولو بشق تمرة فليفعل) وقال الحسن {إذ الشمس كورت} وقع على قوله {علمت نفس ما أحضرت} كما يقال : إذا نفر زيد نفر عمرو.
والقول الأول أصح.
وقال ابن زيد عن ابن عباس في قوله تعالى {إذا الشمس كورت} إلى قوله {وإذا الجنة أزلفت} اثنتا عشرة خصلة : ستة في الدنيا، وستة في الآخرة؛ وقد بينا الستة الأولى بقول أبي بن كعب.

تفسير ابن كثير قال ابن عباس: {إذا الشمس كورت} يعني أظلمت، وقال العوفي عنه: ذهبت، وقال مجاهد: اضمحلت وذهبت، وقال قتادة: ذهب ضوءها، وقال سعيد بن جبير: {كورت} غورت، وقال زيد بن أسلم: تقع في الأرض، قال ابن جرير: والصواب من القول عندنا في أن التكوير جمع الشيء بعضه على بعض، ومنه تكوير العمامة وجمع الثياب بعضها إلى بعض، فمعنى قوله تعالى: {كورت} جمع بعضها إلى بعض، ثم لفت فرمى بها، وإذا فعل بها ذلك ذهب ضوءها، روي عن ابن عباس أنه قال: يكور اللّه الشمس والقمر والنجوم يوم القيامة في البحر ويبعث اللّه ريحاً دبوراً فتضرمها ناراً ""أخرجه ابن أبي حاتم""، وروى البخاري، عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم: (الشمس والقمر يكوران يوم القيامة) ""رواه البخاري في كتاب بدء الخلق"". وقوله تعالى: {وإذا النجوم انكدرت} أي انتثرت كما قال تعالى: {وإذا الكواكب انتثرت}. وأصل الانكدار الانصباب، قال أبي بن كعب: ست آيات قبل يوم القيامة، بينما الناس في أسواقهم إذ ذهب ضوء الشمس، فبينما هم كذلك إذ تناثرت النجوم، فبينما هم كذلك إذ وقعت الجبال على وجه الأرض، فتحركت واضطربت واختلطت، ففزعت الجن إلى الإنس والإنس إلى الجن، واختلطت الدواب والطير والوحوش، فماجوا بعضهم في بعض، {وإذا الوحوش حشرت} قال اختلطت، {وإذا العشار عطلت} قال: أهملها أهلها، {وإذ البحار سجرت} قال، قالت الجن: نحن نأتيكم بالخبر، قال: فانطلقوا إلى البحر، فإذا هو نار تتأجج، قال: فبينما هم كذلك إذ تصدعت الأرض صدعة واحدة إلى الأرض السابعة السفلى، وإلى السماء السابعة العليا، قال: فبينما هم كذلك إذ جاءتهم الريح فأماتتهم ""أخرجه ابن جرير""، وقال ابن عباس: {وإذا النجوم انكدرت} أي تغيرت، وعن يزيد بن أبي مريم مرفوعاً: (انكدرت في جهنم، وكل من عبد من دون اللّه فهو في جهنم، إلا ما كان من عيسى وأمه، ولو رضيا أن يعبدا لدخلاها) ""رواه ابن أبي حاتم"". وقوله تعالى: {وإذا الجبال سيرت} أي زالت عن أماكنها ونسفت فتركت الأرض قاعاً صفصفاً، وقوله: {وإذا العشار عطلت} عشار الإبل، قال مجاهد: {عطلت} تركت وسيّبت، وقال أُبيّ بن كعب: أهملها أهلها، وقال الربيع بن خيثم: لم تحلب وتخلى عنها أربابها، والمعنى في هذا كله متقارب، والمقصود أن العشار من الإبل وهي خيارها والحوامل منها، واحدتها عشراء قد اشتغل الناس عنها وعن كفالتها والانتفاع بها، بما دهمهم من الأمر العظيم الهائل، وهو أمر يوم القيامة ووقوع مقدماتها، وقيل: بل يكون ذلك يوم القيامة يراها أصحابها، كذلك لا سبيل لهم إليها، وقد قيل في العشار: إنها السحاب تعطل عن المسير بين السماء والأرض لخراب الدنيا، والراجح أنها الإبل، واللّه أعلم. وقوله تعالى: {وإذا الوحوش حشرت} أي جمعت كما قال تعالى: {وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون} قال ابن عباس: يحشر كل شيء حتى الذباب، وقال عكرمة: حشرها موتها، وعن ابن عباس قال: حشر البهائم موتها وحشر كل شيء الموت غير الجن والإنس ""أخرجه ابن جرير"". وعن الربيع بن خيثم {وإذا الوحوش حشرت} قال: أتى عليها أمر اللّه، وعن أُبيّ بن كعب أنه قال: {وإذا الوحوش حشرت} اختلطت، قال ابن جرير: والأولى قول من قال حشرت جمعت، قال اللّه تعالى: {والطير محشورة} أي مجموعة، وقوله تعالى: {وإذا البحار سجرت} قال ابن عباس: يرسل اللّه عليها الرياح الدبور فتسعرها وتصير ناراً تأجج، وفي سنن أبي داود: (لا يركب البحر إلا حاج أو معتمر أو غاز، فإن تحت البحر ناراً وتحت النار بحراً) الحديث، وقال مجاهد {سجرت} أوقدت، وقال الحسن: يبست، وقال الضحّاك وقتادة: غاض ماؤها فذهب فلم يبق فيها قطرة، وقال الضحّاك أيضاً: {سجرت} فجّرت، وقال السدي: فتحت وصيرت، وقوله تعالى: {وإذا النفوس زوّجت} أي جمع كل شكل إلى نظيره كقوله تعالى: {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم} أي الضرباء كل رجل مع كل قوم كانوا يعملون عمله، روى النعمان بن بشير أن عمر بن الخطاب خطب الناس فقرأ: {وإذا النفوس زوجت} فقال: تزوجها أن تؤلف كل شيعة إلى شيعتهم، يقرن بين الرجل الصالح مع الرجل الصالح، ويقرن بين الرجل السوء مع الرجل السوء في النار، فذلك تزويج الأنفس ""أخرجه ابن أبي حاتم""، وعن ابن عباس في قوله تعالى: {وإذا النفوس زوجت} قال: ذلك حين يكون الناس أزواجاً ثلاثة، وقال مجاهد: {وإذا النفوس زوجت} قال: الأمثال من الناس جمع بينهم، واختاره ابن جرير، وقال الحسن البصري وعكرمة: زوجت الأرواح بالأبدان، وقيل: زوج المؤمنون بالحور العين، وزوج الكافرون بالشياطين ""حكاه القرطبي في التذكرة"". وقوله تعالى: {وإذا الموءُودة سئلت . بأي ذنب قُتِلَتْ} الموءُودة هي التي كانت أهل الجاهلية يدسونها في التراب كراهية البنات، فيوم القيامة تسأل الموءُودة على أي ذنب قُتلت ليكون ذلك تهديداً لقاتلها، فإنه إذا سئل المظلوم فما ظن الظالم إذاً؟ وقال ابن عباس: {وإذا الموءُودة سئلت} أي سألت أي طالبت بدمها. وقد وردت أحاديث تتعلق بالموءُودة فقال الإمام أحمد عن جذامة بنت وهب أخت عكاشة قالت: حضرت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في ناس وهو يقول: (لقد هممت أن أنهى عن الغيلة فنظرت في الروم وفارس، فإذا هم يغيلون أولادهم، ولا يضر أولادهم ذلك شيئاً)، ثم سألوه عن العزل؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (ذلك الوأد الخفي وهو الموءُودة سئلت) ""أخرجه أحمد ورواه مسلم وأبو داود والترمذي بنحوه"". وروى الإمام أحمد عن سلمة بن يزيد الجعفي قال: انطلقت أنا وأخي إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقلنا: يا رسول اللّه إن أمنا مليكة كانت تصل الرحم، وتقري الضيف، وتفعل، هلكت في الجاهلية فهل ذلك نافعها شيئاً؟ قال: (لا)، قلنا: فإنها كانت وأدت أُختاً لنا في الجاهلية فهل ذلك نافعها شيئاً؟ قال: (الوائدة والموءُودة في النار، إلا أن يدرك الوائدة الإسلام فيعفو اللّه عنها) ""أخرجه أحمد والنسائي"". وفي الحديث: (النبي في الجنة، والشهيد في الجنة، والمولود في الجنة، والموءُودة في الجنة) ""أخرجه أحمد من حديث خنساء بنت معاوية الصريمية عن عمها قال، قلت: يا رسول اللّه من في الجنة؟ فقال الحديث"". وعن قرة قال: سمعت الحسن يقول: قيل، يا رسول اللّه مَن في الجنة؟ قال: (الموءُودة في الجنة) ""هذا من مراسيل الحسن ومنهم من قبله"". وقال ابن عباس: أطفال المشركين في الجنة، فمن زعم أنهم في النار فقد كذب، يقول اللّه تعالى: {وإذا الموءُودة سئلت . بأي ذنب قتلت}، قال ابن عباس: هي المدفونة، وقال عبد الرزاق: جاء قيس بن عاصم إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه إني وأدت بنات لي في الجاهلية، قال: (أعتق عن كل واحدة منهن رقبة) قال: يا رسول اللّه إني صاحب إبل، قال: (فانحر عن كل واحدة منهن بدنة) ""أخرجه عبد الرزاق والحافظ البزار بنحوه عن عمر بن الخطاب"". وقوله تعالى: {وإذا الصحف نشرت} قال الضحّاك: أعطى كل إنسان صحيفته بيمينه أو بشماله، وقال قتادة: يا ابن آدم تملي فيها ثم تطوى، ثم تنشر عليك يوم القيامة، فلينظر رجل ماذا يملي في صحيفته، قوله تعالى: {وإذا السماء كشطت} قال مجاهد: اجتذبت؛ وقال السدي: كشفت؛ وقال الضحّاك: تنكشط فتذهب، وقوله تعالى: {وإذا الجحيم سعرت} قال السدي: أحميت، وقال قتادة: أوقدت، قال: وإنما يسعرها غضب اللّه وخطايا بني آدم، وقوله تعالى: {وإذا الجنة أزلفت} قال الضحّاك: أي قربت من أهلها، وقوله تعالى: {علمت نفس ما أحضرت} هذا هو الجواب أي إذا وقعت هذه الأمور حينئذ تعلم كل نفس ما عملت، وأحضر ذلك لها كما قال تعالى: {يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً}، وقال تعالى: {ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر}. عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: لما نزلت: {إذا الشمس كورت} قال عمر: لما بلغ {علمت نفس ما أحضرت} قال: لهذا أجري الحديث.

ِترجمة معني الآية

ِاردو | Espanol | Française | English | Malaysian | Indonesian | বাঙালি