نتيجة البحث: تفسير الآية و صورتها و تلاوتها


سورة النساء آية 20
وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا ۚ أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا

التفسير الميسر وإن أردتم استبدال زوجة مكان أخرى، وكنتم قد أعطيتم مَن تريدون طلاقها مالا كثيرًا مهرًا لها، فلا يحل لكم أن تأخذوا منه شيئًا، أتأخذونه كذبًا وافتراءً واضحًا؟

تفسير الجلالين
20 - (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج) أي أخذ بدلها بأن طلقتموها (و) قد (آتيتم إحداهن) أي الزوجات (قنطارا) مالا كثيرا صداقا (فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا) ظلما (وإثما مبينا) بينا ، ونصبهما على الحال

تفسير القرطبي
فيه ست مسائل: الأولى: لما مضى في الآية المتقدمة حكم الفراق الذي سببه المرأة، وأن للزوج أخذ المال منها عقب ذلك بذكر الفراق الذي سببه الزوج، وبين أنه إذا أراد الطلاق من غير نشوز وسوء عشرة فليس له أن يطلب منها مالا.
الثانية: واختلف العلماء إذا كان الزوجان يريدان الفراق وكان منهما نشوز وسوء عشرة؛ فقال مالك رضي الله عنه : للزوج أن يأخذ منها إذا تسببت في الفراق ولا يراعى تسببه هو.
وقال جماعة من العلماء : لا يجوز له أخذ المال إلا أن تنفرد هي بالنشوز وتطلبه في ذلك.
الثالثة: قوله تعالى: {وآتيتم إحداهن قنطارا} فيها دليل على جواز المغالاة في المهور؛ لأن الله تعالى لا يمثل إلا بمباح.
وخطب عمر رضي الله عنه فقال : ألا لا تغالوا في صدقات النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ما أصدق قط امرأة من نسائه ولا بناته فوق اثنتي عشرة أوقية.
فقامت إليه امرأة فقالت : يا عمر، يعطينا الله وتحرمنا! أليس الله سبحانه وتعالى يقول: {وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا} ؟ فقال عمر : أصابت امرأة وأخطأ عمر.
وفي رواية فأطرق عمر ثم قال : كل الناس أفقه منك يا عمر !.
وفي أخرى : امرأة أصابت ورجل أخطأ.
وترك الإنكار.
أخرجه أبو حاتم البستي في صحيح مسنده عن أبي العجفاء السلمي قال : خطب عمر الناس ، فذكره إلى قوله : اثنتي عشرة أوقية، ولم يذكر : فقامت إليه امرأة.
إلى آخره.
وأخرجه ابن ماجة في سننه عن أبي العجفاء، وزاد بعد قوله : أوقية.
وأن الرجل ليثقل صدقة امرأته حتى تكون لها عداوة في نفسه، ويقول : قد كلفت إليك علق القربة - أو عرق القربة؛ وكنت رجلا عربيا مولدا ما أدري ما علق القربة أو عرق القربة.
قال الجوهري : وعلق القربة لغة في عرق القربة.
قال غيره : ويقال علق القربة عصامها الذي تعلق به.
يقول كلفت إليك حتى عصام القربة.
وعرق القربة ماؤها؛ يقول : جشمت إليك حتى سافرت واحتجت إلى عرق القربة، وهو ماؤها في السفر.
ويقال : بل عرق القربة أن يقول : نصبت لك وتكلفت حتى عرقت عرق القربة، وهو سيلانها.
وقيل : إنهم كانوا يتزودون الماء فيعلقونه على الإبل يتناوبونه فيشق على الظهر؛ ففسر به اللفظان : العرق والعلق.
وقال الأصمعي : عرق القربة كلمة معناها الشدة.
قال : ولا أدري ما أصلها.
قال الأصمعي : وسمعت ابن أبي طرفة وكان من أفصح من رأيت يقول : سمعت شيخاننا يقولون : لقيت من فلان عرق القربة، يعنون الشدة.
وأنشدني لابن الأحمر : ليست بمشتمة تعد وعفوها ** عرق السقاء على القعود اللاغب قال أبو عبيد : أراد أنه يسمع الكلمة تغيظه وليست بشتم فيؤاخذ صاحبها بها، وقد أبلغت إليه كعرق القربة، فقال : كعرق السقا لما لم يمكنه الشعر؛ ثم قال : على القعود اللاغب، وكان معناه أن تعلق القربة على القعود في أسفارهم.
وهذا المعنى شبيه بما كان الفراء يحكيه؛ زعم أنهم كانوا في المفاوز في أسفارهم يتزودون الماء فيعلقونه على الإبل يتناوبونه؛ فكان في ذلك تعب ومشقة على الظهر.
وكان الفراء يجعل هذا التفسير في علق القربة باللام.
وقال قوم : لا تعطى الآية جواز المغالاة بالمهور؛ لأن التمثيل بالقنطار إنما هو على جهة المبالغة؛ كأنه قال : وآتيتم هذا القدر العظيم الذي لا يؤتيه أحد.
وهذا كقوله : (من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة).
ومعلوم أنه لا يكون مسجد كمفحص قطاة.
وقد قال صلى الله عليه وسلم لابن أبي حدرد وقد جاء يستعينه في مهره، فسأله عنه فقال : مائتين؛ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : (كأنكم تقطعون الذهب والفضة من عرض الحرة أو جبل).
فاستقرأ بعض الناس من هذا منع المغالاة بالمهور؛ وهذا لا يلزم، وإنكار النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الرجل المتزوج ليس إنكارا لأجل المغالاة والإكثار في المهور، وإنما الإنكار لأنه كان فقيرا في تلك الحال فأحوج نفسه إلى الاستعانة والسؤال، وهذا مكروه باتفاق.
وقد أصدق عمر أم كلثوم بنت علي من فاطمة رضوان الله عليهم أربعين ألف درهم.
وروى أبو داود عن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل : (أترضى أن أزوجك فلانة) ؟ قال : نعم.
وقال للمرأة : (أترضين أن أزوجك فلانا) ؟ قالت : نعم.
فزوج أحدهما من صاحب؛ فدخل بها الرجل ولم يفرض لها صداقا ولم يعطها شيئا، وكان ممن شهد الحديبية وله سهم بخيبر؛ فلما حضرته الوفاة قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجني فلانة ولم أفرض لها صداقا ولم أعطها شيئا، وإني أشهدكم أني قد أعطيتها من صداقها سهمي بخيبر؛ فأخذت سهمها فباعته بمائة ألف.
وقد أجمع العلماء على ألا تحديد في أكثر الصداق؛ لقوله تعالى: {وآتيتم إحداهن قنطارا} واختلفوا في أقله، وسيأتي عند قوله تعالى: {أن تبتغوا بأموالكم} النساء : 24].
ومضى القول في تحديد القنطار في "آل عمران".
وقرأ ابن محيصن: "وآتيتم احداهن" بوصل ألف "إحداهن" وهي لغة؛ ومنه قول الشاعر : وتسمع من تحت العجاج لها ازملا وقول الآخر : إن لم أقاتل فألبسوني برقعا الرابعة: قوله تعالى: {فلا تأخذوا منه شيئا} قال بكر بن عبد الله المزني : لا يأخذ الزوج من المختلعة شيئا؛ لقول الله تعالى: {فلا تأخذوا}، وجعلها ناسخة لآية "البقرة".
وقال ابن زيد وغيره : هي منسوخة بقوله تعالى في سورة البقرة: {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا} البقرة : 229].
والصحيح أن هذه الآيات محكمة وليس فيها ناسخ ولا منسوخ وكلها يبنى بعضها على بعض.
قال الطبري : هي محكمة، ولا معنى لقول بكر : إن أرادت هي العطاء؛ فقد جوز النبي صلى الله عليه وسلم لثابت أن يأخذ من زوجته ما ساق إليها.
{بهتانا} مصدر في موضع الحال {وإثما} معطوف عليه {مبينا} من نعته.
الخامسة: قوله تعالى: {وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض} تعليل لمنع الأخذ مع الخلوة.
وقال بعضهم : الإفضاء إذا كان معها في لحاف واحد جامع أو لم يجامع؛ حكاه الهروي وهو قول الكلبي.
وقال الفراء : الإفضاء أن يخلو الرجل والمرأة وأن يجامعها.
وقال ابن عباس ومجاهد والسدي وغيرهم : الإفضاء في هذه الآية الجماع.
قال ابن عباس : ولكن الله كريم يكنى.
وأصل الإفضاء في اللغة المخالطة؛ ويقال للشيء المختلط : فضا.
قال الشاعر : فقلت لها يا عمتي لك ناقتي ** وتمر فضا في عيبتي وزبيب ويقال : القوم فوضى فضا، أي مختلطون لا أمير عليهم.
وعلى أن معنى "أفضى" خلا وإن لم يكن جامع، هل يتقرر المهر بوجود الخلوة أم لا؟ اختلف علماؤنا في ذلك على أربعة أقوال : يستقر بمجرد الخلوة.
لا يستقر إلا بالوطء.
يستقر بالخلوة في بيت الإهداء.
التفرقة بين بيته وبيتها.
والصحيح استقراره بالخلوة مطلقا، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه، قالوا : إذا خلا بها خلوة صحيحة يجب كمال المهر والعدة دخل بها أو لم يدخل بها؛ لما رواه الدارقطني عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من كشف خمار امرأة ونظر إليها وجب الصداق).
وقال عمر : إذا أغلق بابا وأرخى سترا ورأى عورة فقد وجب الصداق وعليها العدة ولها الميراث.
وعن علي : إذا أغلق بابا وأرخى سترا ورأى عورة فقد وجب الصداق.
وقال مالك : إذا طال مكثه معها مثل السنة ونحوها، واتفقا على ألا مسيس وطلبت المهر كله كان لها.
وقال الشافعي : لا عدة عليها ولها نصف المهر.
وقد مضى في "البقرة".
السادسة: قوله تعالى: {وأخذن منكم ميثاقا غليظا} فيه ثلاثة أقوال.
قيل : هو قوله عليه السلام : (فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله).
قاله عكرمة والربيع.
الثاني : قوله تعالى: {فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان}البقرة : 229] قاله الحسن وابن سيرين وقتادة والضحاك والسدي.
الثالث : عقدة النكاح قول الرجل : نكحت وملكت عقدة النكاح؛ قال مجاهد وابن زيد.
وقال قوم : الميثاق الغليظ الولد.
والله أعلم.

تفسير ابن كثير روى البخاري عن ابن عباس: {يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً} قال: كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته إن شاء بعضهم تزوجها وإن شاءوا زوجوها، وإن شاءوا لم يزوجوها فهم أحق بها من أهلها، فنزلت هذه الآية: {يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً} هكذا ذكره البخاري وأبو داود والنسائي وروي عن ابن عباس: كانت المرأة في الجاهلية إذا توفي عنها زوجها فجاء رجل فألقى عليها ثوباً كان أحق بها، فنزلت: {يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً} وقال زيد بن أسلم في الآية: كان أهل يثرب إذا مات الرجل منهم في الجاهلية ورث امرأته من يرث ماله وكان يعضلها حتى يرثها، أو يزوجها من أراد، وكان أهل تهامة يسيء الرجل صحبة المرأة حتى يطلقها، ويشترط عليها أن لا تنكح إلا من أراد حتى تفتدي منه ببعض ما أعطاها فنهى اللّه المؤمنين عن ذلك. وقال أبو بكر بن مردويه عن محمد ابن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه قال: لما توفي أبو قيس بن الأسلت أراد ابنه أن يتزوج امرأته وكان لهم ذلك في الجاهلية فأنزل اللّه: {لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً} وقال ابن جريج: نزلت في كبيشة بنت معن بن عاصم بن الأوس توفي عنها أبو قيس بن الأسلت فجنح عليها ابنه فجاءت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقالت يا رسول اللّه: لا أنا ورثت زوجي ولا أنا تركت فأنكح، فأنزل اللّه هذه الآية. فالآية تعم ما كان يفعله أهل الجاهلية وكل ما كان فيه نوع من ذلك واللّه أعلم. وقوله: {ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن} أي لا تضاروهن في العشرة لتترك لك ما أصدقتها أو بعضه أو حقاً من حقوقها عليك، أو شيئاً من ذلك على وجه القهر لها والإضرار، وقال ابن عباس في قوله: {ولا تعضلوهن}، يقول: ولا تقهروهن {لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن} يعني الرجل تكون له المرأة وهو كاره لصحبتها ولها عليه مهر فيضرها لتفتدي به، وكذا قال الضحاك وقتادة وغير واحد. واختاره ابن جرير، وقال ابن المبارك عن ابن السلاماني قال: نزلت هاتان الآيتان إحداهما في أمر الجاهلية، والأخرى في أمر الإسلام يعني قوله تعالى: {لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً} في الجاهلية، {ولا تعضلوهن} في الإسلام، وقوله: {إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} قال ابن مسعود، وابن عباس: يعني بذلك الزنا، يعني إذا زنت فلك أن تسترجع منها الصداق الذي أعطيتها، وتضاجرها حتى تتركه لك وتخالعها كما قال تعالى: {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلا أن يخافاً أن لا يقيما حدود اللّه} الآية، وقال ابن عباس وعكرمة والضحاك: الفاحشة المبينة النشوز والعصيان، واختار ابن جرير أنه يعم ذلك كله الزنا والعصيان، والنشوز وبذاء اللسان، وغير ذلك، يعني أن كله يبيح مضاجرتها حتى تبرئه من حقها أو بعضه ويفارقها، وهذا جيد واللّه أعلم. وهذا يقتضي أن يكون السياق كله كان في أمر الجاهلية ولكن نهي المسلمون عن فعله في الإسلام: وقال عبد الرحمن بن زيد: كان العضل في قريش بمكة: ينكح الرجل المرأة الشريفة، فلعلها لا توافقه فيفارقها على أن لا تتزوج إلا بإذنه، فيأتي بالشهود فيكتب ذلك عليها ويشهد، فإذا جاء الخاطب، فإن أعطته وأرضته أذن لها وإلا عضلها، قال فهذا قوله: {ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن} الآية. وقال مجاهد في قوله: {ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آيتمون} هو كالعضل في سورة البقرة، وقوله تعالى: {وعاشروهن بالمعروف} أي طيبوا أقوالكم لهن وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم، كما تحب ذلك منها فافعل أنت بها مثله، كما قال تعالى: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف}، وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (خيركم خيركم لأهله؛وأنا خيركم لأهلي)وكان من أخلاقه صلى اللّه عليه وسلم انه جميل العشرة، دائم البشر؛ يداعب أهله؛ ويتلطف بهم ويوسعهم نفقته، ويضاحك نساءه حتى أنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين رضي اللّه عنها يتودد إليها بذلك، قالت: سابقني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فسبقته وذلك قبل أن أحمل اللحم، ثم سابقته بعد ما حملت اللحم فسبقني، فقال: (هذه بتلك ويجمع نساءه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان، ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها، وكان ينام مع المرأة من نسائه في شعار واحد، يضع عن كتفيه الرداء وينام بالإزر، وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يسمر مع أهله قليلاً قبل أن ينام، يؤانسهم بذلك صلى اللّه عليه وسلم، وقد قال اللّه تعالى: {لقد كان لكم في رسول اللّه أسوة حسنة} وأحكام عشرة النساء وما يتعلق بتفصيل ذلك موضعه كتب الأحكام، وللّه الحمد. وقوله تعالى: {فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل اللّه فيه خيراً كثيراً}، أي فعسى أن يكون صبركم في إمساكهن مع الكراهة، فيه خير كثير لكم في الدنيا والآخرة، كما قال ابن عباس: هو أن يعطف عليها فيرزق منها ولداً، ويكون في ذلك الولد خير كثير، وفي الحديث الصحيح: (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن سخط منها خلقاً رضي منها آخر) وقوله تعالى: {وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبيناً} أي إذا أراد أحدكم أن يفارق امرأة ويستبدل مكانها غيرها، فلا يأخذ مما كان أصدق الأولى شيئاً ولو كان قنطاراً من المال، وفي هذه الآية دلالة على جواز الإصداق بالمال الجزيل، وقد كان عمر بن الخطاب نهى عن كثرة الإصداق ثم رجع عن ذلك كما قال الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب يقول: ألا لا تغالوا في صداق النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند اللّه كان أولاكم بها النبي صلى اللّه عليه وسلم، ما أصدق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية. طريق أخرى عن عمر: قال الحافظ أبو يعلى عن الشعبي عن مسروق قال: ركب عمر بن الخطاب منبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثم قال: أيها الناس ما إكثاركم في صداق النساء!! وقد كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم واصحابه والصدقات فيما بينهم أربعمائة درهم، فما دون ذلك. ولو كان الإكثار في ذلك تقوى عند اللّه أو كرامة لم تسبقوهم إليها. فلأعرفن ما زاد رجل في صداق امرأة على أربعمائة درهم. قال: ثم نزل. فاعترضته امرأة من قريش فقالت: يا أمير المؤمنين نهيت الناس عن يزيدوا في مهر النساء على اربعمائة درهم؟ قال: نعم، فقالت أما سمعت ما أنزل اللّه في القرآن؟ قال: وأي ذلك؟ فقالت: أما سمعت اللّه يقول: {وآتيتم إحداهن قنطاراً} الآية. قال: اللهم غفراً، كل الناس أفقه من عمر. ثم رجع فركب المنبر فقال: أيها الناس إني كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم، فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب. قال أبو يعلى: وظنه قال: فمن طابت نفسه فليفعل. إسناده جيد قوي. وفي رواية: امرأة أصابت ورجل أخطا، ولهذا قال منكراً: {وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض} أي وكيف تأخذون الصداق من المرأة وقد افضيت إليها وافضت إليك قال ابن عباس: يعني بذلك الجماع. وقد ثبت في الصحيحين أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال للمتلاعنين بعد فراغهما من تلاعنهما: (اللّه يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب) قالها ثلاثاً فقال الرجل: يا رسول اللّه مالي - يعني ما أصدقها - قال: (لا مال لك، إن كنت صدقت فهو بما استحللت من فرجها، وإن كنت كذبت عليها فهو أبعد لك منها) وقوله تعالى: {وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً} المراد بذلك العقد، وقال سفيان الثوري في قوله: {وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً} قال: إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، وقال الربيع بن أنس في الآية: هو قوله: (أخذتموهن بأمانة اللّه، وأستحللتم فروجهن بكلمة اللّه)، وفي صحيح مسلم عن جابر في خطبة حجة الوداع: أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال فيها: (واستوصوا بالنساء خيراً فإنكم أخذتموهن بأمانة اللّه، واستحللتم فروجهن بكلمة اللّه) وقوله تعالى: {ولا تنكحوا ما نكح أباؤكم من النساء} الآية، يحرم اللّه تعالى زوجات الآباء تكرمة لهم، وإعظاماً واحتراماً أن توطأ من بعده، حتى إنها لتحرم على الإبن بمجرد العقد عليها، وهذا أمر مجمع عليه. قال ابن أبي حاتم عن عدي بن ثابت عن رجل من الأنصار قال: لما توفي أبو قيس - يعني ابن الأسلت - وكان من صالحي الأنصار، فخطب ابنه قيس امرأته فقالت: إنما أعدُّك ولداً وأنت من صالحي قومك، ولكني آتي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقالت: إن أبا قيس توفي فقال: (خيراً)، ثم قالت: إن ابنه قيساً خطبني وهو من صالحي قومه، وإنما كنت أعدُّه ولداً فما ترى؟ فقال لها: (ارجعي إلى بيتك) قال فنزلت: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء} الآية. وقد زعم السهيلي أن نكاح نساء الآباء كان معمولاً به في الجاهلية، ولهذا قال: {إلا ما قد سلف} كما قال: {وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف} قال: وقد فعل ذلك كنانة بن خزيمة، تزوج بامرأة أبيه فأولدها ابنه النضر بن كنانة، قال: وقد قال صلى اللّه عليه وسلم ( ولدت من نكاح لا من سفاح) قال: فدل على أنه كان سائغاً لهم ذلك، فأراد أنهم كانوا يعدونه نكاحاً؛ وعن ابن عباس قال: كان أهل الجاهلية يحرمون ما حرم اللّه إلا امرأة الأب والجمع بين الأختين، فأنزل اللّه تعالى: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء}، {وأن تجمعوا بين الأختين}، وهكذا قال عطاء وقتادة، ولكن فيما نقله السهيلي من قصة كنانة نظر واللّه أعلم، وعلى كل تقدير فهو حرام في هذه الأمة، مبشع غاية التبشع، ولهذا قال تعالى: {إنه كان فاحشة ومقتاً وساء سبيلاً}، وقال: {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن}، وقال: {ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً} فزاد ههنا: {ومقتاً} أي بغضاً أي هو أمر كبير في نفسه، ويؤدي إلى مقت الأبن اباه بعد أن يتزوج بامرأته، فإن الغالب أن من تزوج بامرأة يبغض من كان زوجها قبله، ولهذا حرمت أمهات المؤمنين على الأمة لأنهن أمهات لكونهن زوجات النبي صلى اللّه عليه وسلم وهو كالأب، بل حقه أعظم من حق الآباء بالإجماع، بل حبه مقدم على حب النفوس صلوات اللّه وسلامه عليه. وقال عطاء في قوله تعالى: {ومقتاً} أي يمقت اللّه عليه، {وساء سبيلاً} أي وبئس طريقاً لمن سلكه من الناس، فمن تعاطاه بعد هذا فقد ارتد عن دينه، فيقتل ويصير ماله فيئاً لبيت المال، كما رواه الإمام أحمد وأهل السنن عن البراء بن عازب عن خاله أبي بردة: أنه بعثه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده أن يقتله ويأخذ ماله، وقال الإمام أحمد عن البراء بن عازب قال: مر بي عمي الحارث بن عميرومعه لواء قد عقده له النبي صلى اللّه عليه وسلم فقلت له: أي عم أين بعثك النبي؟ قال: بعثني إلى رجل تزوج امرأة أبيه فأمرني أن أضرب عنقه.

ِترجمة معني الآية

ِاردو | Espanol | Française | English | Malaysian | Indonesian | বাঙালি