نتيجة البحث: تفسير الآية و صورتها و تلاوتها


سورة الإنسان آية 12
وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا

التفسير الميسر فوقاهم الله من شدائد ذلك اليوم، وأعطاهم حسنًا ونورًا في وجوههم، وبهجة وفرحًا في قلوبهم، وأثابهم بصبرهم في الدنيا على الطاعة جنة عظيمة يأكلون منها ما شاؤوا، ويَلْبَسون فيها الحرير الناعم، متكئين فيها على الأسرَّة المزينة بفاخر الثياب والستور، لا يرون فيها حر شمس ولا شدة برد، وقريبة منهم أشجار الجنة مظللة عليهم، وسُهِّل لهم أَخْذُ ثمارها تسهيلا.

تفسير الجلالين
12 - (وجزاهم بما صبروا) بصبرهم عن المعصية (جنة) ادخلوها (وحريرا) البسوه

تفسير القرطبي
قوله تعالى {وجزاهم بما صبروا} على الفقر.
وقال القرظي : على الصوم.
وقال عطاء : على الجوع ثلاثة أيام وهي أيام النذر.
وقيل : بصبرهم على طاعة الله، وصبرهم على معصية الله ومحارمه.
و{ما} : مصدرية، وهذا على أن الآية نزلت في جميع الأبرار ومن فعل فعلا حسنا.
وروى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الصبر فقال : (الصبر أربعة : أولها الصبر عند الصدمة الأولى، والصبر على أداء الفرائض، والصبر على اجتناب محارم الله، والصبر على المصائب).
{جنة وحريرا} أي أدخلهم الجنة وألبسهم الحرير.
أي يسمى بحرير الدنيا وكذلك الذي في الآخرة [وفيه] ما شاء الله عز وجل من الفضل.
وقد تقدم : أن من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة، وإنما ألبسه من ألبسه في الجنة عوضا عن حبسهم أنفسهم في الدنيا عن الملابس التي حرم الله فيها.
قوله تعالى {متكئين فيها} أي في الجنة؛ ونصب {متكئين} على الحال من الهاء والميم في {جزاهم} والعامل فيها جزى ولا يعمل فيها {صبروا}؛ لأن الصبر إنما كان في الدنيا والاتكاء في الآخرة.
وقال الفراء.
وإن شئت جعلت {متكئين} تابعا، كأنه قال جزاهم جنة {متكئين فيها}.
{على الأرائك} السرر في الحجال وقد تقدم.
وجاءت عن العرب أسماء تحتوي على صفات : أحدها الأريكة لا تكون إلا في حجلة على سرير، ومنها السجل، وهو الدلو الممتلئ ماء، فإذا صفرت لم تسم سجلا، وكذلك الذنوب لا تسمى ذنوبا حتى تملأ، والكأس لا تسمو، كأسا حتى تترع من الخمر.
وكذلك الطبق الذي تهدى عليه الهدية مهدى، فإذا كان فارغا قيل طبق أو خوان؛ قال ذو الرمة : خدود جفت في السير حتى كأنما ** يباشرن بالمعزاء مس الأرائك أي الفرش على السرر.
{لا يرون فيها شمسا} أي لا يرون في الجنة شدة حر كحر الشمس {ولا زمهريرا} أي ولا بردا مفرطا؛ قال الأعشى : منعمة طفلة كالمهاة ** لم تر شمسا ولا زمهريرا وعن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (اشتكت النار إلى ربها عز وجل قالت : يا رب أكل بعضي بعضا، فجعل لها نفسين نفسا في الشتاء ونفسا في الصيف، فشدة ما تجدون من البرد من زمهريرها، وشدة ما تجدون من الحر في الصيف من سمومها).
وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (إن هواء الجنة سجسج : لا حر ولا برد) والسجسج : الظل الممتد كما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس.
وقال مرة الهمداني : الزمهرير البرد القاطع.
وقال مقاتل بن حيان : هو شيء مثل رؤوس الإبر ينزل من السماء في غاية البرد.
وقال ابن مسعود : هو لون من العذاب، وهو البرد الشديد، حتى إن أهل النار إذا ألقوا فيه سألوا الله أن يعذبهم بالنار ألف سنة أهون عليهم من عذاب الزمهرير يوما واحدا.
قال أبو النجم : أو كنت ريحا كنت زمهريرا وقال ثعلب : الزمهرير : القمر بلغة طيي؛ قال شاعرهم : وليلة ظلامها قد اعتكر ** قطعتها والزمهرير ما زهر ويروى : ما ظهر؛ أي لم يطلع القمر.
فالمعنى لا يرون فيها شمسا كشمس الدنيا ولا قمرا كقمر الدنيا، أي إنهم في ضياء مستديم، لا ليل فيه ولا نهار؛ لأن ضوء النهار بالشمس، وضوء الليل بالقمر.
وقد مضى هذا المعنى مجودا في سورة مريم عند قوله تعالى {ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا} [مريم : 62].
وقال ابن عباس : بينما أهل الجنة في الجنة إذ رأوا نورا ظنوه شمسا قد أشرقت بذلك النور الجنة، فيقولون : قال ربنا {لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا} فما هذا النور؟ فيقول لهم رضوان : ليست هذه شمس ولا قمر، ولكن هذه فاطمة وعلي ضحكا، فأشرقت الجنان من نور ضحكهما، وفيهما أنزل الله تعالى {هل أتى على الإنسان} وأنشد : أنا مولى لفتى ** أنزل فيه هل أتى ذاك علي المرتضى ** وابن عم المصطفى قوله تعالى {ودانية عليهم ظلالها} أي ظل الأشجار في الجنة قريبة من الأبرار، فهي مظلة عليهم زيادة في نعيمهم وإن كان لا شمس ولا قمر ثم؛ كما أن أمشاطهم الذهب والفضة، وإن كان لا وسخ ولا شعث ثم.
ويقال : إن ارتفاع الأشجار في الجنة مقدار مائة عام، فإذا اشتهى ولي الله ثمرتها دانت حتى يتناولها.
وانتصبت {دانية} على الحال عطفا على {متكئين} كما تقول : في الدار عبدالله متكئا ومرسلة عليه الحجال.
وقيل : انتصبت نعتا للجنة؛ أي وجزاهم جنة دانية، فهي، صفة لموصوف محذوف.
وقيل : على موضع {لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا} ويرون دانية، وقيل : على المدح أي دنت دانية.
قاله الفراء.
{ظلالها} الظلال مرفوعة بدانية، ولو قرئ برفع دانية على أن تكون الظلال مبتدأ ودانية الخبر لجاز، وتكون الجملة في موضع الحال من الهاء والميم في {وجزاهم} وقد قرئ بذلك.
وفي قراءة عبدالله {ودانيا عليهم} لتقدم الفعل.
وفي حرف أبي {ودان} رفع على الاستئناف {وذللت} أي سخرت لهم {قطوفها} أي ثمارها {تذليلا} أي تسخيرا، فيتناولها القائم والقاعد والمضطجع، لا يرد أيديهم عنها بعد ولا شوك؛ قاله قتادة.
وقال مجاهد : إن قام أحدا ارتفعت له، وإن جلس تدلت عليه، وإن اضطجع دنت منه فأكل منها.
وعنه أيضا : أرض الجنة من ورق، وترابها الزعفران، وطيبها مسك أذفر، وأصول شجرها ذهب وورق، وأفنانها اللؤلؤ والزبرجد والياقوت، والثمر تحت ذلك كله؛ فمن أكل منها قائما لم تؤذه، ومن أكل منها قاعدا لم تؤذه، ومن أكل منها مضطجعا لم تؤذه.
وقال ابن عباس : إذا همّ أن يتناول من ثمارها تدلت إليه حتى يتناول منها ما يريد، وتذليل القطوف تسهيل التناول.
والقطوف : الثمار، الواحد قطف بكسر القاف، سمي به لأنه يقطف، كما سمي الجنى لأنه يجنى.
{تذليلا} تأكيد لما وصف به من الذل؛ كقوله{ونزلناه تنزيلا}[الإسراء : 106] {وكلم الله موسى تكليما}[النساء : 164].
الماوردي : ويحتمل أن يكون تذليل قطوفها أن تبرز لهم من أكمامها، وتخلص لهم من نواها.
قلت : وفي هذا بعد؛ فقد روى ابن المبارك، قال : أخبرنا سفيان عن حماد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : نخل الجنة : جذوعها زمرد أخضر، وكربها ذهب أحمر، وسعفها كسوة لأهل الجنة، منها مقطعاتهم وحللهم، وثمرها أمثال القلال والدلاء، أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، وألين من الزبد ليس فيه عجم.
قال أبو جعفر النحاس : ويقال المذلل الذي قد ذلله الماء أي أرواه.
ويقال المذلل الذي يفيئه أدنى ريح لنعمته، ويقال المذلل المسوى؛ لأن أهل الحجاز يقولون : ذلل نخلك أي سوه، ويقال المذلل القريب المتناول، من قولهم : حائط ذليل أي قصير.
قال أبو جعفر : وهذه الأقوال التي حكيناها ذكرها أهل العلم باللغة وقالوها في قول امرئ القيس : وساق كأنبوب السقي المذلل

تفسير ابن كثير يخبر تعالى عما أرصده للكافرين من خلقه، من السلاسل والأغلال والسعير وهو اللهب، والحريق في نار جهنم كما قال تعالى: {إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون . في الحميم ثم في النار يسجرون}، ولما ذكر ما أعده لهؤلاء الأشقياء من السعير قال بعده: {إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافوراً}، وقد علم ما في الكافور من التبريد والرائحة الطيبة، مع ما يضاف إلى ذلك من اللذاذة في الجنة، قال الحسن: برد الكافور في طيب الزنجبيل، ولهذا قال: {عيناً يشرب بها عباد اللّه يفجرونها تفجيراً} أي هذا الذي مزج لهؤلاء الأبرار من الكافور، هو عين يشرب بها المقربون من عباد اللّه صرفاً بلا مزج ويروون بها، قال بعضهم: هذا الشراب في طيبه كالكافور، وقال بعضهم: هو من عين كافور، وقوله تعالى: {يفجرونها تفجيراً} أي يتصرفون فيها حيث شاءوا وأين شاءوا، من قصورهم ودورهم ومجالسهم ومحالهم، والتفجير هو الإنباع، كما قال تعالى: {وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً}، وقال: {وفجرنا خلالهما نهراً} وقال مجاهد: {يفجرونها تفجيراً} يقودونها حيث شاءوا، وقال الثوري: يصرفونها حيث شاءوا، وقوله تعالى: {يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطيراً} أي يتعبدون اللّه فيما أوجبه عليهم من فعل الطاعات وما أوجبوه على أنفسهم بطريق النذر، وفي الحديث: (من نذر أن يطيع اللّه فليطعه، ومن نذر أن يعصي اللّه فلا يعصه) ""أخرجه البخاري من حديث مالك""، ويتركون المحرمات التي نهاهم عنها خيفة من سوء الحساب يوم المعاد وهو اليوم الذي يكون {شره مستطيراً} أي منتشراً عاما على الناس إلا من رحم اللّه، قال ابن عباس: فاشياً، وقال قتادة: استطار واللّه شر ذلك اليوم حتى ملأ السماوات والأرض. وقوله تعالى: {ويطعمون الطعام على حبه} قيل: على حب اللّه تعالى لدلالة السياق عليه، والأظهر أن الضمير عائد على الطعام، أي ويطعمون الطعام في حال محبتهم وشهوتهم له، قاله مجاهد ومقاتل، واختاره ابن جرير كقوله تعالى: {وآتى المال على حبه}، وكقوله تعالى: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}، وروى البيهقي عن نافع قال: مرض ابن عمر فاشتهى عنباً أول ما جاء العنب، فأرسلت صفية يعني امرأته فاشترت عنقوداً بدرهم، فاتبع الرسول سائل، فلما دخل به قال السائل: السائل، فقال ابن عمر: أعطوه إياه فأعطوه إياه ""أخرجه البيهقي عن نافع وفيه أنها أرسلت بدرهم آخر فاشترت به فأعطاه للسائل ثم بدرهم ثالث""، وفي الصحيح: (أفضل الصدقة أن تصدّق وأنت صحيح شحيح تأمل الغنى وتخشى الفقر) أي في حال محبتك للمال وحرصك عليه وحاجتك إليه، ولهذا قال تعالى: {ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً} أما المسكين واليتيم فقد تقدم بيانهما وصفتهما، وأما الأسير فقال الحسن والضحّاك: الأسير من أهل القبلة، وقال ابن عباس: كان أسراؤهم يومئذ مشركين، يشهد لهذا أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أمر أصحابه يوم بدر أن يكرموا الأسارى، فكانوا يقدمونهم على أنفسهم عند الغذاء، وقال عكرمة: هم العبيد، واختاره ابن جرير لعموم الآية للمسلم والمشرك، وقد وصى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالإحسان إلى الأرقاء حتى كان آخر ما أوصى به أن جعل يقول: (الصلاة وما ملكت أيمانكم) قال مجاهد: هو المحبوس، أي يطعمون الطعام لهؤلاء، وهم يشتهونه ويحبونه قائلين بلسان الحال: {إنما نطعمكم لوجه اللّه} أي رجاء ثواب اللّه ورضاه {لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً} أي لا نطلب منكم مجازاة تكافئوننا بها ولا أن تشكرونا عند الناس، قال مجاهد: أما واللّه ما قالوه بألسنتهم، ولكن علم اللّه به من قلوبهم، فأثنى عليهم به، ليرغب في ذلك راغب {إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً} أي إنما نفعل هذا لعل اللّه أن يرحمنا ويتلقانا بلطفه في اليوم العبوس القمطرير، قال ابن عباس: {عبوساً} ضيقاً {قمطريراً} طويلاً، وقال عكرمة: يعبس الكافر يومئذ حتى يسيل من بين عينيه عرق مثل القطران، وقال مجاهد: {عبوساً} العابس الشفتين، {قمطريراً} قال: يقبض الوجه باليسور، وقال سعيد بن جبير وقتادة: تعبس فيه الوجوه من الهول {قمطريراً} تقلص الجبين وما بين العينين من الهول، وقال ابن زيد: العبوس الشر، والقمطرير الشديد، وقال ابن جرير: والقمطرير هو الشديد، يقال: هو يوم قمطرير ويوم قماطر، ويوم عصيب وعصبصب. قال اللّه تعالى: {فوقاهم اللّه شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسروراً} وهذا من باب التجانس البليغ، {فوقاهم اللّه شر ذلك اليوم} أي آمنهم مما خافوا منه، {ولقاهم نضرة} أي في وجوههم، {وسروراً} أي في قلوبهم وهذه كقوله تعالى: {وجوه يومئذ مسفرة . ضاحكة مستبشرة} وذلك أن القلب إذا سر استنار الوجه. قال كعب بن مالك في حديثه الطويل: وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا سر استنار وجهه حتى كأنه فلقة قمر، وقالت عائشة رضي اللّه عنها: (دخل عليَّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مسروراً تبرق أسارير وجهه) الحديث. وقوله تعالى: {وجزاهم بما صبروا} أي بسبب صبرهم أعطاهم ونولهم وبوأهم {جنة وحريراً} أي منزلاً رحباً، وعيشاً رغداً، ولباساً حسناً.

ِترجمة معني الآية

ِاردو | Espanol | Française | English | Malaysian | Indonesian | বাঙালি