نتيجة البحث: تفسير الآية و صورتها و تلاوتها


سورة المزمل آية 2
قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا

التفسير الميسر يا أيها المتغطي بثيابه، قم للصلاة في الليل إلا يسيرًا منه. قم نصف الليل أو انقص من النصف قليلا حتى تَصِلَ إلى الثلث، أو زد على النصف حتى تصل إلى الثلثين، واقرأ القرآن بتُؤَدَة وتمهُّلٍ مبيِّنًا الحروف والوقوف.

تفسير الجلالين
2 - (قم الليل) صل (إلا قليلا)

تفسير القرطبي
فيه ثماني مسائل: الأولى: قوله تعالى {يا أيها المزمل} قال الأخفش سعيد {المزمل} أصله المتزمل؛ فأدغمت التاء في الزاي وكذلك المدثر .
وقرأ أبي بن كعب على الأصل المتزمل و المتدثر وسعيد المزمل .
وفي أصل المزمل قولان : أحدهما أنه المحتمل؛ يقال : زمله الشيء إذا حمله، ومنه الزاملة؛ لأنها تحمل القماش.
الثاني أن المزمل هو المتلفف؛ يقال : تزمل وتدثر بثوبه إذا تغطى.
وزمل غيره إذا غطاه، وكل شيء لفف فقد زمل ودثر؛ قال امرؤ القيس : كبير أناس في بجاد مزمل الثانية: قوله تعالى {يا أيها المزمل} هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وفيه ثلاثة أقوال : الأول قول عكرمة {يا أيها المزمل} بالنبوة والملتزم للرسالة.
وعنه أيضا : يا أيها الذي زمل هذا الأمر أي حمله ثم فتر، وكان يقرأ {يا أيها المزمَّل} بتخفيف الزاي وفتح الميم وتشديدها على حذف المفعول، وكذلك المدثر والمعنى المزمل نفسه والمدثر نفسه، أو الذي زمله غيره.
الثاني {يا أيها المزمل} بالقرآن، قاله ابن عباس.
الثالث المزمل بثيابه، قال قتادة وغيره.
قال النخعي : كان متزملا بقطيفة.
عائشة : بمرط طوله أربعة عشر ذراعا، نصفه علي وأنا نائمة، ونصفه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، والله ما كان خزا ولا قزا ولا مرعزاء ولا إبريسما ولا صوفا، كان سداه شعرا، ولحمته وبرا، ذكره الثعلبي.
قلت : وهذا القول من عائشة يدل على أن السورة مدنية؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبن بها إلا في المدينة.
وما ذكر من أنها مكية لا يصح.
والله أعلم.
وقال الضحاك : تزمل بثيابه لمنامه.
وقيل : بلغه من المشركين سوء قول فيه، فاشتد عليه فتزمل في ثيابه وتدثر، فنزلت {يا أيها المزمل} [المزمل : 1] و{يا أيها المدثر}[المدثر : 1].
وقيل : كان هذا في ابتداء ما أوحى إليه، فإنه لما سمع قول الملك ونظر إليه أخذته الرعدة فأتى أهله فقال : (زملوني دثروني) روي معناه عن ابن عباس.
وقالت الحكماء : إنما خاطبه بالمزمل والمدثر في أول الأمر؛ لأنه لم يكن بعد ادثر شيئا من تبليغ الرسالة.
قال ابن العربي : واختلف في تأويل {يا أيها المزمل} فمنهم من حمله على حقيقته، قيل له : يا من تلفف في ثيابه أو في قطيفته قم؛ قال إبراهيم وقتادة.
ومنهم من حمله على المجاز، كأنه قيل له : يا من تزمل بالنبوة؛ قاله عكرمة.
وإنما يسوغ هذا التفسير لو كانت الميم مفتوحة مشددة بصيغة المفعول الذي لم يسم فاعله، وأما وهو بلفظ الفاعل فهو باطل.
قلت : وقد بينا أنها على حذف المفعول : وقد قرئ بها، فهي صحيحة المعنى.
قال : وأما من قال إنه زمل القرآن فهو صحيح في المجاز، لكنه قد قدمنا أنه لا يحتاج إليه.
الثالثة: قال السهيلي : ليس المزمل باسم من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يعرف به كما ذهب إليه بعض الناس وعدوه في أسمائه عليه السلام، وإنما المزمل اسم مشتق من حالته التي كان عليها حين الخطاب، وكذلك المدثر.
وفي خطابه بهذا الاسم فائدتان : إحداهما الملاطفة؛ فإن العرب إذا قصدت ملاطفة المخاطب وترك المعاتبة سموه باسم مشتق من حالته التي هو عليها؛ كقول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي حين غاضب فاطمة رضي الله عنهما، فأتاه وهو نائم وقد لصق بجنبه التراب فقال له : (قم يا أبا تراب) إشعارا له أنه غير عاتب عليه، وملاطفة له.
وكذلك قوله عليه السلام لحذيفة : (قم يا نومان) وكان نائما ملاطفة له، وإشعارا لترك العتب والتأنيب.
فقول الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم {يا أيها المزمل قم} فيه تأنيس وملاطفة؛ ليستشعر أنه غير عاتب عليه.
والفائدة الثانية : التنبيه لكل متزمل راقد ليله ليتنبه إلى قيام الليل وذكر الله تعالى فيه؛ لأن الاسم المشتق من الفعل يشترك فيه مع المخاطب كل من عمل ذلك العمل واتصف بتلك الصفة.
الرابعة: قوله تعالى{قم الليل} قراءة العامة بكسر الميم لالتقاء الساكنين.
وقرأ أبو السمال بضم الميم إتباعا لضمة القاف.
وحكى الفتح لخفته.
قال عثمان بن جني : الغرض بهذه الحركة التبليغ بها هربا من التقاء الساكنين، فبأي حركة تحركت فقد وقع الغرض.
وهو من الأفعال القاصرة غير المتعدية إلى مفعول، فأما ظرف الزمان والمكان فسائغ فيه، إلا أن ظرف المكان لا يتعدى إليه إلا بواسطة؛ لا تقول : قمت الدار حتى تقول قمت وسط الدار وخارج الدار.
وقد قيل : إن {قم} هنا معناه صل؛ عبر به عنه واستعير له حتى صار عرفا بكثرة الاستعمال.
الخامسة: {الليل} حد الليل : من غروب الشمس إلى طلوع الفجر.
وقد تقدم بيانه في سورة [البقرة] .
واختلف : هل كان قيامه فرضا وحتما، أو كان ندبا وحضا؟ والدلائل تقوي أن قيامه كان حتما وفرضا؛ وذلك أن الندب والحض لا يقع على بعض الليل دون بعض؛ لأن قيامه ليس مخصوصا به وقتا دون وقت.
وأيضا فقد جاء التوقيت بذلك عن عائشة وغيرها على ما يأتي.
واختلف أيضا : هل كان فرضا على النبي صلى الله عليه وسلم وحده، أو عليه وعلى من كان قبله من الأنبياء، أو عليه وعلى أمته؟ ثلاثة أقوال : الأول : قول سعيد بن جبير لتوجه الخطاب إليه خاصة.
الثاني : قول ابن عباس، قال : كان قيام الليل فريضة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الأنبياء قبله.
الثالث : قول عائشة وابن عباس أيضا وهو الصحيح؛ كما في صحيح مسلم عن زرارة بن أوفى أن سعد بن هشام بن عامر أراد أن يغزو في سبيل الله.
.
.
الحديث، وفيه : فقلت لعائشة : أنبئيني عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت : ألست تقرأ {يا أيها المزمل} قلت : بلى! قالت فإن الله عز وجل افترض قيام الليل في أول هذه السورة، فقام صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولا، وأمسك الله عز وجل خاتمتها اثني عشر شهرا في السماء، حتى أنزل الله عز وجل في آخر هذه السورة التخفيف، فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضة.
وذكر الحديث.
وذكر وكيع ويعلى قالا : حدثنا مسعر عن سماك الحنفي قال : سمعت ابن عباس يقول لما أنزل أول {يا أيها المزمل}[المزمل : 1] كانوا يقومون نحوا من قيامهم في شهر رمضان حتى نزل آخرها، وكان بين أولها وآخرها نحو من سنة.
وقال سعيد بن جبير : مكث النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عشر سنين يقومون الليل، فنزل بعد عشر سنين {إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل}[المزمل : 20] فخفف الله عنهم.
السادسة: قوله تعالى {إلا قليلا} استثناء من الليل، أي صل الليل كله إلا يسيرا منه؛ لأن قيام جميعه على الدوام غير ممكن، فاستثنى منه القليل لراحة الجسد.
والقليل من الشيء ما دون النصف؛ فحكي عن وهب بن منبه أنه قال : القليل ما دون المعشار والسدس.
وقال الكلبي ومقاتل : الثلث.
{نصفه أو انقص منه قليلا} فكان ذلك تخفيفا إذ لم يكن زمان القيام محدودا، فقام الناس حتى ورمت أقدامهم، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى{علم أن لن تحصوه}[المزمل : 20].
وقال الأخفش {نصفه} أي أو نصفه؛ يقال : أعطه درهما درهمين ثلاثة : يريد : أو درهمين أو ثلاثة.
وقال الزجاج {نصفه} بدل من الليل و{إلا قليلا} استثناء من النصف.
والضمير في {منه} و{عليه} للنصف.
المعنى : قم نصف الليل أو انقص من النصف قليلا إلى الثلث أو زد عليه قليلا إلى الثلثين؛ فكأنه قال : قم ثلثي الليل أو نصفه أو ثلثه.
وقيل : إن {نصفه} بدل من قوله {قليلا} وكان مخيرا بين ثلاث : بين قيام النصف بتمامه، وبين الناقص منه، وبين قيام الزائد عليه؛ كأن تقدير الكلام : قم الليل إلا نصفه، أو أقل من نصفه، أو أكثر من نصفه.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (ينزل الله عز وجل إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يمضى ثلث الليل الأول، فيقول أنا الملك أنا الملك من ذا الذي يدعوني فأستجيب له من ذا الذي يسألني فأعطيه من ذا الذي يستغفرني فأغفر له، فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر).
ونحوه عن أبي هريرة وأبي سعيد جميعا وهو يدل على ترغيب قيام ثلثي الليل.
""وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة""قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إذا مضى شطر الليل - أو ثلثاه - ينزل الله.
.
.
) الحديث.
رواه من طريقين عن أبي هريرة هكذا على الشك.
وقد جاء في كتاب النسائي عن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن الله عز وجل يمهل حتى يمضى شطر الليل الأول، ثم يأمر مناديا يقول : هل من داع يستجاب له؟ هل من مستغفر يغفر له؟ هل من سائل يعطى؟) صححه أبو محمد عبدالحق؛ فبين هذا الحديث مع صحته معنى النزول، وأن ذلك يكون عند نصف الليل.
""خرج ابن ماجة من حديث ابن شهاب"" عن أبي سلمة وأبي عبدالله الأغر، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (ينزل ربنا تبارك وتعالى حين يبقى ثلث الليل الآخر كل ليلة فيقول من يسألني فأعطيه؟ من يدعوني فأستجيب له؟ من يستغفرني فأغفر له؟ حتى يطلع الفجر).
فكانوا يستحبون صلاة آخر الليل على أوله.
قال علماؤنا : وبهذا الترتيب انتظم الحديث والقرآن، فإنهما يبصران من مشكاة واحدة.
وفي الموطأ وغيره من حديث ابن عباس : بت عند خالتي ميمونة حتى إذا انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل، استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام إلى شن معلق فتوضأ وضوءا خفيفا.
وذكر الحديث.
السابعة: اختلف العلماء في الناسخ للأمر بقيام الليل؛ فعن ابن عباس وعائشة أن الناسخ للأمر بقيام الليل قوله تعالى {إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل} [المزمل : 20] إلى آخر السورة.
وقيل قوله تعالى {علم أن لن تحصوه}[المزمل : 20].
وعن ابن عباس أيضا : هو منسوخ بقوله تعالى {علم أن سيكون منكم مرضى}[المزمل : 20].
وعن عائشة أيضا والشافعي ومقاتل وابن كيسان : هو منسوخ بالصلوات الخمس.
وقيل الناسخ لذلك قوله تعالى {فاقرؤوا ما تيسر منه}[المزمل : 20].
قال أبو عبدالرحمن السلمي : لما نزلت {يا أيها المزمل} قاموا حتى ورمت أقدامهم وسوقهم، ثم نزل قوله تعالى {فاقرؤوا ما تيسر منه}[المزمل : 20].
قال بعض العلماء : وهو فرض نسخ به فرض، كان على النبي صلى الله عليه وسلم خاصة لفضله؛ كما قال تعالى{ومن الليل فتهجد به نافلة لك}الإسراء : 79].
قلت : القول الأول يعم جميع هذه الأقوال، وقد قال تعالى {وأقيموا الصلاة}[المزمل : 20] فدخل فيها قول من قال إن الناسخ الصلوات الخمس.
وقد ذهب الحسن وابن سيرين إلى أن صلاة الليل فريضة على كل مسلم ولو على قدر حلب شاة.
وعن الحسن أيضا أنه قال في هذه الآية : الحمد لله تطوع بعد الفريضة.
وهو الصحيح إن شاء الله تعالى؛ لما جاء في قيامه من الترغيب والفضل في القرآن والسنة.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كنت أجعل للنبي صلى الله عليه وسلم حصيرا يصلي عليه من الليل، فتسامع الناس به، فلما رأى جماعتهم كره ذلك، وخشي أن يكتب عليهم قيام الليل، فدخل البيت كالمغضب، فجعلوا يتنحنحون ويتفلون فخرج إليهم فقال : (أيها الناس اكلفوا من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمل من الثواب، حتى تملوا من العمل، وإن خير العمل أدومه وإن قل).
فنزلت {يا أيها المزمل} فكتب عليهم، فأنزل بمنزلة الفريضة، حتى إن كان أحدهم ليربط الحبل فيتعلق به، فمكثوا ثمانية أشهر، فرحمهم الله وأنزل {إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل}[المزمل : 20] فردهم الله إلى الفريضة، ووضع عنهم قيام الليل إلا ما تطوعوا به.
قلت : حديث عائشة هذا ذكره الثعلبي، ومعناه ثابت في الصحيح إلى قوله : (وإن قل) وباقيه يدل على أن قوله تعالى {يا أيها المزمل} نزل بالمدينة وأنهم مكثوا ثمانية أشهر يقومون.
وقد تقدم عنها في صحيح مسلم : حولا.
وحكى الماوردي عنها قولا ثالثا وهو ستة عشر شهرا، لم يذكر غيره عنها.
وذكر عن ابن عباس أنه كان بين أول المزمل وآخرها سنة؛ قال : فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان فرضا عليه.
وفي نسخة عنه قولان : أحدهما : أنه كان فرضه عليه إلى أن قبضه الله تعالى.
الثاني : أنه نسخ عنه كما نسخ عن أمته.
وفي مدة فرضه إلى أن نسخ قولان : أحدهما : المدة المفروضة على أمته في القولين الماضيين، يريد قول ابن عباس حولا، وقول عائشة ستة عشر شهرا.
الثاني : أنها عشر سنين إلى أن خفف عنه بالنسخ زيادة في التكليف، ليميزه بفعل الرسالة؛ قاله ابن جبير.
قلت : هذا خلاف ما ذكره الثعلبي عن سعيد بن جبير حسب ما تقدم فتأمله.
وسيأتي لهذه المسألة زيادة بيان في آخر السورة إن شاء الله تعالى.
الثامنة: قوله تعالى {ورتل القرآن ترتيلا} أي لا تعجل بقراءة القرآن بل أقرأه في مهل وبيان مع تدبر المعاني.
وقال الضحاك : اقرأه حرفا حرفا.
وقال مجاهد : أحب الناس في القراءة إلى الله أعقلهم عنه.
والترتيل التنضيد والتنسيق وحسن النظام؛ ومنه ثغر رتل ورتل، بكسر العين وفتحها : إذا كان حسن التنضيد.
وتقدم بيانه في مقدمة الكتاب.
وروى الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم، مر برجل يقرأ آية ويبكي، فقال : (ألم تسمعوا إلى قول الله عز وجل {ورتل القرآن ترتيلا} هذا الترتيل).
وسمع علقمة رجلا يقرأ قراءة حسنة فقال : لقد رتل القرآن، فداه أبي وأمي، وقال أبو بكر بن طاهر : تدبر في لطائف خطابه، وطالب نفسك بالقيام بأحكامه، وقلبك بفهم معانيه، وسرك بالإقبال عليه.
وروى عبدالله بن عمرو قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (يؤتى بقارئ القرآن يوم القيامة، فيوقف في أول درج الجنة ويقال له أقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها) ""خرجه أبو داود"" وقد تقدم في أول الكتاب.
وروى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمد صوته بالقراءة مدا.

تفسير ابن كثير مقدمة عن جابر رضي اللّه عنه قال: اجتمعت قريش في دار الندوة فقالوا: سموا هذا الرجل اسماً يصد الناس عنه، فقالوا: كاهن، قالوا: ليس بكاهن، قالوا: مجنون، قالوا: ليس بمجنون، قالوا: ساحر، قالوا: ليس بساحر، فتفرق المشركون على ذلك، فبلغ ذلك النبي صلى اللّه عليه وسلم فتزمَّل في ثيابه وتدثر فيها، فأتاه جبريل عليه السلام، فقال: {يا أيها المزمل}، {يا أيها المدثر} ""أخرجه الحافظ البراز"". يأمر تعالى رسوله صلى اللّه عليه وسلم أن يترك التزمل، وهو التغطي، وينهض إلى القيام لربه عزَّ وجلَّ، كما قال تعالى: {ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً}، فقال تعالى: {يا أيها المزمل . قم الليل إلا قليلاً}، قال ابن عباس {يا أيها المزمل} يعني يا أيها النائم، وقال قتادة: المزمل في ثيابه، وقال إبراهيم النخعي: نزلت وهو متزمل بقطيفة، وقوله تعالى: {نصفه} بدل من الليل {أو انقص منه قليلاً . أو زد عليه} أي أمرناك أن تقوم نصف الليل بزيادة قليلة، أو نقصان قليل، لا حرج عليك في ذلك، وقوله تعالى: {ورتل القرآن ترتيلا} أي اقرأه على تمهل، فإنه يكون عوناً على فهم القرآن وتدبره، وكذلك كان يقرأ صلوات اللّه وسلامه عليه، قالت عائشة: كان يقرأ السورة فيرتلها، حتى تكون أطول من أطول منها، وفي صحيح البخاري عن أنَس أنه سئل عن قراءة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: كانت مدا، ثم قرأ: {بسم اللّه الرحمن الرحيم} يمد بسم اللّه ويمد الرحمن ويمد الرحيم ""أخرجه البخاري""، وعن أُمّ سلمة رضي اللّه عنها أنها سئلت عن قراءة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالت: كان يقطع قراءته آية آية: {بسم اللّه الرحمن الرحيم . الحمد للّه رب العالمين . الرحمن الرحيم . مالك يوم الدين} ""أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي""، وفي الحديث: (يقال لقارئ القرآن: اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها) ""أخرجه أحمد ورواه الترمذي والنسائي"". وقد قدمنا في أول التفسير الأحاديث الدالة على استحباب الترتيل، وتحسين الصوت بالقراءة، كما جاء في الحديث: (زينوا القرآن بأصواتكم) و (ليس منا من لم يتغن بالقرآن). وقال ابن مسعود: لا تنثروه نثر الرمل، ولا تهذوه هذّ الشعر، قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب، ولا يكن همّ أحدكم آخر السورة ""رواه البغوي عن ابن مسعود موقوفاً""، وقوله تعالى: {إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً} قال الحسن وقتادة: أي العمل به، وقيل: ثقيل وقت نزوله من عظمته، كما قال زيد بن ثابت رضي اللّه عنه: أُنزل على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وفخذه على فخذي، فكادت ترض فخذي، روى البخاري عن عائشة رضي اللّه عنها أن الحارث بن هشام سأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كيف يأتيك الوحي؟ فقال: (أحياناً يأتي في مثل صلصلة الجرس، وهو أشد عليّ فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال، وأحياناً يتمثل لي الملك رجلاً فيكلمني فأعي ما يقول) قالت عائشة: ولقد رأيته ينزل عليه الوحي صلى اللّه عليه وسلم في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقاً ""أخرجه البخاري في أول صحيحه"". وروى الإمام أحمد عن عائشة رضي اللّه عنها قالت: إن كان ليوحى إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو على راحلته فتضرب بجرانها ""الجران: باطن العنق"". وقوله تعالى: {إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلاً} قال عمر: الليل كله ناشئة، وقال مجاهد: نشأ إذا قام من الليل، وفي رواية عنه: بعد العشاء، والغرض أن {ناشئة الليل} هي ساعاته وأوقاته، وكل ساعة منه تسمى ناشئة، والمقصود أن قيام الليل هو أشد مواطأة بين القلب واللسان، وأجمع على التلاوة، ولهذا قال تعالى: {هي أشد وطأ وأقوم قيلاً} أي أجمع للخاطر في أداء القراءة وتفهمها من قيام النهار، لأنه وقت انتشار الناس ولغط الأصوات وأوقات المعاش، ولهذا قال تعالى: {إن لك في النهار سبحاً طويلاً}، قال أبو العالية ومجاهد: فراغاً طويلاً، وقال قتادة: فراغاً وبغية ومتقلباً، وقال السدي: {سبحاً طويلاً} تطوعاً كثيراً، وقال عبد الرحمن بن زيد {سبحاً طويلاً} قال: لحوائجك فأفرغ لدينك الليل، وهذا حين كانت صلاة الليل فريضة، ثم إن اللّه تبارك وتعالى منَّ على عباده فخففها، ووضعها. روى الإمام أحمد، عن زرارة بن أوفى، عن سعيد بن هشام قال، قلت: يا أمّ المؤمنين أنبئيني عن خلق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؟ قالت: ألست تقرأ القرآن؟ قلت: بلى، قالت: فإن خلق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان كالقرآن، فهممت أن أقوم، ثم بدا لي قيام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قلت: يا أم المؤمنين أنبئيني عن قيام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؟ قالت: ألست تقرأ هذه السورة: {يا أيها المزمل}؟ قلت: بلى، قالت: فإن اللّه افترض قيام الليل في أول هذه السورة، فقام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه حولاً حتى انتفخت أقدامهم، وأمسك اللّه خاتمتها في السماء اثني عشر شهراً، ثم أنزل اللّه التخفيف في آخر هذه السورة فصار قيام الليل تطوعاً من بعد فريضة ""أخرجه الإمام أحمد، وهو جزء من حديث طويل، وقد رواه مسلم في صحيحه بنحوه"". وروي عن عائشة رضي اللّه عنها قالت: كنت أجعل لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حصيراً يصلي عليه من الليل، فتسامع الناس به فاجتمعوا فخرج كالمغضب وكان بهم رحيماً فخشي أن يكتب عليهم قيام الليل فقال: (أيها الناس اكلفوا من الأعمال ما تطيقون فإن اللّه لا يمل من الثواب حتى تملوا من العمل وخير الأعمال ما ديم عليه) ونزل القرآن: {يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلاً . نصفه أو انقص منه قليلاً . أو زد عليه} حتى كان الرجل يربط الحبل ويتعلق، فمكثوا بذلك ثمانية أشهر فرأى اللّه ما يبتغون من رضوانه فرحمهم فردهم إلى الفريضة وترك قيام الليل. وقال ابن جرير: لما نزلت {يا أيها المزمل} قاموا حولاً حتى ورمت أقدامهم وسوقهم حتى نزلت: {فاقرءوا ما تيسر منه} قال: فاسترح الناس. وقوله تعالى: {واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلاً} أي أكثر من ذكره، وانقطع إليه، وتفرغ لعبادته إذا فرغت من أشغالك، كما قال تعالى: {فإذا فرغت فانصب} أي إذا فرغت من أشغالك فانصب في طاعته، وعبادته لتكون فارغ البال، {وتبتل إليه تبتيلاً} أي أخلص له العبادة، وقال الحسن: اجتهد وابتل إليه نفسك، وقال ابن جرير: يقال للعابد متبتل، ومنه الحديث المروي: نهى عن التبتل يعني الانقطاع إلى العبادة وترك التزوج، وقوله تعالى: {رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلاً} أي هو المالك المتصرف في المشارق والمغارب الذي لا إله إلا هو، وكما أفردته بالعبادة فأفرده بالتوكل فاتخذه وكيلاً، كما قال تعالى: {فاعبده وتوكل عليه}، وكقوله: {إياك نعبد وإياك نستعين}.

ِترجمة معني الآية

ِاردو | Espanol | Française | English | Malaysian | Indonesian | বাঙালি