نتيجة البحث: تفسير الآية و صورتها و تلاوتها


سورة القيامة آية 1
لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ

التفسير الميسر أقسم الله سبحانه بيوم الحساب والجزاء، وأقسم بالنفس المؤمنة التقية التي تلوم صاحبها على ترك الطاعات وفِعْل الموبقات، أن الناس يبعثون. أيظنُّ هذا الإنسان الكافر أن لن نقدر على جَمْع عظامه بعد تفرقها؟ بلى سنجمعها، قادرين على أن نجعل أصابعه أو أنامله -بعد جمعها وتأليفها- خَلْقًا سويًّا، كما كانت قبل الموت.

تفسير الجلالين
سورة القيامة 1 - (لا) زائدة في الموضعين (أقسم بيوم القيامة)

تفسير القرطبي
قوله تعالى {لا أقسم بيوم القيامة} قيل : إن {لا} صلة، وجاز وقوعها في أول السورة؛ لأن القرآن متصل بعضه ببعض، فهو في حكم كلام واحد؛ ولهذا قد يذكر الشيء في سورة ويجيء جوابه في سورة أخرى؛ كقوله تعالى {وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون}[الحجر : 6].
وجوابه في سورة أخرى {ما أنت بنعمة ربك بمجنون}[القلم : 2].
ومعنى الكلام : أقسم بيوم القيامة؛ قال ابن عباس وابن جبير وأبو عبيدة؛ ومثله قول الشاعر : تذكرت ليلى فاعترتني صبابة ** فكاد صميم القلب لا يتقطع وحكى أبو الليث السمرقندي : أجمع المفسرون أن معنى {لا أقسم} : أقسم.
واختلفوا في تفسير {لا} قال بعضهم {لا} زيادة في الكلام للزينة، ويجري في كلام العرب زيادة لا كما قال في آية أخرى {قال ما منعك أن تسجد}[ص : 75].
يعني أن تسجد، وقال بعضهم {لا} : رد لكلامهم حيث أنكروا البعث، فقال : ليس الأمر كما زعمتم.
قلت : وهذا قول الفراء؛ قال الفراء : وكثير من النحويين يقولون {لا} صلة، ولا يجوز أن يبدأ بجحد ثم يجعل صلة؛ لأن هذا لو كان كذلك لم يعرف خبر فيه جحد من خبر لا جحد فيه، ولكن القرآن جاء بالرد على الذين أنكروا البعث والجنة والنار، فجاء الإقسام بالرد عليهم في كثير من الكلام المبتدأ منه وغير المبتدأ وذلك كقولهم لا والله لا أفعل {فلا} رد لكلام قد مضى، وذلك كقولك : لا والله إن القيامة لحق، كأنك أكذبت قوما أنكروه.
وأنشد غير الفراء لامرئ القيس : فلا وأبيك ابنة العامري ** لا يدعي القوم أني أفر وقال غوية بن سلمى : ألا نادت أمامة باحتمال ** لتحزنني فلا بك ما أبالي وفائدتها توكيد القسم في الرد.
قال الفراء : وكان من لا يعرف هذه الجهة يقرأ {لأقسم} بغير ألف؛ كأنها لام تأكيد دخلت على أقسم، وهو صواب؛ لأن العرب تقول : لأقسم بالله وهي قراءة الحسن وابن كثير والزهري وابن هرمز {بيوم القيامة} أي بيوم يقوم الناس فيه لربهم، ولله عز وجل أن يقسم بما شاء.
{ولا أقسم بالنفس اللوامة} لا خلاف في هذا بين القراء، وهو أنه أقسم سبحانه بيوم القيامة تعظيما لشأنه ولم يقسم بالنفس.
وعلى قراءة ابن كثير أقسم بالأولى ولم يقسم بالثانية.
وقيل {ولا أقسم بالنفس اللوامة} رد آخر وابتداء قسم بالنفس اللوامة.
قال الثعلبي : والصحيح أنه أقسم بهما جميعا.
ومعنى {بالنفس اللوامة} أي بنفس المؤمن الذي لا تراه إلا يلوم نفسه، يقول : ما أردت بكذا؟ فلا تراه إلا وهو يعاتب نفسه؛ قال ابن عباس ومجاهد والحسن وغيرهم.
قال الحسن : هي والله نفس المؤمن، ما يرى المؤمن إلا يلوم نفسه : ما أردت بكلامى؟ ما أردت بأكلي؟ ما أردت بحديث نفسي؟ والفاجر لا يحاسب نفسه.
وقال مجاهد : هي التي تلوم على ما فات وتندم، فتلوم نفسها على الشر لم فعلته، وعلى الخير لم لا تستكثر منه.
وقيل : إنها ذات اللوم.
وقيل : إنها تلوم نفسها بما تلوم عليه غيرها؛ فعلى هذه الوجوه تكون اللوامة بمعنى اللائمة، وهو صفة مدح؛ وعلى هذا يجيء القسم بها سائغا حسنا.
وفي بعض التفسير : إنه آدم عليه السلام لم يزل لائما لنفسه على معصيته التي أخرج بها من الجنة.
وقيل : اللوامة بمعنى الملومة المذمومة عن ابن عباس أيضا - فهي صفة ذم وهو قول من نفى أن يكون قسما؛ إذ ليس للعاصي خطر يقسم به، فهي كثيرة اللوم.
وقال مقاتل : هي نفس الكافر يلوم نفسه، ويتحسر في الآخرة على ما فرط في جنب الله.
وقال الفراء : ليس من نفس محسنة أو مسيئة إلا وهي تلوم نفسها؛ فالمحسن يلوم نفسه أن لو كان ازداد إحسانا، والمسيء يلوم نفسه ألا يكون ارعوى عن إساءته.
قوله تعالى {أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه} فنعيدها خلقا جديدا بعد أن صارت رفاتا.
قال الزجاج : أقسم بيوم القيامة وبالنفس اللوامة : ليجمعن العظام للبعث، فهذا جواب القسم.
وقال النحاس : جواب القسم محذوف أي لتبعثن؛ ودل عليه قوله تعالى {أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه} للإحياء والبعث.
والإنسان هنا الكافر المكذب للبعث.
الآية نزلت في عدي بن ربيعة قال للنبي صلى الله عليه وسلم : حدثني عن يوم القيامة متى تكون، وكيف أمرها وحالها؟ فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك؛ فقال : لو عاينت ذلك اليوم لم أصدقك يا محمد ولم أأمن به، أو يجمع الله العظام؟ ! ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (اللهم اكفني جاري السوء عدي بن ربيعة، والأخنس بن شريق).
وقيل : نزلت في عدو الله أبي جهل حين أنكر البعث بعد الموت.
وذكر العظام والمراد نفسه كلها؛ لأن العظام قالب الخلق.
{بلى} وقف حسن ثم تبتدئ {قادرين}.
قال سيبويه : على معنى نجمعها قادرين، {فقادرين} حال من الفاعل المضمر في الفعل المحذوف على ما ذكرناه من التقدير.
وقيل : المعنى بل نقدر قادرين.
قال الفراء {قادرين} نصب على الخروج من {نجمع} أي نقدر ونقوى {قادرين} على أكثر من ذلك.
وقال أيضا : يصلح نصبه على التكرير أي {بلى} فليحسبنا قادرين.
وقيل : المضمر كنا أي كنا قادرين في الابتداء، وقد اعترف به المشركون.
وقرأ ابن أبي عبلة وابن السميقع {بلى قادرون} بتأويل نحن قادرون.
{على أن نسوي بنانه} البنان عند العرب : الأصابع، واحدها بنانة؛ قال النابغة : بمخضب رخص كأن بنانه ** عنم يكاد من اللطافة يعقد وقال عنترة : وأن الموت طوع يدي إذا ما وصلت بنانها بالهندواني فنبه بالبنان على بقية الأعضاء.
وأيضا فإنها أصغر العظام، فخصها بالذكر لذلك.
قال القتبي والزجاج : وزعموا أن الله لا يبعث الموتى ولا يقدر على جمع العظام؛ فقال الله تعالى : بلى قادرين على أن نعيد السلاميات على صغرها، ونؤلف بينها حتى تستوي، ومن قدر على هذا فهو على جمع الكبار أقدر.
وقال ابن عباس وعامة المفسرين : المعنى {على أن نسوي بنانه} أي نجعل أصابع يديه ورجليه شيئا واحدا كخف البعير، أو كحافر الحمار، أو كظلف الخنزير، ولا يمكنه أن يعمل به شيئا، ولكنا فرقنا أصابعه حتى يأخذ بها ما شاء.
وكان الحسن يقول : جعل لك أصابع فأنت تبسطهن، وتقبضهن بهن، ولو شاء الله لجمعهن فلم تتق الأرض إلا بكفيك.
وقيل : أي نقدر أن نعيد الإنسان في هيئة البهائم، فكيف في صورته التي كان عليها؛ وهو كقوله تعالى {وما نحن بمسبوقين.
على أن نبدل أمثالكم وننشئكم فيما لا تعلمون}[الواقعة : 61 ].
قلت : والتأويل الأول أشبه بمساق الآية.
والله أعلم.
قوله تعالى {بل يريد الإنسان ليفجر أمامه} قال ابن عباس : يعني الكافر يكذب بما أمامه من البعث والحساب.
وقال عبدالرحمن بن زيد؛ ودليله {يسأل أيان يوم القيامة} أي يسأل متى يكون! على وجه الإنكار والتكذيب.
فهو لا يقنع بما هو فيه من التكذيب، ولكن يأثم لما بين يديه.
ومما يدل على أن الفجور التكذيب ما ذكره القتبي وغيره : أن أعرابيا قصد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وشكا إليه نقب إبله ودبرها، وسأله أن يحمله على غيرها فلم يحمله؛ فقال الأعرابي : أقسم بالله أبو حفص عمر ** ما مسها من نقب ولا دبر فاغفر له اللهم إن كان فجر يعني إن كان كذبني فيما ذكرت.
وعن ابن عباس أيضا : يعجل المعصية ويسوف التوبة.
وفي بعض الحديث قال : يقول سوف أتوب ولا يتوب؛ فهو قد أخلف فكذب.
وهذا قول مجاهد والحسن وعكرمة والسدي وسعيد بن جبير، يقول : سوف أتوب، سوف أتوب، حتى يأتيه الموت على أشر أحواله.
وقال الضحاك : هو الأمل يقول سوف أعيش وأصيب من الدنيا ولا يذكر الموت.
وقيل : أي يعزم على المعصية أبدا وإن كان لا يعيش إلا مدة قليلة.
فالهاء على هذه الأقوال للإنسان.
وقيل : الهاء ليوم القيامة.
والمعنى بل يريد الإنسان ليكفر بالحق بين يدي يوم القيامة.
والفجور أصله الميل عن الحق.
{يسأل أيان يوم القيامة} أي متى يوم القيامة.

تفسير ابن كثير قد تقدم أن المقسم عليه إذا كان منتفياً جاز الإيتان بلا قبل القسم لتأكيد النفي، والمقسم عليه ههنا هو إثبات المعاد، والرد على ما يزعمه الجهلة من عدم بعث الأجساد، ولهذا قال تعالى: {لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللَّوَّامة} قال الحسن: أقسم بيوم القيامة ولم يقسم بالنفس اللوامة، وقال قتادة: بل أقسم بهما جميعاً، والصحيح أنه أقسم بهما معاً وهو المروي عن ابن عباس وسعيد ابن جبير، واختاره ابن جرير، فأما يوم القيامة فمعروف، وأما النفس اللوامة فقال الحسن البصري: إن المؤمن واللّه ما نراه إلا يلوم نفسه: ما أردت بكلمتي، ما أردت بأكلتي، ما أردت بحديث نفسي، وإن الفاجر يمضي قدماً قدماً ما يعاتب نفسه، وعن سماك أنه سأل عكرمة عن قوله {ولا أقسم بالنفس اللوامة} قال: يلوم على الخير والشر: لو فعلت كذا وكذا، وعن سعيد بن جبير قال: تلوم على الخير والشر، وقال مجاهد: تندم على ما فات وتلوم عليه، وقال ابن عباس: اللوامة المذمومة، وقال قتادة: {اللوامة} الفاجرة، قال ابن جرير: وكل هذه الأقوال متقاربة المعنى، والأشبه بظاهر التنزيل أنها التي تلوم صاحبها على الخير والشر، وتندم على ما فات. وقوله تعالى: {أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه}؟ أي يوم القيامة. أيظن أنا لا نقدر على إعادة عظامه وجمعها من أماكنها المتفرقة؟ {بلى قادرين على أن نسوي بنانه} قال ابن عباس: أن نجعله خفا أو حافراً وكذا قال مجاهد وعكرمة والحسن وقتادة والضحّاك، قال ابن جرير: أي في الدنيا لو شاء لجعل ذلك والظاهر من الآية أن قوله تعالى: {قادرين} حال من قوله تعالى {نجمع} أي أيظن الإنسان أنا لا نجمع عظامه؟ بلى سنجمعها قادرين على أن نسوي بنانه، أي قدرتنا صالحة لجمعها، ولو شئنا لبعثناه أزيد مما كان، فنجعل بنانه وهي أطراف أصابعه مستوية، وهذا معنى قول ابن قتيبة والزجاج، وقوله: {بل يريد الإنسان ليفجر أمامه} قال ابن عباس: يعني يمضي قدماً، وعنه: يقول الإنسان: أعمل ثم أتوب قبل يوم القيامة، ويقال: هو الكفر بالحق بين يدي القيامة، وقال مجاهد {ليفجر أمامه}: ليمضي أمامه راكباً رأسه، وقال الحسن: لا يلفى ابن آدم إلا تنزع نفسه إلى معصية اللّه قدماً قدماً إلا من عصمه اللّه تعالى، وروي عن غير واحد من السلف: هو الذي يعجل الذنوب ويسوّف التوبة، وقال ابن عباس: هو الكافر يكذب بيوم الحساب، وهذا هو الأظهر من المراد، ولهذا قال بعده: {يسأل أيان يوم القيامة}؟ أي يقول متى يكون يوم القيامة، وإنما سؤاله سؤال استبعاد لوقوعه وتكذيب لوجوده، كما قال تعالى: {ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين . قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون}، وقال تعالى ههنا: {فإذا برق البصر} بكسر الراء أي حار كقوله تعالى: {لا يرتد إليهم طرفهم}، والمقصود أن الأبصار تنبهر يوم القيامة وتخشع وتحار وتذل من شدة الأهوال، ومن عظم ما تشاهده يوم القيامة من الأمور. وقوله تعالى: {وخسف القمر} أي ذهب ضوؤه، {وجمع الشمس والقمر} قال مجاهد: كوّرا، كقوله {إذا الشمس كوّرت}، وقوله تعالى: {يقول الإنسان يومئذ أين المفر} أي إذا عاين ابن آدم هذه الأهوال يوم القيامة، حينئذ يريد أن يفر ويقول: {أين المفر}؟ أي هل من ملجأ أو موئل، قال اللّه تعالى: {كلا لا وزر إلى ربك يومئذ المستقر} قال ابن مسعود وابن عباس: أي لا نجاة، وهذه الآية كقوله تعالى: {ما لكم من ملجأ يومئذ وما لكم من نكير} أي ليس لكم مكان تتنكرون فيه، وكذا قال ههنا: {لا وزر} أي ليس لكم مكان تعتصمون فيه، ولهذا قال: {إلى ربك يومئذ المستقر} أي المرجع والمصير، ثم قال تعالى: {ينبأ الإنسان يومئذ بما قدّم وأخر} أي يخبر بجميع أعماله قديمها وحديثها، أولها وآخرها، صغيرها وكبيرها كما قال تعالى: {ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً}، وهكذا قال ههنا: {بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره} أي هو شهيد على نفسه عالم بما فعله ولو اعتذر وأنكر، كما قال تعالى: {اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً} وقال ابن عباس {بل الإنسان على نفسه بصيرة} يقول: سمعه وبصره ويديه ورجليه وجوارحه. وقال قتادة: شاهد على نفسه، وفي رواية قال: إذا شئت واللّه رأيته بصيراً بعيوب الناس وذنوبهم، غافلاً عن ذنوبه وكان يقال: إن في الإنجيل مكتوباً: يا ابن آدم تبصر القذاة في عين أخيك، وتترك الجذع في عينك لا تبصره. وقال مجاهد: {ولو ألقى معاذيره} ولو جادل عنها فهو بصير عليها، وقال قتادة: {ولو ألقى معاذيره} ولو اعتذر يومئذ بباطل لا يقبل منه، وقال السدي: {ولو ألقى معاذيره} حجته، واختاره ابن جرير، وقال الضحّاك: ولو ألقى ستوره، وأهل اليمن يسمون الستر المعذار، والصحيح قول مجاهد وأصحابه، كقوله تعالى: {ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا واللّه ربنا ما كنا مشركين}، وكقوله تعالى: {يوم يبعثهم اللّه جميعاً فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون}، وقال ابن عباس: {ولو ألقى معاذيره} هي الاعتذار ألم تسمع أنه قال: {يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم}؟

ِترجمة معني الآية

ِاردو | Espanol | Française | English | Malaysian | Indonesian | বাঙালি