نتيجة البحث: تفسير الآية و صورتها و تلاوتها


سورة القلم آية 18
وَلَا يَسْتَثْنُونَ

التفسير الميسر إنا اختبرنا أهل "مكة" بالجوع والقحط، كما اختبرنا أصحاب الحديقة حين حلفوا فيما بينهم، ليقطعُنَّ ثمار حديقتهم مبكِّرين في الصباح، فلا يَطْعَم منها غيرهم من المساكين ونحوهم، ولم يقولوا: إن شاء الله.

تفسير الجلالين
18 - (ولا يستثنون) في يمينهم بمشيئة الله تعالى والجملة مستأنفة أي وشأنهم ذلك

تفسير القرطبي
فيه ثلاث مسائل: الأولى: قوله تعالى {إنا بلوناهم} يريد أهل مكة.
والابتلاء الاختبار.
والمعنى أعطيناهم أموالا ليشكروا لا ليبطروا؛ فلما بطروا وعادوا محمدا صلي الله عليه وسلم ابتليناهم بالجوع والقحط كما بلونا أهل الجنة المعروف خبرها عندهم.
وذلك أنها كانت بأرض اليمن بالقرب منهم على فراسخ من صنعاء - ويقال بفرسخين - وكانت لرجل يؤدي حق الله تعالى منها؛ فلما مات صارت إلى ولده، فمنعوا الناس خيرها وبخلوا بحق الله فيها؛ فأهلكها الله من حيث لم يمكنهم دفع ما حل بها.
قال الكلبي : كان بينهم وبين صنعاء فرسخان؛ ابتلاهم الله بأن أحرق جنتهم.
وقيل : هي جنة بضوران، وضوران على فرسخ من صنعاء، وكان أصحاب هذه الجنة بعد رفع عيسى عليه السلام بيسير - وكانوا بخلاء - فكانوا يجدون التمر ليلا من أجل المساكين، وكانوا أرادوا حصاد زرعها وقالوا : لا يدخلها اليوم عليكم مسكين، فغدوا عليها فإذا هي قد اقتلعت من أصلها فأصبحت كالصريم؛ أي كالليل.
ويقال أيضا للنهار صريم.
فإن كان أراد الليل فلاسواد موضعها.
وكأنهم وجدوا موضعها حمأة.
وإن كان أراد بالصريم النهار فلذهاب الشجر والزرع ونقاء الأرض منه.
وكان الطائف الذي طاف عليها جبريل عليه السلام فاقتلعها.
فيقال : إنه طاف بها حول البيت ثم وضعها حيث مدينة الطائف اليوم؛ ولذلك سميت الطائف.
وليس في أرض الحجاز بلدة فيها الشجر والأعناب والماء غيرها.
وقال البكري في المعجم : سميت الطائف لأن رجلا من الصدف يقال له الدمون، بنى حائطا وقال : قد بنيت لكم طائفا حول بلدكم؛ فسميت الطائف.
والله أعلم.
الثانية: قال بعض العلماء : على من حصد زرعا أو جد ثمرة أن يواسي منها من حضره؛ وذلك معنى قوله {وآتوا حقه يوم حصاده} [الأنعام : 141] وأنه غير الزكاة على ما تقدم في الأنعام بيانه.
وقال بعضهم : وعليه ترك ما أخطأه الحاصدون.
وكان بعض العباد يتحرون أقواتهم من هذا.
وروي أنه نهي عن الحصاد بالليل.
فقيل : إنه لما ينقطع عن المساكين في ذلك من الرفق.
وتأول من قال هذا الآية التي في سورة [ن والقلم] .
قيل : إنما نهي عن ذلك خشية الحيات وهوام الأرض.
قلت : الأول أصح؛ والثاني حسن.
وإنما قلنا الأول أصح لأن العقوبة كانت بسبب، ما أرادوه من منع المساكين كما ذكر الله تعالى.
روى أسباط عن السدي قال : كان قوم باليمن وكان أبوهم رجلا صالحا، وكان إذا بلغ ثماره أتاه المساكين فما يمنعهم من دخولها وأن يأكلوا منها ويتزودوا؛ فلما مات قال بنوه بعضهم لبعض : علام نعطي أموالنا هؤلاء المساكين! تعالوا فلندلج فنصرمنها قبل أن يعلم المساكين؛ ولم يستثنوا؛ فانطلقوا وبعضهم يقول لبعض خفتا : لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين؛ فذلك قوله تعالى{إذ أقسموا} يعني حلفوا فيما بينهم {ليصرمنها مصبحين} يعني لنجذنها وقت الصبح قبل أن تخرج المساكين؛ ولا يستثنون؛ يعني لم يقولوا إن شاء الله.
وقال ابن عباس : كانت تلك الجنة دون صنعاء بفرسخين، غرسها رجل من أهل الصلاح وكان له ثلاثة بنين، وكان للمساكين كل ما تعداه المنجل فلم يجذه من الكرم، فإذا طرح على البساط فكل شيء سقط عن البساط فهو أيضا للمساكين، فإذا حصدوا زرعهم فكل شيء تعداه المنجل فهو للمساكين، فإذا درسوا كان لهم كل شيء انتثر؛ فكان أبوهم يتصدق منها على المساكين، وكان يعيش في ذلك في حياة أبيهم اليتامى والأرامل والمساكين، فلما مات أبوهم فعلوا ما ذكر الله عنهم.
فقالوا : قل المال وكثر العيال؛ فتحالفوا بينهم ليغدون غدوة قبل خروج الناس ثم ليصرمنها ولا تعرف المساكين.
وهو قوله {إذ أقسموا} أي حلفوا {ليصرمنها} ليقطعن ثمر نخيلهم إذا أصبحوا بسدفة من الليل لئلا ينتبه المساكين لهم.
والصرم القطع.
يقال : صرم العذق عن النخلة.
وأصرم النخل أي حان وقت صرامه.
مثل أركب المهر وأحصد الزرع، أي حان ركوبه وحصاده.
{ولا يستثنون} أي ولم يقولوا إن شاء الله.
وقال مجاهد : كان حرثهم عنبا ولم يقولوا إن شاء الله.
وقال أبو صالح : كان استثناؤهم قولهم سبحان الله ربنا.
وقيل : معنى {ولا يستثنون} أي لا يستثنون حق المساكين؛ قاله عكرمة.
فجاءوها ليلا فرأوا الجنة مسودة قد طاف عليها طائف من ربك وهم نائمون.
قيل : الطائف جبريل عليه السلام؛ على ما تقدم ذكره.
وقال ابن عباس : أمر من ربك.
وقال قتادة : عذاب من ربك.
ابن جريج : عتق من نار خرج من وادي جهنم.
والطائف لا يكون إلا بالليل؛ قاله الفراء.
الثالثة: قلت : في هذه الآية دليل على أن العزم مما يؤاخذ به الإنسان؛ لأنهم عزموا على أن يفعلوا فعوقبوا قبل فعلهم.
ونظير هذه الآية قوله تعالى {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم} [الحج : 25].
"" وفي الصحيح"" عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار) قيل : يا رسول الله، هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال : (إنه كان حريصا على قتل صاحبه).
وقد مضى مبينا في سورة آل عمران عند قوله تعالى {ولم يصروا على ما فعلوا} [آل عمران : 135].

تفسير ابن كثير هذا مثل ضربه اللّه تعالى لكفّار قريش،فيما أهدى إليهم من الرحمة العظيمة، وهو بعثة محمد صلى اللّه عليه وسلم إليهم، فقابلوه بالتكذيب والرد والمحاربة، ولهذا قال تعالى: {إنا بلوناهم} أي اختبرناهم {كما بلونا أصحاب الجنة} وهي البستان المشتمل على أنواع الثمار والفواكه، {إذ أقسموا ليصرمنَّها مصبحين} أي حلفوا ليجذن ثمرها ليلاً، لئلا يعلم بهم فقير ولا سائل، ولا يتصدقوا منه بشيء، {ولا يستثنون} أي فيما حلفوا به، {فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون} أي أصابتها آفة سماوية، {فأصبحت كالصريم} قال ابن عباس: أي كالليل الأسود، وقال السدي: مثل الزرع إذا حصد أي هشيماً يبساً، عن ابن مسعود قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (إياكم والمعاصي، إن العبد ليذنب الذنب فيحرم به رزقاً قد كان هيء له) ثم تلا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: {فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم} ""أخرجه ابن أبي حاتم"". قد حرموا خير جنتهم بذنبهم، {فتنادوا مصبحين} أي وقت الصبح نادى بعضهم بعضاً ليذهبوا إلى الجذاذ أي القطع، {أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين} أي تريدون الصرام، قال مجاهد: كان حرثهم عنباً، {فانطلقوا وهم يتخافتون} أي يتناجون فيما بينهم، بحيث لا يُسْمِعُون أحداً كلامهم، ثم فسر عالم السر والنجوى ما كانوا يتخافتون به، فقال تعالى: {فانطلقوا وهم يتخافتون أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين} أي يقول بعضهم لبعض لا تمكنوا اليوم فقيراً يدخلها عليكم، قال تعالى: {وغدوا على حرد} أي قوة وشدة، وقال مجاهد: على جد، وقال عكرمة: على غيظ، {قادرين} أي عليها فيما يزعمون ويرومون، {فلما رأوها قالوا إنا لضالون} أي فلما وصلوا إليها وأشرفوا عليها، وهي على الحالة التي قال اللّه عزَّ وجلَّ، قد استحالت عن تلك النضارة والزهوة وكثرة الثمار، إلى أن صارت سوداء مدلهمة لا ينتفع بشيء منها، فاعتقدوا أنهم قد أخطؤوا الطريق، ولهذا قالوا: {إنا لضالون} أي قد سلكنا إليها غير الطريق فتهنا عنها، ثم تيقنوا أنها هي فقالوا {بل نحن محرومون} أي بل هي هذه، ولكن نحن لا حظ لنا ولا نصيب. وقال تعالى: {قال أوسطهم}، أي أعدلهم وخيرهم قاله ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة{ألم أقل لكم لولا تسبحون}! قال مجاهد والسدي: أي لولا تستثنون، وكان استثناؤهم في ذلك الزمان تسبيحاً، وقال ابن جرير: هو قول القائل إن شاء اللّه""، وقيل: {لولا تسبحون} أي هلا تسبحون اللّه وتشكرونه على ما أعطاكم وأنعم به عليكم {وقالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين} أتوا بالطاعة حيث لا تنفع، وندموا واعترفوا حيث لا ينجع، ولهذا قالوا: {إنا كنا ظالمين . فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون} أي يلوم بعضهم بعضاً، على ما كانوا أصروا عليه من منع المساكين، فما كان جواب بعضهم لبعض إلا الاعتراف بالخطيئة والذنب، {قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين} أي اعتدينا وبغينا وجاوزنا الحد حتى أصابنا ما أصابنا {عسى ربنا أن يبدلنا خيراً منها إنا إلى ربنا راغبون} قيل: راغبون في بذلها لهم في الدنيا، وقيل: احتسبوا ثوابها في الدار الأخرة، واللّه أعلم. ذكر بعض السلف أن هؤلاء قد كانوا من أهل اليمن، وقيل: كانوا من أهل الحبشة وكان أبوهم قد خلف لهم هذه الجنة، وكان يسير فيها سيرة حسنة، فكان ما يستغل منها يرد فيها ما تحتاج إليه، ويدخر لعياله قوت سنتهم، ويتصدق بالفاضل، فلما مات وورثه بنوه قالوا: لقد كان أبونا أحمق، إذ كان يصرف من هذه شيئاً للفقراء، ولو أنا منعناهم لتوفر ذلك علينا، فلما عزموا على ذلك عوقبوا بنقيض قصدهم، فأذهب اللّه ما بأيديهم بالكلية رأس المال والربح والصدقة فلم يبق لهم شيء، قال اللّه تعالى {كذلك العذاب} أي هكذا عذاب من خالف أمر اللّه، وبخل بما آتاه اللّه وأنعم به عليه، ومنع حق المسكين والفقير، وبدّل نعمة اللّه كفراً، {ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون} أي هذه عقوبة الدنيا وعذاب الآخرة أشق.

ِترجمة معني الآية

ِاردو | Espanol | Française | English | Malaysian | Indonesian | বাঙালি