نتيجة البحث: تفسير الآية و صورتها و تلاوتها


سورة الإنسان آية 6
عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا

التفسير الميسر هذا الشراب الذي مزج من الكافور هو عين يشرب منها عباد الله، يتصرفون فيها، ويُجْرونها حيث شاؤوا إجراءً سهلا. هؤلاء كانوا في الدنيا يوفون بما أوجبوا على أنفسهم من طاعة الله، ويخافون عقاب الله في يوم القيامة الذي يكون ضرره خطيرًا، وشره فاشيًا منتشرًا على الناس، إلا مَن رحم الله، ويُطْعِمون الطعام مع حبهم له وحاجتهم إليه، فقيرًا عاجزًا عن الكسب لا يملك من حطام الدنيا شيئًا، وطفلا مات أبوه ولا مال له، وأسيرًا أُسر في الحرب من المشركين وغيرهم، ويقولون في أنفسهم: إنما نحسن إليكم ابتغاء مرضاة الله، وطلب ثوابه، لا نبتغي عوضًا ولا نقصد حمدًا ولا ثناءً منكم. إنا نخاف من ربنا يومًا شديدًا تَعْبِس فيه الوجوه، وتتقطَّبُ الجباه مِن فظاعة أمره وشدة هوله.

تفسير الجلالين
6 - (عينا) بدل من كافورا فيها رائحته (يشرب بها) منها (عباد الله) أولياؤه (يفجرونها تفجيرا) يقودونها حيث شاؤا من منازلهم

تفسير القرطبي
قوله تعالى{إن الأبرار يشربون من كأس} الأبرار : أهل الصدق واحدهم بر، وهو من امتثل أمر الله تعالى.
وقيل : البر الموحد والأبرار جمع بار مثل شاهد وأشهاد، وقيل : هو جمع بر مثل نهر وأنهار؛ وفي الصحاح : وجمع البر الأبرار، وجمع البار البررة، وفلان يبر خالقه ويتبرره أي يطيعه، والأم برة بولدها.
وروى ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (إنما سماهم الله جل ثناؤه الأبرار لأنهم بروا الآباء والأبناء، كما أن لوالدك عليك حقا كذلك لولدك عليك حقا).
وقال الحسن : البر الذي لا يؤذي الذر.
وقال قتادة : الأبرار الذين يؤدون حق الله ويوفون بالنذر.
وفي الحديث : (الأبرار الذين لا يؤذون أحدا).
{يشربون من كأس} أي من إناء فيه الشراب.
قال ابن عباس : يريد الخمر.
والكأس في اللغة الإناء فيه الشراب : وإذا لم يكن فيه شراب لم يسم كأسا.
قال عمرو بن كلثوم : صَبْنتِ الكأسَ عنا أمَّ عمرو ** وكان الكأس مجراها اليمينا وقال الأصمعي : يقال صبنت عنا الهدية أو ما كان من معروف تصبن صبنا : بمعنى كففت؛ قاله الجوهري.
{كان مزاجها} أي شوبها وخلطها، قال حسان : كأن سبيئة من بيت رأس ** يكون مزاجها عسل وماء ومنه مزاج البدن وهو ما يمازجه من الصفراء والسوداء والحرارة والبرودة.
{كافورا} قال ابن عباس : هو اسم عين ماء في الجنة، يقال له عين الكافور.
أي يمازجه ماء هذه العين التي تسمى كافورا.
وقال سعيد عن قتادة : تمزج لهم بالكافور وتختم بالمسك.
وقال مجاهد.
وقال عكرمة : مزاجها طعمها.
وقيل : إنما الكافور في ريحها لا في طعمها.
وقيل : أراد كالكافور في بياضه وطيب رائحته وبرده؛ لأن الكافور لا يشرب؛ كقوله تعالى {حتى إذا جعله نارا}[الكهف : 96] أي كنار.
وقال ابن كيسان : طيب بالمسك والكافور والزنجبيل.
وقال مقاتل : ليس بكافور الدنيا.
ولكن سمى الله ما عنده بما عندكم حتى تهتدي لها القلوب.
وقوله {كان مزاجها} {كان} زائدة أي من كأس مزاجها كافور.
{عينا يشرب بها عباد الله} قال الفراء : إن الكافور اسم لعين ماء في الجنة؛ فـ{عينا} بدل من كافور على هذا.
وقيل : بدل من كأس على الموضع.
وقيل : هي حال من المضمر في {مزاجها}.
وقيل : نصب على المدح؛ كما يذكر الرجل فتقول : العاقل اللبيب؛ أي ذكرتم العاقل اللبيب فهو نصب بإضمار أعني.
وقيل يشربون عينا.
وقال الزجاج المعنى من عين.
ويقال : كافور وقافور.
والكافور أيضا : وعاء طلع النخل وكذلك الكفرى؛ قاله الأصمعي.
وأما قول الراعي : تكسو المفارق واللبات ذا أرج ** من قصب معتلف الكافور دراج فإن الظبي الذي يكون منه المسك إنما يرعى سنبل الطيب فجعله كافورا.
{يشرب بها} قال الفراء : يشرب بها ويشربها سواء في المعنى، وكأن يشرب بها يروى بها وينقع؛ وأنشد : شربن بماء البحر ثم ترفعت ** متى لجج خضر لهن نئيج قال : ومثله فلان يتكلم بكلام حسن، ويتكم كلاما حسنا.
وقيل : المعنى يشربها والباء زائدة وقيل : الباء بدل {من} تقديره يشرب منها؛ قاله القتبي.
{يفجرونها تفجيرا} فيقال : إن الرجل منهم ليمشي في بيوتاته ويصعد إلى قصوره، وبيده قضيب يشير به إلى الماء فيجري معه حيثما دار في منازله على مستوى الأرض في غير أخدود، ويتبعه حيثما صعد إلى أعلى قصوره؛ وذلك قوله تعالى {عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا} أي يشققونها شقا كما يفجر الرجل النهر ها هنا وها هنا إلى حيث يريد.
وعن ابن أبي نجيح عن مجاهد {يفجرونها تفجيرا} يقودونها حيث شاؤوا وتتبعهم حيثما مالوا مالت معهم.
وروى أبو مقاتل عن أبي صالح عن سعد عن أبي سهل عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أربع عيون في الجنة عينان تجريان من تحت العرش إحداهما التي ذكر الله {يفجرونها تفجيرا} والأخرى الزنجبيل] والأخريان نضاختان من فوق العرش إحداهما التي ذكر الله {عينا فيها تسمى سلسبيلا} والأخرى التسنيم) ""ذكره الترمذي الحكيم في نوادر الأصول"".
وقال : فالتسنيم للمقربين خاصة شربا لهم، والكافور للأبرار شربا لهم؛ يمزج للأبرار من التسنيم شرابهم، وأما الزنجبيل والسلسبيل فللإبرار منها مزاج هكذا ذكره في التنزيل وسكت عن ذكر ذلك لمن هي شرب، فما كان للأبرار مزاج فهو للمقربين صرف، وما كان للأبرار صرف فهو لسائر أهل الجنة مزاج.
والأبرار هم الصادقون، والمقربون : هم الصديقون.

تفسير ابن كثير يخبر تعالى عما أرصده للكافرين من خلقه، من السلاسل والأغلال والسعير وهو اللهب، والحريق في نار جهنم كما قال تعالى: {إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون . في الحميم ثم في النار يسجرون}، ولما ذكر ما أعده لهؤلاء الأشقياء من السعير قال بعده: {إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافوراً}، وقد علم ما في الكافور من التبريد والرائحة الطيبة، مع ما يضاف إلى ذلك من اللذاذة في الجنة، قال الحسن: برد الكافور في طيب الزنجبيل، ولهذا قال: {عيناً يشرب بها عباد اللّه يفجرونها تفجيراً} أي هذا الذي مزج لهؤلاء الأبرار من الكافور، هو عين يشرب بها المقربون من عباد اللّه صرفاً بلا مزج ويروون بها، قال بعضهم: هذا الشراب في طيبه كالكافور، وقال بعضهم: هو من عين كافور، وقوله تعالى: {يفجرونها تفجيراً} أي يتصرفون فيها حيث شاءوا وأين شاءوا، من قصورهم ودورهم ومجالسهم ومحالهم، والتفجير هو الإنباع، كما قال تعالى: {وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً}، وقال: {وفجرنا خلالهما نهراً} وقال مجاهد: {يفجرونها تفجيراً} يقودونها حيث شاءوا، وقال الثوري: يصرفونها حيث شاءوا، وقوله تعالى: {يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطيراً} أي يتعبدون اللّه فيما أوجبه عليهم من فعل الطاعات وما أوجبوه على أنفسهم بطريق النذر، وفي الحديث: (من نذر أن يطيع اللّه فليطعه، ومن نذر أن يعصي اللّه فلا يعصه) ""أخرجه البخاري من حديث مالك""، ويتركون المحرمات التي نهاهم عنها خيفة من سوء الحساب يوم المعاد وهو اليوم الذي يكون {شره مستطيراً} أي منتشراً عاما على الناس إلا من رحم اللّه، قال ابن عباس: فاشياً، وقال قتادة: استطار واللّه شر ذلك اليوم حتى ملأ السماوات والأرض. وقوله تعالى: {ويطعمون الطعام على حبه} قيل: على حب اللّه تعالى لدلالة السياق عليه، والأظهر أن الضمير عائد على الطعام، أي ويطعمون الطعام في حال محبتهم وشهوتهم له، قاله مجاهد ومقاتل، واختاره ابن جرير كقوله تعالى: {وآتى المال على حبه}، وكقوله تعالى: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}، وروى البيهقي عن نافع قال: مرض ابن عمر فاشتهى عنباً أول ما جاء العنب، فأرسلت صفية يعني امرأته فاشترت عنقوداً بدرهم، فاتبع الرسول سائل، فلما دخل به قال السائل: السائل، فقال ابن عمر: أعطوه إياه فأعطوه إياه ""أخرجه البيهقي عن نافع وفيه أنها أرسلت بدرهم آخر فاشترت به فأعطاه للسائل ثم بدرهم ثالث""، وفي الصحيح: (أفضل الصدقة أن تصدّق وأنت صحيح شحيح تأمل الغنى وتخشى الفقر) أي في حال محبتك للمال وحرصك عليه وحاجتك إليه، ولهذا قال تعالى: {ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً} أما المسكين واليتيم فقد تقدم بيانهما وصفتهما، وأما الأسير فقال الحسن والضحّاك: الأسير من أهل القبلة، وقال ابن عباس: كان أسراؤهم يومئذ مشركين، يشهد لهذا أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أمر أصحابه يوم بدر أن يكرموا الأسارى، فكانوا يقدمونهم على أنفسهم عند الغذاء، وقال عكرمة: هم العبيد، واختاره ابن جرير لعموم الآية للمسلم والمشرك، وقد وصى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالإحسان إلى الأرقاء حتى كان آخر ما أوصى به أن جعل يقول: (الصلاة وما ملكت أيمانكم) قال مجاهد: هو المحبوس، أي يطعمون الطعام لهؤلاء، وهم يشتهونه ويحبونه قائلين بلسان الحال: {إنما نطعمكم لوجه اللّه} أي رجاء ثواب اللّه ورضاه {لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً} أي لا نطلب منكم مجازاة تكافئوننا بها ولا أن تشكرونا عند الناس، قال مجاهد: أما واللّه ما قالوه بألسنتهم، ولكن علم اللّه به من قلوبهم، فأثنى عليهم به، ليرغب في ذلك راغب {إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً} أي إنما نفعل هذا لعل اللّه أن يرحمنا ويتلقانا بلطفه في اليوم العبوس القمطرير، قال ابن عباس: {عبوساً} ضيقاً {قمطريراً} طويلاً، وقال عكرمة: يعبس الكافر يومئذ حتى يسيل من بين عينيه عرق مثل القطران، وقال مجاهد: {عبوساً} العابس الشفتين، {قمطريراً} قال: يقبض الوجه باليسور، وقال سعيد بن جبير وقتادة: تعبس فيه الوجوه من الهول {قمطريراً} تقلص الجبين وما بين العينين من الهول، وقال ابن زيد: العبوس الشر، والقمطرير الشديد، وقال ابن جرير: والقمطرير هو الشديد، يقال: هو يوم قمطرير ويوم قماطر، ويوم عصيب وعصبصب. قال اللّه تعالى: {فوقاهم اللّه شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسروراً} وهذا من باب التجانس البليغ، {فوقاهم اللّه شر ذلك اليوم} أي آمنهم مما خافوا منه، {ولقاهم نضرة} أي في وجوههم، {وسروراً} أي في قلوبهم وهذه كقوله تعالى: {وجوه يومئذ مسفرة . ضاحكة مستبشرة} وذلك أن القلب إذا سر استنار الوجه. قال كعب بن مالك في حديثه الطويل: وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا سر استنار وجهه حتى كأنه فلقة قمر، وقالت عائشة رضي اللّه عنها: (دخل عليَّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مسروراً تبرق أسارير وجهه) الحديث. وقوله تعالى: {وجزاهم بما صبروا} أي بسبب صبرهم أعطاهم ونولهم وبوأهم {جنة وحريراً} أي منزلاً رحباً، وعيشاً رغداً، ولباساً حسناً.

ِترجمة معني الآية

ِاردو | Espanol | Française | English | Malaysian | Indonesian | বাঙালি