نتيجة البحث: تفسير الآية و صورتها و تلاوتها


سورة التحريم آية 1
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ

التفسير الميسر يا أيها النبي لِمَ تمنع نفسك عن الحلال الذي أحله الله لك، تبتغي إرضاء زوجاتك؟ والله غفور لك، رحيم بك.

تفسير الجلالين
سورة التحريم 1 - (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك) من أمتك مارية القبطية لما واقعها في بيت حفصة وكانت غائبة فجاءت وشق عليها كون ذلك في بيتها وعلى فراشها حيث قلت هي حرام علي (تبتغي) بتحريمها (مرضات أزواجك) أي رضاهن (والله غفور رحيم) غفر لك هذا التحريم

تفسير القرطبي
قوله تعالى {يا أيها النبي لم تحرمُ ما أحل الله لك} فيه خمس مسائل: الأولى: قوله تعالى {يا أيها النبي لم تحرمُ ما أحل الله لك} "" ثبت في صحيح مسلم عن عائشة"" رضي لله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يمكث عند زينب بنت جحش فيشرب عندها عسلا، قالت فتواطأت أنا وحفصة أن أيتنا ما دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلتقل : إني أجد منك ريح مغافير! أكلت مغافير؟ فدخل على إحداهما فقالت له ذلك.
فقال : (بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش ولن أعود له).
فنزل {لم تحرم ما أحل الله لك} - إلى قوله - {إن تتوبا} (لعائشة وحفصة)، {وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا} [التحريم : 3] لقوله : (بل شربت عسلا).
وعنها أيضا قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلواء والعسل، فكان إذا صلي العصر دار على نسائه فيدنو منهن، فدخل على حفصة فاحتبس عندها أكثر مما كان يحتبس، فسألت عن ذلك فقيل لي : أهدت لها امرأة من قومها عكة من عسل، فسقت رسول الله صلى الله عليه وسلم منه شربة.
فقلت : أما والله لنحتالن له، فذكرت ذلك لسودة وقلت : إذا دخل عليك فإنه سيدنو منك فقولي له : يا رسول الله، أكلت مغافير؟ فإنه سيقول لك لا.
فقولي له : ما هذه الريح؟ - وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتد عليه أن يوجد منه الريح - فإنه سيقول لك سقتني حفصة شربة عسل.
فقولي له : جرست نحله العُرْفُط.
وسأقول ذلك له، وقوليه أنت يا صفية.
فلما دخل على سودة - قالت : تقول سودة والله الذي لا إله إلا هو لقد كدت أن أبادئه بالذي قلت لي، وإنه لعلى الباب، فرقا منك.
فلما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : يا رسول الله، أكلت مغافير؟ قال : (لا) قالت : فما هذه الريح؟ قال : (سقتني حفصة شربة عسل) قال : جرست نحله العرفط.
فلما دخل علي قلت له مثل ذلك.
ثم دخل على صفية فقالت بمثل ذلك.
فلما دخل على حفصة قال : يا رسول الله، ألا أسقك منه.
قال (لا حاجة لي به) قالت : تقول سودة سبحان الله! والله لقد حرمناه.
قالت : قلت لها اسكتي.
ففي هذه الرواية أن التي شرب عندها العسل حفصة.
وفي الأولى زينب.
وروي ابن أبي مليكة عن ابن عباس أنه شربه عند سودة.
وقد قيل : إنما هي أم سلمة، رواه أسباط عن السدي.
وقاله عطاء بن أبي مسلم.
ابن العربي : وهذا كله جهل أو تصور بغير علم.
فقال باقي نسائه حسدا وغيرة لمن شرب ذلك عندها : إنا لنجد منك ريح المغافير.
والمغافير : بقلة أو صمغة متغيرة الرائحة، فيها حلاوة.
واحدها مغفور، وجرست : أكلت.
والعرفط : نبت له ريح كريح الخمر.
وكان عليه السلام يعجبه أن يوجد منه الريح الطيبة أو يجدها، ويكره الريح الخبيثة لمناجاة الملك.
فهذا قول.
وقول آخر - أنه أراد بذلك المرأة التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يقبلها لأجل أزواجه، قاله ابن عباس وعكرمة.
والمرأة أم شريك.
وقول ثالث - إن التي حرم مارية القبطية، وكان قد أهداها له المقوقس ملك الإسكندرية.
قال ابن إسحاق : هي من كورة أنْصِنا من بلد يقال له حَفْن فواقعها في بيت حفصة.
روي الدارقطني عن ابن عباس عن عمر قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأم ولده مارية في بيت حفصة، فوجدته حفصة معها - وكانت حفصة غابت إلى بيت أبيها - فقالت له : تدخلها بيتي! ما صنعت بي هذا من بين نسائك إلا من هواني عليك.
فقال لها : (لا تذكري هذا لعائشة فهي علي حرام إن قربتها) قالت حفصة : وكيف تحرم عليك وهي جاريتك؟ فحلف لها ألا يقربها.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (لا تذكريه لأحد).
فذكرته لعائشة، فآلى لا يدخل على نسائه شهرا، فاعتزلهن تسعا وعشرين ليلة، فأنزل الله عز وجل {لم تحرم ما أحل الله لك} الآية.
الثانية: أصح هذه الأقوال أولها.
وأضعفها أوسطها.
قال ابن العربي (أما ضعفه في السند فلعدم عدالة رواته، وأما ضعفه في معناه فلأن رد النبي صلى الله عليه وسلم للموهوبة ليس تحريما لها، لأن من رد ما وهب له لم يحرم عليه، إنما حقيقة التحريم بعد التحليل.
وأما من روي أنه حرم مارية القبطية فهو أمثل في السند وأقرب إلى المعنى، لكنه لم يدون في الصحيح.
وروي مرسلا.
وقد روي ابن وهب عن مالك عن زيد بن أسلم قال : حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم أم إبراهيم فقال : (أنت علي حرام والله لا آتينك).
فأنزل الله عز وجل في ذلك {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك} وروي مثله ابن القاسم عنه.
وروي أشهب عن مالك قال : راجعت عمر امرأة من الأنصار في شيء فاقشعر من ذلك وقال : ما كان النساء هكذا! قال : بلى، وقد كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يراجعنه.
فأخذ ثوبه فخرج إلى حفصة فقال لها : أتراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت : نعم، ولو أعلم أنك تكره ما فعلت.
فلما بلغ عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هجر نساءه قال : رغم أنف حفصة.
وإنما الصحيح أنه كان في العسل وأنه شربه عند زينب، وتظاهرت عليه عائشة وحفصة فيه، فجرى ما جرى فحلف ألا يشربه وأسر ذلك.
ونزلت الآية في الجميع.
الثالثة: قوله تعالى {لم تحرم} إن كان النبي صلى الله عليه وسلم حرم ولم يحلف فليس ذلك بيمين عندنا.
ولا يحرم قول الرجل (هذا علي حرام) شيئا حاشا الزوجة.
وقال أبو حنيفة : إذا أطلق حمل على المأكول والمشروب دون الملبوس، وكانت يمينا توجب الكفارة.
وقال زفر : هو يمين في الكل حتى في الحركة والكون.
وعول المخالف على أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم العسل فلزمته الكفارة.
وقد قال الله تعالى {قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم} [التحريم : 2] فسماه يمينا.
ودليلنا قول الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا} [المائدة : 87]، وقوله تعالى {قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون}[يونس : 59].
فذم الله المحرم للحلال ولم يوجب عليه كفارة.
قال الزجاج : ليس لأحد أن يحرم ما أحل الله.
ولم يجعل لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يحرم إلا ما حرم الله عليه.
فمن قال لزوجته أو أمته : أنت علي حرام؛ ولم ينو طلاقا ولا ظهارا فهذا اللفظ يوجب كفارة اليمين.
ولو خاطب بهذا اللفظ جمعا من الزوجات والإماء فعليه كفارة واحدة.
ولو حرم على نفسه طعاما أو شيئا آخر لم يلزمه بذلك كفارة عند الشافعي ومالك.
وتجب بذلك كفارة عند ابن مسعود والثوري وأبي حنيفة.
الرابعة: واختلف العلماء في الرجل يقول لزوجته أنت علي حرام على ثمانية عشر قولا: أحدها : لا شيء عليه.
وبه قال الشعبي ومسروق وربيعة وأبو سلمة وأصبغ.
وهو عندهم كتحريم الماء والطعام؛ قال الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم} [المائدة : 87] والزوجة من الطيبات ومما أحل الله.
وقال تعالى {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام} [النحل : 116].
وما لم يحرمه الله فليس لأحد أن يحرمه، ولا أن يصير بتحريمه حراما.
ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لما أحله الله هو علي حرام.
وإنما امتنع من مارية ليمين تقدمت منه وهو قوله : (والله لا أقربها بعد اليوم) فقيل له : لم تحرم ما أحل الله لك؛ أي لم تمتنع منه بسبب اليمين.
يعني أقدم عليه وكفر.
وثانيها : أنها يمين يكفرها؛ قال أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعبدالله بن مسعود وابن عباس وعائشة - رضي الله عنهم - والأوزاعي؛ وهو مقتضى الآية.
قال سعيد بن جبير عن ابن عباس : إذا حرم الرجل عليه امرأته فإنما هي يمين يكفرها.
وقال ابن عباس : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة؛ يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان حرم جاريته فقال الله تعالى {لم تحرم ما أحل الله لك - إلى قوله تعالى - قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم} فكفر عن يمينه وصير الحرام يمينا.
خرجه الدارقطني.
وثالثها : أنها تجب فيها كفارة وليست بيمين؛ قاله ابن مسعود وابن عباس أيضا في إحدى روايتيه، والشافعي في أحد قوليه، وفي هذا القول نظر.
والآية ترده على ما يأتي.
ورابعها : هي ظهار؛ ففيها كفارة الظهار، قال عثمان وأحمد بن حنبل وإسحاق.
وخامسها : أنه إن نوى الظهار وهو ينوي أنها محرمة كتحريم ظهر أمه كان ظهارا.
وإن نوى تحريم عينها عليه بغير طلاق تحريما مطلقا وجبت كفارة يمين.
وإن لم ينو شيئا فعليه كفارة يمين، قاله الشافعي.
وسادسها : أنها طلقة رجعية، قاله عمر بن الخطاب والزهري وعبدالعزيز بن أبي سلمة وابن الماجشون.
وسابعها : أنها طلقة بائنة، قاله حماد بن أبي سليمان وزيد بن ثابت.
ورواه ابن خويز منداد عن مالك.
وثامنها : أنها ثلات تطليقات، قاله علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت أيضا وأبو هريرة.
وتاسعها : هي في المدخول بها ثلاث، وينوي في غير المدخول بها، قاله الحسن وعلي بن زيد والحكم.
وهو مشهور مذهب مالك.
وعاشرها : هي ثلاث؛ ولا ينوي بحال ولا في محل وإن لم يدخل؛ قاله عبدالملك في المبسوط، وبه قال ابن أبي ليلى.
وحادي عشرها : هي في التي لم يدخل بها واحدة، وفي التي دخل بها ثلاث؛ قاله أبو مصعب ومحمد بن عبدالحكم.
وثاني عشرها : أنه إن نوى الطلاق أو الظهار كان ما نوى.
فإن نوى الطلاق فواحدة بائنة إلا أن ينوي ثلاثا.
فإن نوى ثنتين فواحدة.
فإن لم ينو شيئا كانت يمينا وكان الرجل موليا من امرأته؛ قاله أبو حنيفة وأصحابه.
وبمثله قال زفر؛ إلا أنه قال : إذا نوى اثنتين ألزمناه.
وثالث عشرها : أنه لا تنفعه نية الظهار وإنما يكون طلاقا؛ قاله ابن القاسم.
ورابع عشرها : قال يحيى بن عمر : يكون طلاقا؛ فإن ارتجعها لم يجز له وطؤها حتى يكفر كفارة الظهار.
وخامس عشرها : إن نوى الطلاق فما أراد من أعداده.
وإن نوى واحدة فهي رجعية.
وهو قول الشافعي رضي الله عنه.
وروي مثله عن أبي بكر وعمر وغيرهم من الصحابة والتابعين.
وسادس عشرها : إن نوى ثلاثا فثلاثا، وإن واحدة فواحدة.
وإن نوى يمينا فهي يمين.
وإن لم ينو شيئا فلا شيء عليه.
وهو قول سفيان.
وبمثله قال الأوزاعي وأبو ثور؛ إلا أنهما قالا : إن لم ينو شيئا فهي واحدة.
وسابع عشرها : له نيته ولا يكون أقل من واحدة؛ قاله ابن شهاب.
وإن لم ينو شيئا لم يكن شيء؛ قال ابن العربي.
ورأيت لسعيد بن جبير وهو : الثامن عشر : أن عليه عتق رقبة وإن لم يجعلها ظهارا.
ولست أعلم لها وجها ولا يبعد في المقالات عندي.
قلت : قد ذكره الدارقطني في سننه عن ابن عباس فقال : حدثنا الحسين بن إسماعيل قال حدثنا محمد بن منصور قال حدثنا روح قال : حدثنا سفيان الثوري عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه أتاه رجل فقال : إني جعلت امرأتي علي حراما.
فقال : كذبت! ليست عليك بحرام؛ ثم تلا {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك} عليك أغلظ الكفارات : عتق رقبة.
وقد قال جماعة من أهل التفسير : إنه لما نزلت هذه الآية كفر عن يمينه بعتق رقبة، وعاد إلى مارية صلى الله عليه وسلم؛ قاله زيد بن أسلم وغيره.
الخامسة: قال علماؤنا : سبب الاختلاف في هذا الباب أنه ليس في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم نص ولا ظاهر صحيح يعتمد عليه في هذه المسألة، فتجاذبها العلماء لذلك.
فمن تمسك بالبراءة الأصلية فقال : لا حكم، فلا يلزم بها شيء.
وأما من قال إنها يمين؛ فقال : سماها الله يمينا.
وأما من قال : تجب فيها كفارة وليست بيمين؛ فبناه على أحد أمرين : أحدهما : أنه ظن أن الله تعالى أوجب الكفارة فيها وإن لم تكن يمينا.
والثاني : أن معنى اليمين عنده التحريم، فوقعت الكفارة على المعنى.
وأما من قال : إنها طلقة رجعية؛ فإنه حمل اللفظ على أقل وجوهه، والرجعية محرمة الوطء كذلك؛ فيحمل اللفظ عليه.
وهذا يلزم مالكا، لقوله : إن الرجعية محرمة الوطء.
وكذلك وجه من قال : إنها ثلاث، فحمله على أكبر معناه وهو الطلاق الثلاث.
وأما من قال : إنه ظهار، فلأنه أقل درجات التحريم، فإنه تحريم لا يرفع النكاح.
وأما من قال : إنه طلقة بائنة، فعول على أن الطلاق الرجعي لا يحرم المطلقة، وأن الطلاق البائن يحرمها.
وأما قول يحيى بن عمر فإنه احتاط بأن جعله طلاقا، فلما ارتجعها احتاط بأن يلزمه الكفارة.
ابن العربي (وهذا لا يصح، لأنه جمع بين المتضادين، فإنه لا يجتمع ظهار وطلاق في معنى لفظ واحد، فلا وجه للاحتياط فيما لا يصح اجتماعه في الدليل.
وأما من قال : إنه ينوى في التي لم يدخل بها، فلأن الواحدة تبينها وتحرمها شرعا إجماعا.
وكذلك قال من لم يحكم باعتبار نيته : إن الواحدة تكفي قبل الدخول في التحريم بالإجماع، فيكفي أخذا بالأقل المتفق عليه.
وأما من قال : إنه ثلاث فيهما، فلأنه أخذ بالحكم الأعظم، فإنه لو صرح بالثلاث لنفذت في التي لم يدخل بها نفوذها في التي دخل بها.
ومن الواجب أن يكون المعنى مثله وهو التحريم) .
والله أعلم.
وهذا كله في الزوجة.
وأما في الأمة فلا يلزم فيها شيء من ذلك، إلا أنه ينوي به العتق عند مالك.
وذهب عامة العلماء إلى أن عليه كفارة يمين.
ابن العربي.
والصحيح أنها طلقة واحدة، لأنه لو ذكر الطلاق لكان أقله وهو الواحدة إلا أن يعدده.
كذلك إذا ذكر التحريم يكون أقله إلا أن يقيده بالأكثر، مثل أن يقول أنت علي حرام إلا بعد زوج، فهذا نص على المراد.
قلت : أكثر المفسرين على أن الآية نزلت في حفصة لما خلا النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها بجاريته؛ ذكره الثعلبي.
وعلى هذا فكأنه قال : لا يحرم عليك ما حرمته على نفسك ولكن عليك كفارة يمين، وإن كان في تحريم العسل والجارية أيضا.
فكأنه قال : لم يحرم عليك ما حرمته، ولكن ضممت إلى التحريم يمينا فكفر عن اليمين.
وهذا صحيح، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حرم ثم حلف، كما ذكره الدارقطني.
وذكر البخاري معناه في قصة العسل عن عبيد بن عمير عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب عند زينب بنت جحش عسلا ويمكث عندها، فتواطأت أنا وحفصة على أيتنا دخل عليها فلتقل : أكلت مغافير؟ إني لأجد منك ريح مغافير! قال : (لا ولكن شربت عسلا ولن أعود له وقد حلفت لا تخبري بذلك أحدا).
يبتغي مرضات أزواجه.
فيعني بقوله : (ولن أعود له) على جهة التحريم.
وبقوله : (حلفت) أي بالله، بدليل أن الله تعالى أنزل عليه عند ذلك معاتبته على ذلك، وحوالته على كفارة اليمين بقوله تعالى {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك} يعني العسل المحرم بقوله : (لن أعود له).
{تبتغي مرضات أزواجك} أي تفعل ذلك طلبا لرضاهن.
{والله غفور رحيم} غفور لما أوجب المعاتبة، رحيم برفع المؤاخذة.
وقد قيل : إن ذلك كان ذنبا من الصغائر.
والصحيح أنه معاتبة على ترك الأولى، وأنه لم تكن له صغيرة ولا كبيرة.

تفسير ابن كثير اختلف في سبب نزول صدر هذه السورة، فقيل: نزلت في شأن مارية وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد حرمها فنزل قوله تعالى: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل اللّه لك} الآية، روى النسائي، عن أنَس أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كانت له أمة يطؤها فلم تزل به عائشة وحفصة، حتى حرمها، فأنزل اللّه عزَّ وجلَّ: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل اللّه لك} إلى آخر الآية ""أخرجه النسائي في سننه""، وروى ابن جرير، عن زيد بن أسلم أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أصاب أُم إبراهيم في بيت بعض نسائه، فقالت: أي رسول اللّه في بيتي وعلى فراشي؟ فجعلها عليه حراماً، فقالت: أي رسول اللّه كيف يحرم عليك الحلال؟ فحلف لها باللّه لا يصيبها، فأنزل اللّه تعالى: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل اللّه لك} ""رواه ابن جرير""؟! وعن مسروق قال: آلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وحرم، فعوقب في التحريم، وأُمر بالكفارة باليمين ""رواه ابن جرير أيضاً""، وعن سعيد بن جبير: أن ابن عباس كان يقول في الحرام يمين تكفرها، وقال ابن عباس: {لقد كان لكم في رسول اللّه أسوة حسنة} يعني أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حرم جاريته، فقال اللّه تعالى: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل اللّه لك} إلى قوله {قد فرض اللّه لكم تحلة أيمانكم} فكفّر يمينه فصيّر الحرام يميناً ""أخرجه ابن جرير، ورواه البخاري عن ابن عباس بنحوه""، ومن ههنا قال بعض الفقهاء بوجوب الكفارة على من حرّم جاريته، أو زوجته، أو طعاماً أو شراباً، أو شيئاً من المباحات وهو مذهب الإمام أحمد، وذهب الشافعي إلى أنه لا تجب الكفارة فيما عدا الزوجة والجارية إذا حرم عينيهما، فأما إن نوى بالتحريم طلاق الزوجة أو عتق الأمَة نفذ فيهما، والآية نزلت في تحريمه العسل كما روى البخاري عن عائشة قالت: كان النبي صلى اللّه عليه وسلم يشرب عسلاً عند زينب بنت جحش ويمكث عندها، فتواطأت أنا وحفصة على أيتنا دخل عليها فلتقل له: أكلت مغافير؟ إني أجد منك ريح مغافير، قال: (لا ولكني كنت أشرب عسلاً عند زينب بنت جحش، فلن أعود له، وقد حلفت لا تخبري بذلك أحداً) {تبتغي مرضات أزواجك} ""أخرجه البخاري ومسلم، واللفظ للبخاري"". وقال البخاري في (كتاب الطلاق) عن عائشة قالت: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يحب الحلوى والعسل، وكان إذا انصرف من العصر دخل على نسائه فيدنو من إحداهن، فدخل على حفصة بنت عمر فاحتبس أكثر ما كان يحتبس، فغرت، فسألت عن ذلك فقيل لي أهدت لها امرأة من قومها عكة عسل، فسقت النبي صلى اللّه عليه وسلم منه شربة، فقلت: أما واللّه لنحتالنَّ له، فقلت لسودة بنت زمعة: إنه سيدنو منك، فإذا دنا فقولي: أكلت مغافير، فإنه سيقول لا، فقولي له: ما هذه الريح التي أجد؟ سيقول لك سقتني حفصة شربة عسل، فقولي: جرست نحله العرفط وسأقول ذلك، وقولي له أنت يا صفية ذلك، قالت، تقول سودة: فواللّه ما هو إلا أن قام على الباب، فأردت أن أناديه بما أمرتني فرقاً منك، فلما دنا منها، قالت له سودة: يا رسول اللّه أكلت مغافير؟ قال: (لا)، قالت: فما هذه الريح التي أجد منك؟ قال: (سقتني حفصة شربة عسل)، قالت: جرست نحلة العرفط، فلما دار إليّ، قلت نحو ذلك، فلما دار إلى صفية قالت له مثل ذلك، فلما دار إلى حفصة قالت له: يا رسول اللّه ألا أسقيك منه؟ قال: (لا حاجة لي فيه)، قالت: تقول سودة واللّه لقد حرمناه، قلت لها: اسكتي. هذا لفظ البخاري ولمسلم، قالت: وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يشتد عليه أن يوجد منه الريح، يعني الريح الخبيثة، ولهذا قلن له أكلت مغافير لأن ريحها فيه شيء، فلما قال: (بل شربت عسلاً) قلن: جرست نحلة العرفط، أي رعت نحله شجر العرفط الذي صمغه المغافير، فلهذا ظهر ريحه في العسل الذي شربته، قال الجوهري: جرست النحل العرفط إذا أكلته، ومنه قيل للنحل جوارس، وفي رواية عن عائشة أن زينب بنت جحش هي التي سقته العسل، وأن عائشة وحفصة تواطأتا وتظاهرتا عليه فاللّه أعلم، وقد يقال إنهما واقعتان، ولا بعد في ذلك إلا أن كونهما سبباً لنزول هذه الآية فيه نظر، واللّه أعلم. ومما يدل على أن عائشة وحفصة رضي اللّه عنهما هما المتظاهرتان الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن ابن عباس قال: لم أزل حريصاً على أن أسأل عمر عن المرأتين من أزواج النبي صلى اللّه عليه وسلم اللتين قال اللّه تعالى: {إن تتوبا إلى اللّه فقد صغت قلوبكما} حتى حج عمر وحججت معه، فلما كان ببعض الطريق عدل عمر، وعدلت معه بالإداوة، فتبرز ثم أتاني، فسكبت على يديه فتوضأ، فقلت: يا أمير المؤمنين: من المرأتان من أزواج النبي صلى اللّه عليه وسلم اللتان قال اللّه تعالى: {إن تتوبا إلى اللّه فقد صغت قلوبكما}؟ فقال عمر: واعجباً لك يا ابن عباس، قال الزهري: كره واللّه ما سأله عنه ولم يكتمه، قال: هي عائشة وحفصة قال: ثم أخذ يسوق الحديث، قال: كنا معشر قريش قوماً نغلب النساء، فلما قدمنا المدينة وجدنا قوماً تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم، قال: وكان منزلي في دار أُميَّة بن زيد بالعوالي، فغضبت يوماً على امرأتي، فإذا هي تراجعني، فأنكرت أن تراجعني، فقالت: ما تنكر أن أراجعك فواللّه إن أزواج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ليراجعنه، وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل، قال: فانطلقت فدخلت على حفصة، فقلت: أتراجعين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؟ قالت: نعم، قلت: وتهجره إحداكنّ اليوم إلى الليل؟ قالت: نعم، قلت: قد خاب من فعل ذلك منكن وخسر، أفتأمن إحداكن أن يغضب اللّه عليها لغضب رسوله، فإذا هي قد هلكت، لا تراجعي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ولا تسأليه شيئاً، وسليني من مالي ما بدا لك، ولا يغرنك أن كانت جارتك هي أوسم أي أجمل وأحب إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، منك - يريد عائشة - ، قال: وكان لي جار من الأنصار، وكنا نتتاوب النزول إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ينزل يوماً وأنزل يوماً، فيأتيني بخبر الوحي وغيره وآتيه بمثل ذلك، قال: وكنا نتحدث أن غسان تنعل الخيل لتغزونا، فنزل صاحبي يوماً، ثم أتى عشاء، فضرب بابي، ثم ناداني، فخرجت إليه، فقال: حدث أمر عظيم، فقلت: وما ذاك، أَجاءت غسان؟ قال: لا، بل أعظم من ذلك وأطول، طلق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نساءه، فقلت: قد خابت حفصة وخسرت، قد كنت أظن هذا كائناً، حتى إذا صليت الصبح شددت عليَّ ثيابي، ثم نزلت، فدخلت على حفصة وهي تبكي، فقلت: أطلقكن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ؟ فقالت: لا أدري، هو هذا معتزل في هذه المشربة، فأتيت غلاماً له أسود، فقلت: استأذن لعمر، فدخل الغلام ثم خرج إلي فقال: ذكرتك له فصمت، فانطلقت حتى أتيت المنبر، فإذا عنده رهط جلوس يبكي بعضهم، فجلست عنده قليلاً، ثم غلبني ما أجد فأتيت الغلام، فقلت: استأذن لعمر، فدخل ثم خرج إلي، فقال: قد ذكرتك له فصمت فخرجت فجلست إلى المنبر، ثم غلبني ما أجد، فأتيت الغلام فقلت: استأذن لعمر، فدخل ثم خرج إلي فقال: قد ذكرتك له فصمت فوليت مدبراً، فإذا الغلام يدعوني، فقال: ادخل قد أذن لك، فدخلت فسلمت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فإذا هو متكئ على رمال حصير وقد أثر في جنبه، فقلت: أطلقت يا رسول اللّه نساءك؟ فرفع رأسه إليّ، وقال: (لا)، فقلت: اللّه أكبر، ولو رأيتنا يا رسول اللّه وكنا معشر قريش قوماً نغلب النساء، فلما قدمنا المدينة وجدنا قومهم تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم، فغضبت على امرأتي يوماً، فإذا هي تراجعني، فأنكرت أن تراجعني، فقالت: ما تنكر أن أراجعك؟ فواللّه إن أزواج النبي صلى اللّه عليه وسلم ليراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل، فقلت قد خاب من فعل ذلك منكن وخسرت، أفتأمن إحداكن أن يغضب اللّه عليها لغضب رسوله، فإذا هي قد هلكت؟ فتبسم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقلت: يا رسول اللّه قد دخلت على حفصة، فقلت: لا يغرنك أن كانت جارتك هي أوسم أو أحب إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم منك، فتبسم أُخْرى، فقلت: أستأنس يا رسول اللّه؟ قال: (نعم)، فجلست فرفعت رأسي في البيت فواللّه ما رأيت في البيت شيئاً يرد البصر إلا أهب مقامه، فقلت: ادع اللّه يا رسول اللّه أن يوسع على أُمتك، فقد وسع على فارس والروم، وهم لا يعبدون اللّه، فاستوى جالساً وقال: (أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا)، فقلت: استغفر لي يا رسول اللّه، وكان أقسم ألا يدخل عليهن شهراً من شدة موجدته عليهن، حتى عاتبه اللّه عزَّ وجلَّ. وروى البخاري عن أنَس قال، قال عمر: اجتمع نساء النبي صلى اللّه عليه وسلم في الغيرة عليه فقلت لهن: {عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن} فنزلت هذه الآية، وقد تقدم أنه وافق القرآن في أماكن منها في نزول الحجاب ومنها في أسارى بدر، ومنها قوله: لو اتخذتَ من مقام إبراهيم مصلى، فأنزل اللّه تعالى: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} ""أخرجه البخاري في صحيحه"". وقد تبين مما أوردناه تفسير هذه الآيات الكريمات، ومعنى قوله: {مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات} ظاهر، وقوله تعالى: {سائحات} أي صائمات قاله ابن عباس وعكرمة ومجاهد، وتقدم فيه حديث مرفوع، ولفظه (سياحة هذه الأمة الصيام)، وقال زيد بن أسلم {سائحات} أي مهاجرات، وتلا {السائحون} أي المهاجرون، والقول الأول أولى، واللّه أعلم. وقوله تعالى: {ثيبات وأبكاراً} أي منهن ثيبات، ومنهن أبكاراً، ليكون ذلك أشهى إلى النفس، فإن التنوع يبسط النفس، ولهذا قال: {ثيبات وأبكاراً} أي منهن ثيبات، ومنهن أبكار، ليكون ذلك أشهى إلى النفس، فإن التنوع يبسط النفس، ولهذا قال: {ثيبات وأبكار} قال: وعد اللّه نبيه صلى اللّه عليه وسلم في هذه الآية أن يزوجه، فالثيب آسية امرأة فرعون، وبالأبكار مريم بنت عمران ""رواه الحافظ الطبراني في المعجم الكبير""، وذكر الحافظ ابن عساكر، عن ابن عمر قال: جاء جبريل إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فمرت خديجة فقال: (إن اللّه يقرؤها السلام ويبشرها ببيت في الجنة من قصب، بعيد من اللهب لا نصب فيه ولا صخب، من لؤلؤة جوفاء بين بيت مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم) ""أخرجه ابن عساكر في ترجمة مريم عليها السلام"".

ِترجمة معني الآية

ِاردو | Espanol | Française | English | Malaysian | Indonesian | বাঙালি