نتيجة البحث: تفسير الآية و صورتها و تلاوتها


سورة النساء آية 5
وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا

التفسير الميسر ولا تؤتوا -أيها الأولياء- من يُبَذِّر من الرجال والنساء والصبيان أموالهم التي تحت أيديكم فيضعوها في غير وجهها، فهذه الأموال هي التي عليها قيام حياة الناس، وأنفقوا عليهم منها واكسوهم، وقولوا لهم قولا معروفًا من الكلام الطيب والخلق الحسن.

تفسير الجلالين
5 - (ولا تؤتوا) أيها الأولياء (السفهاء) المبذرين من الرجال والنساء والصبيان (أموالكم) أي أموالهم التي في أيديكم (التي جعل الله لكم قياماً) مصدر قام ، أي تقوم بمعاشكم وصلاح أولادكم فيضعوها في غير وجهها ، وفي قراءة {قِيَماً} جمع قيمة ، ما تُقَوَّمُ به الأمتعة (وارزقوهم فيها) أطعموهم منها (واكسوهم وقولوا لهم قولاً معروفاً) عُدوهم عِدة جميلة بإعطائهم أموالهم إذا رشدوا

تفسير القرطبي
فيه عشر مسائل: الأولى: لما أمر الله تعالى بدفع أموال اليتامى إليهم في قوله {وآتوا اليتامى أموالهم} وإيصال الصدقات إلى الزوجات، بين أن السفيه وغير البالغ لا يجوز دفع ماله إليه.
فدلت الآية على ثبوت الوصي والولي والكفيل للأيتام.
وأجمع أهل العلم على أن الوصية إلى المسلم الحر الثقة العدل جائزة.
واختلفوا في الوصية إلى المرأة الحرة؛ فقال عوام أهل العلم : الوصية لها جائزة.
واحتج أحمد بأن عمر رضي الله عنه أوصى إلى حفصة.
وروي عن عطاء بن أبي رباح أنه قال في رجل أوصى إلى امرأته قال : لا تكون المرأة وصيا؛ فإن فعل حولت إلى رجل من قومه.
واختلفوا في الوصية إلى العبد؛ فمنعه الشافعي وأبو ثور ومحمد ويعقوب.
وأجازه مالك والأوزاعي وابن عبدالحكم.
وهو قول النخعي إذا أوصى إلى عبده.
وقد مضى القول في هذا في "البقرة" مستوفى.
الثانية: قوله تعالى {السفهاء} قد مضى في "البقرة" معنى السفه لغة.
واختلف العلماء في هؤلاء السفهاء، من هم؟ فروى سالم الأفطس عن سعيد بن جبير قال : هم اليتامى لا تؤتوهم أموالكم.
قال النحاس : وهذا من أحسن ما قيل في الآية.
وروى إسماعيل بن أبي خالد عن أبي مالك قال : هم الأولاد الصغار، لا تعطوهم أموالكم فيفسدوها وتبقوا بلا شيء.
وروى سفيان عن حميد الأعرج عن مجاهد قال : هم النساء.
قال النحاس وغيره : وهذا القول لا يصح؛ إنما تقول العرب في النساء سفائه أو سفيهات؛ لأنه الأكثر في جمع فعيلة.
ويقال : لا تدفع مالك مضاربة ولا إلى وكيل لا يحسن التجارة.
وروي عن عمر أنه قال : من لم يتفقه فلا يتجر في سوقنا؛ فذلك قوله تعالى {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم} يعني الجهال بالأحكام.
ويقال : لا تدفع إلى الكفار؛ ولهذا كره العلماء أن يوكل المسلم ذميا بالشراء والبيع، أو يدفع إليه مضاربة.
وقال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه : (السفهاء هنا كل من يستحق الحجر).
وهذا جامع.
وقال ابن خويز منداد : وأما الحجر على السفيه فالسفيه له أحوال : حال يحجر عليه لصغره، وحالة لعدم عقله بجنون أو غيره، وحالة لسوء نظره لنفسه في ماله.
فأما المغمى عليه فاستحسن مالك ألا يحجر عليه لسرعة زوال ما به.
والحجر يكون مرة في حق الإنسان ومرة في حق غيره؛ فأما المحجور عليه في حق نفسه من ذكرنا.
والمحجور عليه في حق غيره العبد والمديان والمريض في الثلثين، والمفلس وذات الزوج لحق الزوج، والبكر في حق نفسها.
فأما الصغير والمجنون فلا خلاف في الحجر عليهما.
وأما الكبير فلأنه لا يحسن النظر لنفسه في ماله، ولا يؤمن منه إتلاف ماله في غير وجه، فأشبه الصبي؛ وفيه خلاف يأتي.
ولا فرق بين أن يتلف ماله في المعاصي أو القرب والمباحات.
واختلف أصحابنا إذا أتلف ماله في القرب؛ فمنهم من حجر عليه، ومنهم من لم يحجر عليه.
والعبد لا خلاف فيه.
والمديان ينزع ما بيده لغرمائه؛ لإجماع الصحابة، وفعل عمر ذلك بأسيفع جهينة؛ ذكره مالك في الموطأ.
والبكر ما دامت في الخدر محجور عليها؛ لأنها لا تحسن النظر لنفسها.
حتى إذا تزوجت ودخل إليها الناس، وخرجت وبرز وجهها عرفت المضار من المنافع.
وأما ذات الزوج فلأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (لا يجوز لامرأة ملك زوجها عصمتها قضاء في مالها إلا في ثلثها).
قلت : وأما الجاهل بالأحكام وإن كان غير محجور عليه لتنميته لماله وعدم تدبيره، فلا يدفع إليه المال؛ لجهله بفاسد البياعات وصحيحها وما يحل وما يحرم منها.
وكذلك الذمي مثله في الجهل بالبياعات ولما يخاف من معاملته بالربا وغيره.
والله أعلم.
واختلفوا في وجه إضافة المال إلى المخاطبين على هذا، وهي للسفهاء؛ فقيل : أضافها إليهم لأنها بأيديهم وهم الناظرون فيها فنسبت إليهم اتساعا؛ كقوله تعالى {فسلموا على أنفسكم} [النور : 61] وقوله {فاقتلوا أنفسكم} [البقرة : 54].
وقيل : أضافها إليهم لأنها من جنس أموالهم؛ فإن الأموال جعلت مشتركة بين الخلق تنتقل من يد إلى يد، ومن ملك إلى ملك، أي هي لهم إذا احتاجوها كأموالكم التي تقي أعراضكم وتصونكم وتعظم أقداركم، وبها قوام أمركم.
وقول ثان قاله أبو موسى الأشعري وابن عباس والحسن وقتادة : (أن المراد أموال المخاطبين حقيقة).
قال ابن عباس : (لا تدفع مالك الذي هو سبب معيشتك إلى امرأتك وابنك وتبقى فقيرا تنظر إليهم وإلى ما في أيديهم؛ بل كن أنت الذي تنفق عليهم).
فالسفهاء على هذا هم النساء والصبيان؛ صغار ولد الرجل وامرأته.
وهذا يخرج مع قول مجاهد وأبي مالك في السفهاء.
الثالثة: ودلت الآية على جواز الحجر على السفيه؛ لأمر الله عز وجل بذلك في قوله {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم} وقال {فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا} [البقرة : 282].
فأثبت الولاية على السفيه كما أثبتها على الضعيف.
وكان معنى الضعيف راجعا إلى الصغير، ومعنى السفيه إلى الكبير البالغ؛ لأن السفه اسم ذم ولا يذم الإنسان على ما لم يكتسبه، والقلم مرفوع عن غير البالغ، فالذم والحرج منفيان عنه؛ قاله الخطابي.
الرابعة: واختلف العلماء في أفعال السفيه قبل الحجر عليه؛ فقال مالك وجميع أصحابه غير ابن القاسم : إن فعل السفيه وأمره كله جائز حتى يضرب الإمام على يده.
وهو قول الشافعي وأبي يوسف.
وقال ابن القاسم : أفعال غير جائزة وإن لم يضرب عليه الإمام.
وقال أصبغ : إن كان ظاهر السفه فأفعاله مردودة، وإن كان غير ظاهر السفه فلا ترد أفعاله حتى يحجر عليه الإمام.
واحتج سحنون لقول مالك بأن قال : لو كانت أفعال السفيه مردودة قبل الحجر ما أحتاج السلطان أن يحجر على أحد.
وحجة ابن القاسم ما رواه البخاري من حديث جابر أن رجلا أعتق عبدا ليس له مال غيره فرده النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن حجر عليه قبل ذلك.
الخامسة: واختلفوا في الحجر على الكبير؛ فقال مالك وجمهور الفقهاء : يحجر عليه.
وقال أبو حنيفة : لا يحجر على من بلغ عاقلا إلا أن يكون مفسدا لماله؛ فإذا كان كذلك منع من تسليم المال إليه حتى يبلغ خمسا وعشرين سنة، فإذا بلغها سلم إليه بكل حال، سواء كان مفسدا أو غير مفسد؛ لأنه يحبل منه لاثنتي عشرة سنة، ثم يولد له لستة أشهر فيصير جدا وأبا، وأنا أستحي أن أحجر على من يصلح أن يكون جدا.
وقيل عنه : إن في مدة المنع من المال إذا بلغ مفسدا ينفذ تصرفه على الإطلاق، وإنما يمنع من تسليم المال احتياطا.
وهذا كله ضعيف في النظر والأثر.
وقد روى الدارقطني : حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن الصواف أخبرنا حامد بن شعيب أخبرنا شريح بن يونس أخبرنا يعقوب بن إبراهيم - هو أبو يوسف القاضي - أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه أن عبدالله بن جعفر أتى الزبير فقال : إني اشتريت بيع كذا وكذا، وإن عليا يريد أن يأتي أمير المؤمنين فيسأله أن يحجر علي فيه.
فقال الزبير : أنا شريكك في البيع.
فأتى علي عثمان فقال : إن ابن جعفر اشترى بيع كذا وكذا فاحجر عليه.
فقال الزبير : فأنا شريكه في البيع.
فقال عثمان : كيف أحجر على رجل في بيع شريكه فيه الزبير؟ قال يعقوب : أنا آخذ بالحجر وأراه، وأحجر وأبطل بيع المحجور عليه وشراءه، وإذا اشترى أو باع قبل الحجر أجزت بيعه.
قال يعقوب بن إبراهيم : وإن أبا حنيفة لا يحجر ولا يأخذ بالحجر.
فقول عثمان : كيف أحجر على رجل، دليل على جواز الحجر على الكبير؛ فإن عبدالله بن جعفر ولدته أمه بأرض الحبشة، وهو أول مولود ولد في الإسلام بها، وقدم مع أبيه على النبي صلى الله عليه وسلم عام خيبر فسمع منه وحفظ عنه.
وكانت خيبر سنة خمس من الهجرة.
وهذا يرد على أبي حنيفة قوله.
وستأتي حجته إن شاء الله تعالى.
السادسة: قوله تعالى {التي جعل الله لكم قياما} أي لمعاشكم وصلاح دينكم.
وفي {التي} ثلاث لغات : التي واللت بكسر التاء واللت بإسكانها.
وفي تثنيتها أيضا ثلاث لغات : اللتان واللتا بحذف النون واللتان بشد النون.
وأما الجمع فتأتي لغاته في موضعه من هذه السورة إن شاء الله تعالى.
والقيام والقوام : ما يقيمك بمعنى.
يقال : فلان قيام أهله وقوام بيته، وهو الذي يقيم شأنه، أي يصلحه.
ولما انكسرت القاف من قوام أبدلوا الواو ياء.
وقراءة أهل المدينة "قيما" بغير ألف.
قال الكسائي والفراء : قيما وقواما بمعنى قياما، وانتصب عندهما على المصدر.
أي ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي تصلح بها أموركم فيقوموا بها قياما.
وقال الأخفش : المعنى قائمة بأموركم.
يذهب إلى أنها جمع.
وقال البصريون : قيما جمع قيمة؛ كديمة وديم، أي جعلها الله قيمة للأشياء.
وخطأ أبو علي هذا القول وقال : هي مصدر كقيام وقوام وأصلها قوم، ولكن شذت في الرد إلى الياء كما شذ قولهم : جياد في جمع جواد ونحوه.
وقوما وقواما وقياما معناها ثباتا في صلاح الحال ودواما في ذلك.
وقرأ الحسن والنخعي "اللاتي" جعل على جمع التي، وقراءة العامة "التي" على لفظ الجماعة.
قال الفراء : الأكثر في كلام العرب "النساء اللواتي، والأموال التي" وكذلك غير الأموال؛ ذكره النحاس.
السابعة: قوله تعالى {وارزقوهم فيها واكسوهم} قيل : معناه اجعلوا لهم فيها أو افرضوا لهم فيها.
وهذا فيمن يلزم الرجل نفقته وكسوته من زوجته وبنيه الأصاغر.
فكان هذا دليلا على وجوب نفقة الولد على الوالد والزوجة على زوجها.
وفي البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (أفضل الصدقة ما ترك غنى واليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول تقول المرأة إما أن تطعمني وإما أن تطلقني ويقول العبد أطعمني واستعملني ويقول الابن أطعمني إلى من تدعني) ؟ فقالوا : يا أبا هريرة، سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال : لا، هذا من كيس أبي هريرة!.
قال المهلب : النفقة على الأهل والعيال واجبة بإجماع؛ وهذا الحديث حجة في ذلك.
الثامنة: قال ابن المنذر : واختلفوا في نفقة من بلغ من الأبناء ولا مال له ولا كسب؛ قالت طائفة : على الأب أن ينفق على ولده الذكور حتى يحتلموا، وعلى النساء حتى يتزوجن ويدخل بهن.
فإن طلقها بعد البناء أو مات عنها فلا نفقة لها على أبيها.
وإن طلقها قبل البناء فهي على نفقتها.
التاسعة: ولا نفقة لولد الولد على الجد؛ هذا قول مالك.
وقالت طائفة : ينفق على ولد ولده حتى يبلغوا الحلم والمحيض.
ثم لا نفقة عليه إلا أن يكونوا زمنى، وسواء في ذلك الذكور والإناث ما لم يكن لهم أموال، وسواء في ذلك ولده أو ولد ولده وإن سفلوا ما لم يكن لهم أب دونه يقدر على النفقة عليهم؛ هذا قول الشافعي.
وأوجبت طائفة النفقة لجميع الأطفال والبالغين من الرجال والنساء إذا لم يكن لهم أموال يستغنون بها عن نفقة الوالد؛ على ظاهر قوله عليه السلام لهند : (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف).
وفي حديث أبي هريرة (يقول الابن أطعمني إلى من تدعني؟) يدل على أنه إنما يقول ذلك من لا طاقة له على الكسب والتحرف.
ومن بلغ سن الحلم فلا يقول ذلك؛ لأنه قد بلغ حد السعي على نفسه والكسب لها، بدليل قوله تعالى {حتى إذا بلغوا النكاح} [النساء : 6] الآية.
فجعل بلوغ النكاح حدا في ذلك.
وفي قوله : (تقول المرأة إما أن تطعمني وإما أن تطلقني) يرد على من قال : لا يفرق بالإعسار ويلزم المرأة الصبر؛ وتتعلق النفقة بذمته بحكم الحاكم.
هذا قول عطاء والزهري.
وإليه ذهب الكوفيون متمسكين بقوله تعالى {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} [البقرة : 280].
قالوا : فوجب أن ينظر إلى أن يوسر.
وقوله تعالى {وأنكحوا الأيامى منكم} الآية [النور : 32] .
قالوا : فندب تعالى إلى إنكاح الفقير؛ فلا يجوز أن يكون الفقر سببا للفرقة وهو مندوب منعه إلى النكاح.
ولا حجة لهم في هذه الآية على ما يأتي بيانه في موضعها.
والحديث نص في موضع الخلاف.
وقيل : الخطاب لولي اليتيم لينفق عليه من ماله الذي له تحت نظره؛ على ما تقدم من الخلاف في إضافة المال.
فالوصي ينفق على اليتيم على قدر ماله وحاله؛ فإن كان صغيرا وماله كثير اتخذ له ظئرا وحواضن ووسع عليه في النفقة.
وإن كان كبيرا قدر له ناعم اللباس وشهي الطعام والخدم.
وإن كان دون ذلك فبحسبه.
وإن كان دون ذلك فخشن الطعام واللباس قدر الحاجة.
فإن كان اليتيم فقيرا لا مال له وجب على الإمام القيام به من بيت المال؛ فإن لم يفعل الإمام وجب ذلك على المسلمين الأخص به فالأخص.
وأمه أخص به فيجب عليها إرضاعه والقيام به.
ولا ترجع عليه ولا على أحد.
وقد مضى في البقرة عند قوله {والوالدات يرضعن أولادهن} [البقرة : 233].
العاشرة: قوله تعالى {وقولوا لهم قولا معروفا} أراد تليين الخطاب والوعد الجميل.
واختلف في القول المعروف؛ فقيل : معناه ادعوا لهم : بارك الله فيكم، وحاطكم وصنع لكم، وأنا ناظر لك، وهذا الاحتياط يرجع نفعه إليك.
وقيل : معناه وعدوهم وعدا حسنا؛ أي إن رشدتم دفعنا إليكم أموالكم.
ويقول الأب لابنه : مالي إليك مصيره، وأنت إن شاء الله صاحبه إذا ملكت رشدك وعرفت تصرفك.

تفسير ابن كثير ينهى سبحانه وتعالى عن تمكين السفهاء من التصرف في الأموال، التي جعلها اللّه للناس قياماً، أي تقوم بها معايشهم من التجارات وغيرها، ومن ههنا يؤخذ الحِجر على السفهاء وهم أقسام: فتارة يكون الحجر للصغر، فإن الصغير مسلوب العبارة، وتارة يكون الحجر للجنون، وتارة لسوء التصرف لنقص العقل أو الدين، وتارة للفَلس وهو ما إذا أحاطت الديون برجل وضاق ماله عن وفائها، فإذا سأل الغرماء الحاكم الحجر عليه حجر عليه، وقال ابن عباس في قوله: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم} قال: هم بَنُوكَ والنساء، وقال الضحاك: هم النساء والصبيان، وقال سعيد بن جبير: هم اليتامى، وقال مجاهد وعكرمة: هم النساء، وقال ابن أبي حاتم عن أبي أمامة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (إن النساء سفهاء إلا التي أطاعت قيّمها) ""أخرجه ابن ابي حاتم ورواه ابن مردويه مطولاً""وقوله: {وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولاً معروفا} قال ابن عباس لا تعمد إلى مالك وما خوّلك اللّه وجعله لك معيشة، فتعطيه امرأتك أو بنتك، ثم تنظر إلى ما في أيديهم، ولكن أمسك مالك وأصلحه، وكن أنت الذي تنفق عليهم من كسوتهم ومؤنتهم ورزقهم. وقال ابن جرير عن أبي موسى قال: ثلاثة يدعون اللّه فلا يستجيب لهم، رجل له امرأة سيئة الخلق فلم يطلقها، ورجل أعطى ماله سفيهاً، وقد قال اللّه: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم}، ورجل كان له على رجل دين فلم يشهد عليه. وقال مجاهد {وقولوا لهم قولا معروفا} يعني في البر والصلة، وهذه الآية الكريمة تضمنت الإحسان إلى العائلة في الكساوى والأرزاق، بالكلام الطيب وتحسين الأخلاق وقوله تعالى : {وابتلوا اليتامى} أي اختبروهم {حتى إذا بلغوا النكاح} قال مجاهد: يعني الحلم، قال الجمهور من العلماء: البلوغ في الغلام تارة يكون بالحلم، وهو أن يرى في منامه ما ينزل به الماء الدافق الذي يكون منه الولد، وعن علي: قال حفظت من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم (لا يُتْمَ بعد احتلام، ولا صُمَات يومٍ إلى الليل) وفي الحديث الآخر عن عائشة وغيرها من الصحابة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يحلم - أو يستكمل خمس عشرة سنة - وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق)، وأخذوا ذلك من الحديث الثابت في الصحيحن عن ابن عمر قال: عُرِضتُ على النبي صلى اللّه عليه وسلم يوم أُحد وأنا ابن اربع عشرة فلم يجزني، وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني، فقال عمر بن عبد العزيز لما بلغه هذا الحديث: إن هذا الفرق بين الصغير والكبير، وقال أبو عبيد في الغريب عن عمر: أن غلاما ابتهر جارية في شِعره، فقال عمر: انظروا إليه فلم يوجد أنبت فدرأ عنه الحد، قال أبو عبيدة: ابتهرها أي قذفها، والإبتهار: أن يقول فعلت بها وهو كاذب، فإن كان صادقاً فهو الإبتهار قال الكميت في شعره: قبيح بمثلي نعت الفتاة ** إما ابتهاراً وإما ابتيارا وقوله عز وجل: {فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم} يعني صلاحا في دينهم وحفظاً لأموالهم كذا روي عن ابن عباس والحسن البصري وغير واحد من الأئمة، وهكذا قال الفقهاء: إذا بلغ الغلام مصلحاً لدينه وماله انفك الحجر عنه، فيسلم إليه ماله الذي تحت يد وليه، وقوله: {ولا تأكلوها إسرافاً وبداراً أن يكبروا} ينهى تعالى عن أكل أموال اليتامى من غير حاجة ضرورية {إسرافاً وبداراً} أي مبادرة قبل بلوغهم، ثم قال تعالى: {ومن كان غنياً فليستعفف} عنه ولا يأكل منه شيئاً، وقال الشعبي: هو عليه كالميتة والدم، {ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف} نزلت في والي اليتيم الذي يقوم عليه ويصلحه إذا كان محتاجاً أن يأكل منه. عن عائشة قالت: أنزلت هذه الآية في والي اليتيم {ومن كان غنياً فليستعفف ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف} بقدر قيامه عليه. قال الفقهاء: له أن يأكل من أقل الأمرين أجرة مثله أو قدر حاجته، واختلفوا هل يرد إذا أيسر؟ على قولين: أحدهما لا، لأنه أكل بأجرة عمله وكان فقيراً، وهذا هو الصحيح عند أصحاب الشافعي، لأن الآية أباحت الأكل من غير بدل. روي أن رجلاً جاء إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: إن عندي يتيماً عنده مال وليس لي مال، آكل من ماله؟ قال: ( كل بالمعروف غير مسرف) ""رواه ابن أبي حاتم وأبو داود والنسائي"". وقال ابن جرير: جاء أعرابي إلى ابن عباس فقال: إن في حجري أيتاماً، وإن لهم إبلاً ولي إبل، وأنا أمنح من إبلي فقراء، فماذا يحل من ألبانها؟ فقال: إن كنت تبغي ضالتها وتهنا جرباها وتلوط حوضها وتسعى عليها فاشرب غير مضر بنسل، ولا ناهك في الحلب ""أخرجه ابن جرير ورواه مالك في الموطأ"". والثاني: نعم، لأن مال اليتيم على الحظر، وإنما أبيح للحاجة، فيرد بدله كأكل مال الغير للمضطر عند الحاجة، وقد قال ابن أبي الدنيا: قال عمر رضي اللّه عنه: إني أنزلت نفسي من هذا المال منزلة والي اليتيم، إن استغنيت استعففت، وإن احتجت استقرضت، فإذا أيسرت قضيت. وعن ابن عباس: {ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف}، قال: يأكل من ماله يقوت على نفسه حتى لا يحتاج إلى مال اليتيم، وقال عامر الشعبي: لا يأكل منه إلا أن يضطر إليه كما يضطر إلى الميتة فإن أكل منه قضاه {ومن كان غنياً فليستعفف} يعني من الأولياء {ومن كان فقيراً} أي منهم {فليأكل بالمعروف} أي بالتي هي أحسن كما قال في الآية الأخرة: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده} أي لا تقربوه إلا مصلحين له فإن احتجتم إليه أكلتم منه بالمعروف. وقوله تعالى: {فإذا دفعتم إليهم أموالهم} يعني بعد بلوغهم الحلم وإيناسكم الرشد منهم فحينئذ سلموا إليهم أموالهم، فإذا دفعتم إليهم أموالهم {فأشهدوا عليهم} وهذا أمر من اللّه تعالى للأولياء أن يشهدوا على الأيتام إذا بلغوا الحلم وسلموا إليهم أموالهم لئلا يقع من بعضهم جحود وإنكار لما قبضه وتسلمه. ثم قال: {وكفى باللّه حسيباً} أي وكفى باللّه حسيباً وشاهداً ورقيباً على الأولياء، في حال نظرهم للأيتام وحال تسليمهم لأموالهم، هل هي كاملة موفرة أو منقوصة مبخوسة؟ ولهذا ثبت في صحيح مسلم أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (يا ابا ذر إني أراك ضعيفاً، وإني أحب لك ما أحب لنفسي: لا تَأَمرنَّ على اثنين، ولا تَلِينَ مال يتيم)

ِترجمة معني الآية

ِاردو | Espanol | Française | English | Malaysian | Indonesian | বাঙালি