نتيجة البحث: تفسير الآية و صورتها و تلاوتها


سورة المدثر آية 6
وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ

التفسير الميسر يا أيها المتغطي بثيابه، قم مِن مضجعك، فحذِّر الناس من عذاب الله، وخُصَّ ربك وحده بالتعظيم والتوحيد والعبادة، وَطَهِّر ثيابك من النجاسات؛ فإن طهارة الظاهر من تمام طهارة الباطن، ودُمْ على هَجْر الأصنام والأوثان وأعمال الشرك كلها، فلا تقربها، ولا تُعط العطيَّة؛ كي تلتمس أكثر منها، ولمرضاة ربك فاصبر على الأوامر والنواهي.

تفسير الجلالين
6 - (ولا تمنن تستكثر) بالرفع حال أي لا تعط شيئا فتطلب أكثر منه وهذا خاص به صلى الله عليه وسلم لأنه مأمور بأجمل الأخلاق وأشرف الآداب

تفسير القرطبي
فيه ثلاث مسائل: الأولى: قوله تعالى {ولا تمنن تستكثر} فيه أحد عشر تأويلا؛ الأول : لا تمنن على ربك بما تتحمله من أثقال النبوة، كالذي يستكثر ما يتحمله بسبب الغير.
الثاني : لا تعط عطية تلتمس بها أفضل منها؛ قاله ابن عباس وعكرمة وقتادة.
قال الضحاك : هذا حرمه الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه مأمور بأشرف الآداب وأجل الأخلاق، وأباحه لأمته؛ وقال مجاهد.
الثالث : عن مجاهد أيضا لا تضعف أن تستكثر من الخير؛ من قولك حبل منين إذا كان ضعيفا؛ ودليله قراءة ابن مسعود {ولا تمنن تستكثر من الخير}.
الرابع : عن مجاهد أيضا والربيع : لا تعظم عملك في عينك أن تستكثر من الخير، فإنه مما أنعم الله عليك.
قال ابن كيسان : لا تستكثر عملك فتراه من نفسك، إنما عملك منة من الله عليك؛ إذ جعل الله لك سبيلا إلى عبادته.
الخامس : قال الحسن : لا تمنن على الله بعملك فتستكثره.
السادس : لا تمنن بالنبوة والقرآن على الناس فتأخذ منهم أجرا تستكثر به.
السابع : قال القرظي : لا تعط مالك مصانعة.
الثامن : قال زيد بن أسلم : إذا أعطيت عطية فأعطها لربك.
التاسع : لا تقل دعوت فلم يستجب لي.
العاشر : لا تعمل طاعة وتطلب ثوابها، ولكن اصبر حتى يكون الله هو الذي يثيبك عليها.
الحادي عشر : لا تفعل الخير لترائي به الناس.
الثانية: هذه الأقوال وإن كانت مرادة فأظهرها قول ابن عباس : لا تعط لتأخذ أكثر مما أعطيت من المال؛ يقال : مننت فلانا كذا أي أعطيته.
ويقال للعطية المنة؛ فكأنه أمر بأن تكون عطاياه لله، لا لارتقاب ثواب من الخلق عليها؛ لأنه عليه السلام ما كان يجمع الدنيا، ولهذا قال : [ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود عليكم].
وكان ما يفضل من نفقة عياله مصروفا إلى مصالح المسلمين؛ ولهذا لم يورث؛ لأنه كان لا يملك لنفسه الادخار والاقتناء، وقد عصمه الله تعالى عن الرغبة في شيء من الدنيا؛ ولذلك حرمت عليه الصدقة وأبيحت له الهدية، فكان يقبلها ويثيب عليها.
وقال : [لو دعيت إلى كراع لأجبت ولو أهدي إلي ذراع لقبلت] ابن العربي : وكان يقبلها سنة ولا يستكثرها شرعة، وإذا كان لا يعطي عطية يستكثر بها فالأغنياء أولى بالاجتناب؛ لأنها باب من أبواب المذلة، وكذلك قول من قال : إن معناها لا تعطي عطية تنتظر ثوابها، فإن الانتظار تعلق بالأطماع، وذلك في حيزه بحكم الامتناع، وقد قال الله تعالى له {ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى}[طه : 131].
وذلك جائز لسائر الخلق؛ لأنه من متاع الدنيا، وطلب الكسب والتكاثر بها.
وأما من قال أراد به العمل أي لا تمنن بعملك على الله فتستكثره فهو صحيح؛ فإن ابن آدم لو أطاع الله عمره من غير فتور لما بلغ لنعم الله بعض الشكر.
الثالثة: قوله تعالى {ولا تمنن} قراءة العامة بإظهار التضعيف.
وقرأ أبو السمال العدوي وأشهب العقيلي والحسن {ولا تمن} مدغمة مفتوحة.
{تستكثر} : قراءة العامة بالرفع وهو في معنى الحال، تقول : جاء زيد يركض أي راكضا؛ أي لا تعط شيئا مقدرا أن تأخذ بدله ما هو أكثر منه.
وقرأ الحسن بالجزم على جواب النهي وهو رديء؛ لأنه ليس بجواب.
ويجوز أن يكون بدلا من {تمنن} كأنه قال : لا تستكثر.
وأنكره أبو حاتم وقال : لأن المن ليس بالاستكثار فيبدل منه.
ويحتمل أن يكون سكن تخفيفا كعضد.
أو أن يعتبر حال الوقف.
وقرأ الأعمش ويحيى {تستكثر} بالنصب، توهم لام كي، كأنه قال : ولا تمنن لتستكثر.
وقيل : هو بإضمار {أن} كقوله : (ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى) ويؤيده قراءة ابن مسعود {ولا تمنن أن تستكثر}.
قال الكسائي : فإذا حذف {أن} رفع وكان المعنى واحدا.
وقد يكون المن بمعنى التعداد على المنعم عليه بالنعم، فيرجع إلى القول الثاني : ، ويعضده قوله تعالى {لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى}[البقرة : 264] وقد يكون مرادا في هذه الآية.
والله أعلم.

تفسير ابن كثير روى البخاري، عن جابر بن عبد اللّه، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (جاورت بحراء فلما قضيت جواري، هبطت فنوديت، فنظرت عن يميني، فلم أر شيئاً، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئاً، ونظرت أمامي فلم أر شيئاً، ونظرت خلفي فلم أر شيئاً، فرفعت رأسي فرأيت شيئاً، فأتيت خديجة، فقلت: دثروني وصبوا عليَّ ماء بارداً - قال - فدثروني وصبُّوا عليَّ ماء بارداً، قال، فنزلت: {يا أيها المدثر . قُمْ فأنذر . وربك فكبِّر} ""رواه البخاري"". وعن أبي سلمة قال: أخبرني جابر بن عبد اللّه أنه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يحدِّث عن فترة الوحي فقال في حديثه: (فبينا أنا أمشي إذْ سمعتُ صوتاً من السماء، فرفعت بصري قبَل السماء، فإذا الملك الذي جاءني بحراء قاعد على كرسي بين السماء والأرض، فجثثت منه حتى هويت إلى الأرض، فجئت إلى أهلي فقلت: زملوني زملوني. فزملوني، فأنزل: {يا أيها المدثر . قُمْ فأنذر} - إلى - {فاهجر}، قال أبو سلمة: والرجز: الأوثان، (ثم حمي الوحي وتتابع) ""أخرجه البخاري ومسلم"". وهذا السياق يقتضي أنه قد نزل الوحي قبل هذا لقوله: (فإذا الملك الذي كان بحراء) وهو جبريل حين أتاه بقوله: {اقْرَأْ باسْمِ ربّك الذي خلق}، ثم إنه حصل بعد هذا فترة ثم نزل الملك بعد هذا، كما قال الإمام أحمد، عن جابر بن عبد اللّه، أنه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: (ثم فتر الوحي عني فترة، فبينا أنا أمشي سمعت صوتاً من السماء، فرفعت بصري قبَل السماء فإذا الملك الذي جاءني قاعد على كرسي بين السماء والأرض، فجثثت منه فرقاً حتى هويت إلى الأرض، فجئت أهلي، فقلت لهم: زملوني زملوني، فزملوني، فأنزل اللّه تعالى: {يا أيها المدثر . قُمْ فأنذر . وربك فكبِّر . وثيابك فطهر . والرجز فاهجر} ثم حمي الوحي وتتابع) ""أخرجه أحمد والشيخان"". وروى الطبراني، عن ابن عباس قال: إن الوليد بن المغيرة صنع لقريش طعاماً فلما أكلوا منه قال: ما تقولون في هذا الرجل؟ فقال بعضهم: ساحر، وقال بعضهم: ليس بساحر، وقال بعضهم: كاهن، وقال بعضهم: ليس بكاهن، وقال بعضهم: شاعر، وقال بعضهم: ليس بشاعر، وقال بعضهم: بل ساحر يؤثر، فأجمع رأيهم على أنه سحر يؤثر، فبلغ ذلك النبي صلى اللّه عليه وسلم، فحزن وقّنع رأسه وتدثر، فأنزل اللّه تعالى: {يا أيها المدثر . قم فأنذر . وربك فكبِّر . وثيابك فطهر . والرجز فاهجر . ولا تمنن تستكثر . ولربك فاصبر} وقوله تعالى: {قم فأنذر} أي شمر عن ساق العزم وأنذر الناس {وربك فكبر} أي عظّم {وثيابك فطهِّر} سئل ابن عباس عن هذه الآية: {وثيابك فطهر} فقال: لا تلبسها على معصية ولا على غدرة، ثم قال: أما سمعت قول غيلان بن سلمة الثقفي: فإني بحمد اللّه لا ثوب فاجر ** لبست ولا من غدرة أتقنع وفي رواية عنه: فطهر من الذنوب، وقال مجاهد: {وثيابك فطهر} قال: نفسك ليس ثيابه، وفي رواية عنه: أي عملك فأصلح، وقال قتادة: {وثيابك فطهر} أي طهرها من المعاصي، وقال محمد بن سيرين: {وثيابك فطهر} أي اغسلها بالماء، وقال ابن زيد: كان المشركون لا يتطهرون، فأمره اللّه أن يتطهر وأن يطهر ثيابه، وهذا القول اختاره ابن جرير، وقد تشمل الآية جميع ذلك مع طهارة القلب، فإن العرب تطلق الثياب عليه. وقال سعيد بن جبير {وثيابك فطهر} وقلبك ونيتك فطهر. وقوله تعالى: {والرجز فاهجر} قال ابن عباس: والرجز وهو الأصنام فاهجر وهو قول مجاهد وعكرمة وقتادة والزهري وابن زيد أن الرجز يراد به الأوثان وقال الضحّاك {والرجز فاهجر}: أي اترك المعصية، وعلى كل تقدير، فلا يلزم تلبسه بشيء من ذلك كقوله تعالى: {يا أيها النبي اتق اللّه ولا تطع الكافرين والمنافقين}. وقوله تعالى: {ولا تمنن تستكثر}، قال ابن عباس: لا تعط العطية تلتمس أكثر منها، وقال الحسن البصري: لا تمتن بعملك على ربك تستكثره، واختاره ابن جرير، وقال مجاهد: لا تضعف أن تستكثر من الخير، قال: تمنن في كلام العرب تضعف، وقال ابن زيد: لا تمنن بالنبوة على الناس تستكثرهم بها تأخذ عليه عوضاً من الدنيا، فهذه أربعة أقوال، والأظهر القول الأول، واللّه أعلم. وقوله تعالى: {ولربك فاصبر} أي اجعل صبرك على أذاهم لوجه ربك عزَّ وجلَّ، قاله مجاهد. وقال إبراهيم النخعي: اصبر عطيتك للّه عزَّ وجلَّ. وقوله تعالى: {فإذا نقر في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير} قال ابن عباس ومجاهد: {الناقور} الصور، قال مجاهد: وهو كهيئة القرن، وفي الحديث: (كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته ينتظر متى يؤمر فينفخ؟) فقال أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: فما تأمرنا يا رسول اللّه؟ قال: (قولوا حسبنا اللّه ونعم الوكيل على اللّه توكلنا) ""أخرجه أحمد وابن أبي حاتم""، وقوله تعالى: {فذلك يومئذ يوم عسير} أي شديد، {على الكافرين غير يسير} أي غير سهل عليهم، كما قال تعالى: {يقول الكافرون هذا يوم عسر}، وقد روينا عن زرارة بن أوفى قاضي البصرة أنه صلى بهم الصبح فقرأ هذه السورة، فلما وصل إلى قوله تعالى: {فإذا نقر في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير} شهق شهقة، ثم خرّ ميتاً رحمه اللّه تعالى.

ِترجمة معني الآية

ِاردو | Espanol | Française | English | Malaysian | Indonesian | বাঙালি