نتيجة البحث: تفسير الآية و صورتها و تلاوتها


سورة الواقعة آية 81
أَفَبِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ

التفسير الميسر أفبهذا القرآن أنتم -أيها المشركون- مكذِّبون؟

تفسير الجلالين
81 - (أفبهذا الحديث) القرآن (أنتم مدهنون) متهاونون مكذبون

تفسير القرطبي
قوله تعالى {أفبهذا الحديث} يعني القرآن {أنتم مدهنون} أي مكذبون، قال ابن عباس وعطاء وغيرهما.
والمدهن الذي ظاهره خلاف باطنه، كأنه شبه بالدهن في سهولة ظاهر.
وقال مقاتل بن سليمان وقتادة : مدهنون كافرون، نظيره {ودوا لو تدهن فيدهنون}[القلم : 9].
وقال المؤرج : المدهن المنافق أو الكافر الذي يلين جانبه ليخفي كفره، والإدهان والمداهنة التكذيب والكفر النفاق، وأصله اللين، وأن يسر خلاف ما يظهر، وقال أبو قيس بن الأسلت : الحزم والقوة خير من ** الإدهان والفهة والهاع وأدهن وداهن واحد.
وقال قوم : داهنت بمعنى واريت وأدهنت بمعنى غششت.
وقال الضحاك {مدهنون} معرضون.
مجاهد : ممالئون الكفار على الكفر به.
ابن كيسان : المدهن الذي لا يعقل ما حق الله عليه ويدفعه بالعلل.
وقال بعض اللغويين : مدهنون تاركون للجزم في قبول القرآن.
قوله تعالى {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون} قال ابن عباس : تجعلون شكركم التكذيب.
وذكر الهيثم بن عدي : أن من لغة أزد شنوءة ما رزق فلان؟ أي ما شكره.
وإنما صلح أن يوضع اسم الرزق مكان شكره، لأن شكر الرزق يقتضي الزيادة فيه فيكون الشكر رزقا على هذا المعنى.
فقيل {وتجعلون رزقكم} أي شكر رزقكم الذي لو وجد منكم لعاد رزقا لكم {أنكم تكذبون} بالرزق أن تضعوا الرزق مكان الشكر، كقوله تعالى {وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية} [الأنفال : 35] أي لم يكونوا يصلون ولكنهم كانوا يصفرون ويصفقون مكان الصلاة.
ففيه بيان أن ما أصاب العباد من خير فلا ينبغي أن يروه من قبل الوسائط التي جرت العادة بأن تكن أسباب، بل ينبغي أن يروه من قبل الله تعالى، ثم يقابلونه بشكر إن كان نعمة، أو صبر إن كان مكروها تعبدا له وتذللا.
وروي عن علي بن أبي طالب رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسم قرأ {وتجعلون بشكركم أنكم تكذبون} حقيقة.
وعن ابن عباس أيضا : أن المراد به الاستسقاء بالأنواء، وهو قول العرب : مطرنا بنوء كذا، رواه علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله لعليه وسلم.
وفي صحيح مسلم عن ابن عباس قال : مطر الناس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر قالوا هذه رحمة الله وقال بعضهم لقد صدق نوء كذا وكذا، قال : فنزلت هذه الآية {فلا أقسم بمواقع النجوم حتى بلغ وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون}.
وعنه أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في سفر فعطشوا فقال النبي صلى الله عليه وسلم {أرأيتم إن دعوت الله لكم فسقيتم لعلكم تقولون هذا المطر بنوء كذا) فقالوا يا رسول الله ما هذا بحين الأنواء.
فصلى ركعتين ودعا ربه فهاجت ريح ثم هاجت سحابة فمطروا، فمر النبي صلى الله عليه وسلم ومعه عصابة من أصحابه برجل يغترف بقدح له وهو يقول سقينا بنوء كذا، ولم يقل هذا من رزق الله فنزلت {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون} أي شكركم لله على رزقه إياكم {أنكم تكذبون} بالنعمة وتقولون سقينا بنوء كذا، كقولك : جعلت إحساني إليك إساءة منك إلي، وجعلت إنعامي لديك أن اتخذتني عدوا.
وفي الموطأ عن زيد بن خالد الجهني أنه قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحدبية على إثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس وقال : (أتدرون ماذا قال ربكم) قالوا : الله ورسول أعلم، قال : (أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بالكوكب فأما من مطرنا بفضل الله ورحمته فذللك مؤمن بي كافر بالكوكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا فذلك بالكوكب كافر بي).
قال الشافعي رحمه الله : لا أحب أحدا أن يقول مطرنا بنوء كذا وكذا، وإن كان النوء عندنا الوقت المخلوق لا يضر ولا ينفع، ولا يمطر ولا يحبس شيئا من المطر، والذي أحب أن يقول : مطرنا وقت كذا كما تقول مطرنا شهر كذا، ومن قال : مطرنا بنوء كذا، وهو يريد أن النوء أنزل الماء، كما عني بعض، أهل الشرك من الجاهلية بقوله فهو كافر، حلال دمه إن لم يتب.
وقال أبو عمر بن عبدالبر : وأما قوله عليه الصلاة والسلام حاكيا عن الله سبحانه : (أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر) فمعناه عندي على وجهين : أما أحدهما فإن المعتقد بأن النوء هو الموجب لنزول الماء، وهو المنشئ للسحاب دون الله عز وجل فذلك كافر كفرا صريحا يجب استتابته عليه وقتله إن أبى لنبذه الإسلام ورده القرآن.
والوجه الآخر أن يعتقد أن النوء ينزل الله به الماء، وأنه سبب الماء على ما قدره الله وسبق في علمه، وهذا وإن كان وجها مباحا، فإن فيه أيضا كفرا بنعمة الله عز وجل، وجهلا بلطيف حكمته في أنه ينزل الماء متى شاء، مرة بنوء كذا، ومرة بنوء كذا، وكثيرا ما ينوء النوء فلا ينزل معه شيء من الماء، وذلك من الله تعالى لا من النوء.
وكذلك كان أبو هريرة يقول إذا أصبح وقد مطر : مطرنا بنوء الفتح، ثم يتلو {ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها} [فاطر : 2] قال أبو عمر : وهذا عندي نحو قول وسول الله صلى الله عليه وسلم : (مطرنا بفضل الله ورحمته).
ومن هذا الباب قول عمر بن الخطاب للعباس بن عبدالمطلب حين استسقى به : يا عم رسول الله صلى الله عليه وسلم كم بقي من نوء الثريا؟ فقال العباس : العلماء يزعمون أنها تعترض في الأفق سبعا بعد سقوطها.
فما مضت سابعة حتى مطروا، فقال عمر : الحمد لله هذا بفضل الله ورحمته.
وكان عمر رحمه الله قد علم أن نوء الثريا وقت يرجى فيه المطر ويؤمل فسأله عنه أخرج أم بقيت منه بقية؟.
وروى سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أمية أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا في بعض أسفاره يقول : مطرنا ببعض عثانين الأسد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (كذبت بل هو سقيا الله عز وجل) قال سفيان : عثانين الأسد الذراع والجبهة.
وقراءة العامة {تكذبون} من التكذيب.
وقرأ المفضل عن عاصم ويحيى بن وثاب {تكذبون} بفتح التاء مخففا.
ومعناه ما قدمناه من قول من قال : مطرنا بنوء كذا.
وثبت من حديث أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ثلاث لن يزلن في أمتي التفاخر في الأحساب والنياحة والأنواء) ولفظ مسلم في هذا (أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن الفخر في الأحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة).
قوله تعالى {فلولا إذا بلغت الحلقوم} أي فهلا إذا بلغت النفس أو الروح الحلقوم.
ولم يتقدم لها ذكر، لأن المعنى معروف، قال حاتم.
أماوي ما يغني الثراء عن الفتى ** إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر وفي حديث : (إن ملك الموت له أعوان يقطعون العروق يجمعون الروح شيئا فشيئا حتى ينتهى بها إلى الحلقوم فيتوفاها ملك الموت).
{وأنتم حينئذ تنظرون} أمري وسلطاني.
وقيل : تنظرون إلى الميت لا تقدرون له على شيء.
وقال ابن عباس : يريد من حضر من أهل الميت ينتظرون متى تخرج نفسه.
ثم قيل : هو رد عليهم في قولهم لإخوانهم {لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا} [آل عمران : 156] أي فهل ردوا روح الواحد منهم إذا بلغت الحلقوم.
وقيل : المعنى فهلا إذا بلغت نفس أحدكم الحلقوم عند النزع وأنتم حضور أمسكتم روحه في جسده، مع حرصكم على امتداد عمره، وحبكم لبقائه.
وهذا ردا لقولهم {نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر} [الجاثية : 24].
وقيل : هو خطاب لمن هو في النزع، أي إن لم يك ما بك من الله فهلا حفظت على نفسك الروح.
{ونحن أقرب إليه منكم} أي بالقدرة والعلم والرؤية.
قال عامر بن عبد القيس : ما نظر إلى شيء إلا رأيت الله تعالى أقرب إلى منه.
وقيل أراد ورسلنا الذين يتولون قبضه {أقرب إليه منكم} {ولكن لا تبصرون} أي لا ترونهم.
قوله تعالى {فلولا إن كنتم غير مدينين} أي فهلا إن كنتم غير محاسبين ولا مجزيين بأعمالكم، ومنه قوله تعالى {أإنا لمدينون} [الصافات : 53] أي مجزيون محاسبون.
وقد تقدم.
وقيل : غير مملوكين ولا مقهورين.
قال الفراء وغيره : دنته ملكته، وأنشد للحطيئة : لقد دنيت أمر بنيك حتى ** تركتهم أدق من الطحين يعني ملكت.
ودانه أي أدله واستعبده، يقال : دنته فدان.
وقد مضى في الفاتحة القول في هذا عند قوله تعالى {يوم الدين}.
{ترجعونها} ترجعون الروح إلى الجسد.
{إن كنتم صادقين} أي ولن ترجعوها فبطل زعمكم أنكم غير مملوكين ولا محاسبين.
و{ترجعونها} جواب لقوله تعالى {فلولا إذا بلغت الحلقوم} ولقوله {فلولا إن كنتم غير مدينين} أجيبا بجواب واحد، قاله الفراء.
وربما أعادت العرب الحرفين ومعناهما واحد، ومنه قوله تعالى{فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون} [البقرة : 38] أجيبا بجواب واحد وهما شرطان.
وقيل : حذف أحدهما لدلالة الآخر عليه.
وقيل : فيها تقديم وتأخير، مجازها : فلولا وهلا إن كنتم غير مدينين ترجعونها، تردون نفس هذا الميت إلى جسده إذا بلغت الحلقوم.

تفسير ابن كثير قال الضحّاك: إن اللّه تعالى لا يقسم بشيء من خلقه، ولكنه استفتاح يستفتح به كلامه، وهذا القول ضعيف، والذي عليه الجمهور أنه قسم من اللّه تعالى يقسم بما شاء من خلقه وهو دليل على عظمته، ثم قال بعض المفسرين: لا ههنا زائدة، وتقديره: أقسم بمواقع النجوم، ويكون جوابه: {إنه لقرآن كريم}، وقال آخرون: ليست لا زائدة بل يؤتى بها في أول القسم إذا كان مقسماً به على منفي، تقدير الكلام: لا أقسم بمواقع النجوم، ليس الأمر كما زعمتم في القرآن أنه سحر أو كهانة بل هو قرآن كريم، وقال بعضهم: معنى قوله {فلا أقسم}: فليس الأمر كما تقولون، ثم استأنف القسم بعد ذلك فقيل اقسم ""ذكره ابن جرير عن بعض أهل العربية""، واختلفوا في معنى قوله: {بمواقع النجوم} فقال ابن عباس: يعني نجوم القرآن، فإنه نزل جملة ليلة القدر من السماء العليا إلى السماء الدنيا، ثم نزل مفرقاً في السنين بعد، ثم قرأ ابن عباس هذه الآية، وقال مجاهد: {مواقع النجوم} في السماء ويقال مطالعها ومشارقها، وهو اختيار ابن جرير، وعن قتادة: مواقعها: منازلها، وعن الحسن: أن المراد بذلك انتثارها يوم القيامة، وقوله {وإنه لقسم لو تعلمون عظيم} أي وإن هذا القسم الذي أقسمت به لقسم عظيم، لو تعلمون عظمته لعظمتم المقسم به، {إنه لقرآن كريم} أي إن هذا القرآن الذي نزل على محمد لكتاب عظيم {في كتاب مكنون} أي معظم في كتاب محفوظ موقر، عن ابن عباس قال: الكتاب الذي في السماء، {لا يمسه إلا المطهرون} يعني الملائكة، وقال ابن جرير، عن قتادة {لا يمسه إلا المطهرون} قال: لا يمسه عند اللّه إلا المطهرون، فأما في الدنيا فإنه يمسه المجوسي النجس، والمنافق الرجس، وقال أبو العالية: {لا يمسه إلا المطهرون} ليس أنتم أصحاب الذنوب، وقال ابن زيد: زعمت كفّار قريش أن هذا القرآن تنزلت به الشياطين، فأخبر اللّه تعالى أنه لا يمسه إلا المطهرون، كما قال تعالى: {وما تنزلت به الشياطين وما ينبغي لهم وما يستطيعون إنهم عن السمع لمعزولون}، وهذا القول قول جيد، وهو لا يخرج عن الأقوال التي قبله، وقال الفراء: لا يجد طعمه ونفعه إلا من آمن به، وقال آخرون: ههنا المصحف، كما روى مسلم عن ابن عمر: (أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو) ""أخرجه مسلم في صحيحه""، واحتجوا بما رواه الإمام مالك أن في الكتاب الذي كتبه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لعمرو بن حزم أن (لا يمس القرآن إلا طاهر) وروى أبو داود في المراسيل من حديث الزهري قال: قرأت في صحيفة عبد اللّه بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (ولا يمس القرآن إلا طاهر) وهذه وجادة جيدة قد قرأها الزهري وغيره، ومثل هذا ينبغي الأخذ به. وقوله تعالى: {تنزيل من رب العالمين} أي هذا القرآن منزل من اللّه رب العالمين، وليس هو كما يقولون إنه سحر أو كهانة أو شعر، بل هو الحق الذي لا مرية فيه، وليس وراءه حق نافع، وقوله تعالى: {أفبهذا الحديث أنتم مدهنون} قال ابن عباس: أي مكذبون غير مصدقين، وقال مجاهد: {مدهنون} أي تريدون أن تمالئوهم فيه وتركنوا إليهم {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون} قال بعضهم: معنى {وتجعلون رزقكم} بمعنى شكركم أنكم تكذبون بدل الشكر، عن علي رضي اللّه عنه قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (وتجعلون) رزقكم يقول: شكركم أنكم تكذبون، تقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا، بنجم كذا وكذا) ""أخرجه أحمد وابن أبي حاتم، ورواه الترمذي وقال: حسن غريب""، وقال مجاهد: {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون} قال: قولهم في الأنواء: مطرنا بنوء كذا وبنوء كذا يقول: قولوا هو من عند اللّه وهو رزقه وهكذا قال الضحّاك وغير واحد ، وقال قتادة: أما الحسن فكان يقول: بئس ما أخذ قوم لأنفسهم، لم يرزقوا من كتاب اللّه إلا التكذيب، فمعنى قول الحسن هذا وتجعلون حظكم من كتاب اللّه أنكم تكذبون به، ولهذا قال قبله: {أفبهذا الحديث أنتم مدهنون وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون}.

ِترجمة معني الآية

ِاردو | Espanol | Française | English | Malaysian | Indonesian | বাঙালি