نتيجة البحث: تفسير الآية و صورتها و تلاوتها


سورة الإنسان آية 14
وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا

التفسير الميسر فوقاهم الله من شدائد ذلك اليوم، وأعطاهم حسنًا ونورًا في وجوههم، وبهجة وفرحًا في قلوبهم، وأثابهم بصبرهم في الدنيا على الطاعة جنة عظيمة يأكلون منها ما شاؤوا، ويَلْبَسون فيها الحرير الناعم، متكئين فيها على الأسرَّة المزينة بفاخر الثياب والستور، لا يرون فيها حر شمس ولا شدة برد، وقريبة منهم أشجار الجنة مظللة عليهم، وسُهِّل لهم أَخْذُ ثمارها تسهيلا.

تفسير الجلالين
14 - (ودانية) قريبة عطف على محل لا يرون أي غير رائين (عليهم) منهم (ظلالها) شجرها (وذللت قطوفها تذليلا) ادنيت ثمارها فينالها القائم والقاعد والمضطجع

تفسير القرطبي
قوله تعالى {وجزاهم بما صبروا} على الفقر.
وقال القرظي : على الصوم.
وقال عطاء : على الجوع ثلاثة أيام وهي أيام النذر.
وقيل : بصبرهم على طاعة الله، وصبرهم على معصية الله ومحارمه.
و{ما} : مصدرية، وهذا على أن الآية نزلت في جميع الأبرار ومن فعل فعلا حسنا.
وروى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الصبر فقال : (الصبر أربعة : أولها الصبر عند الصدمة الأولى، والصبر على أداء الفرائض، والصبر على اجتناب محارم الله، والصبر على المصائب).
{جنة وحريرا} أي أدخلهم الجنة وألبسهم الحرير.
أي يسمى بحرير الدنيا وكذلك الذي في الآخرة [وفيه] ما شاء الله عز وجل من الفضل.
وقد تقدم : أن من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة، وإنما ألبسه من ألبسه في الجنة عوضا عن حبسهم أنفسهم في الدنيا عن الملابس التي حرم الله فيها.
قوله تعالى {متكئين فيها} أي في الجنة؛ ونصب {متكئين} على الحال من الهاء والميم في {جزاهم} والعامل فيها جزى ولا يعمل فيها {صبروا}؛ لأن الصبر إنما كان في الدنيا والاتكاء في الآخرة.
وقال الفراء.
وإن شئت جعلت {متكئين} تابعا، كأنه قال جزاهم جنة {متكئين فيها}.
{على الأرائك} السرر في الحجال وقد تقدم.
وجاءت عن العرب أسماء تحتوي على صفات : أحدها الأريكة لا تكون إلا في حجلة على سرير، ومنها السجل، وهو الدلو الممتلئ ماء، فإذا صفرت لم تسم سجلا، وكذلك الذنوب لا تسمى ذنوبا حتى تملأ، والكأس لا تسمو، كأسا حتى تترع من الخمر.
وكذلك الطبق الذي تهدى عليه الهدية مهدى، فإذا كان فارغا قيل طبق أو خوان؛ قال ذو الرمة : خدود جفت في السير حتى كأنما ** يباشرن بالمعزاء مس الأرائك أي الفرش على السرر.
{لا يرون فيها شمسا} أي لا يرون في الجنة شدة حر كحر الشمس {ولا زمهريرا} أي ولا بردا مفرطا؛ قال الأعشى : منعمة طفلة كالمهاة ** لم تر شمسا ولا زمهريرا وعن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (اشتكت النار إلى ربها عز وجل قالت : يا رب أكل بعضي بعضا، فجعل لها نفسين نفسا في الشتاء ونفسا في الصيف، فشدة ما تجدون من البرد من زمهريرها، وشدة ما تجدون من الحر في الصيف من سمومها).
وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (إن هواء الجنة سجسج : لا حر ولا برد) والسجسج : الظل الممتد كما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس.
وقال مرة الهمداني : الزمهرير البرد القاطع.
وقال مقاتل بن حيان : هو شيء مثل رؤوس الإبر ينزل من السماء في غاية البرد.
وقال ابن مسعود : هو لون من العذاب، وهو البرد الشديد، حتى إن أهل النار إذا ألقوا فيه سألوا الله أن يعذبهم بالنار ألف سنة أهون عليهم من عذاب الزمهرير يوما واحدا.
قال أبو النجم : أو كنت ريحا كنت زمهريرا وقال ثعلب : الزمهرير : القمر بلغة طيي؛ قال شاعرهم : وليلة ظلامها قد اعتكر ** قطعتها والزمهرير ما زهر ويروى : ما ظهر؛ أي لم يطلع القمر.
فالمعنى لا يرون فيها شمسا كشمس الدنيا ولا قمرا كقمر الدنيا، أي إنهم في ضياء مستديم، لا ليل فيه ولا نهار؛ لأن ضوء النهار بالشمس، وضوء الليل بالقمر.
وقد مضى هذا المعنى مجودا في سورة مريم عند قوله تعالى {ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا} [مريم : 62].
وقال ابن عباس : بينما أهل الجنة في الجنة إذ رأوا نورا ظنوه شمسا قد أشرقت بذلك النور الجنة، فيقولون : قال ربنا {لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا} فما هذا النور؟ فيقول لهم رضوان : ليست هذه شمس ولا قمر، ولكن هذه فاطمة وعلي ضحكا، فأشرقت الجنان من نور ضحكهما، وفيهما أنزل الله تعالى {هل أتى على الإنسان} وأنشد : أنا مولى لفتى ** أنزل فيه هل أتى ذاك علي المرتضى ** وابن عم المصطفى قوله تعالى {ودانية عليهم ظلالها} أي ظل الأشجار في الجنة قريبة من الأبرار، فهي مظلة عليهم زيادة في نعيمهم وإن كان لا شمس ولا قمر ثم؛ كما أن أمشاطهم الذهب والفضة، وإن كان لا وسخ ولا شعث ثم.
ويقال : إن ارتفاع الأشجار في الجنة مقدار مائة عام، فإذا اشتهى ولي الله ثمرتها دانت حتى يتناولها.
وانتصبت {دانية} على الحال عطفا على {متكئين} كما تقول : في الدار عبدالله متكئا ومرسلة عليه الحجال.
وقيل : انتصبت نعتا للجنة؛ أي وجزاهم جنة دانية، فهي، صفة لموصوف محذوف.
وقيل : على موضع {لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا} ويرون دانية، وقيل : على المدح أي دنت دانية.
قاله الفراء.
{ظلالها} الظلال مرفوعة بدانية، ولو قرئ برفع دانية على أن تكون الظلال مبتدأ ودانية الخبر لجاز، وتكون الجملة في موضع الحال من الهاء والميم في {وجزاهم} وقد قرئ بذلك.
وفي قراءة عبدالله {ودانيا عليهم} لتقدم الفعل.
وفي حرف أبي {ودان} رفع على الاستئناف {وذللت} أي سخرت لهم {قطوفها} أي ثمارها {تذليلا} أي تسخيرا، فيتناولها القائم والقاعد والمضطجع، لا يرد أيديهم عنها بعد ولا شوك؛ قاله قتادة.
وقال مجاهد : إن قام أحدا ارتفعت له، وإن جلس تدلت عليه، وإن اضطجع دنت منه فأكل منها.
وعنه أيضا : أرض الجنة من ورق، وترابها الزعفران، وطيبها مسك أذفر، وأصول شجرها ذهب وورق، وأفنانها اللؤلؤ والزبرجد والياقوت، والثمر تحت ذلك كله؛ فمن أكل منها قائما لم تؤذه، ومن أكل منها قاعدا لم تؤذه، ومن أكل منها مضطجعا لم تؤذه.
وقال ابن عباس : إذا همّ أن يتناول من ثمارها تدلت إليه حتى يتناول منها ما يريد، وتذليل القطوف تسهيل التناول.
والقطوف : الثمار، الواحد قطف بكسر القاف، سمي به لأنه يقطف، كما سمي الجنى لأنه يجنى.
{تذليلا} تأكيد لما وصف به من الذل؛ كقوله{ونزلناه تنزيلا}[الإسراء : 106] {وكلم الله موسى تكليما}[النساء : 164].
الماوردي : ويحتمل أن يكون تذليل قطوفها أن تبرز لهم من أكمامها، وتخلص لهم من نواها.
قلت : وفي هذا بعد؛ فقد روى ابن المبارك، قال : أخبرنا سفيان عن حماد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : نخل الجنة : جذوعها زمرد أخضر، وكربها ذهب أحمر، وسعفها كسوة لأهل الجنة، منها مقطعاتهم وحللهم، وثمرها أمثال القلال والدلاء، أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، وألين من الزبد ليس فيه عجم.
قال أبو جعفر النحاس : ويقال المذلل الذي قد ذلله الماء أي أرواه.
ويقال المذلل الذي يفيئه أدنى ريح لنعمته، ويقال المذلل المسوى؛ لأن أهل الحجاز يقولون : ذلل نخلك أي سوه، ويقال المذلل القريب المتناول، من قولهم : حائط ذليل أي قصير.
قال أبو جعفر : وهذه الأقوال التي حكيناها ذكرها أهل العلم باللغة وقالوها في قول امرئ القيس : وساق كأنبوب السقي المذلل

تفسير ابن كثير يخبر تعالى عن أهل الجنة وما هم فيه من النعيم المقيم، وما أسبغ عليهم من الفضل العظيم فقال تعالى: {متكئين فيها على الأرائك} تقدم الكلام على ذلك في سورة الصافات، وأن الأرائك هي السرر تحت الحجال، وقوله تعالى: {لا يرون فيها شمساً ولا زمهريراً} أي ليس عندهم حرّ مزعج، ولا برد مؤلم، {ودانية عليهم ظلالها} أي قريبة إليهم أغصانها، {ذلّلت قطوفها تذليلاً} أي متى تعاطاه دنا القطف إليه، تدلى من أعلى غصنه كأنه سامع طائع، كما قال تعالى: {قطوفها دانية} قال مجاهد: إن قام ارتفعت معه بقدر، وإن قعد تذلّلت له حتى ينالها، وإن اضطجع تذلّلت له حتى ينالها فذلك قوله تعالى: {تذليلاً}، وقال قتادة: لا يرد أيديهم عنها شوك ولا بعد، وقوله جلَّت عظمته: {ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب} أي يطوف عليهم الخدم بأواني الطعام، وهي من فضة، وأكواب الشراب وهي التي لا عرى لها ولا خراطيم، وقوله: {قوارير من فضة} فالأول منصوب بخبر كان، أي كانت قوارير، والثاني منصوب إما على البدلية أو تمييز، قال ابن عباس: بياض الفضة في صفاء الزجاج، والقوارير لا تكون إلا من زجاج، فهذه الأكواب هي من فضة، وهي مع هذا شفافة يرى ما في باطنها من ظاهرها، وهذا مما لا نظير له في الدنيا. قال ابن عباس: ليس في الجنة شيء إلا قد أعطيتم في الدنيا شبهه إلا قوارير من فضة، وقوله تعالى: {قدروها تقديراً} أي على قدر ريّهم لا تزيد عنه ولا تنقص، بل هي معدة لذلك مقدرة بحسب ري صاحبها، وهذا أبلغ في الاعتناء والشرف والكرامة، وقال ابن عباس: {قدروها تقديراً} قدرت للكف، وقال الضحّاك: على قدر كف الخادم، وهذا لا ينافي القول الأول، فإنها مقدرة في القدر والري. وقوله تعالى: {ويسقون فيها كأساً كان مزاجها زنجبيلاً} أي ويسقون - يعني الأبرار أيضاً - في هذه الأكواب {كأساً} أي خمراً، {كان مزاجها زنجبيلاً} فتارة يمزج لهم الشراب بالكافور وهو بارد، وتارة بالزنجبيل وهو حار ليعتدل الأمر، وهؤلاء يمزج لهم من هذا تارة ومن هذا تارة، وأما المقربون فإنهم يشربون من كل منهما صرفاً كما قاله قتادة وغير واحد. وقد تقدم قوله جل وعلا: {عيناً يشرب بها عباد اللّه}، وقال ههنا: {عيناً فيها تسمى سلسبيلاً} أي الزنجبيل عين في الجنة تسمى سلسبيلاً، قال عكرمة، اسم عين في الجنة، وقال مجاهد: سميت بذلك لسلاسة مسيلها وحدة جريها، وقوله تعالى: {ويطوف عليهم ولدان مخلدون . إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤاً منثوراً} أي يطوف على أهل الجنة للخدمة ولدان من ولدان الجنة {مخلدون} أي على حالة واحدة، مخلدون عليها لا يتغيرون عنها لا تزيد أعمارهم عن تلك السن، وقوله تعالى: {إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤاً منثوراً} أي إذا رأيتهم في صباحة وجوههم، وحسن ألوانهم وثيابهم وحليهم {حسبتهم لؤلؤاً منثوراً} ولا يكون في التشبيه أحسن من هذا، ولا في المنظر أحسن من اللؤلؤ المنثور على المكان الحسن، قال قتادة: ما من أهل الجنة من أحد يسعى إلا عليه ألف خادم كل خادم على عمل ما عليه صاحبه، وقوله جلَّ وعلا: {وإذا رأيت} أي وإذا رأيت يا محمد {ثمَّ} أي هناك يعني في الجنة ونعيمها، وسعتها وارتفاعها، وما فيها من الحبرة والسرور {رأيت نعيماً وملكاً كبيراً} أي مملكة للّه هناك عظيمة، وسلطاناً باهراً، وثبت في الصحيح أن اللّه تعالى يقول لآخر أهل النار خروجاً منها، وآخر أهل الجنة دخولاً إليها: (إن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها)، وفي الحديث عن ابن عمر مرفوعاً: (إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر في ملكه مسيرة ألفي سنة ينظر إلى أقصاه كما ينظر إلى أدناه) فإذا كان هذا عطاؤه تعالى لأدنى من يكون في الجنة، فما ظنك بما هو أعلى منزلة وأحظى عنده تعالى؟ وقوله جلَّ جلاله: {عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق} أي لباس أهل الجنة فيها الحرير السندس وهو رفيع الحرير كالقمصان ونحوها مما يلي أبدانهم، والإستبرق وهو ما فيه بريق ولمعان وهو مما يلي الظاهر، كما هو المعهود في اللباس، {وحلوا أساور من فضة} وهذه صفة الأبرار، وأما المقربون فكما قال تعالى: {يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤاً ولباسهم فيها حرير} ولما ذكر تعالى زينة الظاهر بالحرير والحلي قال بعده: {وسقاهم ربهم شراباً طهوراً} أي طهر بواطنهم من الحسد والحقد، والغل والأذى وسائر الأخلق الرديئة، كما روينا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه أنه قال: إذ انتهى أهل الجنة إلى باب الجنة وجدوا هنالك عينين فكأنما ألهموا ذلك فشربوا من إحداهما، فأذهب اللّه ما في بطونهم من أذى، ثم اغتسلوا من الأُخرى، فجرت عليهم نضرة النعيم، فأخبر سبحانه وتعالى بحالهم الظاهر وجمالهم الباطن، وقوله تعالى: {إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكوراً} أي يقال لهم ذلك تكريماً لهم وإحساناً إليهم كما قال تعالى: {كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية}، وكقوله تعالى: {ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون}، وقوله تعالى: {وكان سعيكم مشكوراً} أي جزاكم اللّه تعالى على القليل بالكثير.

ِترجمة معني الآية

ِاردو | Espanol | Française | English | Malaysian | Indonesian | বাঙালি