نتيجة البحث: تفسير الآية و صورتها و تلاوتها


سورة القلم آية 2
مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ

التفسير الميسر (ن) سبق الكلام على الحروف المقطعة في أول سورة البقرة. أقسم الله بالقلم الذي يكتب به الملائكة والناس، وبما يكتبون من الخير والنفع والعلوم. ما أنت -أيها الرسول- بسبب نعمة الله عليك بالنبوة والرسالة بضعيف العقل، ولا سفيه الرأي، وإن لك على ما تلقاه من شدائد على تبليغ الرسالة لَثوابًا عظيمًا غير منقوص ولا مقطوع، وإنك -أيها الرسول- لعلى خلق عظيم، وهو ما اشتمل عليه القرآن من مكارم الأخلاق؛ فقد كان امتثال القرآن سجية له يأتمر بأمره، وينتهي عما ينهى عنه.

تفسير الجلالين
2 - (ما أنت) يا محمد (بنعمة ربك بمجنون) أي انتفى الجنون عنك بسبب إنعام ربك عليك بالنبوة وغيرها وهذا رد لقولهم انه مجنون

تفسير القرطبي
قوله تعالى {ن والقلم} أدغم النون الثانية في هجائها في الواو أبو بكر والمفضل وهبيرة وورش وابن محيصن وابن عامر والكسائي ويعقوب.
والباقون بالإظهار.
وقرأ عيسى بن عمر بفتحها؛ كأنه أضمر فعلا.
وقرأ ابن عباس ونصر وابن أبي إسحاق بكسرها على إضمار حرف القسم.
وقرأ هارون ومحمد بن السميقع بضمها على البناء.
واختلف في تأويله؛ فروى معاوية بن قرة عن أبيه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (ن لوح من نور).
وروى ثابت البناني أن {ن} الدواة.
وقاله الحسن وقتادة.
وروى الوليد بن مسلم قال : حدثنا مالك بن أنس عن سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (أول ما خلق الله القلم ثم خلق النون وهي الدواة وذلك قوله تعالى {ن والقلم} ثم قال له اكتب قال : وما أكتب قال : ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة من عمل أو أجل أو رزق أو أثر فجرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة - قال - ثم ختم فم القلم فلم ينطق ولا ينطق إلى يوم القيامة.
ثم خلق العقل فقال الجبار ما خلقت خلقا أعجب إلي منك وعزتي وجلالي لأكملنك فيمن أحببت ولأنقصنك فيمن أبغضت) قال : ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أكمل الناس عقلا أطوعهم لله وأعملهم بطاعته).
وعن مجاهد قال {ن} الحوت الذي تحت الأرض السابعة.
قال {والقلم} الذي كتب به الذكر.
وكذا قال مقاتل ومرة الهمداني وعطاء الخراساني والسدي والكلبي : إن النون هو الحوت الذي عليه الأرضون.
وروى أبو ظبيان عن ابن عباس قال : أول ما خلق الله القلم فجرى بما هو كائن، ثم رفع بخار الماء فخلق منه السماء، ثم خلق النون فبسط الأرض على ظهره، فمادت الأرض فأثبتت بالجبال، وإن الجبال لتفخر على الأرض.
ثم قرأ ابن عباس {ن والقلم} الآية.
وقال الكلبي ومقاتل : اسمه البهموت.
قال الراجز : مالي أراكم كلكم سكوتا ** والله ربي خلق البهموتا وقال أبو اليقظان والواقدي : ليوثا.
وقال كعب : لوثوثا.
وقال : بلهموثا.
وقال كعب : إن إبليس تغلغل إلى الحوت الذي على ظهره الأرضون فوسوس في قلبه، وقال : أتدري ما على ظهرك يا لوثوثا من الدواب والشجر والأرضين وغيرها، لو لفظتهم ألقيتهم عن ظهرك أجمع؛ فهمّ ليوثا أن يفعل ذلك، فبعث الله إليه دابة فدخلت منخره ووصلت إلى دماغه، فضج الحوت إلى الله عز وجل منها فأذن الله لها فخرجت.
قال كعب : فوالله إنه لينظر إليها وتنظر إليه إن همّ بشيء من ذلك عادت كما كانت.
وقال الضحاك عن ابن عباس : إن {ن} آخر حروف من حروف الرحمن.
قال : الر، وحم، ون؛ الرحمن تعالى متقطعة.
وقال ابن زيد : هو قسم أقسم تعالى به.
وقال ابن كيسان : هو فاتحة السورة.
وقيل : اسم السورة.
وقال عطاء وأبو العالية : هو افتتاح اسمه نصير ونور وناصر.
وقال محمد بن كعب : أقسم الله تعالى بنصره للمؤمنين؛ وهو حق.
بيانه قوله تعالى{وكان حقا علينا نصر المؤمنين} [الروم : 47] وقال جعفر الصادق : هو نهر من أنهار الجنة يقال له نون.
وقيل : هو المعروف من حروف المعجم، لأنه لو كان غير ذلك لكان معربا؛ وهو اختيار القشيري أبو نصر عبدالرحيم في تفسيره.
قال : لأن {ن} حرف لم يعرب، فلو كان كلمة تامة أعرب كما أعرب القلم، فهو إذا حرف هجاء كما في سائر مفاتيح السور.
وعلى هذا قيل : هو اسم السورة، أي هذه السورة {ن}.
ثم قال {والقلم} أقسم بالقلم لما فيه من البيان كاللسان؛ وهو واقع على كل قلم مما يكتب به من في السماء ومن في الأرض؛ ومنه قول أبي الفتح البستي : إذا أقسم الأبطال يوما بسيفهم ** وعدوه مما يكسب المجد والكرم كفى قلم الكتاب عزا ورفعة ** مدى الدهر أن الله أقسم بالقلم وللشعراء في تفضيل القلم على السيف أبيات كثيرة؛ ما ذكرناه أعلاها.
وقال ابن عباس : هذا قسم بالقلم الذي خلقه الله؛ فأمره فجرى بكتابة جميع ما هو كائن إلى يوم القيامة.
قال : وهو قلم من نور طوله كما بين السماء والأرض.
ويقال.
خلق الله القلم ثم نظر إليه فانشق نصفين؛ فقال : أجر؛ فقال : يا رب بم أجري؟ قال بما هو كائن إلى يوم القيامة؛ فجرى على اللوح المحفوظ.
وقال الوليد بن عبادة بن الصامت : أوصاني أبي عند موته فقال : يا بني، اتق الله، وأعلم أنك لن تتقي ولن تبلغ العلم حتى تؤمن بالله وحده، والقدر خيره وشره، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (إن أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب، فقال: يا رب وما أكتب؟ فقال: اكتب القدر، فجرى القلم في تلك الساعة بما كان وما هو كائن إلى الأبد) وقال ابن عباس : أول ما خلق الله القلم فأمره أن يكتب ما هو كائن؛ فكتب فيما كتب {تبت يدا أبي لهب} [المسد : 1].
وقال قتادة : القلم نعمة من الله تعالى على عباده.
قال غيره : فخلق الله القلم الأول فكتب ما يكون في الذكر ووضعه عنده فوق عرشه، ثم خلق القلم الثاني ليكتب به في الأرض؛ على ما يأتي بيانه في سورة {اقرأ باسم ربك} [العلق : 1].
قوله تعالى {وما يسطرون} أي وما يكتبون.
يريد الملائكة يكتبون أعمال بني آدم؛ قاله ابن عباس : وقيل : وما يكتبون أي الناس ويتفاهمون به.
وقال ابن عباس : ومعنى {وما يسطرون} وما يعلمون.
و{ما} موصولة أو مصدرية؛ أي ومسطوراتهم أو وسطرهم، ويراد به كل من يسطر أو الحفظة؛ على الخلاف.
{ما أنت بنعمة ربك بمجنون} هذا جواب القسم وهو نفي، وكان المشركون يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم إنه مجنون، به شيطان.
وهو قولهم {يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون}[الحجر : 6] فأنزل الله تعالى ردا عليهم وتكذيبا لقولهم {ما أنت بنعمة ربك بمجنون} أي برحمة ربك.
والنعمة هاهنا الرحمة.
ويحتمل ثانيا - أن النعمة هاهنا قسم؛ وتقديره : ما أنت ونعمة ربك بمجنون؛ لأن الواو والباء من حروف القسم.
وقيل هو كما تقول : ما أنت بمجنون، والحمد لله.
وقيل : معناه ما أنت بمجنون، والنعمة لربك؛ كقولهم : سبحانك اللهم وبحمدك؛ أي والحمد لله.
ومنه قول لبيد : وأفردت في الدنيا بفقد عشيرتي ** وفارقني جار بأربد نافع أي وهو أربد.
وقال النابغة : لم يحرموا حسن الغذاء وأمهم ** طفحت عليك بناتق مذكار أي هو ناتق.
والباء في {بنعمة ربك} متعلقة {بمجنون} منفيا؛ كما يتعلق بغافل مثبتا.
كما في قولك : أنت بنعمة ربك غافل.
ومحله النصب على الحال؛ كأنه قال : ما أنت بمجنون منعما عليك بذلك.
{وإن لك لأجرا} أي ثوابا على ما تحملت من أثقال النبوة.
{غير ممنون} أي غير مقطوع ولا منقوص؛ يقال : مننت الحبل إذا قطعته.
وحبل منين إذا كان غير متين.
قال الشاعر : غُبْسا كواسب لا يُمَنّ طعامها أي لا يقطع.
وقال مجاهد {غير ممنون} محسوب.
الحسن {غير ممنون} غير مكدر بالمن.
الضحاك : أجرا بغير عمل.
وقيل : غير مقدر وهو التفضل؛ لأن الجزاء مقدر والتفضل غير مقدر؛ ذكره الماوردي، وهو معنى قول مجاهد.

تفسير ابن كثير قد تقدم الكلام على حروف الهجاء في أول سورة البقرة، بما أغنى عن إعادته ههنا، وقيل: المراد بقوله {ن} حوت عظيم وقيل: المراد بقوله {ن} لوح من نور، وقيل: المراد بقوله {ن} الدواة، {والقلم} القلم، روي عن الحسن وقتادة في قوله {ن} قالا: هي الدواة، وقوله تعالى: {والقلم} الظاهر أنه جنس القلم الذي يكتب به كقوله تعالى: {الذي علَّم بالقلم . علَّم الإنسان ما لم يعلم} فهو قَسم منه تعالى، وتنبيه لخلقه على ما أنعم به عليهم، من تعليم الكتابة التي تنال بها العلوم، ولهذا قال: {وما يسطرون} قال ابن عباس: يعني وما يكتبون، وقال أبو الضحى عنه {وما يسطرون} أي وما يعملون، وقال السدي {وما يسطرون} يعني الملائكة وما تكتب من أعمال العباد، وقال آخرون: بل المراد ههنا بالقلم الذي أجراه اللّه بالقدر، حين كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرضين بخمسين ألف عام، روى ابن أبي حاتم عن الوليد بن عبادة بن الصامت قال: دعاني أبي حين حضره الموت، فقال: إني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: (إن أول ما خلق اللّه القلم فقال: اُكتب، قال: يا ربّ وما أنا أكتب؟ قال اُكتب القدر وما هو كائن إلى الأبد) ""أخرجه ابن أبي حاتم، ورواه أحمد والترمذي، وقال: حسن صحيح غريب"". وعن ابن عباس أنه كان يحدِّث أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (إن أول شيء خلقه اللّه القلم فأمره فكتب كل شيء) ""رواه ابن جرير"". وقال مجاهد {والقلم} يعني الذي كتب به الذكر، وقوله تعالى: {وما يسطرون} أي يكتبون كما تقدم. وقوله تعالى: {ما أنت بنعمة ربك بمجنون} أي لست وللّه الحمد بمجنون، كما يقوله الجهلة من قومك، المكذبون بما جئتهم به من الهدى حيث نسبوك إلى الجنون، {وإن لك لأجراً غير ممنون} أي إن لك الأجر العظيم، والثواب الجزيل الذي لا ينقطع ولا يبيد، على إبلاغك رسالة ربك إلى الخلق، وصبرك على أذاهم، ومعنى {غير ممنون} أي غيرمقطوع، كقوله: {عطاء غير مجذوذ}، {فلهم أجر غير ممنون} أي غير مقطوع عنهم، وقال مجاهد {غير ممنون}: أي غير محسوب وهو يرجع إلى ما قلناه، وقوله تعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم} قال ابن عباس: وإنك لعلى دين عظيم وهو الإسلام، وقال عطية: لعلى أدب عظيم، وقال قتادة: ذكر لنا أن سعيد بن هشام سأل عائشة عن خلق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالت: ألست تقرأ القرآن؟ قال: بلى، قالت: فإن خلق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان كالقرآن، وروى الإمام أحمد عن الحسن قال: سألت عائشة عن خلق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالت: كان خلقه القرآن ""أخرجه الإمام أحمد""، وقال ابن جرير، عن سعد بن هشام قال: أتيت عائشة أمّ المؤمنين رضي اللّه عنها فقلت لها: أخبريني بخلق النبي صلى اللّه عليه وسلم، فقالت: كان خلقه كالقرآن، أَما تقرأ: {وإنك لعلى خلق عظيم}؟ ""رواه ابن جرير واللفظ له ورواه أبو داود والنسائي بنحوه""ومعنى هذا أنه عليه الصلاة والسلام صار امتثال القرآن سجية له وخلقاً، وترك طبعه الجبلي، فمهما أمره القرآن فعله، ومهما نهاه عنه تركه، هذا مع ما جبله اللّه عليه من الخلق العظيم، من الحياء والكرم والشجاعة والصفح والحلم، وكل خلق جميل، كما ثبت في الصحيحين عن أَنس، قال: خدمت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عشر سنين فما قال لي: أُفٍّ قط، ولا قال لشيء فعلتُه لِمَ فعلتَه؟ ولا لشيء لم أفعله أَلاَ فعلته؟ وكان صلى اللّه عليه وسلم أحسن الناس خُلقاً ولا مسست خزًّا ولا حريراً ولا شيئاً كان أَلين من كف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ولا شممت مسكاً ولا عطراً كان أَطيب من عرق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ""أخرجه الشيخان عن أنَس رضي اللّه عنه""، وروى البخاري، عن البراء قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أحسن الناس وجهاً، وأحسن الناس خَلقاً ليس بالطويل ولا بالقصير ""أخرجه البخاري""، وروى الإمام أحمد، عن عائشة قالت: ما ضرب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بيده خادماً قط، ولا ضرب امرأة، ولا ضرب بيده شيئاً قط إلا أن يجاهد في سبيل اللّه، ولا خُيَّر بين شيئين قط إلا كان أحبهما إليه أيسرهما حتى يكون إثماً، فإذا كان إثماً كان أبعد الناس من الإثم، ولا انتقم لنفسه من شيء يؤتى إليه إلا أن تنتهك حرمات اللّه، فيكون هو ينتقم للّه عزَّ وجلَّ ""أخرجه الإمام أحمد والأحاديث في هذا كثيرة، ولأبي عيسى الترمذي كتاب سّماه الشمائل "". وقوله تعالى: {فستبصر ويبصرون بأيكم المفتون} أي فستعلم يا محمد وسيعلم مخالفوك ومكذبوك، من المفتون الضال منك ومنهم، وهذا كقوله تعالى: {سيعلمون غداً من الكذاب الأشر}، قال ابن عباس في هذه الآية: ستعلم ويعلمون يوم القيامة، {بأيكم المفتون} أي المجنون، وقال قتادة: {بأيكم المفتون} أي أولى بالشيطان، ومعنى المفتون ظاهر أي الذي افتتن عن الحق وضل عنه، وإنما دخلت الباء في قوله: {بأيكم} لتدل على تضمين الفعل في قوله {فستبصر ويبصرون} وتقديره: فستعلم ويعلمون، أي فستخبر ويخبرون بأيكم المفتون، واللّه أعلم، ثم قال تعالى: {إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين} أي هو يعلم تعالى أي الفريقين منكم ومنهم هو المهتدي، ويعلم الحزب الضال عن الحق.

ِترجمة معني الآية

ِاردو | Espanol | Française | English | Malaysian | Indonesian | বাঙালি