نتيجة البحث: تفسير الآية و صورتها و تلاوتها


سورة النجم آية 11
مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ

التفسير الميسر علَّم محمدًا صلى الله عليه وسلم مَلَك شديد القوة، ذو منظر حسن، وهو جبريل عليه السلام، الذي ظهر واستوى على صورته الحقيقية للرسول صلى الله عليه وسلم في الأفق الأعلى، وهو أفق الشمس عند مطلعها، ثم دنا جبريل من الرسول صلى الله عليه وسلم، فزاد في القرب، فكان دنوُّه مقدار قوسين أو أقرب من ذلك. فأوحى الله سبحانه وتعالى إلى عبده محمد صلى الله عليه وسلم ما أوحى بواسطة جبريل عليه السلام. ما كذب قلب محمد صلى الله عليه وسلم ما رآه بصره.

تفسير الجلالين
11 - (ما كذب) بالتخفيف والتشديد أنكر (الفؤاد) فؤاد النبي (ما رأى) ببصره من صور جبريل

تفسير القرطبي
قوله تعالى {ما كذب الفؤاد ما رأى} أي لم يكذب قلب محمد صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج؛ وذلك أن الله تعالى جعل بصره في فؤاده حتى رأى ربه تعالى وجعل الله تلك رؤية.
وقيل : كانت رؤية حقيقة بالبصر.
والأول مروي عن ابن عباس.
وفي صحيح مسلم أنه رآه بقلبه.
وهو قول أبي ذر وجماعة من الصحابة.
والثاني قول أنس وجماعة.
وروي عن ابن عباس أيضا أنه قال : أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم، والكلام لموسى، والرؤية لمحمد صلى الله عليه وسلم.
وروي عن ابن عباس أيضا أنه قال : أما نحن بني هاشم فنقول إن محمدا رأى ربه مرتين.
وقد مضى القول في هذا في [الأنعام] عند قوله {لا تدركه} الأبصار وهو يدرك الأبصار} [الأنعام : 103].
وروى محمد بن كعب قال : قلنا يا رسول الله صلى الله عليك رأيت ربك؟ قال : (رأيته بفؤادي مرتين) ثم قرأ {ما كذب الفؤاد ما رأى}.
وقول : ثالث أنه رأى جلاله وعظمته؛ قال الحسن.
وروى أبو العالية قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك؟ قال : (رأيت نهرا ورأيت وراء النهر حجابا ورأيت وراء الحجاب نورا لم أر غير ذلك).
""وفي صحيح مسلم عن أبي ذر""قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك؟ قال : (نور أنى أراه) المعنى غلبني من النور وبهرني منه ما منعني من رؤيته.
ودل على هذا الرواية الأخرى (رأيت نورا).
وقال ابن مسعود : رأى جبريل على صورته مرتين.
وقرأ هشام عن ابن عامر وأهل الشام {ما كذب} بالتشديد أي ما كذب قلب محمد ما رأى بعينه تلك الليلة بل صدقه.
فـ {ما} مفعول بغير حرف مقدر؛ لأنه يتعدى مشددا بغير حرف.
ويجوز أن تكون {ما} بمعنى الذي والعائد محذوف، ويجوز أن يكون مع الفعل مصدرا.
الباقون مخففا؛ أي ما كذب فؤاد محمد فيما رأى؛ فأسقط حرف الصفة.
قال حسان رضي الله عنه : لوكنت صادقة الذي حدثتني ** لنجوت منجى الحارث بن هشام أي في الذي حدثتني.
ويجوز أن يكون مع الفعل مصدرا.
ويجوز أن يكون بمعنى الذي؛ أي ما كذب فؤاد محمد صلى الله عليه وسلم الذي رأى.
قوله تعالى {أفتمارونه على ما يرى} قرأ حمزة والكسائي {أفتمرونه} بفتح التاء من غير ألف على معنى أفتجحدونه.
واختاره أبو عبيد؛ لأنه قال : لم يماروه وإنما جحدوه.
يقال : مراه حقه أي جحده ومريته أنا؛ قال الشاعر : لئن هجرت أخا صدق ومكرمة ** لقد مريت أخا ما كان يمريكا أي جحدته.
وقال المبرد : يقال مراه عن حقه وعلى حقه إذا منعه منه ودفعه عنه.
قال : ومثل على بمعنى عن قول بني كعب بن ربيعة : رضي الله عليك؛ أي رضي عنك.
وقرأ الأعرج ومجاهد {أفتمرونه} بضم التاء من غير ألف من أمريت؛ أي تريبونه وتشككونه.
الباقون {أفتمارونه} بألف، أي أتجادلونه وتدافعونه في أنه رأى الله؛ والمعنيان متداخلان؛ لأن مجادلتهم جحود.
وقيل : إن الجحود كان دائما منهم وهذا جدال جديد؛ قالوا : صف لنا بيت المقدس وأخبرنا عن عيرنا التي في طريق الشام.
على ما تقدم.
قوله تعالى {ولقد رآه نزلة أخرى} {نزلة} مصدر في موضع الحال كأنه قال : ولقد رآه نازلا نزلة أخرى.
قال ابن عباس : رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه مرة أخرى بقلبه.
""روى مسلم عن أبي العالية"" عنه قال {ما كذب الفؤاد ما رأى} {ولقد رآه نزلة أخرى} قال : رآه بفؤاده مرتين؛ فقوله {نزلة أخرى} يعود إلى محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإنه كان له صعود ونزول مرارا بحسب أعداد الصلوات المفروضة، فلكل عرجة نزلة.
وعلى هذا قوله تعالى {عند سدرة المنتهى} أي ومحمد صلى الله عليه وسلم عند سدرة المنتهى وفي بعض تلك النزلات.
وقال ابن مسعود وأبو هريرة في تفسير قوله تعالى {ولقد رآه نزلة أخرى} أنه جبريل.
ثبت هذا أيضا في صحيح مسلم.
وقال ابن مسعود : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (رأيت جبريل بالأفق الأعلى له ستمائة جناح يتناثر من ريشه الدر والياقوت) ذكره المهدوي.
قوله تعالى {عند سدرة المنتهى} {عند} من صلة {رآه} على ما بينا.
والسدر شجر النبق وهي في السماء السادسة، وجاء في السماء السابعة.
""والحديث بهذا في صحيح مسلم""؛ الأول ما رواه مرة عن عبدالله قال : لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى به إلى سدرة المنتهى، وهي في السماء السادسة، إليها ينتهي ما يعرج به من الأرض فيقبض منها، وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها، قال {إذ يغشى السدرة ما يغشى} قال : فراش من ذهب، قال : فأعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا : أعطي الصلوات الخمس، وأعطي خواتيم سورة البقرة، وغفر لمن لم يشرك بالله من أمته شيئا المقحمات.
الحديث الثاني رواه قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لما رفعت إلى سدرة المنتهى في السماء السابعة نبقها مثل قلال هجر وورقها مثل آذان الفيلة يخرج من ساقها نهران ظاهران ونهران باطنان قلت يا جبريل ما هذا قال أما الباطنان ففي الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات)""لفظالدارقطني.
"" والنبق بكسر الباء : ثمر السدر الواحد نبقة.
ويقال : نبق بفتح النون وسكون الباء؛ ذكرهما يعقوب في الإصلاح وهي لغة المصريين، والأولى أفصح وهي التي ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
و""روى الترمذي عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما"" قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول - وقد ذكر له سدرة المنتهى - قال : (يسير الراكب في ظل الغصن منها مائة سنة أو يستظل بظلها مائة راكب - شك يحيى - فيها فراش الذهب كأن ثمرها القلال) قال أبو عيسى : هذا حديث حسن.
قلت : ""وكذا لفظ مسلم من حديث ثابت عن أنس (ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى وإذا ورقها كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلال فلما غشيها من أمر الله عز وجل ما غشي تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها).
واختلف لم سميت سدرة المنتهى على أقوال تسعة : الأول : ما تقدم عن ابن مسعود أنه ينتهي إليها كلما يهبط من فوقها ويصعد من تحتها.
الثاني : أنه ينتهي علم الأنبياء إليها ويعزب علمهم عما وراءها؛ قاله ابن عباس.
الثالث : أن الأعمال تنتهي إليها وتقبض منها؛ قاله الضحاك.
الرابع : لانتهاء الملائكة والأنبياء إليها ووقوفهم عندها؛ قاله كعب.
الخامس : سميت سدرة المنتهى لأنها ينتهي إليها أرواح الشهداء؛ قاله الربيع بن أنس.
السادس : لأنه تنتهي إليها أرواح المؤمنين؛ قاله قتادة.
السابع : لأنه ينتهي إليها كل من كان على سنة محمد صلى الله عليه وسلم ومنهاجه؛ قاله علي رضي الله عنه والربيع بن أنس أيضا.
الثامن : هي شجرة على رءوس حملة العرش إليها ينتهي علم الخلائق؛ قاله كعب أيضا.
قلت : يريد - والله أعلم - أن ارتفاعها وأعالي أغصانها قد جاوزت رءوس حملة العرش؛ ودليله على ما تقدم من أن أصلها في السماء السادسة وأعلاها في السماء السابعة، ثم علت فوق ذلك حتى جاوزت رءوس حملة العرش.
والله أعلم.
التاسع : سميت بذلك لأن من رفع إليها فقد انتهى في الكرامة.
وعن أبي هريرة لما أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى به إلى سدرة المنتهى فقيل له هذه سدرة المنتهى ينتهي إليها كل أحد خلا من أمتك على سنتك؛ فإذا هي شجرة يخرج من أصلها أنهار من ماء غير آسن ! وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفى، وإذا هي شجرة يسير الراكب المسرع في ظلها مائة عام لا يقطعها، والورقة منها تغطي الأمة كلها؛ ذكره الثعلبي.
قوله تعالى {عندها جنة المأوى} تعريف بموضع جنة المأوى وأنها عند سدرة المنتهى.
وقرأ علي وأبو هريرة وأنس وأبو سبرة الجهني وعبدالله بن الزبير ومجاهد {عندها جنة المأوى} يعني جنه المبيت.
قال مجاهد : يريد أجنه.
والهاء للنبي صلى الله عليه وسلم.
وقال الأخفش : أدركه كما تقول جنه الليل أي ستره وأدركه.
وقراءة العامة {جنة المأوى}قال الحسن : هي التي يصير إليها المتقون.
وقيل : إنها الجنة التي يصير إليها أرواح الشهداء؛ قاله ابن عباس.
وهى عن يمين العرش.
وقيل : هي الجنة التي آوى إليها آدم عليه الصلاة والسلام إلى أن أخرج منها وهي في السماء السابعة.
وقيل : إن أرواح المؤمنين كلهم في جنة المأوى.
وإنما قيل لها : جنة المأوى لأنها تأوي إليها أرواح المؤمنين وهي تحت العرش فيتنعمون بنعيمها ويتنسمون بطيب ريحها.
وقيل : لأن جبريل وميكائيل عليهما السلام يأويان إليها.
والله أعلم.
قوله تعالى {إذ يغشى السدرة ما يغشى} قال ابن عباس والضحاك وابن مسعود وأصحابه: فراش من ذهب.
ورواه مرفوعا ابن مسعود وابن عباس إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد تقدم في صحيح مسلم عن ابن مسعود قوله.
وقال الحسن : غشيها نور رب العالمين فاستنارت.
قال القشيري : وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما غشيها؟ قال : (فراش من ذهب).
وفي خبر آخر (غشيها نور من الله حتى ما يستطيع أحد أن ينظر إليها).
وقال الربيع بن أنس : غشيها نور الرب والملائكة تقع عليها كما يقع الغربان على الشجرة.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (رأيت السدرة يغشاها فراش من ذهب ورأيت على كل ورقة ملكا قائما يسبح الله تعالى وذلك قوله {إذ يغشى السدرة ما يغشى}) ذكره المهدوي والثعلبي.
وقال أنس بن مالك {إذ يغشى السدرة ما يغشى} قال جراد من ذهب وقد رواه مرفوعا.
وقال مجاهد : إنه رفرف أخضر.
وعنه عليه السلام : (يغشاها رفرف من طير خضر).
وعن ابن عباس : يغشاها رب العزة أي أمره كما في صحيح مسلم مرفوعا : (فلما غشيها من أمر الله ما غشي).
وقيل : هو تعظيم الأمر؛ كأنه قال : إذ يغشى السدرة ما أعلم الله به من دلائل ملكوته.
وهكذا قوله تعالى {فأوحى إلى عبده ما أوحى} {والمؤتفكة أهوى.
فغشاها ما غشى} [النجم :53 ـ 54] ومثل ه{الحاقة ما الحاقة} [الحاقة : 1].
وقال الماوردي في معاني القرآن له : فإن قيل لم اختيرت السدرة لهذا الأمر دون غيرها من الشجر؟ قيل : لأن السدرة تختصى بثلاثة أوصاف : ظل مديد، وطعم لذيذ، ورائحة ذكية؛ فشابهت الإيمان الذي يجمع قولا وعملا ونية؛ فظلها من الإيمان بمنزلة العمل لتجاوزه، وطعمها بمنزلة النية لكونه، ورائحتها بمنزلة القول لظهوره.
و""روى أبو داود في سننه"" قال : حدثنا نصر بن علي قال حدثنا أبو أسامة عن ابن جريج عن عثمان بن أبي سليمان عن سعيد بن محمد بن جبير بن مطعم عن عبدالله بن حبشي، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار) وسئل أبو داود عن معنى هذا الحديث فقال : هذا الحديث مختصر يعني من قطع سدرة في فلاة يستظل بها ابن السبيل والبهائم عبثا وظلما بغير حق يكون له فيها صوب الله رأسه في النار.
قوله تعالى {ما زاغ البصر وما طغى} قال ابن عباس : أي ما عدل يمينا ولا شمالا، ولا تجاوز الحد الذي رأى.
وقيل : ما جاوز ما أمر به.
وقيل : لم يمد بصره إلى غير ما رأى من الآيات.
وهذا وصف أدب للنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك المقام؛ إذ لم يلتفت يمينا ولا شمالا.
{لقد رأى من آيات ربه الكبرى} قال ابن عباس : رأى رفرفا سد الأفق.
""ذكر البيهقي عن عبدالله""قال : ({رأى من آيات ربه الكبرى} قال ابن عباس : رأى رفرفا أخضر سد أفق السماء.
وعنه قال : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام في حلة رفرف أخضر، قد ملأ ما بين السماء والأرض) قال البيهقي : قوله في الحديث (رأى رفرفا) يريد جبريل عليه السلام في صورته في رفرف، والرفرف البساط.
ويقال : فراش.
ويقال : بل هو ثوب كان لباسا له؛ فقد روي أنه رآه في حلة رفرف.
قلت : ""خرجه الترمذي عن عبدالله""قال : ({ما كذب الفؤاد ما رأى} قال : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام في حلة من رفرف قد ملأ ما بين السماء والأرض) قال : هذا حديث حسن صحيح.
قلت : وقد روي عن ابن عباس في قوله تعالى {دنا فتدلى} أنه على التقديم والتأخير؛ أي تدلى الرفرف لمحمد صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج فجلس عليه ثم رفع فدنا من ربه.
قال : (فارقني جبريل وانقطعت عني الأصوات وسمعت كلام ربي) فعلى هذا الرفرف ما يقعد ويجلس عليه كالبساط وغيره.
وهو بالمعنى الأول جبريل.
قال عبدالرحمن بن زيد ومقاتل بن حيان : رأى جبريل عليه السلام في صورته التي يكون فيها في السموات؛ وكذا في صحيح مسلم عن عبدالله قال {لقد رأى من آيات ربه الكبرى}قال رأى جبريل في صورته له ستمائة جناح.
ولا يبعد مع هذا أن يكون في حلة رفرف وعلى رفرف.
والله أعلم.
وقال الضحاك : رأى سدرة المنتهى.
وعن ابن مسعود : رأى ما غشي السدرة من فراش الذهب؛ حكاه الماوردي.
وقيل : رأى المعراج.
وقيل : هو ما رأى تلك الليلة في مسراه في عوده وبدئه؛ وهو أحسن؛ دليله {لنريه من آياتنا} [الإسراء : 1] و {من} يجوز أن تكون للتبعيض، وتكون {الكبرى} مفعولة لـ {رأى}وهي في الأصل صفة الآيات ووحدت لرءوس الآيات.
وأيضا يجوز نعت الجماعة بنعت الأنثى؛ كقوله تعالى {ولي فيها مآرب أخرى} [طه : 18] وقيل {الكبرى} نعت لمحذوف؛ أي رأى من آيات ربه الكبرى.
ويجوز أن تكون {من} زائدة؛ أي رأى آيات ربه الكبرى.
وقيل : فيه تقديم وتأخير؛ أي رأى الكبرى من آيات ربه.

تفسير ابن كثير يقول تعالى مخبراً عن عبده ورسوله محمد صلى اللّه عليه وسلم أنه علَّمه {شديد القوى} وهو جبريل عليه الصلاة والسلام، كما قال تعالى: {إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين}. وقال هاهنا: {ذو مرة} أي ذو قوة، قاله مجاهد، وقال ابن عباس: ذو منظر حسن، وقال قتادة: ذو خَلْق طويل حسن، ولا منافاة بين القولين فإنه عليه السلام ذو منظر حسن وقوة شديدة، وقد ورد في الحديث الصحيح: (لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مِرّة سوي) وقوله تعالى: {فاستوى} يعني جبريل عليه السلام {وهو بالأفق الأعلى} يعني جبريل استوى في الأفق الأعلى، قال عكرمة {الأفق الأعلى} الذي يأتي منه الصبح، وقال مجاهد: هو مطلع الشمس، قال ابن مسعود: إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لم ير جبريل في صورته إلا مرتين: أما واحدة فإنه سأله أن يراه في صورته فسد الأُفق، وأما الثانية فإنه كان معه حيث صعد، فذلك قوله: {وهو بالأُفق الأعلى} ""أخرجه ابن أبي حاتم"". وهذه الرؤية لجبريل لم تكن ليلة الإسراء بل قبلها ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الأرض، فهبط عليه جبريل عليه السلام وتدلى إليه، فاقترب منه وهو على الصورة التي خلقه اللّه عليها له ستمائة جناح، ثم رآه بعد ذلك نزلة أُخْرى عند سدرة المنتهى يعني ليلة الإسراء، وكانت الرؤية الأولى في أوائل البعثة بعد ما جاءه جبريل عليه السلام أول مرة، فأوحى اللّه إليه صدر سورة اقرأ، روى الإمام أحمد، عن عبد اللّه أنه قال: (رأى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جبريل في صورته، وله ستمائة جناح، كل جناح منها قد سد الأُفق يسقط من جناحه من التهاويل والدر والياقوت ما اللّه به عليم) ""انفرد بهذه الرواية الإمام أحمد"". وقوله تعالى: {فكان قاب قوسين أو أدنى} أي فاقترب جبريل إلى محمد لما هبط عليه إلى الأرض، حتى كان بينه وبين محمد صلى اللّه عليه وسلم {قاب قوسين} أي بقدرهما إذا مدّا، قاله مجاهد وقتادة. وقوله: {أو أدنى} هذه الصيغة تستعمل في اللغة لإثبات المخبر عنه، ونفي ما زاد عليه كقوله تعالى: {ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة} أي ما هي بألين من الحجارة بل مثلها أو تزيد عليها في الشدة والقسوة، وكذا قوله: {يخشون الناس كخشية اللّه أو أشد خشية}، وقوله: {وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون} أي ليسوا أقل منها بل هم مائة ألف حقيقة أو يزيدون عليها، فهذا تحقيق للمخبر به لا شك، وهكذا هذه الآية {فكان قاب قوسين أو أدنى} وهذا الذي قلناه من أن هذا المقترب الداني إنما هو جبريل عليه السلام، هو قول عائشة وابن مسعود وأبي ذر كما سنورد أحاديثهم قريباً إن شاء اللّه تعالى. وروى مسلم في صحيحه عن ابن عباس أنه قال: (رأى محمد ربه بفؤاده مرتين) فجعل هذه إحداهما، وجاء في حديث الإسراء: (ثم دنا الجبار رب العزة فتدلى) ولهذا قد تكلم كثير من الناس في متن هذه الرواية، فإن صح فهو محمول على وقت آخر وقصة أُخْرَى، لا أنها تفسير لهذه الآية، فإن هذه كانت ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الأرض لا ليلة الإسراء، ولهذا قال بعده: {ولقد رآه نزلة أُخْرَى عند سدرة المنتهى} فهذه هي ليلة الإسراء والأولى كانت في الأرض، وقال ابن جرير، قال عبد اللّه بن مسعود في هذه الآية: {فكان قاب قوسين أو أدنى} قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (رأيت جبريل له ستمائة جناح) ""أخرجه ابن جرير، ورواه البخاري في صحيحه"". وروى البخاري، عن الشيباني قال: سألت زراً عن قوله: {فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى} قال: حدثنا عبد اللّه هو عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه أن محمداً صلى اللّه عليه وسلم رأى جبريل له ستمائة جناح. فعلى ما ذكرناه يكون قوله: {فأوحى إلى عبده ما أوحى} معناه فأوحى جبريل إلى عبد اللّه محمد ما أوحى، أو فأوحى اللّه إلى عبده محمد ما أوحى بواسطة جبريل؛ وكلا المعنيين صحيح، وقوله تعالى: {ما كذب الفؤاد ما رأى أفتمارونه على ما يرى} قال مسلم، عن أبي العالية، عن ابن عباس {ما كذب الفؤاد ما رأى}، {ولقد رآه نزلة أُخْرَى} قال: رآه بفؤاده مرتين، وقد خالفه ابن مسعود وغيره، ومن روى عنه بالبصر فقد أغرب، وقول البغوي في تفسيره: وذهب جماعة إلى أنه رآه بعينه وهو قول أنَس والحسن وعكرمة فيه نظر، واللّه أعلم. وروى الترمذي، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: رأى محمد ربه، قلت: أليس اللّه يقول: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار}؟ قال: ويحك ذاك إذا تجلى بنوره الذي هو نوره، وقد رأى ربه مرتين ""أخرجه الترمذي وقال: حسن غريب"". وفال أيضاً: لقي ابن عباس كعباً بعرفة فسأله عن شيء فكبّر حتى جاوبته الجبال، فقال ابن عباس: إنا بنو هاشم، فقال كعب: إن اللّه قسم رؤيته وكلامه بين محمد وموسى، فكلم موسى مرتين، ورآه محمد مرتين، وقال مسروق: دخلت على عائشة فقلت: هل رأى محمد ربه؟ فقالت: لقد تكلمت بشيء وقف له شعري، فقلت: رويداً، ثم قرأت: {لقد رأى من آيات ربه الكبرى}، فقالت: أين يذهب بك؟ إنما هو جبريل، من أخبرك أن محمداً رأى ربه، أو كتم شيئاً مما أمر به، أو يعلم الخمس التي قال اللّه تعالى: {إن اللّه عنده علم الساعة وينزل الغيث} فقد أعظم على اللّه الفرية، ولكنه رأى جبريل؛ لم يره في صورته إلا مرتين: مرة عند سدرة المنتهى، ومرة في أجياد، وله ستمائة جناح قد سد الأفق) ""أخرجه الترمذي في سننه"". وروى النسائي، عن ابن عباس قال: أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم، والكلام لموسى، والرؤية لمحمد عليهم السلام؟ وفي صحيح مسلم، عن أبي ذر قال: سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم هل رأيت ربك؟ فقال: (نورٌ أنّى أراه)؟ وفي رواية: (رأيت نوراً) . وروى ابن أبي حاتم، عن عباد بن منصور قال: سألت عكرمة عن قوله: {ما كذب الفؤاد ما رأى} فقال عكرمة: تريد أن أخبرك أنه قد رآه؟ قلت: نعم، قال: قد رآه، ثم قد رآه، قال: فسألت عنه الحسن، فقال: (قد رأى جلاله وعظمته ورداءه) ""أخرجه ابن أبي حاتم"". فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (رأيت ربي عزَّ وجلَّ) فإنه إسناده على شرط الصحيح، لكنه مختصر من حديث المنام، كما رواه أحمد عن ابن عباس أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (أتاني ربي الليلة في أحسن صورة - أحسبه يعني في النوم - فقال: يا محمد أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال، قلت: لا، فوضع يده بين كتفيَّ حتى وجدت بردها بين ثدييَّ - أو قال نحري - فعلمت ما في السماوات وما في الأرض، ثم قال: يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال، قلت: نعم، يختصمون في الكفارات والدرجات، قال: وما الكفارات؟ قال، قلت: المكث في المساجد بعد الصلوات، والمشي على الأقدام إلى الجماعات، وإبلاغ الوضوء في المكاره، من فعل ذلك عاش بخير ومات بخير وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه. وقال: قل يا محمد إذا صليت: اللهم اني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك: فتنة أن تقبضني إليك غير مفتون، وقال: والدرجات، بذل الطعام وإفشاء السلام، والصلاة بالليل والناس نيام) ""أخرجه الإمام أحمد"". وقوله تعالى: {ولقد رآه نزلة أُخْرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى} هذه هي المرة الثانية التي رأى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيها جبريل على صورته التي خلقه اللّه عليها وكانت ليلة الإسراء، روى الإمام أحمد، عن عامر قال: أتى مسروق عائشة فقال: يا أُم المؤمنين هل رأى محمد صلى اللّه عليه وسلم ربه عزَّ وجلَّ؟ قالت: سبحان اللّه لقد قفَّ شعري لما قلت! أين أنت من ثلاث، من حدثكهن فقد كذب؟ من حدثك أن محمداً رأى ربه فقد كذب، ثم قرأت: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار}، {وما كان لبشر أن يكلمه اللّه إلا وحياً أو من وراء حجاب}، ومن أخبرك أنه يعلم ما في غد، فقد كذب، ثم قرأت: {إن اللّه عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام} الآية، ومن أخبرك أن محمداً قد كتم فقد كذب، ثم قرأت {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك}؛ ولكنه رأى جبريل في صورته مرتين ""أخرجه أحمد في المسند""، وروى الإمام أحمد أيضاً عن مسروق قال: كنت عند عائشة فقلت أليس اللّه يقول {ولقد رآه بالأفق المبين}، {ولقد رآه نزلة أُخرى} فقالت: أنا أول هذه الأمة سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عنها فقال: (إنما ذاك جبريل لم يره في صورته التي خلق عليها إلا مرتين، رآه منهبطاً من السماء إلى الأرض ساداً عظم خلقه ما بين السماء والأرض) ""أخرجه الشيخان والإمام أحمد"". وقال مجاهد في قوله: {ولقد رآه نزلة أُخْرى} قال: رأى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جبريل في صورته مرتين، وقوله تعالى: {إذ يغشى السدرة ما يغشى} قد تقدم في أحاديث الإسراء أنه غشيتها الملائكة مثل الغربان، وغشيها نور الرب، وغشيها ألوان ما أدري ما هي. روى الإمام أحمد، عن عبد اللّه بن مسعود قال: لما أسري برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم انتهى به إلى سدرة المنتهى، وهي في السماء السابعة إليها ينتهي ما يعرج به من الأرض فيقبض منها، وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها، {إذ يغشى السدرة ما يغشى} قال: فراش من ذهب، قال: وأعطي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثلاثاً: أعطي الصلوات الخمس، وأعطي خواتيم سورة البقرة، وغفر لمن لا يشرك باللّه شيئاً من أمته المقحمات ""أخرجه مسلم والإمام أحمد"". وعن مجاهد قال: كان أغصان السدرة لؤلؤاً وياقوتاً وزبرجداً، فرآها محمد صلى اللّه عليه وسلم ورأى ربه بقلبه، وقال ابن زيد: قيل يا رسول اللّه أي شيء رأيت يغشى تلك السدرة؟ قال: (رأيت يغشاها فراش من ذهب، ورأيت على كل ورقة من ورقها ملكاً قائماً يسبح اللّه عزَّ وجلَّ) وقوله تعالى: {ما زاغ البصر} قال ابن عباس: ما ذهب يميناً ولا شمالاً، {وما طغى} ما جاوز ما أمر به، ولا سأل فوق ما أعطي، وما أحسن ما قال الناظم: رأى جنة المأوى وما فوقها ولو ** رأى غيره ما قد رآه لتاها وقوله تعالى: {لقد رأى من آيات ربه الكبرى} كقوله: {لنريه من آياتنا} أي الدالة على قدرتنا وعظمتنا.

ِترجمة معني الآية

ِاردو | Espanol | Française | English | Malaysian | Indonesian | বাঙালি