نتيجة البحث: تفسير الآية و صورتها و تلاوتها


سورة المزمل آية 19
إِنَّ هَٰذِهِ تَذْكِرَةٌ ۖ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا

التفسير الميسر إن هذه الآيات المخوفة التي فيها القوارع والزواجر عظة وعبرة للناس، فمن أراد الاتعاظ والانتفاع بها اتخذ الطاعة والتقوى طريقًا توصله إلى رضوان ربه الذي خلقه وربَّاه.

تفسير الجلالين
19 - (إن هذه) الآيات المخوفة (تذكرة) عظة للخلق (فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا) طريقا بالإيمان والطاعة

تفسير القرطبي
قوله تعالى {إنا أرسلنا إليكم رسولا} يريد النبي صلى الله عليه وسلم أرسله إلى قريش {كما أرسلنا إلى فرعون رسولا} وهو موسى {فعصى فرعون الرسول} أي كذب به ولم يؤمن.
قال مقاتل : ذكر موسى وفرعون؛ لأن أهل مكة ازدروا محمدا صلى الله عليه وسلم واستخفوا به؛ لأنه ولد فيهم، كما أن فرعون أزدرى موسى؛ لأنه رباه ونشأ فيما بينهم، كما قال تعالى {ألم نربك فينا وليدا}[الشعراء : 18].
قال المهدوي : ودخلت الألف واللام في الرسول لتقدم ذكره؛ ولذلك اختير في أول الكتب سلام عليكم، وفي آخرها السلام عليكم.
{وبيلا} أي ثقيلا شديدا.
وضرب وبيل وعذاب وبيل : أي شديد؛ قال ابن عباس ومجاهد.
ومنه مطر وابل أي شديد؛ قال الأخفش.
وقال الزجاج : أي ثقيلا غليظا.
ومنه قيل للمطر وابل.
وقيل : مهلكا (والمعنى عاقبناه عقوبة غليظة) قال : أكلت بنيك أكل الضب حتى ** وجدت مرارة الكلأ الوبيل واستوبل فلان كذا : أي لم يحمد عاقبته.
وماء وبيل : أي وخيم غير مريء، وكلأ مستوبل وطعام وبيل ومستوبل : إذا لم يمرئ ولم يستمرأ، قال زهير : فقضوا منايا بينهم ثم أصدروا ** إلى كلأ مستوبل متوخم وقالت الخنساء : لقد أكلت بجيلة يوم لاقت ** فوارس مالك أكلا وبيلا والوبيل أيضا : العصا الضخمة؛ قال : لو أصبح في يمنى يدي زمامها ** وفي كفي الأخرى وبيل تحاذره وكذلك الموبل بكسر الباء، والموبلة أيضا : الحزمة من الحطب، وكذلك الوبيل، قال طرفة : عقيلة شيخ كالوبيل يلندد قوله تعالى {فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا} هو توبيخ وتقريع، أي كيف تتقون العذاب إن كفرتم.
وفيه تقديم وتأخير، أي كيف تتقون يوما يجعل الولدان شيبا إن كفرتم.
وكذا قراءة عبدالله وعطية.
قال الحسن : أي بأي صلاة تتقون العذاب؟ بأي صوم تتقون العذاب؟ وفيه إضمار، أي كيف تتقون عذاب يوم.
وقال قتادة : والله ما يتقى من كفر بالله ذلك اليوم بشيء.
و{يوما} مفعول بـ {تتقون} على هذه القراءة وليس بظرف، وإن قدر الكفر بمعنى الجحود كان اليوم مفعول {كفرتم}.
وقال بعض المفسرين : وقف التمام على قوله : كفرتم والابتداء يوما يذهب إلى أن اليوم مفعول {يجعل} والفعل لله عز وجل، وكأنه قال : يجعل الله الولدان شيبا في يوم.
قال ابن الأنباري؛ وهذا لا يصلح؛ لأن اليوم هو الذي يفعل هذا من شدة هوله.
المهدوي : والضمير في {يجعل} يجوز أن يكون لله عز وجل، ويجوز أن يكون لليوم، وإذا كان لليوم صلح أن يكون صفة له، ولا يصلح ذلك إذا كان الضمير لله عز وجل إلا مع تقدير حذف؛ كأنه قال : يوما يجعل الله الولدان فيه شيبا.
ابن الأنباري : ومنهم من نصب اليوم {بكفرتم} وهذا قبيح؛ لأن اليوم إذا علق بـ {كفرتم} احتاج إلى صفة؛ أي كفرتم بيوم.
فإن احتج محتج بأن الصفة قد تحذف وينصب ما بعدها، احتججنا عليه بقراءة عبدالله {فكيف تتقون يوما}.
قلت : هذه القراءة ليست متواترة، وإنما جاءت على وجه التفسير.
وإذا كان الكفر بمعنى الجحود فـ {يوما} مفعول صريح من غير صفة ولا حذفها؛ أي فكيف تتقون الله وتخشونه إن جحدتم يوم القيامة والجزاء.
وقرأ أبو السمال قعنب {فكيف تتقون} بكسر النون على الإضافة.
و{الولدان} الصبيان.
وقال السدي : هم أولاد الزنا.
وقيل : أولاد المشركين.
والعموم أصح؛ أي يشيب فيه الضمير من غير كبر.
وذلك حين يقال : (يا آدم قم فابعث بعث النار).
على ما تقدم في أول سورة الحج .
قال القشيري : ثم إن أهل الجنة يغير الله أحوالهم وأوصافهم على ما يريد.
وقيل : هذا ضرب مثل لشدة ذلك اليوم وهو مجاز؛ لأن يوم القيامة لا يكون فيه ولدان ولكن معناه أن هيبة ذلك اليوم بحال لو كان فيه هناك صبي لشاب رأسه من الهيبة.
ويقال : هذا وقت الفزع، وقيل أن ينفخ في الصور نفخة الصعق، فالله أعلم.
الزمخشري : وقد مر بي في بعض الكتب أن رجلا أمسى فاحم الشعر كحنك الغراب، فأصبح وهو أبيض الرأس واللحية كالثغامة، فقال : أريت القيامة والجنة والنار في المنام، ورأيت الناس يقادون في السلاسل إلى النار، فمن هول ذلك أصبحت كما ترون.
ويجوز أن يوصف اليوم بالطول، وأن الأطفال يبلغون فيه أوان الشيخوخة والشيب.
قوله تعالى {السماء منفطر به} أي متشققة لشدته.
ومعنى {به} أي فيه؛ أي في ذلك اليوم لهوله.
هذا أحسن ما قيل فيه.
ويقال : مثقلة به إثقالا يؤدي إلى انفطارها لعظمته عليها وخشيتها من وقوعه، كقوله تعالى {ثقلت في السموات والأرض}[الأعراف : 187].
وقيل {به} أي له، أي لذلك اليوم؛ يقال : فعلت كذا بحرمتك ولحرمتك، والباء واللام وفي : متقاربة في مثل هذا الموضع؛ قال الله تعالى {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة}[الأنبياء : 47] أي في يوم القيامة.
وقيل {به} أي بالأمر أي السماء منفطر بما يجعل الولدان شيبا.
وقيل : منفطر بالله، أي بأمره، وقال أبو عمرو بن العلاء : لم يقل منفطرة؛ لأن مجازها السقف؛ تقول : هذا سماء البيت؛ قال الشاعر : فلو رفع السماء إليه قوما ** لحقنا بالسماء وبالسحاب وفي التنزيل {وجعلنا السماء سقفا محفوظا}[الأنبياء : 32].
وقال الفراء : السماء يذكر ويؤنث.
وقال أبو علي : هو من باب الجراد المنتشر، والشجر الأخضر، و{أعجاز نخل منقعر}[القمر : 20].
وقال أبو علي أيضا : أي السماء ذات انفطار؛ كقولهم : امرأة مرضع، أي ذات إرضاع، فجرى على طريق النسب.
{كان وعده} أي بالقيامة والحساب والجزاء {مفعولا} كائنا لا شك فيه ولا خلف.
وقال مقاتل : كان وعده بأن يظهر دينه على الدين كله.
قوله تعالى {إن هذه تذكرة} يريد هذه السورة أو الآيات عظة.
وقيل : آيات القرآن، إذ هو كالسورة الواحدة.
{فمن شاء اتخذ إلى ربه} أي من أراد أن يؤمن ويتخذ بذلك إلى ربه {سبيلا} أي طريقا إلى رضاه ورحمته فليرغب، فقد أمكن له؛ لأنه أظهر له الحجج والدلائل.
ثم قيل : نسخت بآية السيف، وكذلك قوله تعالى{فمن شاء ذكره}[المدثر : 55] قال الثعلبي : والأشبه أنه غير منسوخ.

تفسير ابن كثير يقول تعالى: {إنَّ هذِهِ} أي السورة {تذكرة} أي يتذكر بها أولو الألباب، ولهذا قال تعالى: {فمن شاء اتخذ لى ربه سبيلاً} أي ممن شاء اللّه تعالى هدايته، ثم قال تعالى: {إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك} أي تارة هكذا وتارة هكذا، وذلك كله من غير قصد منكم، ولكن لا تقدرون على المواظبة على ما أمركم به من قيام الليل، لأنه يشق عليكم، ولهذا قال: {واللّه يقدر الليل والنهار} أي تارة يعتدلان، وتارة يأخذ هذا من هذا، وهذا من هذا، {علم أن لن تحصوه} أي الفرض الذي أوجبه عليكم {فاقرءوا ما تيسر من القرآن} أي من غير تحديد بوقت، أي ولكن قوموا من الليل ما تيسر، وعبر عن الصلاة بالقراءة كما قال: {ولا تجهر بصلاتك} أي بقراءتك {ولا تخافت بها}، وقد استدل أبو حنيفة رحمه اللّه بهذه الآية وهي قوله: {فاقرءوا ما تيسر من القرآن} على أنه لا يجب تعين قراءة الفاتحة في الصلاة، واعتضد بحديث المسيء صلاته: (ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن) ""جزء من حديث مشهور رواه الشيخان""، وقد أجاب الجمهور بحديث عبادة بن الصامت أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) ""أخرجه البخاري ومسلم"". وعن أبي هريرة مرفوعاً: (لا تجزئ صلاة من لم يقرأ بأُمّ القرآن) ""أخرجه ابن خزيمة في صحيحه"". وقوله تعالى: {علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل اللّه وآخرون يقاتلون في سبيل اللّه} أي علم أن سيكون من هذه الأمة ذوو أعذار، من مرضى لا يستطيعون القيام ومسافرين يبتغون من فضل اللّه في المكاسب والمتاجر، وآخرين مشغولين بالغزو في سبيل اللّه، ولهذا قال تعالى: {فاقرءوا ما تيسر منه} أي قوموا بما تيسر عليكم منه، روى ابن جرير، عن أبي رجاء قال، قلت للحسن: يا أبا سعيد ما تقول في رجل قد استظهر القرآن كله عن ظهر قلبه، ولا يقوم به إنما يصلي المكتوبة؟ قال: يتوسد القرآن لعن اللّه ذاك، قال تعالى للعبد الصالح: {وإنه لذو علم لما علمناه}، {وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم}، قلت: يا أبا سعيد قال اللّه تعالى {فاقرءوا ما تيسر من القرآن}، قال: نعم، ولو خمس آيات، وهذا ظاهر من مذهب الحسن البصري، أنه كان يرى حقا واجباً على حملة القرآن، أن يقوموا ولو بشيء منه في الليل، ولهذا جاء في الحديث أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سئل عن رجل نام حتى أصبح؟ فقال: (ذاك رجُل بال الشيطان في أُذنه) فقيل معناه نام عن الصلاة المكتوبة، وقيل عن قيام الليل. وقوله تعالى: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} أي أقيموا صلاتكم الواجبة عليكم وآتوا الزكاة المفروضة، وهذا يدل لمن قال بأن فرض الزكاة نزل بمكة، لكن مقادير النصب والمخرج لم تبين إلا بالمدينة واللّه أعلم، وقد قال ابن عباس وعكرمة ومجاهد: إن هذه الآية نسخت الذي كان اللّه قد أوجبه على المسلمين أولاً من قيام الليل، وقد ثبت في الصحيحين أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لذلك الرجل: (خمس صلوات في اليوم والليلة)، قال: هل عليّ غيرها؟ قال: (لا، إلا أن تطوّع)، وقوله تعالى: {وأقرضوا اللّه قرضاً حسناً} يعني من الصدقات، فإن اللّه يجازي على ذلك أحسن الجزاء وأوفره كما قال تعالى: {من ذا الذي يقرض اللّه قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة}، وقوله تعالى: {وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند اللّه هو خيراً وأعظم أجراً} أي جميع ما تقدموه بين أيديكم فهو لكم حاصل، وهو خير مما أبقيتموه لأنفسكم في الدنيا، عن عبد اللّه بن مسعود قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (أيكم ماله أحب إليه من مال وارثه؟) قالوا: يا رسول اللّه، ما منا من أحد إلا ماله أحب إليه من مال وارثه، قال: (اعلموا ما تقولون)، قالوا: ما نعلم إلا ذلك يا رسول اللّه، قال: (إنما مال أحدكم ما قدّم، ومال وارثه ما أخر) ""أخرجه الحافظ الموصلي، ورواه البخاري والنسائي بنحوه""، ثم قال تعالى: {واستغفروا اللّه إن اللّه غفور رحيم} أي أكثروا من ذكره واستغفاره في أموركم كلها، فإنه غفور رحيم لمن استغفره.

ِترجمة معني الآية

ِاردو | Espanol | Française | English | Malaysian | Indonesian | বাঙালি