نتيجة البحث: تفسير الآية و صورتها و تلاوتها


سورة الحشر آية 17
فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ

التفسير الميسر فكان عاقبة أمر الشيطان والإنسان الذي أطاعه فكفر، أنهما في النار، ماكثَيْن فيها أبدًا، وذلك جزاء المعتدين المتجاوزين حدود الله.

تفسير الجلالين
17 - (فكان عاقبتهما) أي الغاوي والمغوى وقرىء بالرفع اسم كان (أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين) أي الكافرين

تفسير القرطبي
قوله تعالى {كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر} هذا ضرب مثل للمنافقين واليهود في تخاذلهم وعدم الوفاء في نصرتهم.
وحذف حرف العطف، ولم يقل : وكمثل الشيطان؛ لأن حذف حرف العطف كثير كما تقول : أنت عاقل أنت كريم أنت عالم.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : أن الإنسان الذي قال له الشيطان اكفر، راهب تركت عنده امرأة أصابها لمم ليدعو لها، فزين له الشيطان فوطئها فحملت، ثم قتلها خوفا أن يفتضح، فدل الشيطان قومها على موضعها، فجاءوا فاستنزلوا الراهب ليقتلوه، فجاء الشيطان فوعده أنه إن سجد له أنجاه منهم، فسجد له فتبرأ منه فأسلمه.
ذكره القاضي إسماعيل وعلي بن المديني عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عروة بن عامر عن عبيد بن رفاعة الزرقي عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وذكر خبره مطولا ابن عباس ووهب بن منبه.
ولفظهما مختلف.
قال ابن عباس في قوله تعالى {كمثل الشيطان} كان راهب في الفترة يقال له : برصيصا؛ قد تعبد في صومعته سبعين سنة، لم يعص الله فيها طرفة عين، حتى أعيا إبليس، فجمع إبليس مردة الشياطين فقال : ألا أجد منكم من يكفيني أمر برصيصا؟ فقال الأبيض، وهو صاحب الأنبياء، وهو الذي قصد النبي صلى الله عليه وسلم في صورة جبريل ليوسوس إليه على وجه الوحي، فجاء جبريل فدخل بينهما، ثم دفعه بيده حتى وقع بأقصى الهند فذلك قوله تعالى {ذي قوة عند ذي العرش مكين} [التكوير : 20] فقال : أنا أكفيكه؛ فانطلق فتزيا بزي الرهبان، وحلق وسط رأسه حتى أتى صومعة برصيصا فناداه فلم يجبه؛ وكان لا ينفتل من صلاته إلا في كل عشرة أيام يوما، ولا يفطر إلا في كل عشره أيام؛ وكان يواصل العشرة الأيام والعشرين والأكثر؛ فلما رأى الأبيض أنه لا يجيبه أقبل على العبادة في أصل صومعته؛ فلما انفتل برصيصا من صلاته، رأى الأبيض قائما يصلي في هيئة حسنة من هيئة الرهبان؛ فندم حين لم يجبه، فقال : ما حاجتك؟ فقال : أن أكون معك، فأتأدب بأدبك، وأقتبس من عملك، ونجتمع على العبادة؛ فقال : إني في شغل عنك؛ ثم أقبل على صلاته؛ وأقبل الأبيض أيضا على الصلاة؛ فلما رأى برصيصا شدة اجتهاده وعبادته قال له : ما حاجتك؟ فقال : أن تأذن لي فأرتفع إليك.
فأذن له فأقام الأبيض معه حولا لا يفطر إلا في كل أربعين يوما يوما واحدا، ولا ينفتل من صلاته إلا في كل أربعين يوما، وربما مد إلى الثمانين؛ فلما رأى برصيصا اجتهاده تقاصرت إليه نفسه.
ثم قال الأبيض : عندي دعوات يشفي الله بها السقيم والمبتلي والمجنون؛ فعلمه إياها.
ثم جاء إلى إبليس فقال : قد والله أهلكت الرجل.
ثم تعرض لرجل فخنقه، ثم قال لأهله - وقد تصور في صورة الآدميين - : إن بصاحبكم جنونا أفأطبه؟ قالوا نعم.
فقال : لا أقوى على جنيته، ولكن اذهبوا به إلى برصيصا، فإن عنده اسم الله الأعظم الذي إذا سئل به أعطى،واذا دعي به أجاب؛ فجاءوه فدعا بتلك الدعوات، فذهب عنه الشيطان.
ثم جعل الأبيض يفعل بالناس ذلك ويرشدهم إلى برصيصا فيعافون.
فانطلق إلى جارية من بنات الملوك بين ثلاثة إخوة، وكان أبوهم ملكا فمات واستخلف أخاه، وكان عمها ملكا في بني إسرائيل فعذبها وخنقها.
ثم جاء إليهم في صورة رجل متطبب ليعالجها فقال : إن شيطانها مارد لا يطاق، ولكن اذهبوا بها إلى برصيصا فدعوها عنده، فإذا جاء شيطانها دعا لها فبرئت؛ فقالوا : لا يجيبنا إلى هذا؛ قال : فابنوا صومعة في جانب صومعته ثم ضعوها فيها، وقولوا : هي أمانة عندك فاحتسب فيها.
فسألوه ذلك فأبى فبنوا صومعة ووضعوا فيها الجارية؛ فلما انفتل من صلاته عاين الجارية وما بها من الجمال فأسقط في يده، فجاءها الشيطان فخنقها فانفتل من صلاته ودعا لها فذهب عنها الشيطان، ثم أقبل على صلاته فجاءها الشيطان فخنقها.
وكان يكشف عنها ويتعرض بها لبرصيصا، ثم جاءه الشيطان فقال : ويحك! واقعها، فما تجد مثلها ثم تتوب بعد ذلك.
فلم يزل به حتى واقعها فحملت وظهر حملها.
فقال له الشيطان : ويحك! قد افتضحت.
فهل لك أن تقتلها ثم تتوب فلا تفتضح، فإن جاءوك وسألوك فقل جاءها شيطانها فذهب بها.
فقتلها برصيصا ودفنها ليلا؛ فأخذ الشيطان طرف ثوبها حتى بقي خارجا من التراب؛ ورجع برصيصا إلى صلاته.
ثم جاء الشيطان إلى إخوتها في المنام فقال : إن برصيصا فعل بأختكم كذا وكذا، وقتلها ودفنها في جبل كذا وكذا؛ فاستعظموا ذلك وقالوا لبرصيصا : ما فعلت أختنا؟ فقال : ذهب بها شيطانها؛ فصدقوه وانصرفوا.
ثم جاءهم الشيطان في المنام وقال : إنها مدفونة في موضع كذا وكذا، وإن طرف ردائها خارج من التراب؛ فانطلقوا فوجدوها، فهدموا صومعته وأنزلوه وخنقوه، وحملوه إلى الملك فأقر على نفسه فأمر بقتله.
فلما صلب قال الشيطان : أتعرفني؟ قال لا والله قال : أنا صاحبك الذي علمتك الدعوات، أما اتقيت الله أما استحيت وأنت أعبد بني إسرائيل ثم لم يكفك صنيعك حتى فضحت نفسك، وأقررت عليها وفضحت أشباهك من الناس فان مت على هذه الحالة لم يفلح أحد من نظرائك بعدك.
فقال : كيف أصنع؟ قال : تطيعني في خصلة واحدة وأنجيك منهم وآخذ بأعينهم.
قال : وما ذاك؟ قال تسجد لي سجدة واحدة؛ فقال : أنا أفعل؛ فسجد له من دون الله.
فقال : يا برصيصا، هذا أردت منك؛ كان عاقبة أمرك أن كفرت بربك، إني بريء منك، إني أخاف الله رب العالمين.
وقال وهب بن منبه : إن عابدا كان في بني إسرائيل، وكان من أعبد أهل زمانه، وكان في زمانه ثلاثة إخوة لهم أخت، وكانت بكرا، ليست لهم أخت غيرها، فخرج البعث على ثلاثتهم، فلم يدروا عند من يخلفون أختهم، ولا عند من يأمنون عليها، ولا عند من يضعونها.
قال فاجتمع رأيهم على أن يخلفوها عند عابد بني إسرائيل، وكان ثقة في أنفسهم، فأتوه فسألوه أن يخلفوها عنده، فتكون في كنفه وجواره إلى أن يقفلوا من غزاتهم، فأبى ذلك عليهم وتعوذ بالله منهم ومن أختهم.
قال فلم يزالوا به حتى أطمعهم فقال : أنزلوها في بيتٍ حذاء صومعتي، فأنزلوها في ذلك البيت ثم انطلقوا وتركوها، فمكثت في جوار ذلك العابد زمانا، ينزل إليها الطعام من صومعته، فيضعه عند باب الصومعة، ثم يغلق بابه ويصعد في صومعته، ثم يأمرها فتخرج من بيتها فتأخذ ما وضع لها من الطعام.
قال : فتلطف له الشيطان فلم يزل يرغبه في الخير، ويعظم عليه خروج الجارية من بيتها نهارا، ويخوفه أن يراها أحد فيعلقها.
قال : فلبث بذلك زمانا، ثم جاءه إبليس فرغبه في الخير والأجر، وقال له : لو كنت تمشي إليها بطعامها حتى تضعه في بيتها كان أعظم لأجرك؛ قال : فلم يزل به حتى مشى إليها بطعامها فوضعه في بيتها، قال : فلبثت بذلك زمانا ثم جاءه إبليس فرغبه في الخير وحضه عليه، وقال : لو كنت تكلمها وتحدثها فتأنس بحديثك، فإنها قد استوحشت وحشة شديدة.
قال : فلم يزل به حتى حدثها زمانا يطلع عليها من فوق صومعته.
قال : ثم أتاه إبليس بعد ذلك فقال : لوكنت تنزل إليها فتقعد على باب صومعتك وتحدثها وتقعد على باب بيتها فتحدثك كان آنس لها.
فلم يزل به حتى أنزله وأجلسه على باب صومعته يحدثها، وتخرج الجارية من بيتها، فلبثا زمانا يتحدثان، ثم جاءه إبليس فرغبه في الخير والثواب فيما يصنع بها، وقال : لو خرجت من باب صومعتك فجلست قريبا من باب بيتها كان آنس لها.
فلم يزل به حتى فعل.
قال : فلبثا زمانا، ثم جاءه إبليس فرغبه في الخير وفيما له من حسن الثواب فيما يصنع بها، وقال له : لو دنوت من باب بيتها فحدثتها ولم تخرج من بيتها، ففعل.
فكان ينزل من صومعته فيقعد على باب بيتها فيحدثها.
فلبثا بذلك حينا ثم جاءه إبليس فقال : لو دخلت البيت معها تحدثها ولم تتركها تبرز وجهها لأحد كان أحسن بك.
فلم يزل به حتى دخل البيت، فجعل يحدثها نهاره كله، فإذا أمسى صعد في صومعته.
قال : ثم أتاه إبليس بعد ذلك، فلم يزل يزينها له حتى ضرب العابد على فخذها وقبلها.
فلم يزل به إبليس يحسنها في عينه ويسول له حتى وقع عليها فأحبلها، فولدت له غلاما، فجاءه إبليس فقال له : أرأيت أن جاء إخوة هذه الجارية وقد ولدت منك! كيف تصنع! لا آمن عليك أن تفتضح أو يفضحوك! فاعمد إلى ابنها فاذبحه وادفنه، فإنها ستكتم عليك مخافة إخوتها أن يطلعوا على ما صنعت بها، ففعل.
فقال له : أتراها تكتم إخوتها ما صنعت بها وقتلت ابنها! خذها فاذبحها وادفنها مع ابنها.
فلم يزل به حتى ذبحها وألقاها في الحفيرة مع ابنها، وأطبق عليها صخرة عظيمة، وسوى عليها التراب، وصعد في صومعته يتعبد فيها؛ فمكث بذلك ما شاء الله أن يمكث؛ حتى قفل إخوتها من الغزو، فجاءوه فسألوه عنها فنعاها لهم وترحم عليها، وبكى لهم وقال : كانت خير أمة، وهذا قبرها فانظروا إليه، فأتى إخوتها القبر فبكوا على قبرها وترحموا عليها، وأقاموا على قبرها أياما ثم انصرفوا إلى أهاليهم.
فلما جن عليهم الليل وأخذوا مضاجعهم، أتاهم الشيطان في صورة رجل مسافر، فبدأ بأكبرهم فسأله عن أختهم؛ فأخبره بقول العابد وموتها وترحمه عليها، وكيف أراهم موضع قبرها؛ فكذبه الشيطان وقال : لم يصدقكم أمر أختكم، إنه قد أحبل أختكم وولدت منه غلاما فذبحه وذبحها معه فزعا منكم، وألقاها في حفيرة احتفرها خلف الباب الذي كانت فيه عن يمين من دخله.
فانطلقوا فادخلوا البيت الذي كانت فيه عن يمين من دخله فإنكم ستجدونهما هنالك جميعا كما أخبرتكم.
قال : وأتى الأوسط في منامه وقال له مثل ذلك.
ثم أتى أصغرهم فقال له مثل ذلك.
فلما استيقظ القوم استيقظوا متعجبين لما رأى كل واحد منهم.
فأقبل بعضهم على بعض، يقول كل واحد منهم : لقد رأيت عجبا، فأخبر بعضهم بعضا بما رأى.
قال أكبرهم : هذا حلم ليس بشيء، فامضوا بنا ودعوا هذا.
قال أصغرهم : لا أمضى حتى أتي ذلك المكان فأنظر فيه.
قال : فانطلقوا جميعا حتى دخلوا البيت الذي كانت فيه أختهم، ففتحوا الباب وبحثوا الموضع الذي وصف لهم في منامهم، فوجدوا أختهم وابنها مذبوحين في الحفيرة كما قيل لهم، فسألوا العابد فصدق قول إبليس فيما صنع بهما.
فاستعدوا عليه ملكهم، فأنزل من صومعته فقدموه ليصلب، فلما أوقفوه على الخشبة أتاه الشيطان فقال له : قد علمت أني صاحبك الذي فتنتك في المرأة حتى أحبلتها وذبحتها وذبحت ابنها، فإن أنت أطعتني اليوم وكفرت بالله الذي خلقك خلصتك مما أنت فيه.
قال : فكفر العابد بالله؛ فلما كفر خلى الشيطان بينه وبين أصحابه فصلبوه.
قال : ففيه نزلت هذه الآية {كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين} - إلى قوله - {جزاء الظالمين}.
قال ابن عباس : فضرب الله هذا مثلا للمنافقين مع اليهود.
وذلك أن الله تعالى أمر نبيه عليه السلام أن يجلي بني النضير من المدينة، فدس إليهم المنافقون ألا تخرجوا من دياركم، فإن قاتلوكم كنا معكم، وإن أخرجوكم كنا معكم، فحاربوا النبي صلى الله عليه وسلم فخذلهم المنافقون، وتبرءوا منهم كما تبرأ الشيطان من برصيصا العابد.
فكان الرهبان بعد ذلك لا يمشون إلا بالتقية والكتمان.
وطمع أهل الفسوق والفجور في الأحبار فرموهم بالبهتان والقبيح، حتى كان أمر جريج الراهب، وبرأه الله فانبسطت بعده الرهبان وظهروا للناس.
وقيل : المعنى مثل المنافقين في غدرهم لبني النضير كمثل إبليس إذ قال لكفار قريش {لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم} [الأنفال : 48] الآية.
وقال مجاهد المراد بالإنسان هاهنا جميع الناس في غرور الشيطان إياهم.
ومعنى قوله تعالى {إذ قال للإنسان اكفر} أي أغواه حتى قال : إني كافر.
وليس قول الشيطان {إني أخاف الله رب العالمين} حقيقة، إنما هو على وجه التبرؤ من الإنسان، فهو تأكيد لقوله تعالى {إني بريء منك} وفتح الياء من {إني} نافع وابن كثير وأبو عمرو.
وأسكن الباقون.
{فكان عاقبتهما} أي عاقبة الشيطان وذلك الإنسان {أنهما في النار خالدين فيها} نصب على الحال.
والتثنية ظاهرة فيمن جعل الآية مخصوصة في الراهب والشيطان.
ومن جعلها في الجنس فالمعنى : وكان عاقبة الفريقين أو الصنفين.
ونصب {عاقبتهما} على أنه خبر كان.
والاسم {أنهما في النار} وقرأ الحسن {فكان عاقبتهما} بالرفع على الضد من ذلك.
وقرأ الأعمش {خالدان فيها} بالرفع وذلك خلاف المرسوم.
ورفعه على أنه خبر {أن} والظرف ملغى.

تفسير ابن كثير يخبر تعالى عن المنافقين كعبد اللّه بن أبيّ وأضرابه، حين بعثوا إلى يهود بني النضير، يعدونهم النصر من أنفسهم، فقال تعالى: {ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحداً أبداً وإن قوتلتم لننصرنكم}، قال اللّه تعالى: {واللّه يشهد إنهم لكاذبون} أي لكاذبون فيما وعدوهم به، ولهذا قال تعالى: {ولئن قوتلوا لا ينصرونهم} أي لا يقاتلون معهم، {ولئن نصروهم} أي قاتلوا معهم {ليولنّ الأدبار ثم لا ينصرون}، وهذه بشارة مستقلة بنفسها. ثم قال تعالى: {لأنتم أشد رهبة في صدورهم من اللّه} أي يخافون منكم أكثر من خوفهم من اللّه، كقوله تعالى: {إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية اللّه أو أشد خشية}، ولهذا قال تعالى: {ذلك بأنهم قوم لا يفقهون}، ثم قال تعالى: {لا يقاتلونكم جميعاً إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر} يعني أنهم من جبنهم وهلعهم، لا يقدرون على مواجهة جيش الإسلام، بل إما في حصون أو من وراء جدر محاصرين، فيقاتلون للدفع عنهم ضرورة، ثم قال تعالى: {بأسهم بينهم شديد} أي عداوتهم فيما بينهم شديدة كما قال تعالى: {ويذيق بعضكم بأس بعض}، ولهذا قال تعالى: {تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى} أي تراهم مجتمعين فتحسبهم مؤتلفين، وهم مختلفون غاية الاختلاف، قال إبراهيم النخعي: يعني أهل الكتاب والمنافقين {ذلك بأنهم قوم لا يعقلون}، ثم قال تعالى: {كمثل الذين من قبلهم قريباً ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم}، قال مجاهد والسدي: يعني كمثل ما أصاب كفار قريش يوم بدر، وقال ابن عباس: كمثل الذين من قبلهم يعني يهود بني قينقاع، وهذا القول أشبه بالصواب، فإن يهود بني قينقاع كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد أجلاهم قبل هذا. وقوله تعالى: {كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك} يعني مثل هؤلاء اليهود في اغترارهم بالذين وعدوهم النصر من المنافقين، كمثل الشيطان إذ سوّل للإنسان الكفر ثم تبرأ منه وتنصل، وقال: {إني أخاف اللّه رب العالمين}. روى ابن جرير، عن عبد اللّه بن مسعود في هذه الآية: {كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف اللّه رب العالمين} قال: كانت امرأة ترعى الغنم، وكان لها أربعة إخوة، وكانت تأوي بالليل إلى صومعة راهب، قال: فنزل الراهب ففجَر بها، فحملت، فأتاه الشيطان فقال له اقتلها ثم ادفنها، فإنك رجل مصدق يسمع قولك، فقتلها ثم دفنها، وقال: فأتى الشيطان إخوتها في المنام، فقال لهم: إن الراهب صاحب الصومعة فجَر بأُختكم فلما أحبلها قتلها ثم دفنها في مكان كذا وكذا، فلما أصبحوا قال رجل منهم: واللّه لقد رأيت البارحة رؤيا ما أدري أقصها عليكم أم أترك؟ قالوا: بل قصها علينا، قال، فقصها؛ فقال الآخر: وأنا واللّه قد رأيت ذلك، فقال الآخر: وأنا واللّه رأيت ذلك، قالوا فواللّه ما هذا إلا لشيء. قال، فانطلقوا، فاستَعْدُوا ملكهم على ذلك الراهب، فأتوه فأنزلوه، ثم انطلقوا به، فلقيه الشيطان فقال: إني أنا الذي أوقعتك في هذا ولن ينجيك منه غيري، فاسجد لي واحدة وأنجيك مما أوقعتك فيه، قال، فسجد له، فلما أتوا به ملكهم تبرأ منه وأخذ فقتل، واشتهر عند كثير من الناس أن هذا العابد هو برصيصا فاللّه أعلم. وقوله تعالى: {فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها} أي فكان عاقبة الأمر بالكفر مصيرهما إلى نار جهنم خالدين فيها {وذلك جزاء الظالمين} أي جزاء كل ظالم.

ِترجمة معني الآية

ِاردو | Espanol | Française | English | Malaysian | Indonesian | বাঙালি