نتيجة البحث: تفسير الآية و صورتها و تلاوتها


سورة الإنسان آية 7
يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا

التفسير الميسر هذا الشراب الذي مزج من الكافور هو عين يشرب منها عباد الله، يتصرفون فيها، ويُجْرونها حيث شاؤوا إجراءً سهلا. هؤلاء كانوا في الدنيا يوفون بما أوجبوا على أنفسهم من طاعة الله، ويخافون عقاب الله في يوم القيامة الذي يكون ضرره خطيرًا، وشره فاشيًا منتشرًا على الناس، إلا مَن رحم الله، ويُطْعِمون الطعام مع حبهم له وحاجتهم إليه، فقيرًا عاجزًا عن الكسب لا يملك من حطام الدنيا شيئًا، وطفلا مات أبوه ولا مال له، وأسيرًا أُسر في الحرب من المشركين وغيرهم، ويقولون في أنفسهم: إنما نحسن إليكم ابتغاء مرضاة الله، وطلب ثوابه، لا نبتغي عوضًا ولا نقصد حمدًا ولا ثناءً منكم. إنا نخاف من ربنا يومًا شديدًا تَعْبِس فيه الوجوه، وتتقطَّبُ الجباه مِن فظاعة أمره وشدة هوله.

تفسير الجلالين
7 - (يوفون بالنذر) في طاعة الله (ويخافون يوما كان شره مستطيرا) منتشرا

تفسير القرطبي
قوله تعالى {يوفون بالنذر} أي لا يخلفون إذا نذروا.
وقال معمر عن قتادة : بما فرض الله عليهم من الصلاة والزكاة والصوم والحج والعمرة وغيره من الواجبات.
وقال مجاهد وعكرمة : يوفون إذا نذروا في حق الله جل ثناؤه.
وقال الفراء والجرجاني : وفي الكلام إضمار؛ أي كانوا يوفون بالنذر في الدنيا.
والعرب قد تزيد مرة {كان} وتحذف أخرى.
والنذر : حقيقته ما أوجبه المكلف على نفسه من شيء يفعله.
وإن شئت قلت في حده : النذر : هو إيجاب المكلف على نفسه من الطاعات ما لو لم يوجبه لم يلزمه.
وقال الكلبي{يوفون بالنذر} أي يتممون العهود والمعنى واحد؛ وقد قال الله تعالى {ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم}[الحج : 29] أي أعمال نسكهم التي ألزموها أنفسهم بإحرامهم بالحج.
وهذا يقوي قول قتادة.
وأن النذر يندرج فيه ما التزمه المرء بإيمانه من امتثال أمر الله؛ قال القشيري.
وروى أشهب عن مالك أنه قال {يوفون بالنذر} هو نذر العتق والصيام والصلاة.
وروى عنه أبو بكر بن عبدالعزيز قال مالك.
{يوفون بالنذر} قال : النذر : هو اليمين.
قوله تعالى {ويخافون} أي يحذرون {يوما} أي يوم القيامة.
{كان شره مستطيرا} أي عاليا داهيا فاشيا وهو في اللغة ممتدا؛ والعرب تقول : استطار الصدع في القارورة والزجاجة واستطال : إذا امتد؛ قال الأعشى : وبانت وقد أسأرت في الفؤاد ** صدعا على نأيها مستطيرا ويقال : استطار الحريق : إذا انتشر.
واستطار الفجر إذا انتشر الضوء.
وقال حسان : وهان على سراء بني لؤي ** حريق بالبويرة مستطير وكان قتادة يقول : استطار والله شر ذلك اليوم حتى ملأ السموات والأرض.
وقال مقاتل : كان شره فاشيا في السموات فانشقت، وتناثرت الكواكب، وفزعت الملائكة، وفي الأرض نسفت الجبال وغارت المياه.
قوله تعالى {ويطعمون الطعام على حبه} قال ابن عباس ومجاهد : على قلته وحبهم إياه وشهوتهم له.
وقال الداراني : على حب الله.
وقال الفضيل بن عياض : على حب إطعام الطعام.
وكان الربيع بن خيثم إذا جاءه السائل قال : أطعموه سكرا فإن الربيع يحب السكر.
{مسكينا} أي ذا مسكنة.
وروى أبو صالح عن ابن عباس قال : هو الطواف يسألك مالك {ويتيما} أي من يتامى المسلمين.
وروى منصور عن الحسن : أن يتيما كان يحضر طعام ابن عمر، فدعا ذات يوم بطعامه، وطلب اليتيم فلم يجده، وجاءه بعد ما فرغ ابن عمر من طعامه فلم يجد الطعام، فدعا له بسويق وعسل؛ فقال : دونك هذا، فوالله ما غبنت؛ قال الحسن وابن عمر : والله ما غبن.
{وأسيرا} أي الذي يؤسر فيحبس.
فروى أبو صالح عن ابن عباس قال : الأسير من أهل الشرك يكون في أيديهم.
وقال قتادة.
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : الأسير هو المحبوس.
وكذا قال سعيد بن جبير وعطاء : هو المسلم يحبس بحق.
وعن سعيد بن جبير مثل قول قتادة وابن عباس.
قال قتادة : لقد أمر الله بالأسرى أن يحسن إليهم، وأن أسراهم يومئذ لأهل الشرك، وأخوك المسلم أحق أن تطعمه.
وقال عكرمة : الأسير العبد.
وقال أبو حمزة الثمالي : الأسير المرأة، يدل عليه قوله عليه السلام : (استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان عندكم) أي أسيرات.
وقال أبو سعيد الخدري : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا} فقال : (المسكين الفقير، واليتيم الذي لا أب له، والأسير المملوك والمسجون) ذكره الثعلبي.
وقيل : نسخ إطعام المسكين آية الصدقات؛ وإطعام الأسير آية السيف؛ قال سعيد بن جبير.
وقال غيره : بل هو ثابت الحكم، وإطعام اليتيم والمسكين على التطوع، وإطعام الأسير لحفظ نفسه إلا أن يتخير فيه الإمام.
الماوردي : ويحتمل أن يريد بالأسير الناقص العقل؛ لأنه في أسر خبله وجنونه، وأسر المشرك انتقام يقف على رأي الإمام؛ وهذا بر وإحسان.
وعن عطاء قال : الأمير من أهل القبلة وغيرهم.
قلت : وكأن هذا القول عام يجمع جميع الأقوال، ويكون إطعام الأسير المشرك قربة إلى الله تعالى، غير أنه من صدقة التطوع، فأما المفروضة فلا.
والله أعلم.
ومضى القول في المسكين واليتيم والأسير واشتقاق ذلك من اللغة في البقرة مستوفى والحمد لله.
قوله تعالى {إنما نطعمكم لوجه الله} أي يقولون بألسنتهم للمسكين واليتيم والأسير {إنما نطعمكم} في الله جل ثناؤه فزعا من عذابه وطمعا في ثوابه.
{لا نريد منكم جزاء ولا شكورا} {لا نريد منكم جزاء} أي مكافأة.
{ولا شكورا} أي ولا أن تثنوا علينا بذلك؛ قال ابن عباس : كذلك كانت نياتهم في الدنيا حين أطعموا.
وعن سالم عن مجاهد قال : أما إنهم ما تكلموا به ولكن علمه الله جل ثناؤه منهم فأثنى به عليهم؛ ليرغب في ذلك راغب.
وقال سعيد بن جبير حكاه عنه القشيري.
وقيل : إن هذه الآية نزلت في مطعم بن ورقاء الأنصاري نذر نذرا فوفى به.
وقيل : نزلت فيمن تكفل بأسرى بدر وهم سبعة من المهاجرين : أبو بكر وعمر وعلي والزبير وعبدالرحمن بن عوف وسعد وأبو عبيدة رضي الله عنهم؛ ذكره الماوردي.
وقال مقاتل : نزلت في رجل من الأنصار أطعم في يوم واحد مسكينا ويتيما وأسيرا.
وقال أبو حمزة الثمالي : بلغني أن رجلا قال يا رسول الله أطعمني فإني والله مجهود؛ فقال : (والذي نفسي بيده ما عندي ما أطعمك ولكن اطلب) فأتى رجلا من الأنصار وهو يتعشى مع امرأته فسأله؛ وأخبره بقول النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقالت المرأة : اطعمه واسقه.
ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم يتيم فقال : يا رسول الله! أطعمني فإني مجهود.
فقال : (ما عندي ما أطعمك ولكن اطلب) فاستطعم ذلك الأنصاري فقالت المرأة : أطعمه واسقه، فأطعمه.
ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم أسير فقال : يا رسول الله! أطعمني فإني مجهود.
فقال : (والله ما معي ما أطعمك ولكن اطلب) فجاء الأنصاري فطلب، فقالت المرأة : أطعمه واسقه.
فنزلت {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا} ذكره الثعلبي.
وقال أهل التفسير : نزلت في علي وفاطمة رضي الله عنهما وجارية لهما اسمها فضة.
قلت : والصحيح أنها نزلت في جميع الأبرار، ومن فعل فعلا حسنا؛ فهي عامة.
وقد ذكر النقاش والثعلبي والقشيري وغير واحد من المفسرين في قصة علي وفاطمة وجاريتهما حديثا لا يصح ولا يثبت، رواه ليث عن مجاهد عن ابن عباس في قوله عز وجل {يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا.
ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا} قال : مرض الحسن والحسين فعادهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعادهما عامة العرب؛ فقالوا : يا أبا الحسن - ورواه جابر الجعفي عن قنبر مولى علي قال : مرض الحسن والحسين حتى عادهما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر رضي الله عنه : يا أبا الحسن - رجع الحديث إلى حديث ليث بن أبي سليم - لو نذرت عن ولديك شيئا، وكل نذر ليس له وفاء فليس بشيء.
فقال رضي الله عنه : إن برأ ولداي صمت لله ثلاثة أيام شكرا.
وقالت جارية لهم نوبية : إن برأ سيداي صمت لله ثلاثة أيام شكرا.
وقالت فاطمة مثل ذلك.
وفي حديث الجعفي فقال الحسن والحسين : علينا مثل ذلك فألبس الغلامان العافية، وليس عند آل محمد قليل ولا كثير، فانطلق علي إلى شمعون بن حاريا الخيبري، وكان يهوديا، فاستقرض منه ثلاثة أصوع من شعير، فجاء به، فوضعه ناحية البيت، فقامت فاطمة إلى صاع فطحنته واختبزته، وصلى علي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه.
وفي حديث الجعفي : فقامت الجارية إلى صاع من شعير فخبزت منه خمسة أقراص، لكل واحد منهم قرص، فلما مضى صيامهم الأول وضع بين أيديهم الخبز والملح الجريش؛ إذ أتاهم مسكين، فوقف بالباب وقال : السلام عليكم أهل بيت محمد - في حديث الجعفي - أنا مسكين من مساكين أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وأنا والله جائع؛ أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة.
فسمعه علي رضي الله عنه، فأنشأ يقول : فاطم ذات الفضل اليقين ** يا بنت خير الناس أجمعين أما ترين البائس المسكين ** قد قام بالباب له حنين يشكو إلى الله ويستكين ** يشكو إلينا جائع حزين كل امرئ بكسبه رهين ** وفاعل الخيرات يستبين موعدنا جنة عليين ** حرمها الله على الضنين وللبخيل موقف مهين ** تهوى به النار إلى سجين شرابه الحميم والغسلين ** من يفعل الخير يقم سمين ويدخل الجنة أي حين فأنشأت فاطمة رضي الله عنها تقول : أمرك عندي يا ابن عم طاعه ** ما بي من لؤم ولا وضاعه غديت في الخبز له صناعه ** أطعمه ولا أبالي الساعه أرجو إذا أشبعت ذا المجاعه ** أن ألحق الأخيار والجماعه وأدخل الجنة لي شفاعه فأطعموه الطعام، ومكثوا يومهم وليلتهم لم يذوقوا شيئا إلا الماء القراح، فلما أن كان في اليوم الثاني قامت إلى صاع فطحنته واختبزته، وصلى علي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين أيديهم؛ فوقف بالباب يتيم فقال : السلام عليكم أهل بيت محمد، يتيم من أولاد المهاجرين استشهد والدي يوم العقبة.
أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة.
فسمعه علي فأنشأ يقول : فاطم بنت السيد الكريم ** بنت نبي ليس بالزنيم لقد أتى الله بذي اليتيم ** من يرحم اليوم يكن رحيم ويدخل الجنة أي سليم ** قد حرم الخلد على اللئيم ألا يجوز الصراط المستقيم ** يزل في النار إلى الجحيم شرابه الصديد والحميم فأنشأت فاطمة رضي الله عنها تقول : أطعمه اليوم ولا أبالي ** وأوثر الله على عيالي أمسوا جياعا وهمُ أشبالي ** أصغرهم يقتل في القتال بكر بلا يقتل باغتيال ** يا ويل للقاتل مع وبال تهوي به النار إلى سفال ** وفي يديه الغل والأغلال كبولة زادت على الأكبال فأطعموه الطعام ومكثوا يومين وليلتين لم يذوقوا شيئا إلا الماء القراح؛ فلما كانت في اليوم الثالث قامت إلى الصاع الباقي فطحنته واختبزته، وصلى علي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أتى المنزل، فوضع الطعام بين أيديهم؛ إذ أتاهم أسير فوقف بالباب فقال : السلام عليكم أهل بيت محمد، تأسروننا وتشدوننا ولا تطعموننا! أطعموني فإني أسير محمد.
فسمعه علي فأنشأ يقول : فاطم يا بنت النبي أحمد ** بنت نبي سيد مسود وسماه الله فهو محمد ** قد زانه الله بحسن أغيد هذا أسير للنبي المهتد ** مثقل في غله مقيد ينكو إلينا الجوع قد تمدد ** من يطعم اليوم يجده في غد عند العلي الواحد الموحد ** ما يزرع الزارع سوف يحصد أعطيه لا لا تجعليه أقعد فأنشأت فاطمة رضي الله تعالى عنها تقول : لم يبق مما جاء غير صاع ** قد ذهبت كفي مع الذراع ابناي والله هما جياع ** يا رب لا تتركهما ضياع أبوهما للخير ذو اصطناع ** يصطنع المعروف بابتداع عبل الذراعين شديد الباع ** وما على رأسي من قناع إلا قناعا نسجه أنساع فأعطوه الطعام ومكثوا ثلاثة أيام ولياليها لم يذوقوا شيئا إلا الماء القراح، فلما أن كان في اليوم الرابع، وقد قضى الله النذر أخذ بيده اليمنى الحسن، وبيده اليسرى الحسين، وأقبل نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع؛ فلما أبصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : [يا أبا الحسن ما أشد ما يسوءني ما أرى بكم انطلق بنا إلى ابنتي فاطمة] فانطلقوا إليها وهي في محرابها، وقد لصق بطنها بظهرها، وغارت عيناها من شدة الجوع، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرف المجاعة في وجهها بكى وقال : [واغوثاه يا الله، أهل بيت محمد يموتون جوعا] فهبط جبريل عليه السلام وقال : السلام عليك، ربك يقرئك السلام يا محمد، خذه هنيئا في أهل بيتك.
قال : (وما أخذ يا جبريل) فأقرأه {هل أتى على الإنسان حين من الدهر} إلى قوله {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا.
إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا} قال الترمذي الحكيم أبو عبدالله في نوادر الأصول : فهذا حديث مزوق مزيف، قد تطرف فيه صاحبه حتى تشبه على المستمعين، فالجاهل بهذا الحديث يعض شفتيه تلهفا ألا يكون بهذه الصفة، ولا يعلم أن صاحب هذا الفعل مذموم؛ وقد قال الله تعالى في تنزيله {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو}[البقرة : 219] وهو الفضل الذي يفضل عن نفسك وعيالك، وجرت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم متواترة بأن [خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى].
[وابدأ بنفسك ثم بمن تعول] وافترض الله على الأزواج نفقة أهاليهم وأولادهم.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت] أفيحسب عاقل أن عليا جهل هذا الأمر حتى أجهد صبيانا صغارا من أبناء خمس أو ست على جوع ثلاثة أيام ولياليهن؟ حتى تضوروا من الجوع، وغارت العيون منهم؛ لخلاء أجوافهم، حتى أبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بهم من الجهد.
هب أنه آثر على نفسه هذا السائل، فهل كان يجوز له أن يحمل أهله على ذلك؟! وهب أن أهله سمحت بذلك لعلي فهل جاز له أن يحمل أطفاله على جوع ثلاثة أيام بلياليهن؟! ما يروج مثل هذا إلا على حمقى جهال؛ أبى الله لقلوب متنبهة أن تظن بعلي مثل هذا.
وليت شعري من حفظ هذه الأبيات كل ليلة عن علي وفاطمة، وإجابة كل واحد منهما صاحبه، حتى أداه إلى هؤلاء الرواة؟ فهذا وأشباهه من أحاديث أهل السجون فيما أرى بلغني أن قوما يخلدون في السجون فيبقون بلا حيلة، فيكتبون أحاديث في السمر وأشباهه، ومثل هذه الأحاديث مفتعلة، فإذا صارت إلى الجهابذة رموا بها وزيفوها، وما من شيء إلا له آفة ومكيدة، وآفة الدين وكيده أكثر.

تفسير ابن كثير يخبر تعالى عما أرصده للكافرين من خلقه، من السلاسل والأغلال والسعير وهو اللهب، والحريق في نار جهنم كما قال تعالى: {إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون . في الحميم ثم في النار يسجرون}، ولما ذكر ما أعده لهؤلاء الأشقياء من السعير قال بعده: {إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافوراً}، وقد علم ما في الكافور من التبريد والرائحة الطيبة، مع ما يضاف إلى ذلك من اللذاذة في الجنة، قال الحسن: برد الكافور في طيب الزنجبيل، ولهذا قال: {عيناً يشرب بها عباد اللّه يفجرونها تفجيراً} أي هذا الذي مزج لهؤلاء الأبرار من الكافور، هو عين يشرب بها المقربون من عباد اللّه صرفاً بلا مزج ويروون بها، قال بعضهم: هذا الشراب في طيبه كالكافور، وقال بعضهم: هو من عين كافور، وقوله تعالى: {يفجرونها تفجيراً} أي يتصرفون فيها حيث شاءوا وأين شاءوا، من قصورهم ودورهم ومجالسهم ومحالهم، والتفجير هو الإنباع، كما قال تعالى: {وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً}، وقال: {وفجرنا خلالهما نهراً} وقال مجاهد: {يفجرونها تفجيراً} يقودونها حيث شاءوا، وقال الثوري: يصرفونها حيث شاءوا، وقوله تعالى: {يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطيراً} أي يتعبدون اللّه فيما أوجبه عليهم من فعل الطاعات وما أوجبوه على أنفسهم بطريق النذر، وفي الحديث: (من نذر أن يطيع اللّه فليطعه، ومن نذر أن يعصي اللّه فلا يعصه) ""أخرجه البخاري من حديث مالك""، ويتركون المحرمات التي نهاهم عنها خيفة من سوء الحساب يوم المعاد وهو اليوم الذي يكون {شره مستطيراً} أي منتشراً عاما على الناس إلا من رحم اللّه، قال ابن عباس: فاشياً، وقال قتادة: استطار واللّه شر ذلك اليوم حتى ملأ السماوات والأرض. وقوله تعالى: {ويطعمون الطعام على حبه} قيل: على حب اللّه تعالى لدلالة السياق عليه، والأظهر أن الضمير عائد على الطعام، أي ويطعمون الطعام في حال محبتهم وشهوتهم له، قاله مجاهد ومقاتل، واختاره ابن جرير كقوله تعالى: {وآتى المال على حبه}، وكقوله تعالى: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}، وروى البيهقي عن نافع قال: مرض ابن عمر فاشتهى عنباً أول ما جاء العنب، فأرسلت صفية يعني امرأته فاشترت عنقوداً بدرهم، فاتبع الرسول سائل، فلما دخل به قال السائل: السائل، فقال ابن عمر: أعطوه إياه فأعطوه إياه ""أخرجه البيهقي عن نافع وفيه أنها أرسلت بدرهم آخر فاشترت به فأعطاه للسائل ثم بدرهم ثالث""، وفي الصحيح: (أفضل الصدقة أن تصدّق وأنت صحيح شحيح تأمل الغنى وتخشى الفقر) أي في حال محبتك للمال وحرصك عليه وحاجتك إليه، ولهذا قال تعالى: {ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً} أما المسكين واليتيم فقد تقدم بيانهما وصفتهما، وأما الأسير فقال الحسن والضحّاك: الأسير من أهل القبلة، وقال ابن عباس: كان أسراؤهم يومئذ مشركين، يشهد لهذا أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أمر أصحابه يوم بدر أن يكرموا الأسارى، فكانوا يقدمونهم على أنفسهم عند الغذاء، وقال عكرمة: هم العبيد، واختاره ابن جرير لعموم الآية للمسلم والمشرك، وقد وصى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالإحسان إلى الأرقاء حتى كان آخر ما أوصى به أن جعل يقول: (الصلاة وما ملكت أيمانكم) قال مجاهد: هو المحبوس، أي يطعمون الطعام لهؤلاء، وهم يشتهونه ويحبونه قائلين بلسان الحال: {إنما نطعمكم لوجه اللّه} أي رجاء ثواب اللّه ورضاه {لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً} أي لا نطلب منكم مجازاة تكافئوننا بها ولا أن تشكرونا عند الناس، قال مجاهد: أما واللّه ما قالوه بألسنتهم، ولكن علم اللّه به من قلوبهم، فأثنى عليهم به، ليرغب في ذلك راغب {إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً} أي إنما نفعل هذا لعل اللّه أن يرحمنا ويتلقانا بلطفه في اليوم العبوس القمطرير، قال ابن عباس: {عبوساً} ضيقاً {قمطريراً} طويلاً، وقال عكرمة: يعبس الكافر يومئذ حتى يسيل من بين عينيه عرق مثل القطران، وقال مجاهد: {عبوساً} العابس الشفتين، {قمطريراً} قال: يقبض الوجه باليسور، وقال سعيد بن جبير وقتادة: تعبس فيه الوجوه من الهول {قمطريراً} تقلص الجبين وما بين العينين من الهول، وقال ابن زيد: العبوس الشر، والقمطرير الشديد، وقال ابن جرير: والقمطرير هو الشديد، يقال: هو يوم قمطرير ويوم قماطر، ويوم عصيب وعصبصب. قال اللّه تعالى: {فوقاهم اللّه شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسروراً} وهذا من باب التجانس البليغ، {فوقاهم اللّه شر ذلك اليوم} أي آمنهم مما خافوا منه، {ولقاهم نضرة} أي في وجوههم، {وسروراً} أي في قلوبهم وهذه كقوله تعالى: {وجوه يومئذ مسفرة . ضاحكة مستبشرة} وذلك أن القلب إذا سر استنار الوجه. قال كعب بن مالك في حديثه الطويل: وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا سر استنار وجهه حتى كأنه فلقة قمر، وقالت عائشة رضي اللّه عنها: (دخل عليَّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مسروراً تبرق أسارير وجهه) الحديث. وقوله تعالى: {وجزاهم بما صبروا} أي بسبب صبرهم أعطاهم ونولهم وبوأهم {جنة وحريراً} أي منزلاً رحباً، وعيشاً رغداً، ولباساً حسناً.

ِترجمة معني الآية

ِاردو | Espanol | Française | English | Malaysian | Indonesian | বাঙালি