نتيجة البحث: تفسير الآية و صورتها و تلاوتها


سورة النساء آية 29
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ۚ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا

التفسير الميسر يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، لا يحل لكم أن يأكل بعضكم مال بعض بغير حق، إلا أن يكون وَفْقَ الشرع والكسب الحلال عن تراض منكم، ولا يقتل بعضكم بعضًا فتهلكوا أنفسكم بارتكاب محارم الله ومعاصيه. إن الله كان بكم رحيمًا في كل ما أمركم به، ونهاكم عنه.

تفسير الجلالين
29 - (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) بالحرام في الشرع كالربا والغصب (إلا) لكن (أن تكون) تقع (تجارةٌ) وفي قراءة بالنصب ، أن تكون الأموال أموال تجارة صادرة (عن تراض منكم) وطيب نفس فلكم أن تأكلوها (ولا تقتلوا أنفسكم) بارتكاب ما يؤدي إلى هلاكها أيا كان في الدنيا أو الآخرة بقرينة (إن الله كان بكم رحيما) في منعه لكم من ذلك

تفسير القرطبي
فيه تسع مسائل: الأولى: قوله تعالى: {بالباطل} أي بغير حق.
ووجوه ذلك تكثر على ما بيناه؛ وقد قدمنا معناه في البقرة.
ومن أكل المال بالباطل بيع العربان؛ وهو أن يأخذ منك السلعة أو يكتري منك الدابة ويعطيك درهما فما فوقه، على أنه إن اشتراها أو ركب الدابة فهو من ثمن السلعة أو كراء الدابة؛ وإن ترك ابتياع السلعة أو كراء الدابة فما أعطاك فهو لك.
فهذا لا يصلح ولا يجوز عند جماعة فقهاء الأمصار من الحجازيين والعراقيين، لأنه من باب بيع القمار والغرر والمخاطرة، وأكل المال بالباطل بغير عوض ولا هبة، وذلك باطل بإجماع.
وبيع العربان مفسوخ إذا وقع على هذا الوجه قبل القبض وبعده، وترد السلعة إن كانت قائمة، فإن فاتت رد قيمتها يوم قبضها.
وقد روي عن قوم منهم ابن سيرين ومجاهد ونافع بن عبد الحارث وزيد بن أسلم أنهم أجازوا بيع العربان على ما وصفنا.
وكان زيد بن أسلم يقول : أجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر : هذا لا يعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه يصح، وإنما ذكره عبد الرزاق عن الأسلمي عن زيد بن أسلم مرسلا؛ وهذا ومثله ليس حجة.
ويحتمل أن يكون بيع العربان الجائز على ما تأوله مالك والفقهاء معه؛ وذلك أن يعربنه ثم يحسب عربانه من الثمن إذا اختار تمام البيع.
وهذا لا خلاف في جوازه عن مالك وغيره؛ وفي موطأ مالك عن الثقة عنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع العربان).
قال أبو عمر : قد تكلم الناس في الثقة عنده في هذا الموضع، وأشبه ما قيل فيه : أنه أخذه عن ابن لهيعة أو عن ابن وهب عن ابن لهيعة؛ لأن ابن لهيعة سمعه من عمرو بن شعيب ورواه عنه.
حدث به عن ابن لهيعة ابن وهب وغيره، وابن لهيعة أحد العلماء إلا أنه يقال : إنه احترقت كتبه فكان إذا حدث بعد ذلك من حفظه غلط.
وما رواه عنه ابن المبارك وابن وهب فهو عند بعضهم صحيح.
ومنهم من يضعف حديثه كله، وكان عنده علم واسع وكان كثير الحديث، إلا أن حاله عندهم كما وصفنا.
الثانية: قوله تعالى: {إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم} هذا استثناء منقطع، أي ولكن تجارة عن تراض.
والتجارة هي البيع والشراء؛ وهذا مثل قوله تعالى: {وأحل الله البيع وحرم الربا} [البقرة : 275] على ما تقدم.
وقرئ: "تجارة"، بالرفع أي إلا أن تقع تجارة؛ وعليه أنشد سيبويه : فدى لبني ذهل بن شيبان ناقتي ** إذا كان يوم ذو كواكب أشهب وتسمى هذه كان التامة؛ لأنها تمت بفاعلها ولم تحتج إلى مفعول.
وقرئ "تجارة" بالنصب؛ فتكون كان ناقصة؛ لأنها لا تتم بالاسم دون الخبر، فاسمها مضمر فيها، وإن شئت قدرته، أي إلا أن تكون الأموال أموال تجارة؛ فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، وقد تقدم هذا؛ ومنه قوله تعالى: {وإن كان ذو عسرة} [البقرة : 280].
الثالثة: قوله تعالى: {تجارة} التجارة في اللغة عبارة عن المعاوضة؛ ومنه الأجر الذي يعطيه البارئ سبحانه العبد عوضا عن الأعمال الصالحة التي هي بعض من فعله؛ قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم} [الصف : 10].
وقال تعالى: {يرجون تجارة لن تبور} [فاطر : 29].
وقال تعالى: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم} [التوبة : 111] الآية.
فسمى ذلك كله بيعا وشراء على وجه المجاز، تشبيها بعقود الأشربة والبياعات التي تحصل بها الأغراض، وهي نوعان : تقلب في الحضر من غير نقلة ولا سفر، وهذا تربص واحتكار قد رغب عنه أولو الأقدار، وزهد فيه ذوو الأخطار.
والثاني تقلب المال بالأسفار ونقله إلى الأمصار، فهذا أليق بأهل المروءة، وأعم جدوى ومنفعة، غير أنه أكثر خطرا وأعظم غررا.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (إن المسافر وماله لعلى قلت إلا ما وقى الله).
يعني على خطر.
وقيل : في التوراة يا ابن آدم، أحدث سفرا أحدث لك رزقا.
الطبري : وهذه الآية أدل دليل على فساد قول .
.
.
.
.
.
.
/.
الرابعة: اعلم أن كل معاوضة تجارة على أي وجه كان العوض إلا أن قوله "بالباطل" أخرج منها كل عوض لا يجوز شرعا من ربا أو جهالة أو تقدير عوض فاسد كالخمر والخنزير وغير ذلك.
وخرج منها أيضا كل عقد جائز لا عوض فيه؛ كالقرض والصدقة والهبة لا للثواب.
وجازت عقود التبرعات بأدلة أخرى مذكورة في مواضعها.
فهذان طرفان متفق عليهما.
وخرج منها أيضا دعاء أخيك إياك إلى طعامه.
روى أبو داود عن ابن عباس في قوله تعالى: {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم} فكان الرجل يحرج أن يأكل عند أحد من الناس بعد ما نزلت هذه الآية؛ فنسخ ذلك بالآية الأخرى التي في "النور"؛ فقال: {ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم} [النور : 61] إلى قوله: {أشتاتا}؛ فكان الرجل الغني يدعو الرجل من أهله إلى طعامه فيقول : إني لأجنح أن آكل منه - والتجنح الحرج ويقول : المسكين أحق به مني.
فأحل في ذلك أن يأكلوا مما ذكر اسم الله عليه، وأحل طعام أهل الكتاب.
الخامسة: لو اشتريت من السوق شيئا؛ فقال لك صاحبه قبل الشراء : ذقه وأنت في حل؛ فلا تأكل منه؛ لأن إذنه بالأكل لأجل الشراء؛ فربما لا يقع بينكما شراء فيكون ذلك شبهة، ولكن لو وصف لك صفة فاشتريته فلم تجده على تلك الصفة فأنت بالخيار.
السادسة: والجمهور على جواز الغبن في التجارة؛ مثل أن يبيع رجل ياقوتة به بدرهم وهي تساوي مائة فذلك جائز، وأن المالك الصحيح الملك جائز له أن يبيع ماله الكثير بالتافه اليسير، وهذا ما لا اختلاف فيه بين العلماء إذا عرف قدر ذلك، كما تجوز الهبة لو وهب.
واختلفوا فيه إذا لم يعرف قدر ذلك؛ فقال قوم : عرف قدر ذلك أو لم يعرف فهو جائز إذا كان رشيدا حرا بالغا.
وقالت فرقة : الغبن إذا تجاوز الثلث مردود، وإنما أبيح منه المتقارب المتعارف في التجارات، وأما المتفاحش الفادح فلا؛ وقال ابن وهب من أصحاب مالك رحمه الله.
والأول أصح؛ لقوله عليه السلام في حديث الأمة الزانية.
(فليبعها ولو بضفير) وقوله عليه السلام لعمر : (لا تبتعه يعني الفرس - ولو أعطاكه بدرهم واحد) وقوله عليه السلام : (دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض) وقوله عليه السلام : (لا يبع حاضر لباد) وليس فيها تفصيل بين القليل والكثير من ثلث ولا غيره.
السابعة: قوله تعالى: {عن تراض منكم} أي عن رضى، إلا أنها جاءت من المفاعلة إذ التجارة من اثنين.
واختلف العلماء في التراضي؛ فقالت طائفة : تمامه وجزمه بافتراق الأبدان بعد عقدة البيع، أو بأن يقول أحدهما لصاحبه : اختر؛ فيقول : قد اخترت، وذلك بعد العقدة أيضا فينجزم أيضا وإن لم يتفرقا؛ قاله جماعة من الصحابة والتابعين، وبه قال الشافعي والثوري والأوزاعي والليث وابن عيينة وإسحاق وغيرهم.
قال الأوزاعي : هما بالخيار ما لم يتفرقا؛ إلا بيوعا ثلاثة : بيع السلطان المغانم، والشركة في الميراث، والشركة في التجارة؛ فإذا صافقه في هذه الثلاثة فقد وجب البيع وليسا فيه بالخيار.
وقال : وحد التفرقة أن يتوارى كل واحد منهما عن صاحبه؛ وهو قول أهل الشام.
وقال الليث : التفرق أن يقوم أحدهما.
وكان أحمد بن حنبل يقول : هما بالخيار أبدا ما لم يتفرقا بأبدانهما، وسواء قالا : اخترنا أو لم يقولاه حتى يفترقا بأبدانهما من مكانهما؛ وقال الشافعي أيضا.
وهو الصحيح في هذا الباب للأحاديث الواردة في ذلك.
وهو مروي عن ابن عمر وأبي برزة وجماعة من العلماء.
وقال مالك وأبو حنيفة : تمام البيع هو أن يعقد البيع بالألسنة فينجزم العقد بذلك ويرتفع الخيار.
قال محمد بن الحسن : معنى قوله في الحديث (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا) أن البائع إذا قال : قد بعتك، فله أن يرجع ما لم يقل المشتري قد قبلت.
وهو قول أبي حنيفة، ونص مذهب مالك أيضا، حكاه ابن خويزمنداد.
وقيل : ليس له أن يرجع.
وقد مضى في "البقرة".
واحتج الأولون بما ثبت من حديث سمرة بن جندب وأبي برزة وابن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص وأبي هريرة وحكيم بن حزام وغيرهم عن النبي صلى الله عليه وسلم (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يقول أحدهما لصاحبه أختر).
رواه أيوب عن نافع عن ابن عمر؛ فقوله عليه السلام في هذه الرواية : (أو يقول أحدهما لصاحبه اختر) هو معنى الرواية الأخرى (إلا بيع الخيار) وقوله : (إلا أن يكون بيعهما عن خيار) ونحوه.
أي يقول أحدهما بعد تمام البيع لصاحبه : اختر إنفاذ البيع أو فسخه؛ فإن اختار إمضاء البيع تم البيع بينهم وإن لم يتفرقا.
وكان ابن عمر وهو راوي الحديث إذا بايع أحدا وأحب أن ينفذ البيع مشى قليلا ثم رجع.
وفي الأصول : إن من روى حديثا فهو أعلم بتأويله، لا سيما الصحابة إذ هم أعلم بالمنال وأقعد بالحال.
وروى أبو داود والدارقطني عن أبي الوضيء قال : كنا في سفر في عسكر فأتى رجل معه فرس فقال له رجل منا : أتبيع هذا الفرس بهذا الغلام ؟ قال : نعم؛ فباعه ثم بات معنا، فلما أصبح قام إلى فرسه، فقال له صاحبنا : مالك والفرس ! أليس قد بعتنيها ؟ فقال : ما لي في هذا البيع من حاجة.
فقال : مالك ذلك، لقد بعتني.
فقال لهما القوم : هذا أبو برزة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتياه؛ فقال لهما : أترضيان بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالا : نعم.
فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا) وإني لا أراكما افترقتما.
فهذان صحابيان قد علما مخرج الحديث وعملا بمقتضاه، بل هذا كان عمل الصحابة.
قال سالم : قال ابن عمر : كنا إذا تبايعنا كان كل واحد منا بالخيار ما لم يفرق المتبايعان.
قال : فتبايعت أنا وعثمان فبعته مالي بالوادي بمال له بخيبر؛ قال : فلما بعته طفقت أنكص القهقرى، خشية أن يرادني عثمان البيع قبل أن أفارقه.
أخرجه الدارقطني ثم قال : إن أهل اللغة فرقوا بين فرقت مخففا وفرقت مثقلا؛ فجعلوه بالتخفيف في الكلام وبالتثقيل في الأبدان.
قال أحمد بن يحيى ثعلب : أخبرني ابن الأعرابي عن المفضل قال : يقال فرقت بين الكلامين مخففا فافترقا وفرقت بين اثنين مشددا فتفرقا؛ فجعل الافتراق في القول، والتفرق في الأبدان.
احتجت المالكية بما تقدم بيانه في آية الدين، وبقوله تعالى{أوفوا بالعقود} [المائدة : 1] وهذان قد تعاقدا.
وفي هذا الحديث إبطال الوفاء بالعقود.
قالوا : وقد يكون التفرق بالقول كعقد النكاح ووقوع الطلاق الذي قد سماه الله فراقا؛ قال الله تعالى: {وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته} [النساء : 130] وقال تعالى: {ولا تكونوا كالذين تفرقوا} [آل عمران : 105] وقال عليه السلام : (تفترق أمتي) ولم يقل بأبدانها.
وقد روى الدارقطني وغيره عن عمرو بن شعيب قال : سمعت شعيبا يقول : سمعت عبد الله بن عمرو يقول : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (أيما رجل ابتاع من رجل بيعة فإن كل واحد منهما بالخيار حتى يتفرقا من مكانهما إلا أن تكون صفقة خيار فلا يحل لأحدهما أن يفارق صاحبه مخافة أن يقيله).
قالوا : فهذا يدل على أنه قد تم البيع بينهما قبل الافتراق؛ لأن الإقالة لا تصح إلا فيما قد تم من البيوع.
قالوا : ومعنى قوله (المتبايعان بالخيار) أي المتساومان بالخيار ما لم يعقدا فإذا عقدا بطل الخيار فيه.
والجواب : أما ما اعتلوا به من الافتراق بالكلام فإنما المراد بذلك الأديان كما بيناه في "آل عمران"، وإن كان صحيحا في بعض المواضع فهو في هذا الموضع غير صحيح.
وبيانه أن يقال : خبرونا عن الكلام الذي وقع به الاجتماع وتم به البيع، أهو الكلام الذي أريد به الافتراق أم غيره ؟ فإن قالوا : هو غيره فقد أحالوا وجاؤوا بما لا يعقل؛ لأنه ليس ثم كلام غير ذلك.
وإن قالوا : هو ذلك الكلام بعينه قيل لهم : كيف يجوز أن يكون الكلام الذي به اجتمعا وتم به بيعهما، به افترقا، هذا عين المحال والفاسد من القول.
وأما قوله : (ولا يحل له أن يفارق صاحبه مخافة أن يقيله) فمعناه - إن صح - على الندب؛ بدليل قوله عليه السلام.
(من أقال مسلما أقاله الله عثرته) وبإجماع المسلمين على أن ذلك يحل لفاعله على خلاف ظاهر الحديث، ولإجماعهم أنه جائز له أن يفارقه لينفذ بيعه ولا يقيله إلا أن يشاء.
وفيما أجمعوا عليه من ذلك رد لرواية من روى (لا يحل) فإن لم يكن وجه هذا الخبر الندب، وإلا فهو باطل بالإجماع.
وأما تأويل "المتبايعان" بالمتساومين فعدول عن ظاهر اللفظ، وإنما معناه المتبايعان بعد عقدهما مخيران ما داما في مجلسهما، إلا بيعا يقول أحدهما لصاحبه فيه : اختر فيختار؛ فإن الخيار ينقطع بينهما وإن لم يتفرقا؛ فإن فرض خيار فالمعنى : إلا بيع الخيار فإنه يبقى الخيار بعد التفرد بالأبدان.
وتتميم هذا الباب في كتب الخلاف.
وفي قول عمرو بن شعيب "سمعت أبي يقول" دليل على صحة حديثه؛ فسن الدارقطني قال حدثنا أبو بكر النيسابوري حدثنا محمد بن علي الوراق قال : قلت لأحمد بن حنبل : شعيب سمع من أبيه شيئا ؟ قال : يقول حدثني أبي.
قال : فقلت : فأبوه سمع من عبد الله بن عمرو؟ قال : نعم، أراه قد سمع منه.
قال الدارقطني سمعت أبا بكر النيسابوري يقول : هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، وقد صح سماع عمرو بن شعيب من أبيه شعيب وسماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو.
الثامنة: روى الدارقطني عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (التاجر الصدوق الأمين المسلم مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة).
ويكره للتاجر أن يحلف لأجل ترويج السلعة وتزيينها، أو يصلي على الني صلى الله عليه وسلم في عرض سلعته؛ وهو أن يقول : صلى الله على محمد ! ما أجود هذا.
ويستحب للتاجر ألا تشغله تجارته عن أداء الفرائض؛ فإذا جاء وقت الصلاة ينبغي أن يترك تجارته حتى يكون من أهل هذه الآية: {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله} [النور : 37] وسيأتي.
التاسعة: وفي هذه الآية مع الأحاديث التي ذكرناها ما يرد قول من ينكر طلب الأقوات بالتجارات والصناعات من المتصوفة الجهلة؛ لأن الله تعالى حرم أكلها بالباطل وأحلها بالتجارة، وهذا بين.
قوله تعالى: {ولا تقتلوا أنفسكم} فيه مسألة واحدة - قرأ الحسن: "تُقَتِّلوا" على التكثير.
وأجمع أهل التأويل على أن المراد بهذه الآية النهي أن يقتل بعض الناس بعضا.
ثم لفظها يتناول أن يقتل الرجل نفسه بقصد منه للقتل في الحرص على الدنيا وطلب المال بأن يحمل نفسه على الغرر المؤدي إلى التلف.
ويحتمل أن يقال: "ولا تقتلوا أنفسكم" في حال ضجر أو غضب؛ فهذا كله يتناول النهي.
وقد احتج عمرو بن العاص بهذه الآية حين امتنع من الاغتسال بالماء البارد حين أجنب في غزوة ذات السلاسل خوفا على نفسه منه؛ فقرر النبي صلى الله عليه وسلم احتجاجه وضحك عنده ولم يقل شيئا.
خرجه أبو داود وغيره، وسيأتي.

تفسير ابن كثير ينهى تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن أن يأكلوا أموال بعضهم بعضاً بالباطل، أي بأنواع المكاسب التي هي غير شرعية كأنواع الربا والقمار وما جرى مجرى ذلك من سائر صنوف الحيل، وإن ظهرت في قلب الحكم الشرعي مما يعلم اللّه أن متعاطيها إنما يريد الحيلة على الربا، حتى قال ابن جرير، عن ابن عباس في الرجل يشتري من الرجل الثوب فيقول: إن رضيته أخذته وإلا رددت معه درهماً، قال: هو الذي قال اللّه عزّ وجلَّ فيه: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} وعن علقمة بن عبد اللّه في الآية قال: إنها محكمة ما نسخت ولا تنسخ إلى يوم القيامة، وقال ابن عباس: لما أنزل الله: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} قال المسلمون: إن اللّه قد نهانا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل والطعام هو أفضل أموالنا، فلا يحل لأحد منا أن يأكل عند أحد فكيف للناس؟! فأنزل اللّه بعد ذلك: {ليس على الأعمى حرج} الآية. وقوله تعالى: {إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم} الاستثناء منقطع كأنه يقول: لا تتعاطوا الأسباب المحرمة في اكتساب الأموال، لكن المتاجر المشروعة التي تكون عن تراض من البائع والمشتري فافعلوها، وتسببوا بها في تحصيل الأموال، كما قال تعالى: {ولا تقتلوا النفس التي حرم اللّه إلا بالحق}، وكقوله: {لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى}، ومن هذه الآية الكريمة احتج الشافعي على أنه لا يصح البيع إلا بالقبول لأنه يدل على التراضي نصاً بخلاف المعاطاة فإنها قد لا تدل على الرضا، وخالف الجمهور في ذلك مالك وأبو حنيفة وأحمد فرأوا أن الأقوال كما تدل على التراضي، فكذلك الأفعال تدل في بعض المحال قطعاً، فصححوا بيع المعاطاة مطلقاً، ومنهم من قال: يصح في المحقرات وفيما يعده الناس بيعاً، وهو احتياط نظر من محققي المذهب واللّه أعلم. وقال مجاهد: {إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم} بيعاً أو عطاء يعطيه أحد أحداً، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (البيع عن تراض، والخيار بعد الصفقة، ولا يحل لمسلم أن يغش مسلماً) ""أخرجه ابن جرير هذا حديث مرسل، ومن تمام التراضي إثبات خيار المجلس كما ثبت في الصحيحين أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (البيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا)، وفي لفظ البخاري: (إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا)، وذهب إلى القول بمقتضى هذا الحديث أحمد والشافعي وأصحابهما وجمهور السلف والخلف، ومن ذلك مشروعية خيار الشرط بعد العقد إلى ثلاثة ايام، بحسب ما يتبين فيه حال البيع ولو إلى سنة في القرية ونحوها كما هو المشهور عن مالك رحمه اللّه، وصححوا بيع المعاطاة مطلقاً وهو قول في مذهب الشافعي، ومنهم من قال: يصح بيع المعاطاة في المحقرات فيما يعده الناس بيعاً، وهو اختيار طائفة من الأصحاب كما هو متفق عليه. وقوله: {ولا تقتلوا أنفسكم} أي بارتكاب محارم اللّه وتعاطي معاصيه وأكل أموالكم بينكم بالباطل {إن اللّه كان بكم رحيما} أي فيما أمركم به ونهاكم عنه. عن عمرو ابن العاص رضي اللّه عنه أنه قال: لما بعثه النبي صلى اللّه عليه وسلم عام ذات السلاسل قال: احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح، قال: فلما قدمنا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ذكرت ذلك له، فقال: (يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب)؟ قال: قلت يا رسول اللّه إني احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فذكرت قول اللّه عزّ وجلّ: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً} فتيممت ثم صليت، فضحك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ولم يقل شيئاً ""رواه أحمد وأبو داود""وأورد ابن مردويه عند هذه الآية الكريمة عن أبي هريرة قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها بطنه يوم القيامة في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بسم فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها ابداً)، وفي الصحيحين: (من قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة) وفي الصحيحين ايضاً عن جندب بن عبد الله البجلي قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (كان رجل ممن كان قبلكم وكان به جرح فأخذ سكيناً نحر بها يده فما رقأ الدم حتى مات، قال اللّه عزَّ وجلّ: عبدي بادرني بنفسه حرمت عليه الجنة) ولهذا قال تعالى: {ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً} أي ومن يتعاطى ما نهاه اللّه عنه معتدياً فيه، ظالماً في تعاطيه، أي عالماً بتحريمه متجاسراً على انتهاكه {فسوف نصليه ناراً} وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد فليحذر منه كل عاقل لبيب ممن ألقى السمع وهو شهيد. وقوله تعالى: {وإن تجتنبوا كبارئر ما تهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم} الآية. أي إذا اجتنبتم كبائر الآثام التي نهيتم عنها، كفرنا عنكم صغائر الذنوب وأدخلناكم الجنة، ولهذا قال: {وندخلكم مدخلاً كريماً}، وقد وردت أحاديث متعلقة بهذه الآية الكريمة فلنذكر منها ما تيسر. قال أبو جعفر بن جرير عن صهيب مولى الصواري، أنه سمع أبا هريرة وأبا سعيد يقولان: خطبنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوماً فقال: (والذي نفسي بيده) ثلاث مرات ثم أكب فأكب كل رجل منا يبكي لا ندري ماذا حلف عليه، ثم رفع رأسه وفي وجهه البشر فكان أحب إلينا من حمر النعم فقال: (ما من عبد يصلي الصلوات الخمس، ويصوم رمضان، ويخرج الزكاة، ويجتنب الكبائر السبع إلا فتحت له أبواب الجنة ثم قيل له ادخل بسلام) ""رواه النسائي والحاكم وابن حبان"" تفسير هذه السبع : وذلك بما ثبت في الصحيحين أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات) قيل: يا رسول اللّه وما هن؟ قال: (الشرك باللّه وقتل النفس التي حرم اللّه إلا بالحق، والسحر، وأكل الربا وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) فالنص على هذه السبع بأنهن كبائر، لا ينفي ما عداهن إلا عند من يقول بمفهوم اللقب، وهو ضعيف عند عدم القرينة، ولا سيما عند قيام الدليل بالمنطوق على عدم المفهوم كما سنورده من الأحاديث المتضمنة من الكبائر غير هذه السبع حديث آخر : قال الإمام أحمد عن أبي أيوب قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (من عبد اللّه لا يشرك به شيئاً، وأقام الصلاة وآتى الزكاة، وصام رمضان واجتنب الكبائر فله الجنة - أو دخل الجنة - فسأله رجل ما الكبائر؟ فقال: الشرك باللّه وقتل نفس مسلمة، والفرار من الزحف) وكتب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى أهل اليمن كتاباً فيه الفرائض والسنن والديات، وبعث به مع عمرو بن حزم وكان في الكتاب: إن أكبر الكبائر عند اللّه يوم القيامة: إشراك باللّه، وقتل النفس المؤمنة بغير حق، والفرار في سبيل اللّه يوم الزحف، وعقوق الوالدين، ورمي المحصنة، وتعلم السحر، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم) ""أخرجه ابن مردويه"" حديث آخر فيه ذكر شهادة الزور : عن أنس بن مالك قال: ذكر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الكبائر أو سئل عن الكبائر فقال: (الشرك بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين)، وقال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى، قال: (الإشراك بالله، وقول الزور - أو شهادة الزور - ) وأخرجه الشيخان من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر عن أبيه قال، قال النبي صلى اللّه عليه وسلم : (الا أنبئكم بأكبر الكبائر)؟ قلنا: بلى، يا رسول اللّه، قال: (الإشراك باللّه، وعقوق الوالدين ،وكان متكئاً فجلس، فقال: (ألا وشهادة الزور، ألا وقول الزور)، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت. حديث آخر فيه ذكر قتل الولد : عن عبد اللّه بن مسعود قال، قلت: يا رسول اللّه أي الذنب أعظم؟ وفي رواية أكبر؟ قال: (أن تجعل للّه نداً وهو خلقك)، قلت: ثم أي؟ قال: (أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك) قلت: ثم أي؟ قال: (أن تزاني حليلة جارك)، ثم قرأ: {والذين لا يدعون مع اللّه إلهاً آخر - إلى قوله - إلا من تاب} ""الحديث في الصحيحين"" حديث آخر في اليمين الغموس : قال ابن أبي حاتم، عن عبد اللّه بن أنيس الجهني عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (أكبر الكبائر الإشراك باللّه، وعقوق الوالدين، واليمين الغموس، وما حلف حالف باللّه يمين صبر فأدخل فيها مثل جناح البعوضة إلا كانت وكتة في قلبه إلى يوم القيامة) حديث آخر في التسبب إلى شتم الوالدين: عن عبد اللّه بن عمر قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : )من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه) قالوا: وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: (يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه) ""رواه البخاري ومسلم""وثبت في الصحيح أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر) حديث آخر : عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: (الإضرار في الوصية من الكبائر)، قال ابن أبي حاتم: هو صحيح عن ابن عباس من قوله حديث آخر في ذلك : قال ابن جرير عن أبي أمامة: أن أناساً من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم ذكروا الكبائر وهو متكىء فقالوا: الشرك باللّه، وأكل مال اليتيم، والفرار من الزحف وقذف المحصنة، وعقوق الوالدين، وقول الزور، والغلول، والسحر، وأكل الربا، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (فأين تجعلون الذين يشترون بعهد اللّه وايمانهم ثمناً قليلاُ)؟ إلى آخر الآية ""قال ابن كثير: في إسناده ضعف وهو حسن"" ذكر أقوال السلف في ذلك : قال ابن جرير عن الحسن: أن ناساً سألوا عبد اللّه بن عمرو بمصر، فقالوا: نرى أشياء من كتاب اللّه عزَّ وجلَّ أمر أن يعمل بها لا يعمل بها، فأردنا أن نلقي أمير المؤمنين في ذلك فقدم وقدموا معه، فلقي عمر رضي اللّه عنه، فقال: متى قدمت؟ فقال: منذ كذا وكذا، قال: أبإذنٍ قدمت؟ قال: فلا أدري كيف رد عليه. فقال: يا أمير المؤمنين إن ناساً لقوني بمصر، فقالوا: إنا نرى أشياء في كتاب اللّه أمر أن يعمل بها فلا يعمل بها، فأحبوا أن يلقوك في ذلك. قال فاجمعهم لي قال: فجمعتهم له. قال ابن عون - أظنه قال في بهو - : فأخذ أدناهم رجلاً فقال: أنشدك بالله بحق الإسلام عليك، أقرأت القرآن كله؟ قال: نعم. قال: فهل أحصيته في نفسك؟ فقال: اللهم لا، قال: ولو قال نعم لخصمه. قال: فهل أحصيته في بصرك؟ فهل أحصيته في لفظك؟ هل أحصيته في أثرك؟ ثم تتبعهم حتى أتى على آخرهم، فقال: ثكلت عمر أمه أتكلفونه أن يقيم الناس على كتاب الله؟ قد علم ربنا أن ستكون لنا سيئات، قال: وتلا {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم} الآية. ثم قال: هل علم أهل المدينة؟ أو قال: هل علم أحد بما قدمتم؟ قالوا: لا، قال: لو علموا لوعظت بكم ""أخرجه ابن جرير وقال ابن كثير: إسناد صحيح ومتن حسن"" أقوال ابن عباس في ذلك روى ابن جرير عن طاوس، قال: جاء رجل إلى ابن عباس، فقال: أرأيت الكبائر السبع التي ذكرهن اللّه ما هن؟ قال: هن إلى السبعين أدنى منهن إلى سبع، وقال عبد الرزاق قيل: لابن عباس الكبائر سبع؟ قال: هن إلى السبعين أقرب؛ وقال ابن جرير عن سعيد بن جبير: أن رجلاً قال لابن عباس: كم الكبائر، سبع؟ قال: هن إلى سبعمائة أقرب منها إلى سبع، غير أنه لا كبيرة مع استغفار: ولا صغيرة مع إصرار. وعن ابن عباس في قوله {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه} قال: الكبائر كل ذنب ختمه اللّه بنار، أو غضب، أو لعنة، أو عذاب. وسئل ابن عباس عن الكبائر فقال: كل شيء عصي اللّه به فهو كبيرة. وقد اختلف علماء الأصول والفروع في حد الكبيرة، فمن قائل: هي ما عليه حدّ في الشرع، ومنهم من قال: هي ما عليه وعيد مخصوص من الكتاب والسنّة، وقيل غير ذلك. قال أبو القاسم عبد الكريم الرافعي في كتابه الشرح الكبير : ثم اختلف الصحابة رضي اللّه عنهم فمن بعدهم في الكبائر، وفي الفرق بينها وبين الصغائر، ولبعض الأصحاب في تفسير الكبيرة وجوه أحدها: أنها المعصية الموجبة للحد، والثاني : أنها المعصية التي يلحق صاحبها الوعيد الشديد بنص كتاب أو سنّة، وهذا أكثر ما يوجد لهم وإلى الأول أميل، لكن الثاني أوفق لما ذكروه عند تفسير الكبائر، والثالث : قال إمام الحرمين: كل جريمة تنبىء بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقة الديانة فهي مبطلة للعدالة، والرابع : ذكر القاضي أبو سعيد الهروي: أن الكبيرة كل فعل نص الكتاب على تحريمه، وكل معصية توجب في جنسها حداً من قتل أو غيره. ثم قال: وفصَّل الروياني فقال: الكبائر سبع: قتل النفس بغير الحق، والزنا واللواطة، وشرب الخمر، والسرقة، وأخذ المال غصباً، والقذف؛ وزاد في الشامل على السبع المذكورة: شهادة الزور، أضاف إليها صاحب العدة : أكل الربا، والإفطار في رمضان بلا عذر، واليمين الفاجرة، وقطع الرحم، وعقوق الوالدين، والفرار من الزحف، وأكل مال اليتيم، والخيانة في الكيل والوزن، وتقديم الصلاة على وقتها، وتأخيرها عن وقتها بلا عذر، وضرب المسلم بلا حق، والكذب على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عمداً؛ وسب أصحابه، وكتمان الشهادة بلا عذر، وأخذ الرشوة، والقيادة بين الرجال والنساء، والسعاية عند السلطان، ومنع الزكاة، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن النكر مع القدرة، ونسيان القرآن بعد تعلمه، وإحراق الحيوان بالنار، وامتناع المرأة من زوجها بلا سبب، واليأس من رحمة الله، والأمن من مكر اللّه، ويقال الوقيعة في أهل العلم، وحملة القرآن. ومما يعد من الكبائر: الظهار، وأكل لحم الخنزير، والميتة إلا عن ضرورة. قلت: وقد صنف الناس في الكبائر مصنفات منها ما جمعه شيخنا الحافظ أبو عبد اللّه الذهبي الذي بلغ نحواً من سبعين كبيرة، وإذا قيل: إن الكبيرة ما توعد عليها الشارع بالنار بخصوصها كما قال ابن عباس وغيره وما يتبع ذلك، اجتمع منه شيء كثير، وإذا قيل: كل ما نهى اللّه عنه فكثير جداً. واللّه أعلم.

ِترجمة معني الآية

ِاردو | Espanol | Française | English | Malaysian | Indonesian | বাঙালি