نتيجة البحث: تفسير الآية و صورتها و تلاوتها


سورة النساء آية 34
الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا

التفسير الميسر الرجال قوَّامون على توجيه النساء ورعايتهن، بما خصهم الله به من خصائص القِوامَة والتفضيل، وبما أعطوهن من المهور والنفقات. فالصالحات المستقيمات على شرع الله منهن، مطيعات لله تعالى ولأزواجهن، حافظات لكل ما غاب عن علم أزواجهن بما اؤتمنَّ عليه بحفظ الله وتوفيقه، واللاتي تخشون منهن ترفُّعهن عن طاعتكم، فانصحوهن بالكلمة الطيبة، فإن لم تثمر معهن الكلمة الطيبة، فاهجروهن في الفراش، ولا تقربوهن، فإن لم يؤثر فعل الهِجْران فيهن، فاضربوهن ضربًا لا ضرر فيه، فإن أطعنكم فاحذروا ظلمهن، فإن الله العليَّ الكبير وليُّهن، وهو منتقم ممَّن ظلمهنَّ وبغى عليهن.

تفسير الجلالين
34 - (الرجال قوامون) مسلطون (على النساء) يؤدبونهن ويأخذون على أيديهن (بما فضل الله بعضهم على بعض) أي بتفضيله لهم عليهن بالعلم والعقل والولاية وغير ذلك (وبما أنفقوا) عليهن (من أموالهم فالصالحات) منهن (قانتات) مطيعات لأزواجهن (حافظات للغيب) أي لفروجهن وغيرها في غيبة أزواجهن (بما حفظ) لهن (الله) حيث أوصى عليهن الأزواج (واللاتي تخافون نشوزهن) عصيانهن لكم بأن ظهرت أمارته (فعظوهن) فخوفوهن الله (واهجروهن في المضاجع) اعتزلوا إلى فراش آخر إن أظهرن النشوز (واضربوهن) ضربا غير مبرح إن لم يرجعن بالهجران (فإن أطعنكم) فيما يراد منهن (فلا تبغوا) تطلبوا (عليهن سبيلا) طريقا إلى ضربهن ظلما (إن الله كان عليا كبيرا) فاحذروه أن يعاقبكم إن ظلمتوهن

تفسير القرطبي
فيه إحدى عشرة مسالة: الأولى: قوله تعالى: {الرجال قوامون على النساء} ابتداء وخبر، أي يقومون بالنفقة عليهن والذب عنهن؛ وأيضا فإن فيهم الحكام والأمراء ومن يغزو، وليس ذلك في النساء.
يقال : قوام وقيم.
والآية نزلت في سعد بن الربيع نشزت عليه امرأته حبيبة بنت زيد بن خارجة بن أبي زهير فلطمها؛ فقال أبوها : يا رسول الله، أفرشته كريمتي فلطمها ! فقال عليه السلام : (لتقتص من زوجها).
فانصرفت مع أبيها لتقتص منه، فقال عليه السلام : (ارجعوا هذا جبريل أتاني) فأنزل الله هذه الآية؛ فقال عليه السلام : (أردنا أمرا وأراد الله غيره).
وفي رواية أخرى : (أردت شيئا وما أراد الله خير).
ونقض الحكم الأول.
وقد قيل : إن في هذا الحكم المردود نزل {ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه} [طه : 114].
ذكر إسماعيل بن إسحاق قال : حدثنا حجاج بن المنهال وعارم بن الفضل - واللفظ.
لحجاج - قال حدثنا جرير بن حازم قال : سمعت الحسن يقول : إن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إن زوجي لطم وجهي.
فقال : (بينكما القصاص)، فأنزل الله تعالى: {ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه}.
وأمسك النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزل: {الرجال قوامون على النساء}.
وقال أبو روق : نزلت في جميلة بنت أبي وفي زوجها ثابت بن قيس بن شماس.
وقال الكلبي : نزلت في عميرة بنت محمد بن مسلمة وفي زوجها سعد بن الربيع.
وقيل : سببها قول أم سلمة المتقدم.
ووجه النظم أنهن تكلمن في تفضيل الرجال على النساء في الإرث، فنزلت {ولا تتمنوا} الآية.
ثم بين تعالى أن تفضيلهم عليهن في الإرث لما على الرجال من المهر والإنفاق؛ ثم فائدة تفضيلهم عائدة إليهن.
ويقال : إن الرجال لهم فضيلة في زيادة العقل والتدبير؛ فجعل لهم حق القيام عليهن لذلك.
وقيل : للرجال زيادة قوة في النفس والطبع ما ليس للنساء؛ لأن طبع الرجال غلب عليه الحرارة واليبوسة، فيكون فيه قوة وشدة، وطبع النساء غلب عليه الرطوبة والبرودة، فيكون فيه معنى اللين والضعف؛ فجعل لهم حق القيام عليهن بذلك، وبقوله تعالى: {وبما أنفقوا من أموالهم}.
الثانية: ودلت هذه الآية على تأديب الرجال نساءهم، فإذا حفظن حقوق الرجال فلا ينبغي أن يسيء الرجل عشرتها.
و{قوام} فعال للمبالغة؛ من القيام على الشيء والاستبداد بالنظر فيه وحفظه بالاجتهاد.
فقيام الرجال على النساء هو على هذا الحد؛ وهو أن يقوم بتدبيرها وتأديبها وإمساكها في بيتها ومنعها من البروز، وأن عليها طاعته وقبول أمره ما لم تكن معصية؛ وتعليل ذلك بالفضيلة والنفقة والعقل والقوة في أمر الجهاد والميراث والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وقد راعى بعضهم في التفضيل اللحية - وليس بشيء؛ فإن اللحية قد تكون وليس معها شيء مما ذكرنا.
وقد مضى الرد على هذا في "البقرة".
الثالثة: فهم العلماء من قوله تعالى: {وبما أنفقوا من أموالهم} أنه متى عجز عن نفقتها لم يكن قواما عليها، وإذا لم يكن قواما عليها كان لها فسخ العقد؛ لزوال المقصود الذي شرع لأجله النكاح.
وفيه دلالة واضحة من هذا الوجه على ثبوت فسخ النكاح عند الإعسار بالنفقة والكسوة؛ وهو مذهب مالك والشافعي.
وقال أبو حنيفة : لا يفسخ؛ لقوله تعالى: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} [البقرة : 280] وقد تقدم القول في هذا في هذه السورة.
الرابعة: قوله تعالى: {فالصالحات قانتات حافظات للغيب} هذا كله خبر، ومقصوده الأمر بطاعة الزوج والقيام بحقه في ماله وفي نفسها في حال غيبة الزوج.
وفي مسند أبي داود الطيالسي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (خير النساء التي إذا نظرت إليها سرتك وإذا أمرتها أطاعتك وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك) قال : وتلا هذه الآية {الرجال قوامون على النساء} إلى آخر الآية.
وقال صلى الله عليه وسلم لعمر : (ألا أخبرك بخير ما يكنزه المرء المرأة الصالحة إذا نظر إليها سرته وإذا أمرها أطاعته وإذا غاب عنها حفظته) أخرجه أبو داود.
وفي مصحف ابن مسعود "فالصوالح قوانت حوافظ".
وهذا بناء يختص بالمؤنث.
قال ابن جني : والتكسير أشبه لفظا بالمعنى؛ إذ هو يعطي الكثرة وهي المقصود ههنا.
و"ما" في قوله: {بما حفظ الله} مصدرية، أي بحفظ الله لهن.
ويصح أن تكون بمعنى الذي، ويكون العائد في "حفظ" ضمير نصب.
وفي قراءة أبي جعفر "بما حفظ الله" بالنصب.
قال النحاس : الرفع أبين؛ أي حافظات لمغيب أزواجهن بحفظ الله ومعونته وتسديده.
وقيل : بما حفظهن الله في مهورهن وعشرتهن.
وقيل : بما استحفظهن الله إياه من أداء الأمانات إلى أزواجهن.
ومعنى قراءة النصب : بحفظهن الله؛ أي بحفظهن أمره أو دينه.
وقيل في التقدير : بما حفظن الله، ثم وحد الفعل؛ كما قيل : فإن الحوادث أودى بها وقيل : المعنى بحفظ الله؛ مثل حفظت الله.
الخامسة: قوله تعالى: {واللاتي تخافون نشوزهن} اللاتي جمع التي وقد تقدم.
قال ابن عباس : تخافون بمعنى تعلمون وتتيقنون.
وقيل هو على بابه.
والنشوز العصيان؛ مأخوذ من النشز، وهو ما ارتفع من الأرض.
يقال : نشز الرجل ينشز وينشز إذا كان قاعدا فنهض قائما؛ ومنه قوله عز وجل: {وإذا قيل انشزوا فانشزوا} [المجادلة : 11] أي ارتفعوا وانهضوا إلى حرب أو أمر من أمور الله تعالى.
فالمعنى : أي تخافون عصيانهن وتعاليهن عما أوجب الله عليهن من طاعة الأزواج.
وقال أبو منصور اللغوي : النشوز كراهية كل واحد من الزوجين صاحبه؛ يقال : نشزت تنشز فهي ناشز بغير هاء.
ونشصت تنشص، وهي السيئة للعشرة.
وقال ابن فارس : ونشزت المرأة استصعبت على بعلها، ونشز بعلها عليها إذا ضربها وجفاها.
قال ابن دريد : نشزت المرأة ونشست ونشصت بمعنى واحد.
السادسة: قوله تعالى: {فعظوهن} أي بكتاب الله؛ أي ذكروهن ما أوجب الله عليهن من حسن الصحبة وجميل العشرة للزوج، والاعتراف بالدرجة التي له عليها، ويقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها).
وقال : (لا تمنعه نفسها وإن كانت على ظهر قتب).
وقال : (أيما امرأة باتت هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح) في رواية (حتى تراجع وتضع يدها في يده).
وما كان مثل هذا.
السابعة: قوله تعالى: {واهجروهن في المضاجع} وقرأ ابن مسعود والنخعي وغيرهما "في المضجع" على الإفراد؛ كأنه اسم جنس يؤدي عن الجمع.
والهجر في المضاجع هو أن يضاجعها ويوليها ظهره ولا يجامعها؛ عن ابن عباس وغيره.
وقال مجاهد : جنبوا مضاجعهن؛ فيتقدر على هذا الكلام حذف، ويعضده "اهجروهن" من الهجران، وهو البعد؛ يقال : هجره أي تباعد ونأى عنه.
ولا يمكن بعدها إلا بترك مضاجعتها.
وقال معناه إبراهيم النخعي والشعبي وقتادة والحسن البصري، ورواه ابن وهب وابن القاسم عن مالك، واختاره ابن العربي وقال : حملوا الأمر على الأكثر الموفي.
ويكون هذا القول كما تقول : اهجره في الله.
وهذا أصل مالك.
قلت : هذا قول حسن؛ فإن الزوج إذا أعرض عن فراشها فإن كانت محبة للزوج فذلك يشق عليها فترجع للصلاح، وإن كانت مبغضة فيظهر النشوز منها؛ فيتبين أن النشوز من قبلها.
وقيل: "اهجروهن" من الهجر وهو القبيح من الكلام، أي غلظوا عليهن في القول وضاجعوهن للجماع وغيره؛ قال معناه سفيان، وروي عن ابن عباس.
وقيل : أي شدوهن وثاقا في بيوتهن؛ من قولهم : هجر البعير أي ربطه بالهجار، وهو حبل يشد به البعير، وهو اختيار الطبري وقدح في سائر الأقوال.
وفي كلامه في هذا الموضع نظر.
وقد رد عليه القاضي أبو بكر بن العربي في أحكامه فقال : يا لها من هفوة من عالم بالقرآن والسنة ! والذي حمله على هذا التأويل حديث غريب رواه ابن وهب عن مالك أن أسماء بنت أبي بكر الصديق امرأة الزبير بن العوام كانت تخرج حتى عوتب في ذلك.
قال : وعتب عليها وعلى ضرتها، فعقد شعر واحدة بالأخرى ثم ضربهما ضربا شديدا، وكانت الضرة أحسن اتقاء، وكانت أسماء لا تتقي فكان الضرب بها أكثر؛ فشكت إلى أبيها أبي بكر رضي الله عنه فقال لها : أي بنية اصبري فإن الزبير رجل صالح، ولعله أن يكون زوجك في الجنة؛ ولقد بلغني أن الرجل إذا ابتكر بامرأة تزوجها في الجنة.
فرأى الربط والعقد مع احتمال اللفظ مع فعل الزبير فأقدم على هذا التفسير.
وهذا الهجر غايته عند العلماء شهر؛ كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين أسر إلى حفصة فأفشته إلى عائشة، وتظاهرتا عليه.
ولا يبلغ به الأربعة الأشهر التي ضرب الله أجلا عذرا للمولي.
الثامنة: قوله تعالى: {واضربوهن} أمر الله أن يبدأ النساء بالموعظة أولا ثم بالهجران، فإن لم ينجعا فالضرب؛ فإنه هو الذي يصلحها له ويحملها على توفية حقه.
والضرب في هذه الآية هو ضرب الأدب غير المبرح، وهو الذي لا يكسر عظما ولا يشين جارحة كاللكزة ونحوها؛ فإن المقصود منه الصلاح لا غير.
فلا جرم إذا أدى إلى الهلاك وجب الضمان، وكذلك القول في ضرب المؤدب غلامه لتعليم القرآن والأدب.
وفي صحيح مسلم : (اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح) الحديث.
أخرجه من حديث جابر الطويل في الحج، أي لا يدخلن منازلكم أحدا ممن تكرهونه من الأقارب والنساء الأجانب.
وعلى هذا يحمل ما رواه الترمذي وصححه عن عمرو بن الأحوص أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ فقال : (ألا واستوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ألا إن لكم على نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم من تكرهون ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن).
وقال : هذا حديث حسن صحيح.
فقوله: {بفاحشة مبينة} [النساء : 19] يريد لا يدخلن من يكرهه أزواجهن ولا يغضبنهم.
وليس المراد بذلك الزنى؛ فإن ذلك محرم ويلزم عليه الحد.
وقد قال عليه الصلاة والسلام : (أضربوا النساء إذا عصينكم في معروف ضربا غير مبرح).
قال عطاء : قلت لابن عباس ما الضرب غير المبرح ؟ قال بالسواك ونحوه.
وروي أن عمر رضي الله عنه ضرب امرأته فعذل في ذلك فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (لا يسأل الرجل فيم ضرب أهله).
التاسعة: قوله تعالى: {فإن أطعنكم} أي تركوا النشوز.
{فلا تبغوا عليهن سبيلا} أي لا تجنوا عليهن بقول أو فعل.
وهذا نهي عن ظلمهن بعد تقرير الفضل عليهن والتمكين من أدبهن.
وقيل : المعنى لا تكلفوهن الحب لكم فإنه ليس إليهن.
العاشرة: قوله تعالى: {إن الله كان عليا كبيرا} إشارة إلى الأزواج بخفض الجناح ولين الجانب؛ أي إن كنتم تقدرون عليهن فتذكروا قدرة الله؛ فيده بالقدرة فوق كل يد.
فلا يستعلي أحد على امرأته فالله بالمرصاد فلذلك حسن الاتصاف، هنا بالعلو والكبر.
الحادية عشرة: وإذا ثبت هذا فاعلم.
أن الله عز وجل لم يأمر في شيء من كتابه بالضرب صراحا إلا هنا وفي الحدود العظام؛ فساوى معصيتهن بأزواجهن بمعصية الكبائر، وولى الأزواج ذلك دون الأئمة، وجعله لهم دون القضاة بغير شهود ولا بينات ائتمانا من الله تعالى للأزواج على النساء.
قال المهلب : إنما جوز ضرب النساء من أجل امتناعهن على أزواجهن في المباضعة.
واختلف في وجوب ضربها في الخدمة، والقياس يوجب أنه إذا جاز ضربها في المباضعة جاز ضربها في الخدمة الواجبة للزوج عليها بالمعروف.
وقال ابن خويزمنداد.
والنشوز يسقط النفقة وجميع الحقوق الزوجية، ويجوز معه أن يضربها الزوج ضرب الأدب غير المبرح، والوعظ والهجر حتى ترجع عن نشوزها، فإذا رجعت عادت حقوقها؛ وكذلك كل ما اقتضى الأدب فجائز للزوج تأديبها.
ويختلف الحال في أدب الرفيعة والدنيئة؛ فأدب الرفيعة العذل، وأدب الدنيئة السوط.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (رحم الله امرأ علق سوطه وأدب أهله).
وقال : (إن أبا جهم لا يضع عصاه عن عاتقه).
وقال بشار : الحر يلحى والعصا للعبد يلحى أي يلام؛ وقال ابن دريد : واللوم للحر مقيم رادع ** والعبد لا يردعه إلا العصا قال ابن المنذر : اتفق أهل العلم على وجوب نفقات الزوجات على أزواجهن إذا كانوا جميعا بالغين إلا الناشز منهن الممتنعة.
وقال أبو عمر : من نشزت عنه امرأته بعد دخوله سقطت عنه نفقتها إلا أن تكون حاملا.
وخالف ابن القاسم جماعة الفقهاء في نفقة الناشز فأوجبها.
وإذا عادت الناشز إلى زوجها وجب في المستقبل نفقتها.
ولا تسقط نفقة المرأة عن زوجها لشيء غير النشوز؛ لا من مرض ولا حيض ولا نفاس ولا صوم ولا حج ولا مغيب زوجها ولا حبسه عنها في حق أو جور غير ما ذكرنا.
والله أعلم.

تفسير ابن كثير يقول تعالى: {الرجال قوامون على النساء} أي الرجل قيم على المرأة، أي هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت {بما فضَّل اللّه بعضهم على بعض} أي لأن الرجال أفضل من النساء، والرجل خير من المرأة ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال، وكذلك الملك الاعظم لقوله صلى اللّه عليه وسلم :(لن يفلح قوم ولَّو أمرهم امرأة) رواه البخاري، وكذا منصب القضاء وغير ذلك {وبما أنفقوا من أموالهم} أي من المهور والنفقات والكلف التي أوجبها اللّه عليهم لهن في كتابه وسنّة نبيه صلى اللّه عليه وسلم، فالرجل أفضل من المرأة في نفسه، وله الفضل عليها والإفضال، فناسب أن يكون قيماً عليها كما قال اللّه تعالى: {وللرجال عليهن درجة} الآية، وقال ابن عباس: {الرجال قوامون على النساء} يعني أمراء عليهن، أي تطيعه فيما أمرها اللّه به من طاعته، وطاعتُه أن تكون محسنة لأهله حافظة لماله. وقال الحسن البصري: جاءت امرأة إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم تشكو أن زوجها لطمها، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :(القصاص) فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {الرجال قوامون على النساء} الآية. فرجعت بغير قصاص، وقد أسنده ابن مردويه عن علي قال: أتى رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم رجلٌ من الأنصار بامرأة له، فقالت: يا رسول اللّه إن زوجها فلان بن فلان الأنصاري وإنه ضربها فأثر في وجهها، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ليس له ذلك، فأنزل اللّه تعالى: {الرجال قوامون على النساء} أي في الأدب فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (أردت أمراً وأراد اللّه غيره) أورد ذلك كله ابن جرير. وقوله تعالى: {فالصالحات} أي من النساء {قانتات}، قال ابن عباس: يعني مطيعات لأزواجهن {حافظات للغيب} وقال السدي وغيره: أي تحفظ زوجها في غيبته في نفسها وماله، وقوله: {بما حفظ اللّه} أي المحفوظ من حفظه الله. عن أبي هريرة قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (خير النساء امرأة إذا نظرت إليها سرتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك)، قال: ثم قرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هذه الآية: {الرجال قوامون على النساء} إلى آخرها ""رواه ابن جرير وابن أبي حاتم""وقال الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن عوف قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها قيل لها ادخلي الجنة من أي الأبواب شئت) وقوله تعالى: {والاتي تخافون نشوزهن} أي النساء اللاتي تتخوفون أن ينشزن على أزواجهن، والنشوز هو الإرتفاع، فالمرأة الناشز هي المرتفعة على زوجها، التاركة لأمره، والمعرضة عنه، المبغضة له، فمتى ظهر له منها أمارات النشوز فليعظها، وليخوفها عقاب اللّه في عصيانه، فإن اللّه قد أوجب حق الزوج عليها طاعته، وحرم عليها معصيته لما له عليها من الفضل والإفضال، وقد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (لو كنت آمراً أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها) ""أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة""وروى البخاري عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، قال:، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت عليه لعنتها الملائكة حتى تصبح) ورواه مسلم ولفظه: (إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح)، ولهذا قال تعالى: {واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن}. وقوله تعالى: {واهجروهن في المضاجع } قال ابن عباس: الهجر هو أن لا يجامعها، ويضاجعها على فراشها ويوليها ظهره، وكذا قال غير واحد وزاد آخرون في رواية: ولا يكلمها مع ذلك ولا يحدثها، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: يعظها فإن هي قبلت، وإلا هجرها في المضجع ولا يكلمها من غير أن يرد نكاحها وذلك عليها شديد. وقال مجاهد والشعبي: الهجر هو أن لا يضاجعها. وفي السنن والمسند عن معاوية بن حيدة القشيري أنه قال: يا رسول اللّه ما حق امرأة أحدنا عليه؟ قال: (أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبّح، ولا تهجر إلا في البيت) وقوله: {واضربوهن} أي إذا لم يرتدعن بالموعظة ولا بالهجران، فلكم أن تضربوهن ضرباً غير مبرح، كما ثبت في صحيح مسلم عن جابر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال في حجة الوداع: (واتقوا اللّه في النساء فإنهن عندكم عوان -عوان: أي أسيرات، شبههنّ عليه السلام بالأسيرات شفقة ورحمة- ولكم عليهن أن لا يطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن فاضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف) وكذا قال ابن عباس وغير واحد: ضرباً غير مبرح. قال الحسن البصري: يعني غير مؤثر، قال الفقهاء: هو أن لا يكسر فيها عضواً ولا يؤثر فيها شيناً، وقال ابن عباس: يهجرها في المضجع فإن أقبلت وإلا فقد أذن اللّه لك أن تضربها ضرباً غير مبرح، ولا تكسر لها عظماً فإن أقبلت، وإلا فقد أحل اللّه لك منها الفدية. وقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : (لا تضربوا إماء الله)، فجاء عمر رضي اللّه عنه إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: ذئرت النساء على أزواجهن، فرخص رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في ضربهن، فأطاف بآل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نساء كثير يشتكين أزواجهن، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (لقد أطاف بآل محمد نساء كثير يشتكين من أزواجهن ليس أولئك بخياركم) ""رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة"" وقوله تعالى: {فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا} أي إذا أطاعت المرأة زوجها في جميع ما يريده منها، مما أباحه اللّه له منها فلا سبيل له عليها بعد ذلك، وليس له ضربها ولا هجرانها. وقوله: {إن اللّه كان علياً كبيراً} تهديد للرجال إذا بغوا على النساء من غير سبب، فإن اللّه العلي الكبير وليهُنَّ، وهو ينتقم ممن ظلمهُنَّ وبغى عليهن.

ِترجمة معني الآية

ِاردو | Espanol | Française | English | Malaysian | Indonesian | বাঙালি