نتيجة البحث: تفسير الآية و صورتها و تلاوتها


سورة نوح آية 24
وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا ۖ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا

التفسير الميسر قال نوح: ربِّ إن قومي بالغوا في عصياني وتكذيبي، واتبع الضعفاء منهم الرؤساء الضالين الذين لم تزدهم أموالهم وأولادهم إلا ضلالا في الدنيا وعقابًا في الآخرة، ومكر رؤساء الضلال بتابعيهم من الضعفاء مكرًا عظيمًا، وقالوا لهم: لا تتركوا عبادة آلهتكم إلى عبادة الله وحده، التي يدعو إليها نوح، ولا تتركوا وَدًّا ولا سُواعًا ولا يغوث ويعوق ونَسْرا - وهذه أسماء أصنامهم التي كانوا يعبدونها من دون الله، وكانت أسماء رجال صالحين، لما ماتوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن يقيموا لهم التماثيل والصور؛ لينشطوا- بزعمهم- على الطاعة إذا رأوها، فلما ذهب هؤلاء القوم وطال الأمد، وخَلَفهم غيرهم، وسوس لهم الشيطان بأن أسلافهم كانوا يعبدون التماثيل والصور، ويتوسلون بها، وهذه هي الحكمة من تحريم التماثيل، وتحريم بناء القباب على القبور؛ لأنها تصير مع تطاول الزمن معبودة للجهال. وقد أضلَّ هؤلاء المتبوعون كثيرًا من الناس بما زيَّنوا لهم من طرق الغَواية والضلال. ثم قال نوح -عليه السلام-: ولا تزد- يا ربنا- هؤلاء الظالمين لأنفسهم بالكفر والعناد إلا بُعْدا عن الحق. فبسبب ذنوبهم وإصرارهم على الكفر والطغيان أُغرقوا بالطوفان، وأُدخلوا عقب الإغراق نارًا عظيمة اللهب والإحراق، فلم يجدوا من دون الله مَن ينصرهم، أو يدفع عنهم عذاب الله.

تفسير الجلالين
24 - (وقد أضلوا) بها (كثيرا) من الناس بأن أمروهم بعبادتهم (ولا تزد الظالمين إلا ضلالا) عطفا على قد أضلوا دعا عليهم لما أوحي إليه أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن

تفسير القرطبي
قال ابن عباس وغيره : هي أصنام وصور، كان قوم نوح يعبدونها ثم عبدتها العرب وهذا قول الجمهور.
وقيل : إنها للعرب لم يعبدها غيرهم.
وكانت أكبر أصنامهم وأعظمها عندهم؛ فلذلك خصوها بالذكر بعد قوله تعالى {لا تذرن آلهتكم}.
ويكون معنى الكلام كما قال قوم نوح لأتباعهم {لا تذرن آلهتكم} قالت العرب لأولادهم وقومهم : لا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا؛ ثم عاد بالذكر بعد ذلك إلى قوم نوح عليه السلام.
وعلى القول الأول، الكلام كله منسوق في قوم نوح.
وقال عروة بن الزبير وغيره : اشتكى آدم عليه السلام وعنده بنوه : ود، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسر.
وكان ود أكبرهم وأبرهم به.
قال محمد بن كعب : كان لآدم عليه السلام خمس بنين : ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر؛ وكانوا عبادا فمات واحد منهم فحزنوا عليه؛ فقال الشيطان : أنا أصور لكم مثله إذا نظرتم إليه ذكرتموه.
قالوا : افعل.
فصوره في المسجد من صفر ورصاص.
ثم مات آخر، فصوره حتى ماتوا كلهم فصورهم.
وتنقصت الأشياء كما تتنقص اليوم إلى أن تركوا عبادة الله تعالى بعد حين.
فقال لهم الشيطان : مالكم لا تعبدون شيئا؟ قالوا : وما نعبد؟ قال : آلهتكم وآلهة آبائكم، ألا ترون في مصلاكم.
فعبدوها من دون الله؛ حتى بعث الله نوحا فقالوا : {لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا} الآية.
وقال محمد بن كعب أيضا ومحمد بن قيس : بل كانوا قوما صالحين بين آدم ونوح، وكان لهم تبع يقتدون بهم، فلما ماتوا زين لهم إبليس أن يصوروا صورهم ليتذكروا بها اجتهادهم، وليتسلوا بالنظر إليها؛ فصورهم.
فلما ماتوا هم وجاء آخرون قالوا : ليت شعرنا هذه الصور ما كان آباؤنا يصنعون بها؟ فجاءهم الشيطان فقال : كان آباؤكم يعبدونها فترحمهم وتسقيهم المطر.
فعبدوها فابتدئ عبادة الأوثان من ذلك الوقت.
قلت : وبهذا المعنى فسر ما جاء في صحيح مسلم من حديث عائشة : أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة تسمى مارية، فيها تصاوير لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة).
وذكر الثعلبي عن ابن عباس قال : هذه الأصنام أسماء رجال صالحين من قوم نوح؛ فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا في مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا وسموها بأسمائهم تذكروهم بها؛ ففعلوا، فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسخ العلم عبدت من دون الله.
وذكر أيضا عن ابن عباس : أن نوحا عليه السلام، كان يحرس جسد آدم عليه السلام على جبل بالهند، فيمنع الكافرين أن يطوفوا بقبره؛ فقال لهم الشيطان : إن هؤلاء يفخرون عليكم ويزعمون أنهم بنو آدم دونكم، وإنما هو جسد، وأنا أصور لكم مثله تطوفون به؛ فصور لهم هذه الأصنام الخمسة وحملهم على عبادتها.
فلما كان أيام الطوفان دفنها الطين والتراب والماء؛ فلم تزل مدفونة حتى أخرجها الشيطان لمشركي العرب.
قال الماوردي : فأما ود فهو أول صنم معبود، سمي ودا لودهم له؛ وكان بعد قوم نوح لكلب بدومة الجندل؛ في قول ابن عباس وعطاء ومقاتل.
وفيه يقول شاعرهم : حياك ود فإنا لا يحل لنا لهو ** النساء وإن الدين قد عزما وأما سواع فكان لهذيل بساحل البحر؛ في قولهم.
وأما يغوث فكان لغطيف من مراد بالجوف من سبأ؛ في قول قتادة.
وقال المهدوي.
لمراد ثم لغطفان.
الثعلبي : وأخذت أعلى وأنعم - وهما من طيء - وأهل جرش من مذحج يغوث فذهبوا به إلى مراد فعبدوه زمانا.
ثم إن بني ناجية أرادوا نزعه من أعلى وأنعم، ففروا به إلى الحصين أخي بن الحارث بن كعب من خزاعة.
وقال أبو عثمان النهدي : رأيت يغوث وكان من رصاص، وكانوا يحملونه على جمل أحرد، ويسيرون معه ولا يهيجونه حتى يكون هو الذي يبرك، فإذا برك نزلوا وقالوا : قد رضي لكم المنزل؛ فيضربون عليه بناء ينزلون حوله.
وأما يعوق فكان لهمدان ببلخع؛ في قول عكرمة وقتادة وعطاء.
ذكره الماوردي.
وقال الثعلبي : وأما يعوق فكان لكهلان من سبأ، ثم توارثه بنوه؛ الأكبر فالأكبر حتى صار إلى همدان.
وفيه يقول مالك بن نمط الهمداني : يريش الله في الدنيا ويبري ** ولا يبري يعوق ولا يريش وأما نسر فكان لذي الكلاع من حمير؛ في قول قتادة، ونحوه عن مقاتل.
وقال الواقدي : كان ود على صورة رجل، وسواع على صورة امرأة، ويغوث على صورة أسد، ويعوق على صورة فرس، ونسر على صورة نسر من الطير؛ فالله أعلم.
وقرأ نافع {ولا تذرن ودا} بضم الواو.
وفتحها الباقون.
قال الليث : ود بفتح الواو صنم كان لقوم نوح.
وود بالضم صنم لقريش؛ وبه سمي عمرو بن ود.
وفي الصحاح : والود بالفتح الوتد في لغة أهل، نجد؛ كأنهم سكنوا التاء وأدغموها في الدال.
والود في قول امرئ القيس : تظهر الود إذا ما أشجذت ** وتواريه إذا ما تعتكر قال ابن دريد : هو اسم جبل : وود صنم كان لقوم نوح عليه السلام ثم صار لكلب وكان بدومة الجندل؛ ومنه سموه عبد ود وقال {لا تذرن آلهتكم} ثم قال {ولا تذرون ودا ولا سواعا} الآية.
خصها بالذكر؛ لقوله تعالى {وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح} [الأحزاب : 7].
{وقد أضلوا كثيرا} هذا من قول نوح؛ أي أضل كبراؤهم كثيرا من أتباعهم؛ فهو عطف على قوله {ومكروا مكرا كبارا}.
وقيل : إن الأصنام {أضلوا كثيرا} أي ضل بسببها كثير؛ نظيره قول إبراهيم {رب إنهن أضللن كثيرا من الناس} [إبراهيم : 36] فأجرى عليهم وصف ما يعقل؛ لاعتقاد الكفار فيهم ذلك.
{ولا تزد الظالمين إلا ضلالا} أي عذابا؛ قاله ابن بحر.
واستشهد بقوله تعالى {إن المجرمين في ضلال وسعر}[القمر : 47].
وقيل إلا خسرانا.
وقيل إلا فتنة بالمال والولد.
وهو محتمل.

تفسير ابن كثير يقول تعالى: مخبراً عن نوح عليه السلام، أنهم عصوه وخالفوه وكذبوه، واتبعوا من غفل عن أمر اللّه، ومتع بمال وأولاد، وهي في نفس الأمر استدراج لا إكرام، ولهذا قال: {واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خساراً}، وقوله تعالى: {ومكروا مكراً كباراً} قال مجاهد: {كباراً} أي عظيماً، وقال ابن يزيد: {كباراً} أي كبيراً، والعرب تقول: أمر عجيب وعجاب وعجّاب، بالتخفيف والتشديد بمعنى واحد، {ومكروا مكراً كباراً} أي باتباعهم لهم وهم على الضلال، كما يقولون لهم يوم القيامة: {بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر باللّه ونجعل له أنداداً}، ولهذا قال ههنا: {وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً} وهذه أسماء أصنامهم التي كانوا يعبدونها من دون اللّه، عن ابن عباس: صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد، أما ود فكانت لكلب بدومة الجندل، وأما سُواع فكانت لهديل، وأما يغوث فكانت لمراد ثم لبني غطيف بالجرف عند سبأ، وأما يعوق فكانت لهمدان، وأما نسر فكانت لحِمْيَر لآل ذي كلاع، وهي أسماء رجال صالحين من قوم نوح عليه السلام، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن أنصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً، وسموها بأسمائهم، ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسخ العلم عبدت ""رواه البخاري عن ابن عباس، وكذا روي عن عكرمة وقتادة والضحّاك"". وقال ابن جرير، عن محمد بن قيس {ويغوث ويعوق ونسراً} قال: كانوا قوماً صالحين بين آدم ونوح، وكان لهم أتباع يقتدون بهم، فلما ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم، لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة فصوروهم، فلما ماتوا وجاء آخرون دب إليهم إبليس فقال: إنما كانوا يعبدوهم وبهم يسقون المطر فعبدوهم ""رواه ابن جرير عن محمد بن قيس"". وقوله تعالى: {وقد أضلوا كثيراً} يعني الأصنام التي اتخذوها أضلوا بها خلقاً كثيراً، فإنه استمرت عبادتها إلى زماننا هذا، في العرب والعجم وسائر صنوف بني آدم، وقد قال الخليل عليه السلام في دعائه: {واجنبني وبنيّ أن نعبد الأصنام}. وقوله تعالى: {ولا تزد الظالمين إلا ضلالاً} دعاء منه على قومه لتمردهم وكفرهم وعنادهم، كما دعا موسى على فرعون وملئه في قوله: {ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الآليم} وقد استجاب اللّه لكل من النبيين في قومه، وأغرق أمته بتكذيبهم لما جاءهم به.

ِترجمة معني الآية

ِاردو | Espanol | Française | English | Malaysian | Indonesian | বাঙালি