نتيجة البحث: تفسير الآية و صورتها و تلاوتها


سورة ق آية 17
إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ

التفسير الميسر حين يكتب المَلَكان المترصدان عن يمينه وعن شماله أعماله. فالذي عن اليمين يكتب الحسنات، والذي عن الشمال يكتب السيئات.

تفسير الجلالين
17 - (إذ) منصوبة باذكر مقدرا (يتلقى) يأخذ ويثبت (المتلقيان) الملكان الموكلان بالإنسان ما يعمله (عن اليمين وعن الشمال) منه (قعيد) قاعدان وهو مبتدا خبره ما قبله

تفسير القرطبي
قوله تعالى {ولقد خلقنا الإنسان} يعني الناس، وقيل آدم.
{ونعلم ما توسوس به نفسه}أي ما يختلج في سره وقلبه وضميره، وفي هذا زجر عن المعاصي التي يستخفي بها.
ومن قال : إن المراد بالإنسان آدم؛ فالذي وسوست به نفسه هو الأكل من الشجرة، ثم هو عام لولده.
والوسوسة حديث النفس بمنزلة الكلام الخفي.
قال الأعشى : تسمع للحلي وسواسا إذا انصرفت ** كما استعان بريح عشرق زجل وقد مضى في الأعراف.
{ونحن أقرب إليه من حبل الوريد} هو حبل العاتق وهو ممتد من ناحية حلقه إلى عاتقه، وهما وريدان عن يمين وشمال.
روي معناه عن ابن عباس وغيره وهو المعروف في اللغة.
والحبل هو الوريد فأضيف إلى نفسه لاختلاف اللفظين.
وقال الحسن : الوريد الوتين وهو عرق معلق بالقلب.
وهذا تمثيل للقرب؛ أي نحن أقرب إليه من حبل وريده الذي هو منه، وليس على وجه قرب المسافة.
وقيل : أي ونحن أملك به من حبل وريده مع استيلائه عليه.
وقيل : أي ونحن أعلم بما توسوس به نفسه من حبل وريده الذي هو من نفسه، لأنه عرق يخالط القلب، فعلم الرب أقرب إليه من علم القلب، روي معناه عن مقاتل قال : الوريد عرق يخالط القلب، وهذا القرب قرب العلم والقدرة، وأبعاض الإنسان يحجب البعض البعض ولا يحجب علم الله شيء.
قوله تعالى {إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد} أي نحن أقرب إليه من حبل وريده حين يتلقى المتلقيان، وهما الملكان الموكلان به، أي نحن أعلم بأحواله فلا نحتاج إلى ملك يخبر، ولكنهما وكلا به إلزاما للحجة، وتوكيدا للأمر عليه.
وقال الحسن ومجاهد وقتادة {المتلقيان} ملكان يتلقيان عملك : أحدهما عن يمينك يكتب حسناتك، والآخر عن شمالك يكب سيئاتك.
قال الحسن : حتى إذا مت طويت صحيفة عملك وقيل لك يوم القيامة {اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا} [الإسراء : 14] عدل والله عليك من جعلك حسيب نفسك.
وقال مجاهد : وكل الله بالإنسان مع علمه بأحوال ملكين بالليل وملكين بالنهار يحفظان عمله، ويكتبان أثره إلزاما للحجة : أحدهما عن يمينه يكتب الحسنات، والآخر عن شماله يكتب السيئات، فذلك قوله تعالى {عن اليمين وعن الشمال قعيد}.
وقال سفيان : بلغني أن كاتب الحسنات أمين على كاتب السيئات فإذا أذنب العبد قال لا تعجل لعله يستغفر الله.
وروي معناه من حديث أبي أمامة؛ قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (كاتب الحسنات على يمين الرجل وكاتب السيئات على يساره وكاتب الحسنات أمين علي كاتب السيئات فإذا عمل حسنة كتبها صاحب اليمين عشرا وإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال دعه سبع ساعات لعله يسبح أو يستغفر).
وروي من حديث علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (إن مقعد ملكيك على ثنيتك لسانك قلمهما وريقك مدادهما وأنت تجري فيما لا يعنيك فلا تستحي من الله ولا منهما).
وقال الضحاك : مجلسهما تحت الثغر.
على الحنك.
ورواه عوف عن الحسن قال : وكان الحسن يعجبه أن ينظف عنفقته.
وإنما قال {قعيد} ولم يقل قعيدان وهما اثنان؛ لأن المراد عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد فحذف الأول لدلالة الثاني عليه.
قاله سيبويه؛ ومنه قول الشاعر : نحن بما عندنا وأنت بما ** عندك راض والرأي مختلف وقال الفرزدق : إني ضمنت لمن أتاني ما جنى ** وأبى فكان وكنت غير غدور ولم يقل راضيان ولا غدورين.
ومذهب المبرد : أن الذي في التلاوة أَوَّلٌ أُخِّرَ اتساعا، وحذف الثاني لدلالة الأول عليه.
ومذهب الأخفش والفراء : أن الذي في التلاوة يؤدي عن الاثنين والجمع ولا حذف في الكلام.
و {قعيد} بمعنى قاعد كالسميع والعليم والقدير والشهيد.
وقيل {قعيد} بمعنى مقاعد مثل أكيل ونديم بمعنى مؤاكل ومنادم.
وقال الجوهري : فعيل وفعول مما يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع؛ كقوله تعالى {إنا رسول رب العالمين} [الشعراء : 16] وقوله {والملائكة بعد ذلك ظهير} [التحريم:4].
وقال الشاعر في الجمع، أنشده الثعلبي : ألكني إليها وخير الرسو ** ل أعلمهم بنواحي الخبر والمراد بالقعيد ها هنا الملازم الثابت لا ضد القائم.
قوله تعالى {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} أي ما يتكلم بشيء إلا كتب عليه؛ مأخوذ من لفظ الطعام وهو إخراجه من الفم.
وفي الرقيب ثلاثة أوجه : أحدها أنه المتبع للأمور.
الثاني أنه الحافظ، قاله السدي.
الثالث أنه الشاهد، قاله الضحاك.
وفي العتيد وجهان : أحدهما أنه الحاضر الذي لا يغيب.
الثاني أنه الحافظ المعد إما للحفظ وإما للشهادة.
قال الجوهري : العتيد الشيء الحاضر المهيأ؛ وقد عتده تعتيدا وأعتده إعتادا أي أعده ليوم، ومنه قوله تعالى {وأعتدت لهن متكأ} [يوسف : 31] وفرس عَتَد وعتِد بفتح التاء وكسرها المعد للجري.
قلت وكله يرجع إلى معنى الحضور، ومنه قول الشاعر : لئن كنت مني في العيان مغيبا ** فذكرك عندي في الفؤاد عتيد قال أبو الجوزاء ومجاهد : يكتب على الإنسان كل شيء حتى الأنين في مرضه.
وقال عكرمة : لا يكتب إلا ما يؤجر به أو يؤزر عليه.
وقيل : يكتب عليه كل ما يتكلم به، فإذا كان آخر النهار محي عنه ما كان مباحا، نحو أنطلق أقعد كل مما لا يتعلق به أجر ولا وزر، والله أعلم.
وروي عن أبي هريرة وأنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (ما من حافظين يرفعان إلى الله ما حفظا فيرى الله في أول الصحيفة خيرا وفي آخرها خيرا إلا قال الله تعالى لملائكته اشهدوا أني قد غفرت لعبدي ما بين طرفي الصحيفة).
وقال علي رضي الله عنه : (إن لله ملائكة معهم صحف بيض فأملوا في أولها وفي أخرها خيرا يغفر لكم ما بين ذلك).
وأخرج أبو نعيم الحافظ قال حدثنا أبو طاهر محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق بن خزيمة قال حدثنا جدي محمد بن إسحاق قال حدثنا محمد بن موسى الحرشي قال حدثنا سهيل بن عبدالله قال : سمعت الأعمش يحدث عن زيد بن وهب عن ابن مسعود، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن الحافظين إذا نزلا على العبد أو الأمة منهما كتاب مختوم فيكتبان ما يلفظ به العبد أو الأمة فإذا أرادا أن ينهضا قال أحدهما للأخر فك الكتاب المختوم الذي معك فيفكه له فاذا فيه ما كتب سواء فذلك قوله تعالى {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} غريب، من حديث الأعمش عن زيد، لم يروه عنه إلا سهيل.
وروي من حديث أنس أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : (إن الله وكل بعبده ملكين يكتبان عمله فإذا مات قالا ربنا قد مات فلان فأذن لنا أن نصعد إلى السماء فيقول الله تعالى إن سمواتي مملوءة من ملائكتي يسبحونني فيقولان ربنا نقيم في الأرض فيقول الله تعالى إن أرضي مملوءة من خلقي يسبحونني فيقولان يا رب فأين نكون فيقول الله تعالى كونا على قبر عبدي فكبراني وهللاني وسبحاني واكتبا ذلك لعبدي إلى يوم القيامة).
قوله تعالى {وجاءت سكرة الموت بالحق} أي غمرته شدته؛ فالإنسان ما دام حيا تكتب عليه أقوال وأفعال ليحاسب عليها، ثم يجيئه الموت وهو ما يراه عند المعاينة من ظهور الحق فيما كان الله تعالى وعده وأوعده.
وقيل : الحق هو الموت سمي حقا إما لاستحقاقه وإما لانتقاله إلي دار الحق؛ فعلى هذا يكون في الكلام تقديم وتأخير، وتقديره وجاءت سكرة الحق بالموت، وكذلك في قراءة أبي بكر وابن مسعود رضي الله عنهما؛ لأن السكرة هي الحق فأضيفت إلى نفسها لاختلاف اللفظين.
وقيل : يجوز أن يكون الحق على هذه القراءة هو الله تعالى؛ أي جاءت سكرة أمر الله تعالى بالموت.
وقيل : الحق هو الموت والمعنى وجاءت سكرة الموت بالموت؛ ذكره المهدوي.
وقد زعم من طعن على القرآن فقال : أخالف المصحف كما خالف أبو بكر الصديق فقرأ : وجاءت سكرة الحق بالموت.
فاحتج عليه بأن أبا بكر رويت عنه روايتان : إحداهما موافقة للمصحف فعليها العمل، والأخرى مرفوضة تجري مجرى النسيان منه إن كان قالها، أو الغلط من بعض من نقل الحديث.
قال أبوبكر الأنباري : حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي حدثنا علي بن عبدالله حدثنا جرير عن منصور عن أبي وائل عن مسروق قال : لما احتضر أبو بكر أرسل إلى عائشة فلما.
دخلت عليه قالت : هذا كما قال الشاعر : إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر فقال أبو بكر : هلا قلت كما قال الله {وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد}وذكر الحديث.
والسكرة واحدة السكرات.
وفي الصحيح عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت بين يديه ركوة - أوعلبة - فيها ماء فجعل يدخل يديه في الماء، فيمسح بهما وجهه ويقول : (لا إله إلا الله إن للموت سكرات) ثم نصب يده فجعل يقول : (في الرفيق الأعلى) حتى قبض ومالت يده.
خرجه البخاري.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (إن العبد الصالح ليعالج الموت وسكراته وإن مفاصله ليسلم بعضها على بعض تقول السلام عليك تفارقني وأفارقك إلى يوم القيامة).
وقال عيسى بن مريم (يا معشر الحواريين ادعوا الله أن يهون عليكم هذه السكرة) يعني سكرات الموت.
وروي : (إن الموت أشد من ضرب بالسيوف ونشر بالمناشير وقرض بالمقاريض).
{ذلك ما كنت منه تحيد} أي يقال لمن جاءته سكرة الموت ذلك ما كنت تفر منه وتميل عنه.
يقال : حاد عن الشيء يحيد حيودا وحيدة وحيدودة مال عنه وعدل.
وأصله حيدودة بتحريك الياء فسكنت؛ لأنه ليس في الكلام فعلول غير صعفوق.
وتقول في الأخبار عن نفسك : حدت عن الشيء أحيد حيدا ومحيدا إذا ملت عنه؛ قال طرفة : أبا منذر رمت الوفاء فهبته ** وحدت كما حاد البعير عن الدحض

تفسير ابن كثير يخبر تعالى عن قدرته على الإنسان بأن علمه محيط بجميع أموره، حتى إنه تعالى يعلم ما توسوس به نفسه من الخير والشر، وقد ثبت في الصحيح عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: (إن اللّه تعالى تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تقل أو تعمل) وقوله عزَّ وجلَّ: {ونحن أقرب إليه من حبل الوريد} يعني ملائكته تعالى أقرب إلى الإنسان من حبل وريده إليه، ومن تأوله على العلم فإنما فر لئلا يلزم حلول أو اتحاد، وهما منفيان بالإجماع تعالى اللّه وتقدس، ولكن اللفظ لا يقتضيه فإنه لم يقل: وأنا أقرب إليه من حبل الوريد، وإنما قال: {ونحن أقرب إليه من حبل الوريد} كما قال في المختصر {ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون} يعني ملائكته، فالملائكة أقرب إلى الإنسان من حبل وريده إليه، بإقدار اللّه جلَّ وعلا لهم على ذلك، فللملَك لَّمة من الإنسان كما أن للشيطان لمة، ولهذا قال تعالى ههنا {إذ يتلقى الملتقيان} يعني الملكين اللذين يكتبان عمل الإنسان {عن اليمين وعن الشمال قعيد} أي مترصد، {ما يلفظ} أي ابن آدم {من قول} أي ما يتكلم بكلمة {إلا لديه رقيب عتيد} أي إلا ولها من يرقبها، معد لذلك يكتبها، لا يترك كلمة ولا حركة، كما قال تعالى: {وإن عليكم لحافظين كراماً كاتبين يعلمون ما تفعلون} وقد اختلف العلماء هل يكتب الملك كل شيء من الكلام وهو قول الحسن وقتادة ، أو إنما يكتب ما فيه ثواب وعقاب وهو قول ابن عباس على قولين: وظاهر الآية الأول لعموم قوله تبارك وتعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}. وقد روى الإمام أحمد، عن بلال بن الحارث المزني رضي اللّه عنه قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان اللّه تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب اللّه عزَّ وجلَّ له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط اللّه تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب اللّه تعالى عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه) ""رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة""فكان علقمة يقول: كم من كلام قد منعنيه حديث بلال بن الحارث، وقال الأحنف بن قيس: صاحب اليمين يكتب الخير وهو أمين على صاحب الشمال، فإن أصاب العبد خطيئة قال له: أمسك، فإن استغفر اللّه تعالى نهاه أن يكتبها وإن أبى كتبها، وقال الحسن البصري؛ وتلا هذه الآية {عن اليمين وعن الشمال قعيد}: يا ابن آدم بسطت لك صحيفة، ووكل بك ملكان كريمان أحدهما عن يمينك والآخر عن شمالك، فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك، وأما الذي عن يسارك فيحفظ سيئاتك، فاعمل ما شئت، أقلل أو أكثر، حتى إذا مت طويت صحيفتك وجعلت في عنقك معك في قبرك، حتى تخرج يوم القيامة، فعند ذلك يقال لك: {اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً} ثم يقول: (عَدَل واللّه فيك من جعلك حسيب نفسك) وقال ابن عباس {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} قال: يكتب كل ما تكلم به من خير أو شر، حتى أنه ليكتب قوله: أكلت، شربت، ذهبت، جئت، رأيت. حتى إذا كان يوم الخميس عرض قوله وعمله، فأقَّر منه ما كان فيه من خير أو شر وألقي سائره، وذلك قوله تعالى: {يمحو اللّه ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب}. وذكر عن الإمام أحمد أنه كان يئن في مرضه، فبلغه عن طاووس أنه قال: يكتب الملك كل شيء حتى الأنين، فلم يئن أحمد حتى مات رحمه اللّه. وقوله تبارك وتعالى: {وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد} يقول عزَّ وجلَّ: وجاءت أيها الإنسان سكرة الموت بالحق أي كشفت لك عن اليقين الذي كنت تمتري فيه، {ذلك ما كنت منه تحيد} أي هذا هو الذي كنت تفر منه قد جاءك، فلا محيد ولامناص ولا فكاك ولا خلاص، والصحيح أن المخاطب بذلك الإنسان من حيث هو، وقيل: الكافر، وقيل غير ذلك، روي أنه لما أن ثقل أبو بكر رضي اللّه عنه جاءت عائشة رضي اللّه عنها فتمثلت بهذا البيت: لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى ** إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر فكشف عن وجهه وقال رضي اللّه عنه: ليس كذلك، ولكن قولي: {وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد}. وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه لما تغشاه الموت جعل يمسح العرق عن وجهه ويقول: (سبحان اللّه إن للموت سكرات) وفي قوله: {ذلك ما كنت منه تحيد} قولان: أحدهما : أن ما ههنا موصولة أي الذي كنت منه تحيد بمعنى تبتعد وتفر، قد حلَّ بك ونزل بساحتك. والقول الثاني : أن ما نافية بمعنى: ذلك ما كنت تقدر على الفراق منه ولا الحيد عنه. وقوله تبارك وتعالى: {ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد} قد تقدم الكلام على حديث النفخ في الصور وذلك يوم القيامة، وفي الحديث، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحَنَى جبهته وانتظر أن يؤذن له) قالوا: يا رسول اللّه كيف نقول؟ قال صلى اللّه عليه وسلم: (قولوا: حسبنا اللّه ونعم الوكيل) فقال القوم: حسبنا اللّه ونعم الوكيل. {وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد} أي ملك يسوقه إلى المحشر، وملك يشهد عليه بأعماله، هذه هو الظاهر من الآية الكريمة وهو اختيار ابن جرير، لما روي عن يحيى بن رافع قال: سمعت عثمان بن عفان رضي اللّه عنه يخطب فقرأ هذه الآية {وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد} فقال: سائق يسوقها إلى اللّه تعالى، وشاهد يشهد عليها بما عملت، وكذا قال مجاهد وقتادة، وقال أبو هريرة: السائق الملك، والشهيد العمل، وكذا قال الضحّاك والسدي، وقال ابن عباس: السائق من الملائكة، والشهيد الإنسان نفسه يشهد على نفسه، وبه قال الضحّاك أيضاً. وقوله تعالى: {لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد} قيل: إن المراد بذلك الكافر، وقيل: إن المراد بذلك كل أحد من بر وفاجر، لأن الآخرة بالنسبة إلى الدنيا كاليقظة، والدنيا كالمنام، وهذا اختيار ابن جرير وهو منقول عن ابن عباس رضي اللّه عنهما ، والظاهر من السياق أن الخطاب مع الإنسان من حيث هو، والمراد بقوله تعالى: {لقد كنت في غفلة من هذا} يعني من هذا اليوم، {فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد} أي قوي، لأن كل أحد يوم القيامة يكون مستبصراً، حتى الكفار في الدنيا يكونون يوم القيامة على الاستقامة، لكن لا ينفعهم ذلك، قال اللّه تعالى: {أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا}، وقال عزَّ وجلَّ: {ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحاً إنا موقنون}.

ِترجمة معني الآية

ِاردو | Espanol | Française | English | Malaysian | Indonesian | বাঙালি