نتيجة البحث: تفسير الآية و صورتها و تلاوتها


سورة الصف آية 3
كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ

التفسير الميسر عَظُم بغضًا عند الله أن تقولوا بألسنتكم ما لا تفعلونه.

تفسير الجلالين
3 - (كبر) عظم (مقتا) تمييز (عند الله أن تقولوا) فاعل كبر (ما لا تفعلون)

تفسير القرطبي
فيه خمس مسائل: الأولى: قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون} ""روى الدارمي أبو محمد في مسنده"" أخبرنا محمد بن كثير عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن عبدالله بن سلام قال : قعدنا نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتذاكرنا فقلنا : لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله تعالى لعملناه؛ فأنزل الله تعالى {سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم .
يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون} حتى ختمها.
قال عبدالله : فقرأها علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ختمها.
قال أبو سلمة : فقرأها علينا ابن سلام.
قال يحيى : فقرأها علينا أبو سلمة وقرأها علينا يحيى وقرأها علينا الأوزاعي وقرأها علينا محمد.
وقال ابن عباس قال عبدالله بن رواحة : لو علمنا أحب الأعمال إلى الله لعملناه؛ فلما نزل الجهاد كرهوه.
وقال الكلبي : قال المؤمنون يا رسول الله، لو نعلم أحب الأعمال إلى الله لسارعنا إليها؛ فنزلت {هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم} [الصف : 10] فمكثوا زمانا يقولون : لو نعلم ما هي لاشتريناها بالأموال والأنفس والأهلين؛ فدلهم الله تعالى عليها بقوله {تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم} [الصف : 11] الآية.
فابتلوا يوم أحد ففروا؛ فنزلت تعيرهم بترك الوفاء.
وقال محمد بن كعب : لما أخبر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بثواب شهداء بدر قالت الصحابة : اللهم اشهد! لئن لقينا قتالا لنفرغن فيه وسعنا؛ ففروا يوم أحد فعيرهم الله بذلك.
وقال قتادة والضحاك : نزلت في قوم كانوا يقولون : نحن جاهدنا وأبلينا ولم يفعلوا.
وقال صهيب : كان رجل قد آذى المسلمين يوم بدر وأنكاهم فقتلته.
فقال رجل يا نبي الله، إني قتلت فلانا، ففرح النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.
فقال عمر بن الخطاب وعبدالرحمن بن عوف : يا صهيب، أما أخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنك قتلت فلانا! فإن فلانا انتحل قتله؛ فأخبره فقال : (أكذلك يا أبا يحيى)؟ قال نعم، والله يا رسول الله؛ فنزلت الآية في المنتحل.
وقال ابن زيد : نزلت في المنافقين؛ كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه : إن خرجتم وقاتلتم خرجنا معكم وقاتلنا؛ فلما خرجوا نكصوا عنهم وتخلفوا.
الثانية: هذه الآية توجب على كل من ألزم نفسه عملا فيه طاعة أن يفي بها.
وفي صحيح مسلم عن أبي موسى أنه بعث إلى قراء أهل البصرة فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرءوا القرآن؛ فقال : (أنتم خيار أهل البصرة وقراؤهم، فاتلوه ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم.
وإنا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدة بـ براءة فأنسيتها؛ غير أني قد حفظت منها لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب) .
وكنا نقرأ سورة كنا نشبهها بإحدى المسبحات فأنسيتها؛ غير أني حفظت منها {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون} فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة.
قال ابن العربي : وهذا كله ثابت في الدين.
أما قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون} فثابت في الدين لفظا ومعنى في هذه السورة.
وأما قوله (شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة) فمعنى ثابت في الدين؛ فإن من التزم شيئا لزمه شرعا.
والملتزم على قسمين : أحدهما : النذر، وهو على قسمين، نذر تقرب مبتدأ كقوله : لله علي صلاة وصوم وصدقة، ونحوه من القرب.
فهذا يلزم الوفاء به إجماعا.
ونذر مباح وهو ما علق بشرط رغبة، كقوله : إن قدم غائبي فعلي صدقة، أو علق بشرط رهبة، كقوله : إن كفاني الله شر كذا فعلي صدقة.
فاختلف العلماء فيه، فقال مالك وأبو حنيفة، يلزمه الوفاء به.
وقال الشافعي في أحد أقوال : إنه لا يلزمه الوفاء به.
وعموم الآية حجة لنا، لأنها بمطلقها تتناول ذم من قال ما لا يفعله على أي وجه كان من مطلق أو مقيد بشرط.
وقد قال أصحابه : إن النذر إنما يكون بما القصد منه القربة مما هو من جنس القربة.
وهذا وإن كان من جنس القربة لكنه لم يقصد به القربة، وإنما قصد منع نفسه عن فعل أوالإقدام على فعل.
قلنا : القرب الشرعية مشقات وكلف وإن كانت قربات.
وهذا تكلف التزام هذه القربة بمشقة لجلب نفع أو دفع ضر، فلم يخرج عن سنن التكليف ولا زال عن قصد التقرب.
قال ابن العربي : فإن كان المقول منه وعدا فلا يخلو أن يكون منوطا بسبب كقوله : إن تزوجت أعنتك بدينار، أو ابتعت حاجة كذا أعطيتك كذا.
فهذا لازم إجماعا من الفقهاء.
وإن كان وعدا مجردا فقيل يلزم بتعلقه.
وتعلقوا بسبب الآية، فإنه روي أنهم كانوا يقولون : لو نعلم أي الأعمال أفضل أو أحب إلى الله لعملناه، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وهو حديث لا بأس به.
وقد روي عن مجاهد أن عبدالله بن رواحة لما سمعها قال : لا أزال حبيسا في سبيل الله حتى أقتل.
والصحيح عندي : أن الوعد يجب الوفاء به على كل حال إلا لعذر.
قلت : قال مالك : فأما العدة مثل أن يسأل الرجل الرجل أن يهب له الهبة فيقول له نعم؛ ثم يبدو له ألا يفعل فما أرى ذلك يلزمه.
وقال ابن القاسم : إذا وعد الغرماء فقال : أشهدكم أني قد وهبت له من أن يؤدي إليكم؛ فإن هذا يلزمه.
وأما أن يقول نعم أنا أفعل؛ ثم يبدو له، فلا أرى عليه ذلك.
قلت : أي لا يقضي عليه بذلك؛ فأما في مكارم الأخلاق وحسن المروءة فنعم.
وقد أثنى الله تعالى على من صدق وعده ووفى بنذره فقال {والموفون بعهدهم إذا عاهدوا}[البقرة : 177]، وقال تعالى {واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد} [مريم : 54] وقد تقدم بيانه.
الثالثة: قال النخعي : ثلاث آيات منعتني أن أقص على الناس {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم} [البقرة : 44]، {وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه} [هود : 88]، {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون} "" وخرج أبو نعيم الحافظ من حديث مالك بن دينار"" عن ثمامة أن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أتيت ليلة أسري بي على قوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار كلما قرضت وفت) قلت : (من هؤلاء يا جبريل)؟ قال : (هؤلاء خطباء أمتك الذين يقولون ولا يفعلون ويقرءون كتاب الله ولا يعملون).
وعن بعض السلف أنه قيل له : حدثنا؛ فسكت.
ثم قيل له : حدثنا.
فقال : أترونني أن أقول ما لا أفعل فأستعجل مقت الله!.
الرابعة: قوله تعالى {لم تقولون ما لا تفعلون} استفهام على جهة الإنكار والتوبيخ، على أن يقول الإنسان عن نفسه من الخير ما لا يفعله.
أما في الماضي فيكون كذبا، وأما في المستقبل فيكون خلفا، وكلاهما مذموم.
وتأول سفيان بن عيينة قوله تعالى {لم تقولون ما لا تفعلون} أي لم تقولون ما ليس الأمر فيه إليكم، فلا تدرون هل تفعلون أو لا تفعلون.
فعلى هذا يكون الكلام محمولا على ظاهره في إنكار القول.
الخامسة: قوله تعالى: {كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} قد يحتج به في وجوب الوفاء في اللجاج والغضب على أحد قولي الشافعي.
و{أن} وقع بالابتداء وما قبلها الخبر؛ وكأنه قال : قولكم ما لا تفعلون مذموم، ويجوز أن يكون خبر ابتداء محذوف.
الكسائي {أن} في موضع رفع؛ لأن {كبر} فعل بمنزلة بئس رجلا أخوك.
و{مقتا} نصب بالتمييز؛ المعنى كبر قولهم ما لا يفعلون مقتا.
وقيل : هو حال.
والمقت والمقاتة مصدران؛ يقال : رجل مقيت وممقوت إذا لم يحبه الناس.

تفسير ابن كثير قد تقدم الكلام على قوله تعالى: {سبح للّه ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم} غير مرة بما أغنى عن إعادته، وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون} إنكاراً على من يعد وعداً، أو يقول قولاً لا يفي به، وفي الصحيحين أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (آية المنافق ثلاث: إذا وعد أخلف، وإذا أحدث كذب، وإذا اؤتمن خان)، ولهذا أكد اللّه تعالى هذا الإنكار عليهم بقوله: {كبر مقتاً عند اللّه أن تقولوا ما لا تفعلون} نزلت حين تمنوا فريضة الجهاد عليهم، فلما فرض نكل عنه بعضهم، كقوله تعالى: {فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية اللّه أو أشد خشية}، وقال تعالى: {فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت} الآية، وهكذا هذه الآية كما قال ابن عباس: كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون: لوددنا أن اللّه عزَّ وجلَّ دلنا على أحب الأعمال إليه فنعمل به، فأخبر اللّه نبيّه أن أحب الأعمال إيمان به لا شك فيه، وجهاد أهل معصيته الذين خالفوا بالإيمان ولم يقروا به، فلما نزل الجهاد كره ذلك ناس من المؤمنين وشق عليهم أمره، فقال اللّه سبحانه وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون} وهذا اختيار ابن جرير وقال مقاتل ابن حيان: قال المؤمنون لو نعلم أحب الأعمال إلى اللّه لعملنا به، فدلهم اللّه على أحب الأعمال إليه فقال: {إن اللّه يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً} فبين لهم، فابتلوا يوم أُحُد بذلك فولوا عن النبي صلى اللّه عليه وسلم مدبرين، فأنزل اللّه في ذلك: {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون}، وقال قتادة والضحّاك: نزلت توبيخاً لقوم كانوا يقولون: قتلنا، ضربنا، طعنا، وفعلنا؛ ولم يكونوا فعلوا ذلك. وقال ابن زيد: نزلت في قوم من المنافقين كانوا يعدون المسلمين النصر ولا يفون لهم بذلك، وقال مجاهد: نزلت في نفر من الأنصار فيهم عبد اللّه بن رواحة قالوا في مجلس: لو نعلم أي الأعمال أحب إلى اللّه لعملنا به حتى نموت؟ فأنزل اللّه تعالى هذا فيهم، فقال عبد اللّه بن رواحة: لا أبرح حبيساً في سبيل اللّه أموت فقتل شهيداً. ولهذا قال تعالى: {إن اللّه يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص} فهذا إخبار من اللّه تعالى بمحبته عباده المؤمنين، إذا صفوا مواجهين لأعداء اللّه في حومة الوغى، يقاتلون في سبيل اللّه من كفر باللّه، لتكون كلمة اللّه هي العليا، ودينه هو الظاهر العالي على سائر الأديان، عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (ثلاثة يضحك اللّه إليهم: الرجل يقوم من الليل، والقوم إذا صفوا للصلاة، والقوم إذا صفوا للقتال) ""أخرجه ابن ماجه والإمام أحمد"". وقال مطرف: كان يبلغني عن أبي ذر حديث كنت أشتهي لقاءه، فلقيته فقلت: يا أبا ذر كان يبلغني عنك حديث فكنت أشتهي لقاءك، فقال: للّه أبوك، فقد لقيت فهات، فقلت: كان يبلغني عنك أنك تزعم أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حدثكم أن اللّه يبغض ثلاثة ويحب ثلاثة، قال: أجل فلا أخالني أكذب على خليلي صلى اللّه عليه وسلم، قلت: فمن هؤلاء الثلاثة الذين يحبهم اللّه عزَّ وجلَّ؟ قال: رجل غزا في سبيل اللّه خرج محتسباً مجاهداً، فلقي العدو فقتل، وأنتم تجدونه في كتاب اللّه المنزل، ثم قرأ: {إن اللّه يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص} ""أخرجه ابن أبي حاتم ورواه الترمذي والنسائي بنحوه""وذكر الحديث. وقال سعيد بن جبير في قوله تعالى: {إن اللّه يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا} قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لا يقاتل العدو إلا أن يصافهم، وهذا تعليم من اللّه للمؤمنين، وقوله تعالى: {كأنهم بنيان مرصوص} أي ملتصق بعضه في بعض، من الصف في القتال، وقال مقاتل بن حيان: ملتصق بعضه إلى بعض، وقال ابن عباس: {كأنهم بنيان مرصوص} مثبت لا يزول ملصق بعضه ببعض، وقال ابن جرير، عن يحيى بن جابر الطائي، عن أبي بحرية قال: كانوا يكرهون القتال على الخيل، ويستحبون القتال على الأرض لقول اللّه عزَّ وجلَّ: {إن اللّه يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص} قال، وكان أبو بحرية يقول: إذا رأيتموني التفت في الصف فجؤا ـ أي اضربوا من: وجأ عنقه أو في عنقه ضربه ـ في لحيي.

ِترجمة معني الآية

ِاردو | Espanol | Française | English | Malaysian | Indonesian | বাঙালি