نتيجة البحث: تفسير الآية و صورتها و تلاوتها


سورة القيامة آية 8
وَخَسَفَ الْقَمَرُ

التفسير الميسر فإذا تحيَّر البصر ودُهش فزعًا مما رأى من أهوال يوم القيامة، وذهب نور القمر، وجُمِع بين الشمس والقمر في ذهاب الضوء، فلا ضوء لواحد منهما، يقول الإنسان وقتها: أين المهرب من العذاب؟

تفسير الجلالين
8 - (وخسف القمر) أظلم وذهب ضوؤه

تفسير القرطبي
قوله تعالى {فإذا برق البصر} قرأ نافع وأبان عن عاصم {برق} بفتح الراء، معناه : لمع بصره من شدة شخوصه، فتراه لا يطرف.
قال مجاهد وغيره : هذا عند الموت.
وقال الحسن : هذا يوم القيامة.
وقال فيه معنى الجواب عما سأل عنه الإنسان كأنه يوم القيامة {إذا برق البصر.
وخسف القمر} والباقون بالكسر {برق} ومعناه : تحير فلم يطرف؛ قاله أبو عمرو والزجاج وغيرهما.
قال ذو الرمة : ولو أن لقمان الحكيم تعرضت ** لعينيه مي سافرا كاد يبرق الفراء والخليل {برق} بالكسر : فزع وبهت وتحير.
والعرب تقول للإنسان المتحير المبهوت : قد برق فهو برق؛ وأنشد الفراء : فنفسك فانع ولا تنعني ** وداو الكلوم ولا تبرق أي لا تفزع من كثرة الكلوم التي بك.
وقيل : برق يبرق بالفتح : شق عينيه وفتحهما.
قاله أبو عبيدة؛ وأنشد قول الكلابي : لما أتاني ابن عمير راغبا ** أعطيته عيشا صهابا فبرق أي فتح عينيه.
وقيل : إن كسر الراء وفتحها لغتان بمعنى.
قوله تعالى {وخسف القمر} أي ذهب ضوئه.
والخسوف في الدنيا إلى انجلاء، بخلاف الآخرة، فإنه لا يعود ضوئه.
ويحتمل أن يكون بمعنى غاب؛ ومنه قوله تعالى {فخسفنا به وبداره الأرض}[القصص : 81].
وقرأ ابن أبي إسحاق وعيسى والأعرج {وخسف القمر} بضم الخاء وكسر السين يدل عليه {وجمع الشمس والقمر}.
وقال أبو حاتم محمد بن إدريس : إذا ذهب بعضه فهو الكسوف، وإذا ذهب كله فهو الخسوف.
{وجمع الشمس والقمر} أي جمع بينهما في ذهاب ضوئهما، فلا ضوء للشمس كما لا ضوء للقمر بعد خسوفه؛ قاله الفراء والزجاج.
قال الفراء : ولم يقل جمعت؛ لأن المعنى جمع بينهما.
وقال أبو عبيدة : هو على تغليب المذكر.
وقال الكسائي : هو محمول على المعنى، كأنه قال الضوءان.
المبرد : التأنيث غير حقيقي.
وقال ابن عباس وابن مسعود : جمع بينهما أي قرن بينهما في طلوعهما من المغرب أسودين مكورين مظلمين مقرنين كأنهما ثوران عقيران.
وقد مضى الحديث بهذا المعنى في آخر سورة الأنعام .
وفي قراءة عبدالله {وجمع بين الشمس والقمر} وقال عطاء بن يسار : يجمع بينهما يوم القيامة ثم يقذفان في البحر، فيكونان نار الله الكبرى.
وقال علي وابن عباس : يجعلان في نور الحجب.
وقد يجمعان في نار جهنم؛ لأنهما قد عبدا من دون الله ولا تكون النار عذابا لهما لأنهما جماد، وإنما يفعل ذلك بهما زيادة في تبكيت الكافرين وحسرتهم.
وفي مسند أبي داود الطيالسي، عن يزيد الرقاشي، عن أنس ابن مالك يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن الشمس والقمر ثوران عقيران في النار) وقيل : هذا الجمع أنهما يجتمعان ولا يفترقان، ويقربان من الناس، فيلحقهم العرق لشدة الحر؛ فكأن المعنى يجمع حرهما عليهم.
وقيل : يجمع الشمس والقمر، فلا يكون ثم تعاقب ليل ولا نهار.
قوله تعالى {يقول الإنسان يومئذ أين المفر} أي يقول ابن آدم، ويقال : أبو جهل؛ أي أين المهرب؟ قال الشاعر : أين المفر والكباش تنتطح ** وأي كبش حاد عنها يفتضح الماوردي : ويحتمل وجهين : أحدهما {أين المفر} من الله استحياء منه.
الثاني {أين المفر} من جهنم حذرا منها.
ويحتمل هذا القول من الإنسان وجهين : أحدهما : أن يكون من الكافر خاصة في عرضة القيامة دون المؤمن؛ لثقة المؤمن ببشرى ربه.
الثاني : أن يكون من قول المؤمن والكافر عند قيام الساعة لهول ما شاهدوا منها.
وقراءة العامة {المفر} بفتح الفاء واختاره أبو عبيدة وأبو حاتم؛ لأنه مصدر.
وقرأ ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة بكسر الفاء مع فتح الميم؛ قال الكسائي : هما لغتان مثل مدب ومدب، ومصح ومصح.
وعن الزهري بكسر الميم وفتح الفاء.
المهدوي : من فتح الميم والفاء من {المفر} فهو مصدر بمعنى الفرار، ومن فتح الميم وكسر الفاء فهو الموضع الذي يفر إليه.
ومن كسر الميم وفتح الفاء فهو الإنسان الجيد الفرار؛ فالمعنى أين الإنسان الجيد الفرار ولن ينجو مع ذلك.
قلت : ومنه قول امرئ القيس : مكر مفر مقبل مدبر معا يريد أنه حسن الكر والفر جيده.
{كلا} أي لا مفر {فكلا} رد وهو من قول الله تعالى.
.
ثم فسر هذا الرد فقال {لا وزر} أي لا ملجأ من النار.
وكان ابن مسعود يقول : لا حصن.
وكان الحسن يقول : لا جبل.
وابن عباس يقول : لا ملجأ.
وابن جبير : لا محيص ولا منعة.
المعنى في ذلك كله واحد.
والوزر في اللغة : ما يلجأ إليه من حصن أو جبل أو غيرهما؛ قال الشاعر : لعمري ما للفتى من وزر ** من الموت يدركه والكبر قال السدي : كانوا في الدنيا إذا فزعوا تحصنوا في الجبال، فقال الله لهم : لا وزر يعصمكم يومئذ مني؛ قال طرفة : ولقد تعلم بكر أننا ** فاضلوا الرأي وفي الروع وزر أي ملجأ للخائف.
ويروى : وقر.
{إلى ربك يومئذ المستقر} أي المنتهى؛ قال قتادة نظيره {وأن إلى ربك المنتهى}[النجم : 42].
وقال ابن مسعود : إلى ربك المصير والمرجع.
قيل : أي المستقر في الآخرة حيث يقره الله تعالى؛ إذ هو الحاكم بينهم.
وقيل : إن {كلا} من قول الإنسان لنفسه إذا علم أنه ليس له مفر قال لنفسه {كلا لا وزر.
إلى ربك يومئذ المستقر}.
قوله تعالى {ينبأ الإنسان} أي يخبر ابن آدم برا كان أو فاجرا {بما قدم وأخر} : أي بما أسلف من عمل سيء أو صالح، أو أخر من سنة سيئة أو صالحة يعمل بها بعده؛ قاله ابن عباس وابن مسعود.
وروى منصور عن مجاهد قال : ينبأ بأول عمله وآخره.
وقاله النخعي.
وقال ابن عباس أيضا : أي بما قدم من المعصية، وأخر من الطاعة.
وهو قول قتادة.
وقال ابن زيد {بما قدم} من أمواله لنفسه {وأخر} : خلف للورثة.
وقال الضحاك : ينبأ بما قدم من فرض، وأخر من فرض.
قال القشيري : وهذا الإنباء يكون في القيامة عند وزن الأعمال.
ويجوز أن يكون عند الموت.
قلت : والأول أظهر؛ لما خرجه ابن ماجة في سننه من حديث الزهري، حدثني أبو عبدالله الأغر عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علما علمه ونشره، وولدا صالحا تركه، أو مصحفا ورثه أو مسجدا بناه، أو بيتا لابن السبيل بناه، أو نهرا أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته) وخرجه أبو نعيم الحافظ بمعناه من حديث قتادة عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (سبع يجري أجرهن للعبد بعد موته وهو في قبره : من علم علما أو أجرى نهرا أو حفر بئرا أو غرس نخلا أو بنى مسجدا أو ورث مصحفا أو ترك ولدا يستغفر له بعد موته) فقوله : (بعد موته وهو في قبره) نص على أن ذلك لا يكون عند الموت، وإنما يخبر بجميع ذلك عند وزن عمله، وإن كان يبشر بذلك في قبره.
ودل على هذا أيضا قوله الحق {وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم}[العنكبوت : 13] وقوله تعالى {ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم}[النحل : 25] وهذا لا يكون إلا في الآخرة بعد وزن الأعمال.
والله أعلم.
وفي الصحيح : (من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء).

تفسير ابن كثير قد تقدم أن المقسم عليه إذا كان منتفياً جاز الإيتان بلا قبل القسم لتأكيد النفي، والمقسم عليه ههنا هو إثبات المعاد، والرد على ما يزعمه الجهلة من عدم بعث الأجساد، ولهذا قال تعالى: {لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللَّوَّامة} قال الحسن: أقسم بيوم القيامة ولم يقسم بالنفس اللوامة، وقال قتادة: بل أقسم بهما جميعاً، والصحيح أنه أقسم بهما معاً وهو المروي عن ابن عباس وسعيد ابن جبير، واختاره ابن جرير، فأما يوم القيامة فمعروف، وأما النفس اللوامة فقال الحسن البصري: إن المؤمن واللّه ما نراه إلا يلوم نفسه: ما أردت بكلمتي، ما أردت بأكلتي، ما أردت بحديث نفسي، وإن الفاجر يمضي قدماً قدماً ما يعاتب نفسه، وعن سماك أنه سأل عكرمة عن قوله {ولا أقسم بالنفس اللوامة} قال: يلوم على الخير والشر: لو فعلت كذا وكذا، وعن سعيد بن جبير قال: تلوم على الخير والشر، وقال مجاهد: تندم على ما فات وتلوم عليه، وقال ابن عباس: اللوامة المذمومة، وقال قتادة: {اللوامة} الفاجرة، قال ابن جرير: وكل هذه الأقوال متقاربة المعنى، والأشبه بظاهر التنزيل أنها التي تلوم صاحبها على الخير والشر، وتندم على ما فات. وقوله تعالى: {أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه}؟ أي يوم القيامة. أيظن أنا لا نقدر على إعادة عظامه وجمعها من أماكنها المتفرقة؟ {بلى قادرين على أن نسوي بنانه} قال ابن عباس: أن نجعله خفا أو حافراً وكذا قال مجاهد وعكرمة والحسن وقتادة والضحّاك، قال ابن جرير: أي في الدنيا لو شاء لجعل ذلك والظاهر من الآية أن قوله تعالى: {قادرين} حال من قوله تعالى {نجمع} أي أيظن الإنسان أنا لا نجمع عظامه؟ بلى سنجمعها قادرين على أن نسوي بنانه، أي قدرتنا صالحة لجمعها، ولو شئنا لبعثناه أزيد مما كان، فنجعل بنانه وهي أطراف أصابعه مستوية، وهذا معنى قول ابن قتيبة والزجاج، وقوله: {بل يريد الإنسان ليفجر أمامه} قال ابن عباس: يعني يمضي قدماً، وعنه: يقول الإنسان: أعمل ثم أتوب قبل يوم القيامة، ويقال: هو الكفر بالحق بين يدي القيامة، وقال مجاهد {ليفجر أمامه}: ليمضي أمامه راكباً رأسه، وقال الحسن: لا يلفى ابن آدم إلا تنزع نفسه إلى معصية اللّه قدماً قدماً إلا من عصمه اللّه تعالى، وروي عن غير واحد من السلف: هو الذي يعجل الذنوب ويسوّف التوبة، وقال ابن عباس: هو الكافر يكذب بيوم الحساب، وهذا هو الأظهر من المراد، ولهذا قال بعده: {يسأل أيان يوم القيامة}؟ أي يقول متى يكون يوم القيامة، وإنما سؤاله سؤال استبعاد لوقوعه وتكذيب لوجوده، كما قال تعالى: {ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين . قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون}، وقال تعالى ههنا: {فإذا برق البصر} بكسر الراء أي حار كقوله تعالى: {لا يرتد إليهم طرفهم}، والمقصود أن الأبصار تنبهر يوم القيامة وتخشع وتحار وتذل من شدة الأهوال، ومن عظم ما تشاهده يوم القيامة من الأمور. وقوله تعالى: {وخسف القمر} أي ذهب ضوؤه، {وجمع الشمس والقمر} قال مجاهد: كوّرا، كقوله {إذا الشمس كوّرت}، وقوله تعالى: {يقول الإنسان يومئذ أين المفر} أي إذا عاين ابن آدم هذه الأهوال يوم القيامة، حينئذ يريد أن يفر ويقول: {أين المفر}؟ أي هل من ملجأ أو موئل، قال اللّه تعالى: {كلا لا وزر إلى ربك يومئذ المستقر} قال ابن مسعود وابن عباس: أي لا نجاة، وهذه الآية كقوله تعالى: {ما لكم من ملجأ يومئذ وما لكم من نكير} أي ليس لكم مكان تتنكرون فيه، وكذا قال ههنا: {لا وزر} أي ليس لكم مكان تعتصمون فيه، ولهذا قال: {إلى ربك يومئذ المستقر} أي المرجع والمصير، ثم قال تعالى: {ينبأ الإنسان يومئذ بما قدّم وأخر} أي يخبر بجميع أعماله قديمها وحديثها، أولها وآخرها، صغيرها وكبيرها كما قال تعالى: {ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً}، وهكذا قال ههنا: {بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره} أي هو شهيد على نفسه عالم بما فعله ولو اعتذر وأنكر، كما قال تعالى: {اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً} وقال ابن عباس {بل الإنسان على نفسه بصيرة} يقول: سمعه وبصره ويديه ورجليه وجوارحه. وقال قتادة: شاهد على نفسه، وفي رواية قال: إذا شئت واللّه رأيته بصيراً بعيوب الناس وذنوبهم، غافلاً عن ذنوبه وكان يقال: إن في الإنجيل مكتوباً: يا ابن آدم تبصر القذاة في عين أخيك، وتترك الجذع في عينك لا تبصره. وقال مجاهد: {ولو ألقى معاذيره} ولو جادل عنها فهو بصير عليها، وقال قتادة: {ولو ألقى معاذيره} ولو اعتذر يومئذ بباطل لا يقبل منه، وقال السدي: {ولو ألقى معاذيره} حجته، واختاره ابن جرير، وقال الضحّاك: ولو ألقى ستوره، وأهل اليمن يسمون الستر المعذار، والصحيح قول مجاهد وأصحابه، كقوله تعالى: {ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا واللّه ربنا ما كنا مشركين}، وكقوله تعالى: {يوم يبعثهم اللّه جميعاً فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون}، وقال ابن عباس: {ولو ألقى معاذيره} هي الاعتذار ألم تسمع أنه قال: {يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم}؟

ِترجمة معني الآية

ِاردو | Espanol | Française | English | Malaysian | Indonesian | বাঙালি