نتيجة البحث: تفسير الآية و صورتها و تلاوتها


سورة النساء آية 19
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا ۖ وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ۚ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا

التفسير الميسر يا أيها الذين آمنوا لا يجوز لكم أن تجعلوا نساء آبائكم من جملة تَرِكتهم، تتصرفون فيهن بالزواج منهن، أو المنع لهن، أو تزويجهن للآخرين، وهن كارهات لذلك كله، ولا يجوز لكم أن تضارُّوا أزواجكم وأنتم كارهون لهن؛ ليتنازلن عن بعض ما آتيتموهن من مهر ونحوه، إلا أن يرتكبن أمرا فاحشا كالزنى، فلكم حينئذ إمساكهن حتى تأخذوا ما أعطيتموهن. ولتكن مصاحبتكم لنسائكم مبنية على التكريم والمحبة، وأداء ما لهن من حقوق. فإن كرهتموهن لسبب من الأسباب الدنيوية فاصبروا؛ فعسى أن تكرهوا أمرًا من الأمور ويكون فيه خير كثير.

تفسير الجلالين
19 - (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء) أي ذاتهن (كَرها) بالفتح والضم لغتان ، أي مكرهيهن على ذلك كانوا في الجاهلية يرثون نساء أقربائهم فإن شاءوا تزوجوهن بلا صداق أو زوجوها وأخذوا صداقها أو عضلوها حتى تفتدي بما ورثته أو تموت فيرثوها فنهوا عن ذلك (ولا) أن (تعضُلوهن) أي تمنعوا أزواجكم عن نكاح غيركم بإمساكهن ولا رغبة لكم فيهن ضراراً (لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن) من المهر (إلا أن يأتين بفاحشة مُبَيَّنة) بفتح الياء وكسرها ، أي بِيْنَتْ أو هي بينة ، أي زنا أو نشوز فلكم أن تضاروهن حتى يفتدين منكم ويختلعن (وعاشروهن بالمعروف) أي بالإجمال في القول والنفقة والمبيت (فإن كرهتموهن) فاصبروا (فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا) ولعله يجعل فيهن ذلك بأن يرزقكم منهن ولدا صالحا

تفسير القرطبي
فيه ثماني مسائل: الأولى: قوله تعالى {لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها} هذا متصل بما تقدم ذكره من الزوجات.
والمقصود نفي الظلم عنهن وإضرارهن؛ والخطاب للأولياء.
و{أن} في موضع رفع بـ {يحل}؛ أي لا يحل لكم وراثة النساء.
و{كرها} مصدر في موضع الحال.
واختلفت الروايات وأقوال المفسرين في سبب نزولها؛ فروى البخاري عن ابن عباس {يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن} قال : كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته، إن شاء بعضهم تزوجها، وإن شاؤوا زوجوها، وإن شاؤوا لم يزوجوها، فهم أحق بها من أهلها فنزلت هذه الآية في ذلك.
وأخرجه أبو داود بمعناه.
وقال الزهري وأبو مجلز : كان من عادتهم إذا مات الرجل يلقي ابنه من غيرها أو أقرب عصبته ثوبه على المرأة فيصير أحق بها من نفسها ومن أوليائها؛ فإن شاء تزوجها بغير صداق إلا الصداق الذي أصدقها الميت، وان شاء زوجها من غيره وأخذ صداقها ولم يعطها شيئا؛ وإن شاء عضلها لتفتدى منه بما ورثته من الميت أو تموت فيرثها، فأنزل الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها}.
فيكون المعنى : لا يحل لكم أن ترثوهن من أزواجهن فتكونوا أزواجا لهن.
وقيل : كان الوارث إن سبق فألقى عليها ثوبا فهو أحق بها، وإن سبقته فذهبت إلى أهلها كانت أحق بنفسها؛ قال السدي.
وقيل : كان يكون عند الرجل عجوز ونفسه تتوق إلى الشابة فيكره فراق العجوز لمالها فيمسكها ولا يقربها حتى تفتدي منه بمالها أو تموت فيرث مالها.
فنزلت هذه الآية.
وأمر الزوج أن يطلقها إن كره صحبتها ولا يمسكها كرها؛ فذلك قوله تعالى {لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها}.
والمقصود من الآية إذهاب ما كانوا عليه في جاهليتهم، وألا تجعل النساء كالمال يورثن عن الرجال كما يورث المال.
"وكرها" بضم الكاف قراءة حمزة والكسائي، الباقون بالفتح، وهما لغتان.
وقال القتبي : الكره (بالفتح) بمعنى الإكراه، والكره (بالضم) المشقة.
يقال : لتفعل ذلك طوعا أو كرها، يعني طائعا أو مكرها.
والخطاب للأولياء.
وقيل : لأزواج النساء إذا حبسوهن مع سوء العشرة طماعية إرثها، أو يفتدين ببعض مهورهن، وهذا أصح.
واختاره ابن عطية قال : ودليل ذلك قوله تعالى {إلا أن يأتين بفاحشة} وإذا أتت بفاحشة فليس للولي حبسها حتى يذهب بمالها إجماعا من الأمة، وإنما ذلك للزوج، على ما يأتي بيانه في المسألة بعد هذا.
الثانية: قوله تعالى {ولا تعضلوهن} قد تقدم معنى العضل وأنه المنع في {البقرة}.
{إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} اختلف الناس في معنى الفاحشة؛ فقال الحسن : هو الزنا، وإذا زنت البكر فإنها تجلد مائة وتنفى سنة، وترد إلى زوجها ما أخذت منه.
وقال أبو قلابة؛ إذا زنت امرأة الرجل فلا بأس أن يضارها ويشق عليها حتى تفتدي منه.
وقال السدي : إذا فعلن ذلك فخذوا مهورهن.
وقال ابن سيرين وأبو قلابة : لا يحل له أن يأخذ منها فدية إلا أن يجد على بطنها رجلا، قال الله تعالى {إلا أن يأتين بفاحشة مبينة}.
وقال ابن مسعود وابن عباس والضحاك وقتادة : الفاحشة المبينة في هذه الآية البغض والنشوز، قالوا : فإذا نشزت حل له أن يأخذ مالها؛ وهذا هو مذهب مالك.
قال ابن عطية : إلا أني لا أحفظ له نصا في الفاحشة في الآية.
وقال قوم : الفاحشة البذاء باللسان وسوء العشرة قولا وفعلا؛ وهذا في معنى النشوز.
ومن أهل العلم من يجيز أخذ المال من الناشز على جهة الخلع؛ إلا أنه يرى ألا يتجاوز ما أعطاها ركونا إلى قوله تعالى {لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن}.
وقال مالك وجماعة من أهل العلم : للزوج أن يأخذ من الناشز جميع ما تملك.
قال ابن عطية : والزنا أصعب على الزوج من النشوز والأذى، وكل ذلك فاحشة تحل أخذ المال.
قال أبو عمر : قول ابن سيرين وأبي قلابة عندي ليس بشيء؛ لأن الفاحشة قد تكون البذاء والأذى؛ ومنه قيل للبذيء : فاحش ومتفحش، وعلى أنه لو أطلع منها على الفاحشة كان له لعانها، وإن شاء طلقها؛ وأما أن يضارها حتى تفتدي منه بمالها فليس له ذلك، ولا أعلم أحدا قال : له أن يضارها ويسيء إليها حتى تختلع منه إذا وجدها تزني غير أبي قلابة.
والله أعلم.
وقال الله عز وجل {فإن خفتم ألا يقيما حدود الله} [البقرة : 229] يعني في حسن العشرة والقيام بحق الزوج وقيامه بحقها {فلا جناح عليهما فيما افتدت به} [البقرة : 229] وقال الله عز وجل {فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا} [النساء : 4] فهذه الآيات أصل هذا الباب.
وقال عطاء الخراساني : كان الرجل إذا أصابت امرأته فاحشة أخذ منها ما ساق إليها وأخرجها، فنسخ ذلك بالحدود.
وقول رابع {إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } إلا أن يزنين فيحبسن في البيوت، فيكون هذا قبل النسخ، وهذا في معنى قول عطاء، وهو ضعيف.
الثالثة: وإذا تنزلنا على القول بأن المراد بالخطاب في العضل الأولياء ففقهه أنه متى صح في ولي أنه عاضل نظر القاضي في أمر المرأة وزوجها.
إلا الأب في بناته؛ فإنه إن كان في عضله صلاح فلا يعترض، قولا واحدا، وذلك بالخاطب والخاطبين وإن صح عضله ففيه قولان في مذهب مالك : أنه كسائر الأولياء، يزوج القاضي من شاء التزويج من بناته وطلبه.
والقول الآخر - لا يعرض له.
الرابعة: يجوز أن يكون {تعضلوهن} جزما على النهى، فتكون الواو عاطفة جملة كلام مقطوعة من الأولى، ويجوز أن يكون نصبا عطفا على {أن ترثوا} فتكون الواو مشتركة عطفت فعلا على فعل.
وقرأ ابن مسعود "ولا أن تعضلوهن" فهذه القراءة تقوي احتمال النصب، وأن العضل مما لا يجوز بالنص.
الخامسة: قوله تعالى {مبينة} بكسر الياء قراءة نافع وأبي عمرو، والباقون بفتح الياء.
وقرأ ابن عباس "مبينة" بكسر الباء وسكون الياء، من أبان الشيء، يقال : أبان الأمر بنفسه، وأبنته وبين وبينته، وهذه القراءات كلها لغات فصيحة.
السادسة: قوله تعالى {وعاشروهن بالمعروف} أي على ما أمر الله به من حسن المعاشرة.
والخطاب للجميع، إذ لكل أحد عشرة، زوجا كان أو وليا؛ ولكن المراد بهذا الأمر في الأغلب الأزواج، وهو مثل قوله تعالى {فإمساك بمعروف} [البقرة : 229].
وذلك توفية حقها من المهر والنفقة، وألا يعبس في وجهها بغير ذنب، وأن يكون منطلقا في القول لا فظا ولا غليظا ولا مظهرا ميلا إلى غيرها.
والعشرة : المخالطة والممازجة.
ومنه قول طرفة : فلئن شطت نواها مرة ** لعلى عهد حبيب معتشر جعل الحبيب.
جمعا كالخليط والغريق.
وعاشره معاشرة، وتعاشر القوم واعتشروا.
فأمر الله سبحانه بحسن صحبة النساء إذا عقدوا عليهن لتكون أدمة ما بينهم وصحبتهم على الكمال، فإنه أهدأ للنفس وأهنأ للعيش.
وهذا واجب على الزوج ولا يلزمه في القضاء.
وقال بعضهم : هو أن يتصنع لها كما تتصنع له.
وقال يحيى بن عبدالرحمن الحنظلي : أتيت محمد بن الحنفية فخرج إلي في ملحفة حمراء ولحيته تقطر من الغالية، فقلت : ما هذا؟ قال : إن هذه الملحفة ألقتها علي امرأتي ودهنتني بالطيب، وإنهن يشتهين منا ما نشتهيه منهن.
وقال ابن عباس رضي الله عنه : إني أحب أن أتزين لامرأتي كما أحب أن تتزين المرأة لي.
وهذا داخل فيما ذكرناه.
قال ابن عطية : وإلى معنى الآية ينظر قول النبي صلى الله عليه وسلم : (فاستمتع بها وفيها عوج) أي لا يكن منك سوء عشرة مع اعوجاجها؛ فعنها تنشأ المخالفة وبها يقع الشقاق، وهو سبب الخلع.
السابعة: واستدل علماؤنا بقوله تعالى {وعاشروهن بالمعروف} على أن المرأة إذا كانت لا يكفيها خادم واحد أن عليه أن يخدمها قدر كفايتها، كابنة الخليفة والملك وشبههما ممن لا يكفيها خادم واحد، وأن ذلك هو المعاشرة بالمعروف.
وقال الشافعي وأبو حنيفة : لا يلزمه إلا خادم واحد - وذلك يكفيها خدمة نفسها، وليس في العالم امرأة إلا وخادم واحد يكفيها؛ وهذا كالمقاتل تكون له أفراس عدة فلا يسهم له إلا لفرس واحد؛ لأنه لا يمكنه القتال إلا على فرس واحد.
قال علماؤنا : وهذا غلط؛ لأن مثل بنات الملوك اللاتي لهن خدمة كثيرة لا يكفيها خادم واحد؛ لأنها تحتاج من غسل ثيابها لإصلاح مضجعها وغير ذلك إلى ما لا يقوم به الواحد، وهذا بين.
والله أعلم.
الثامنة: قوله تعالى {فإن كرهتموهن} أي لدمامة أو سوء خلق من غير ارتكاب فاحشة أو نشوز؛ فهذا يندب فيه إلى الاحتمال، فعسى أن يؤول الأمر إلى أن يرزق الله منها أولادا صالحين.
و{أن} رفع بـ {عسى} وأن والفعل مصدر.
قلت : ومن هذا المعنى ما ورد في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر) أو قال (غيره).
المعنى : أي لا يبغضها بغضا كليا يحمله على فراقها.
أي لا ينبغي له ذلك بل يغفر سيئتها لحسنتها ويتغاضى عما يكره لما يحب.
وقال مكحول : سمعت ابن عمر يقول : إن الرجل ليستخير الله تعالى فيخار له، فيسخط على ربه عز وجل فلا يلبث أن ينظر في العاقبة فإذا هو قد خير له.
وذكر ابن العربي قال أخبرني أبو القاسم بن حبيب بالمهدية، عن أبي القاسم السيوري عن أبي بكر بن عبدالرحمن حيث قال : كان الشيخ أبو محمد بن أبي زيد من العلم والدين في المنزلة والمعرفة.
وكانت له زوجة سيئة العشرة وكانت تقصر في حقوقه وتؤذيه بلسانها؛ فيقال له في أمرها ويعذل بالصبر عليها، فكان يقول : أنا رجل قد أكمل الله علي النعمة في صحة بدني ومعرفتي وما ملكت يميني، فلعلها بعثت عقوبة على ذنبي فأخاف إن فارقتها أن تنزل بي عقوبة هي أشد منها.
قال علماؤنا : في هذا دليل على كراهة الطلاق مع الإباحة.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (إن الله لا يكره شيئا أباحه إلا الطلاق والأكل وإن الله ليبغض المِعى إذا امتلأ).

تفسير ابن كثير روى البخاري عن ابن عباس: {يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً} قال: كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته إن شاء بعضهم تزوجها وإن شاءوا زوجوها، وإن شاءوا لم يزوجوها فهم أحق بها من أهلها، فنزلت هذه الآية: {يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً} هكذا ذكره البخاري وأبو داود والنسائي وروي عن ابن عباس: كانت المرأة في الجاهلية إذا توفي عنها زوجها فجاء رجل فألقى عليها ثوباً كان أحق بها، فنزلت: {يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً} وقال زيد بن أسلم في الآية: كان أهل يثرب إذا مات الرجل منهم في الجاهلية ورث امرأته من يرث ماله وكان يعضلها حتى يرثها، أو يزوجها من أراد، وكان أهل تهامة يسيء الرجل صحبة المرأة حتى يطلقها، ويشترط عليها أن لا تنكح إلا من أراد حتى تفتدي منه ببعض ما أعطاها فنهى اللّه المؤمنين عن ذلك. وقال أبو بكر بن مردويه عن محمد ابن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه قال: لما توفي أبو قيس بن الأسلت أراد ابنه أن يتزوج امرأته وكان لهم ذلك في الجاهلية فأنزل اللّه: {لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً} وقال ابن جريج: نزلت في كبيشة بنت معن بن عاصم بن الأوس توفي عنها أبو قيس بن الأسلت فجنح عليها ابنه فجاءت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقالت يا رسول اللّه: لا أنا ورثت زوجي ولا أنا تركت فأنكح، فأنزل اللّه هذه الآية. فالآية تعم ما كان يفعله أهل الجاهلية وكل ما كان فيه نوع من ذلك واللّه أعلم. وقوله: {ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن} أي لا تضاروهن في العشرة لتترك لك ما أصدقتها أو بعضه أو حقاً من حقوقها عليك، أو شيئاً من ذلك على وجه القهر لها والإضرار، وقال ابن عباس في قوله: {ولا تعضلوهن}، يقول: ولا تقهروهن {لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن} يعني الرجل تكون له المرأة وهو كاره لصحبتها ولها عليه مهر فيضرها لتفتدي به، وكذا قال الضحاك وقتادة وغير واحد. واختاره ابن جرير، وقال ابن المبارك عن ابن السلاماني قال: نزلت هاتان الآيتان إحداهما في أمر الجاهلية، والأخرى في أمر الإسلام يعني قوله تعالى: {لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً} في الجاهلية، {ولا تعضلوهن} في الإسلام، وقوله: {إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} قال ابن مسعود، وابن عباس: يعني بذلك الزنا، يعني إذا زنت فلك أن تسترجع منها الصداق الذي أعطيتها، وتضاجرها حتى تتركه لك وتخالعها كما قال تعالى: {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلا أن يخافاً أن لا يقيما حدود اللّه} الآية، وقال ابن عباس وعكرمة والضحاك: الفاحشة المبينة النشوز والعصيان، واختار ابن جرير أنه يعم ذلك كله الزنا والعصيان، والنشوز وبذاء اللسان، وغير ذلك، يعني أن كله يبيح مضاجرتها حتى تبرئه من حقها أو بعضه ويفارقها، وهذا جيد واللّه أعلم. وهذا يقتضي أن يكون السياق كله كان في أمر الجاهلية ولكن نهي المسلمون عن فعله في الإسلام: وقال عبد الرحمن بن زيد: كان العضل في قريش بمكة: ينكح الرجل المرأة الشريفة، فلعلها لا توافقه فيفارقها على أن لا تتزوج إلا بإذنه، فيأتي بالشهود فيكتب ذلك عليها ويشهد، فإذا جاء الخاطب، فإن أعطته وأرضته أذن لها وإلا عضلها، قال فهذا قوله: {ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن} الآية. وقال مجاهد في قوله: {ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آيتمون} هو كالعضل في سورة البقرة، وقوله تعالى: {وعاشروهن بالمعروف} أي طيبوا أقوالكم لهن وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم، كما تحب ذلك منها فافعل أنت بها مثله، كما قال تعالى: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف}، وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (خيركم خيركم لأهله؛وأنا خيركم لأهلي)وكان من أخلاقه صلى اللّه عليه وسلم انه جميل العشرة، دائم البشر؛ يداعب أهله؛ ويتلطف بهم ويوسعهم نفقته، ويضاحك نساءه حتى أنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين رضي اللّه عنها يتودد إليها بذلك، قالت: سابقني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فسبقته وذلك قبل أن أحمل اللحم، ثم سابقته بعد ما حملت اللحم فسبقني، فقال: (هذه بتلك ويجمع نساءه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان، ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها، وكان ينام مع المرأة من نسائه في شعار واحد، يضع عن كتفيه الرداء وينام بالإزر، وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يسمر مع أهله قليلاً قبل أن ينام، يؤانسهم بذلك صلى اللّه عليه وسلم، وقد قال اللّه تعالى: {لقد كان لكم في رسول اللّه أسوة حسنة} وأحكام عشرة النساء وما يتعلق بتفصيل ذلك موضعه كتب الأحكام، وللّه الحمد. وقوله تعالى: {فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل اللّه فيه خيراً كثيراً}، أي فعسى أن يكون صبركم في إمساكهن مع الكراهة، فيه خير كثير لكم في الدنيا والآخرة، كما قال ابن عباس: هو أن يعطف عليها فيرزق منها ولداً، ويكون في ذلك الولد خير كثير، وفي الحديث الصحيح: (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن سخط منها خلقاً رضي منها آخر) وقوله تعالى: {وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبيناً} أي إذا أراد أحدكم أن يفارق امرأة ويستبدل مكانها غيرها، فلا يأخذ مما كان أصدق الأولى شيئاً ولو كان قنطاراً من المال، وفي هذه الآية دلالة على جواز الإصداق بالمال الجزيل، وقد كان عمر بن الخطاب نهى عن كثرة الإصداق ثم رجع عن ذلك كما قال الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب يقول: ألا لا تغالوا في صداق النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند اللّه كان أولاكم بها النبي صلى اللّه عليه وسلم، ما أصدق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية. طريق أخرى عن عمر: قال الحافظ أبو يعلى عن الشعبي عن مسروق قال: ركب عمر بن الخطاب منبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثم قال: أيها الناس ما إكثاركم في صداق النساء!! وقد كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم واصحابه والصدقات فيما بينهم أربعمائة درهم، فما دون ذلك. ولو كان الإكثار في ذلك تقوى عند اللّه أو كرامة لم تسبقوهم إليها. فلأعرفن ما زاد رجل في صداق امرأة على أربعمائة درهم. قال: ثم نزل. فاعترضته امرأة من قريش فقالت: يا أمير المؤمنين نهيت الناس عن يزيدوا في مهر النساء على اربعمائة درهم؟ قال: نعم، فقالت أما سمعت ما أنزل اللّه في القرآن؟ قال: وأي ذلك؟ فقالت: أما سمعت اللّه يقول: {وآتيتم إحداهن قنطاراً} الآية. قال: اللهم غفراً، كل الناس أفقه من عمر. ثم رجع فركب المنبر فقال: أيها الناس إني كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم، فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب. قال أبو يعلى: وظنه قال: فمن طابت نفسه فليفعل. إسناده جيد قوي. وفي رواية: امرأة أصابت ورجل أخطا، ولهذا قال منكراً: {وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض} أي وكيف تأخذون الصداق من المرأة وقد افضيت إليها وافضت إليك قال ابن عباس: يعني بذلك الجماع. وقد ثبت في الصحيحين أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال للمتلاعنين بعد فراغهما من تلاعنهما: (اللّه يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب) قالها ثلاثاً فقال الرجل: يا رسول اللّه مالي - يعني ما أصدقها - قال: (لا مال لك، إن كنت صدقت فهو بما استحللت من فرجها، وإن كنت كذبت عليها فهو أبعد لك منها) وقوله تعالى: {وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً} المراد بذلك العقد، وقال سفيان الثوري في قوله: {وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً} قال: إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، وقال الربيع بن أنس في الآية: هو قوله: (أخذتموهن بأمانة اللّه، وأستحللتم فروجهن بكلمة اللّه)، وفي صحيح مسلم عن جابر في خطبة حجة الوداع: أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال فيها: (واستوصوا بالنساء خيراً فإنكم أخذتموهن بأمانة اللّه، واستحللتم فروجهن بكلمة اللّه) وقوله تعالى: {ولا تنكحوا ما نكح أباؤكم من النساء} الآية، يحرم اللّه تعالى زوجات الآباء تكرمة لهم، وإعظاماً واحتراماً أن توطأ من بعده، حتى إنها لتحرم على الإبن بمجرد العقد عليها، وهذا أمر مجمع عليه. قال ابن أبي حاتم عن عدي بن ثابت عن رجل من الأنصار قال: لما توفي أبو قيس - يعني ابن الأسلت - وكان من صالحي الأنصار، فخطب ابنه قيس امرأته فقالت: إنما أعدُّك ولداً وأنت من صالحي قومك، ولكني آتي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقالت: إن أبا قيس توفي فقال: (خيراً)، ثم قالت: إن ابنه قيساً خطبني وهو من صالحي قومه، وإنما كنت أعدُّه ولداً فما ترى؟ فقال لها: (ارجعي إلى بيتك) قال فنزلت: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء} الآية. وقد زعم السهيلي أن نكاح نساء الآباء كان معمولاً به في الجاهلية، ولهذا قال: {إلا ما قد سلف} كما قال: {وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف} قال: وقد فعل ذلك كنانة بن خزيمة، تزوج بامرأة أبيه فأولدها ابنه النضر بن كنانة، قال: وقد قال صلى اللّه عليه وسلم ( ولدت من نكاح لا من سفاح) قال: فدل على أنه كان سائغاً لهم ذلك، فأراد أنهم كانوا يعدونه نكاحاً؛ وعن ابن عباس قال: كان أهل الجاهلية يحرمون ما حرم اللّه إلا امرأة الأب والجمع بين الأختين، فأنزل اللّه تعالى: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء}، {وأن تجمعوا بين الأختين}، وهكذا قال عطاء وقتادة، ولكن فيما نقله السهيلي من قصة كنانة نظر واللّه أعلم، وعلى كل تقدير فهو حرام في هذه الأمة، مبشع غاية التبشع، ولهذا قال تعالى: {إنه كان فاحشة ومقتاً وساء سبيلاً}، وقال: {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن}، وقال: {ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً} فزاد ههنا: {ومقتاً} أي بغضاً أي هو أمر كبير في نفسه، ويؤدي إلى مقت الأبن اباه بعد أن يتزوج بامرأته، فإن الغالب أن من تزوج بامرأة يبغض من كان زوجها قبله، ولهذا حرمت أمهات المؤمنين على الأمة لأنهن أمهات لكونهن زوجات النبي صلى اللّه عليه وسلم وهو كالأب، بل حقه أعظم من حق الآباء بالإجماع، بل حبه مقدم على حب النفوس صلوات اللّه وسلامه عليه. وقال عطاء في قوله تعالى: {ومقتاً} أي يمقت اللّه عليه، {وساء سبيلاً} أي وبئس طريقاً لمن سلكه من الناس، فمن تعاطاه بعد هذا فقد ارتد عن دينه، فيقتل ويصير ماله فيئاً لبيت المال، كما رواه الإمام أحمد وأهل السنن عن البراء بن عازب عن خاله أبي بردة: أنه بعثه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده أن يقتله ويأخذ ماله، وقال الإمام أحمد عن البراء بن عازب قال: مر بي عمي الحارث بن عميرومعه لواء قد عقده له النبي صلى اللّه عليه وسلم فقلت له: أي عم أين بعثك النبي؟ قال: بعثني إلى رجل تزوج امرأة أبيه فأمرني أن أضرب عنقه.

ِترجمة معني الآية

ِاردو | Espanol | Française | English | Malaysian | Indonesian | বাঙালি