نتيجة البحث: تفسير الآية و صورتها و تلاوتها


سورة الحجرات آية 12
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ

التفسير الميسر يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه اجتنبوا كثيرًا من ظن السوء بالمؤمنين؛ إن بعض ذلك الظن إثم، ولا تُفَتِّشوا عن عورات المسلمين، ولا يقل بعضكم في بعضٍ بظهر الغيب ما يكره. أيحب أحدكم أكل لحم أخيه وهو ميت؟ فأنتم تكرهون ذلك، فاكرهوا اغتيابه. وخافوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه. إن الله تواب على عباده المؤمنين، رحيم بهم.

تفسير الجلالين
12 - (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم) أي مؤثم وهو كثير كظن السوء بأهل الخير من المؤمنين وهم كثير بخلافه بالفساق منهم فلا إثم فيه في نحو ما يظهر منهم (ولا تجسسوا) حذف منه إحدى التاءين لا تتبعوا عورات المسلمين ومعايبهم بالبحث عنها (ولا يغتب بعضكم بعضا) لا يذكره بشيء يكرهه وإن كان فيه (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا) بالتخفيف والتشديد أي لا يحسن به (فكرهتموه) أي فاغتيابه في حياته كأكل لحمه بعد مماته وقد عرض عليكم الثاني فكرهتموه فاكرهوا الأول (واتقوا الله) عقابه في الاغتياب بأن تتوبوا منه (إن الله تواب) قابل توبة التائبين (رحيم) بهم

تفسير القرطبي
فيه عشر مسائل: الأولى: قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن} قيل : إنها نزلت في رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم اغتابا رفيقهما.
وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر ضم الرجل المحتاج إلى الرجلين الموسرين فيخدمهما.
فضم سلمان إلى رجلين، فتقدم سلمان إلى المنزل فغلبته عيناه فنام ولم يهيئ لهما شيئا، فجاءا فلم يجدا طعاما وإداما، فقالا له : انطلق فاطلب لنا من النبي صلى الله عليه وسلم طعاما وإداما، فذهب فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : (اذهب إلى أسامة بن زيد فقل له إن كان عندك فضل من طعام فليعطك) وكان أسامة خازن النبي صلى الله عليه وسلم، فذهب إليه، فقال أسامة : ما عندي شيء، فرجع إليهما فأخبرهما، فقالا : قد كان عنده ولكنه بخل.
ثم بعثا سلمان إلى طائفة من الصحابة فلم يجد عندهم شيئا، فقالا : لو بعثنا سلمان إلى بئر سُمَيحة لغار ماؤها.
ثم انطلقا يتجسسان هل عند أسامة شيء، فرآهما النبي صلى الله عليه وسلم فقال : (مالي أرى خضرة اللحم في أفواهكما) فقالا : يا نبي الله، والله ما أكلنا في يومنا هذا لحما ولا غيره.
فقال : (ولكنكما ظلتما تأكلان لحم سلمان وأسامة) فنزلت {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم} ذكره الثعلبي.
أي لا تظنوا بأهل الخير سوءا إن كنتم تعلمون من ظاهر أمرهم الخير.
الثانية: ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تناجشوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا) لفظ البخاري.
قال علماؤنا : فالظن هنا وفي الآية هو التهمة.
ومحل التحذير والنهي إنما هو تهمة لا سبب لها يوجبها، كمن يتهم بالفاحشة أو بشرب الخمر مثلا ولم يظهر عليه ما يقتضي ذلك.
ودليل كون الظن هنا بمعنى التهمة قوله تعالى {ولا تجسسوا} وذلك أنه قد يقع له خاطر التهمة ابتداء ويريد أن يتجسس خبر ذلك ويبحث عنه، ويتبصر ويستمع لتحقيق ما وقع له من تلك التهمة.
فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
وإن شئت قلت : والذي يميز الظنون التي يجب اجتنابها عما سواها، أن كل ما لم تعرف له أمارة صحيحة وسبب ظاهر كان حراما واجب الاجتناب.
وذلك إذا كان المظنون به ممن شوهد منه الستر والعلاج، وأونست منه الأمانة في الظاهر، فظن الفساد به والخيانة محرم، بخلاف من أشتهره الناس بتعاطي الريب والمجاهرة بالخبائث.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله حرم من المسلم دمه وعرضه وأن يظن به ظن السوء).
وعن الحسن : كنا في زمن الظن بالناس فيه حرام، وأنت اليوم في زمن اعمل واسكت وظن في الناس ما شئت.
الثالثة: وللظن حالتان : حالة تعرف وتقوى بوجه من وجوه الأدلة فيجوز الحكم بها، وأكثر أحكام الشريعة مبنية على غلبة الظن، كالقياس وخبر الواحد وغير ذلك من قيم المتلفات وأروش الجنايات.
والحالة الثانيه : أن يقع في النفس شيء من غير دلالة فلا يكون ذلك أولى من ضده، فهذا هو الشك، فلا يجوز الحكم به، وهو المنهي عنه على ما قررناه آنفا.
وقد أنكرت جماعة من المبتدعة تعبدالله بالظن وجواز العمل به، تحكما في الدين ودعوى في المعقول.
وليس في ذلك أصل يعول عليه، فإن البارئ تعالى لم يذم جميعه، وإنما أورد الذم في بعضه.
وربما تعلقوا بحديث أبي هريرة (إياكم والظن) فإن هذا لا حجة فيه، لأن الظن في الشريعة قسمان : محمود ومذموم، فالمحمود منه ما سلم معه دين الظان والمظنون به عند بلوغه.
والمذموم ضده، بدلالة قوله تعالى{إن بعض الظن إثم}، وقوله {لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا} [النور : 12]، وقوله {وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا} [الفتح : 12] وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (إذا كان أحدكم مادحا أخاه فليقل أحسب كذا ولا أزكي على الله أحدا).
وقال : (إذا ظننت فلا تحقق وإذا حسدت فلا تبغ وإذا تطيرت فامض) خرجه أبو داود وأكثر العلماء على أن الظن القبيح بمن ظاهره الخير لا يجوز، وأنه لا حرج في الظن القبيح بمن ظاهره القبيح، قاله المهدوي.
الرابعة: قوله تعالى {ولا تجسسوا} قرأ أبو رجاء والحسن باختلاف وغيرهما {ولا تحسسوا} بالحاء.
واختلف هل هما بمعنى واحد أو بمعنيين، فقال الأخفش : ليس تبعد إحداهما من الأخرى، لأن التجسس البحث عما يكتم عنك.
والتحسس بالحاء طلب الأخبار والبحث عنها.
وقيل : إن التجسس بالجيم هو البحث، ومنه قيل : رجل جاسوس إذا كان يبحث عن الأمور.
وبالحاء : هو ما أدركه الإنسان ببعض حواسه.
وقول ثان في الفرق : أنه بالحاء تطلبه لنفسه، وبالجيم أن يكون رسولا لغيره، قال ثعلب.
والأول أعرف.
جسست الأخبار وتجسستها أي تفحصت عنها، ومنه الجاسوس.
ومعنى الآية : خذوا ما ظهر ولا تتبعوا عورات المسلمين، أي لا يبحث أحدكم عن عيب أخيه حتى يطلع عليه بعد أن ستره الله.
وفي كتاب أبى داود عن معاوية قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت تفسدهم) فقال أبو الدرداء : كلمة سمعها معاوية من رسول الله صلى الله عليه وسلم نفعه الله تعالى بها.
وعن المقدام بن معد يكرب عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم).
وعن زيد بن وهب قال : أتي ابن مسعود فقيل : هذا فلان تقطر لحيته خمرا.
فقال عبدالله : إنا قد نهينا عن التجسس، ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به.
وعن أبي برزة الأسلمي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإن من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته).
وقال عبدالرحمن بن عوف : حرست ليلة مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالمدينة إذ تبين لنا سراج في بيت بابه مجاف على قوم لهم أصوات مرتفعة ولغط، فقال عمر : هذا بيت ربيعة بن أمية بن خلف، وهم الآن شُرّب فما ترى !؟ قلت : أرى أنا قد أتينا ما نهى الله عنه، قال الله تعالى {ولا تجسسوا} وقد تجسسنا، فانصرف عمر وتركهم.
وقال أبو قلابة : حدث عمر بن الخطاب أن أبا محجن الثقفي يشرب الخمر مع أصحاب له في بيته، فانطلق عمر حتى دخل عليه، فإذا ليس عنده إلا رجل، فقال أبو محجن : إن هذا لا يحل لك قد نهاك الله عن التجسس، فخرج عمر وتركه.
وقال زيد بن أسلم : خرج عمر وعبدالرحمن يعسان، إذ تبينت لهما نار فاستأذنا ففتح الباب، فإذا رجل وامرأة تغني وعلى يد الرجل قدح، فقال عمر : وأنت بهذا يا فلان؟ فقال : وأنت بهذا يا أمير المؤمنين! قال عمر : فمن هذه منك؟ قال امرأتي، قال فما في هذا القدح؟ قال ماء زلال، فقال للمرأة : وما الذي تغنين؟ فقالت : تطاول هذا الليل واسود جانبه ** وأرقني أن لا خليل ألاعبه فوالله لولا الله أني أراقبه ** لزعزع من هذا السرير جوانبه ولكن عقلي والحياء يكفني ** وأ كرم بعلي أن تنال مراكبه ثم قال الرجل : ما بهذا أمرنا يا أمير المؤمنين قال الله تعالى{ولا تجسسوا}.
قال صدقت.
قلت : لا يفهم من هذا الخبر أن المرأة كانت غير زوجة الرجل، لأن عمر لا يقر على الزنى، وإنما غنت بتلك الأبيات تذكارا لزوجها، وأنها قالتها في مغيبه عنها.
والله أعلم.
وقال عمرو بن دينار : كان رجل من أهل المدينة له أخت فاشتكت، فكان يعودها فماتت فدفنها.
فكان هو الذي نزل في قبرها، فسقط من كمه كيس فيه دنانير، فاستعان ببعض أهله فنبشوا قبرها فأخذ الكيس ثم قال : لأكشفن حتى أنظر ما آل حال أختي إليه، فكشف عنها فإذا القبر مشتعل نارا، فجاء إلى أمه فقال : أخبريني ما كان عمل أختي؟ فقالت : قد ماتت أختك فما سؤالك عن عملها فلم يزل بها حتى قالت له : كان من عملها أنها كانت تؤخر الصلاة عن مواقيتها، وكانت إذا نام الجيران قامت إلى بيوتهم فألقمت أذنها أبوابهم، فتجسس عليهم وتخرج أسرارهم، فقال : بهذا هلكت الخامسة: قوله تعالى {ولا يغتب بعضكم بعضا} نهى عز وجل عن الغيبة، وهي أن تذكر الرجل بما فيه، فإن ذكرته بما ليس فيه فهو البهتان.
ثبت معناه في صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (أتدرون ما الغيبة)؟ قالوا : الله ورسول أعلم.
قال : (ذكرك أخاك بما يكره) قيل : أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال : (إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته).
يقال : اغتابه اغتيابا إذا وقع فيه، والاسم الغيبة، وهي ذكر العيب بظهر الغيب.
قال الحسن : الغيبة ثلاثة أوجه كلها في كتاب الله تعالى : الغيبة والإفك والبهتان.
فأما الغيبة فهو أن تقول في أخيك ما هو فيه.
وأما الإفك فأن تقول فيه ما بلغك عنه.
وأما البهتان فأن تقول فيه ما ليس فيه.
وعن شعبة قال : قال لي معاومة - يعني ابن قرة - : لو مر بك رجل أقطع، فقلت هذا أقطع كان غيبة.
قال شعبة : فذكرته لأبي إسحاق فقال صدق.
وروى أبو هريرة أن الأسلمي ماعزا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشهد على نفسه بالزنى فرجمه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فسمع نبي الله صلى الله عليه وسلم رجلين من أصحابه يقول أحدهما للآخر : انظر إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم تدعه نفسه حتى رجم رجم الكلب، فسكت عنهما.
ثم سار ساعة حتى مر بجيفة حمار شائل برجله فقال : (أين فلان وفلان)؟ فقالا : نحن ذا يا رسول الله، قال : (انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار) فقالا : يا نبي الله ومن يأكل من هذا ! قال : (فما نلتما من عرض أخيكما أشد من الأكل منه والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها ) السادسة: قوله تعالى {أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا} مثل الله الغيبة بأكل الميتة، لأن الميت لا يعلم بأكل لحمه كما أن الحي لا يعلم بغيبة من اغتابه.
وقال ابن عباس : إنما ضرب الله هذا المثل للغيبة لأن أكل لحم الميت حرام مستقذر، وكذا الغيبة حرام في الدين وقبيح في النفوس.
وقال قتادة : كما يمتنع أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا كذلك يجب أن يمتنع من غيبته حيا.
واستعمل أكل اللحم مكان الغيبة لأن عادة العرب بذلك جارية.
قال الشاعر : فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم ** وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا وقال صلى الله عليه وسلم : (ما صام من ظل يأكل لحوم الناس).
فشبه الوقيعة في الناس بأكل لحومهم.
فمن تنقص مسلما أو ثلم عرضه فهو كالآكل لحمه حيا، ومن اغتابه فهو كالآكل لحمه ميتا.
في كتاب أبي داود عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت من هؤلاء يا جبريل؟ قال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم).
وعن المستورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (من أكل برجل مسلم أكلة فإن الله يطعمه مثلها من جهنم ومن كسي ثوبا برجل مسلم فإن الله يكسوه مثله من جهنم ومن أقام برجل مقام سمعة ورياء فإن الله يقوم به مقام سمعة ورياء يوم القيامة).
وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم : (يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين).
وقوله للرجلين : (ما لي أرى خضرة اللحم في أفواهكما).
وقال أبو قلابة الرقاشي : سمعت أبا عاصم يقول : ما اغتبت أحدا مذ عرفت ما في الغيبة.
وكان ميمون بن سياه لا يغتاب أحدا، ولا يدع أحدا يغتاب أحدا عنده، ينهاه فإن انتهى وإلا قام.
وذكر الثعلبي من حديث أبي هريرة قال : قام رجل من عند النبي صلى الله عليه وسلم فرأوا في قيامه عجزا فقالوا : يا رسول الله ما أعجز فلانا فقال : (أكلتم لحم أخيكم وأغتبتموه).
وعن سفيان الثوري قال : أدني الغيبة أن تقول إن فلانا جعد قطط، إلا أنه يكره ذلك.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : إياكم وذكر الناس فإنه داء، وعليكم بذكر الله فإنه شفاء.
وسمع علي بن الحسين رضي الله عنهما رجلا يغتاب آخر، فقال : إياك والغيبة فإنها إدام كلاب الناس.
وقيل لعمرو بن عبيد : لقد وقع فيك فلان حتى رحمناك، قال : إياه فارحموا.
وقال رجل للحسن : بلغني أنك تغتابني فقال : لم يبلغ قدرك عندي أن أحكمك في حسناتي.
السابعة: ذهب قوم إلى أن الغيبة لا تكون إلا في الدين ولا تكون في الخلقة والحسب.
وقالوا : ذلك فعل الله به.
وذهب آخرون إلى عكس هذا فقالوا : لا تكون الغيبة إلا في الخَلْق والخُلُق والحسب.
والغيبة في الخَلْق أشد، لأن من عيب صنعة فإنما عيب صانعها.
وهذا كله مردود.
أما الأول فيرده حديث عائشة حين قالت في صفية : إنها امرأة قصيرة، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : (لقد قلت كلمة لو مزج بها البحر لمزجته).
خرجه أبو داود.
وقال فيه الترمذي : حديث حسن صحيح وما كان في معناه حسب ما تقدم.
وإجماع العلماء قديما على أن ذلك غيبة إذا أريد به العيب.
وأما الثاني فمردود أيضا عند جميع العلماء، لأن العلماء من أول الدهر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين بعدهم لم تكن الغيبة عندهم في شيء أعظم من الغيبة في الدين، لأن عيب الدين أعظم العيب، فكل مؤمن يكره أن يذكر في دينه أشد مما يكره في بدنه.
وكفى ردا لمن قال هذا القول قول عليه السلام : (إذا قلت في أخيك ما يكره فقد أغتبته.
.
.
) الحديث.
فمن زعم أن ذلك ليس بغيبة فقد رد ما قال النبي صلى الله عليه وسلم نصا.
وكفى بعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : (دماؤكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام) وذلك عام للدين والدنيا.
وقول النبي : (من كانت عنده لأخيه مظلمة في عرضه أو ماله فليتحلله منه).
فعم كل عرض، فمن خص من ذلك شيئا دون شيء فقد عارض ما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
الثامنة: لا خلاف أن الغيبة من الكبائر، وأن من اغتاب أحدا عليه أن يتوب إلى الله عز وجل.
وهل يستحل المغتاب؟ اختلف فيه، فقالت فرقة : ليس عليه استحلاله، وإنما هي خطيئة بينه وبين ربه.
واحتجت بأنه لم يأخذ من ماله ولا أصاب من بدنه ما ينقصه، فليس ذلك بمظلمة يستحلها منه، وإنما المظلمة ما يكون منه البدل والعوض في المال والبدن.
وقال فرقة : هي مظلمة، وكفارتها الاستغفار لصاحبها الذي اغتابه.
واحتجت بحديث يروي عن الحسن قال : كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته.
وقالت فرقة : هي مظلمة وعليه الاستحلال منها.
واحتجت بقول النبي صلى الله عليه وسلم : (من كانت لأخيه عنده مظلمة في عرض أو مال فليتحلله منه من قبل أن يأتي يوم ليس هناك دينار ولا درهم يؤخذ من حسناته فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فزيد على سيئاته).
خرجه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل ألا يكون له دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه).
وقد تقدم هذا المعنى في سورة [آل عمران]عند قوله تعالى {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء} [آل عمران : 169].
وقد روي من حديث عائشة أن امرأة دخلت عليها فلما قامت قالت امرأة : ما أطول ذيلها فقالت لها عائشة : لقد اغتبتيها فاستحليها.
فدلت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها مظلمة يجب على المغتاب استحلالها.
وأما قول من قال : إنما الغيبة في المال والبدن، فقد أجمعت العلماء على أن على القاذف للمقذوف مظلمة يأخذه بالحد حتى يقيمه عليه، وذلك ليس في البدن ولا في المال، ففي ذلك دليل على أن الظلم في العرض والبدن والمال، وقد قال الله تعالى في القاذف {فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون} [النور : 13].
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من بهت مؤمنا بما ليس فيه حبسه الله في طينة الخبال).
وذلك كله في غير المال والبدن.
وأما من قال : إنها مظلمة، وكفارة المظلمة أن يستغفر لصاحبها، فقد ناقض إذ سماها مظلمة ثم قال : كفارتها أن يستغفر لصاحبها، لأن قول مظلمة تثبت ظلامة المظلوم، فإذا ثبتت الظلامة لم يزلها عن الظالم إلا إحلال المظلوم له.
وأما قول الحسن فليس بحجة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (من كانت له عند أخيه مظلمة في عرض أو مال فليتحللها منه).
وقد ذهب بعضهم إلى ترك التحليل لمن سأله، ورأى أنه لا يحل ما حرم الله عليه، منهم سعيد بن المسيب قال : لا أحلل من ظلمني.
وقيل لابن سيرين : يا أبا بكر، هذا رجل سألك أن تحلله من مظلمة هي لك عنده، فقال : إني لم أحرمها عليه فأحلها، إن الله حرم الغيبة عليه، وماكنت لأحل ما حرم الله عليه أبدا.
وخبر النبي صلى الله عليه وسلم يدل على التحليل، وهو الحجة والمبين.
والتحليل يدل على الرحمة وهو من وجه العفو، وقد قال تعالى {فمن عفا وأصلح فأجره على الله} [الشوري : 40].
التاسعة: ليس من هذا الباب غيبة الفاسق المعلن به المجاهر، فإن في الخبر (من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له).
وقال صلى الله عليه وسلم : (اذكروا الفاجر بما فيه كي يحذره الناس).
فالغيبة إذا في المرء الذي يستر نفسه.
وروي عن الحسن أنه قال : ثلاثة ليس لهم حرمة : صاحب الهوي، والفاسق المعان، والإمام الجائر.
وقال الحسن لما مات الحجاج : اللهم أنت أمته فاقطع عنا سنته - وفي رواية شينه - فإنه أتانا أخيفش أعيمش، يمد بيد قصيرة البنان، والله ما عرق فيها غبار في سبيل الله، يرجل جمته ويخطر في مشيته، ويصعد المنبر فيهدر حتى تفوته الصلاة.
لا من الله يتقي، ولا من الناس يستحي، فوقه الله وتحته مائة ألف أو يزيدون، لا يقول له قائل : الصلاة أيها الرجل.
ثم يقول الحسن : هيهات ! حال دون ذلك السيف والسوط.
وروى الربيع بن صبيح عن الحسن قال : ليس لأهل البدع غيبة.
وكذلك قولك للقاضي تستعين به على أخذ حقك ممن ظلمك فتقول فلان ظلمني أو غضبني أو خانني أو ضربني أو قذفني أو أساء إلي، ليس بغيبة.
وعلماء الأمة على ذلك مجمعة.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك : (لصاحب الحق مقال).
وقال : (مطل الغني ظلم) وقال (لي الواجد يحل عرضه وعقوبته).
ومن ذلك الاستفتاء، كقول هند للنبي صلى الله عليه وسلم : إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني أنا وولدي، فآخذ من غير علمه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (نعم فخذي).
فذكرته بالشح والظلم لها ولولدها، ولم يرها مغتابة، لأنه لم يغير عليها، بل أجابها عليه الصلاة والسلام بالفتيا لها.
وكذلك إذا كان في ذكره بالسوء فائدة، كقوله صلى الله عليه وسلم : (أما معاوية فصعلوك لا مال له وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه).
فهذا جائز، وكان مقصوده ألا تغتر فاطمة بنت قيس بهما.
قال جميعه المحاسبي رحمه الله.
العاشرة: قوله تعالى {مَيْتا} وقريء {ميّتا} وهو نصب على الحال من اللحم.
ويجوز أن ينصب على الأخ، ولما قررهم عز وجل بأن أحدا منهم لا يحب أكل جيفة أخيه عقب ذلك بقوله تعالى {فكرهتموه} وفيه وجهان : أحدهما : فكرهتم أكل الميتة فكذلك فاكرهوا الغيبة، روي معناه عن مجاهد.
الثاني : فكرهتم أن يغتابكم الناس فاكرهوا غيبة الناس.
وقال الفراء : أي فقد كرهتموه فلا تفعلوه.
وقيل : لفظه خبر ومعناه أمر، أي اكرهوه.
{واتقوا الله} عطف عليه.
وقيل : عطف على قوله {اجتنبوا.
ولا تجسسوا}.
{إن الله تواب رحيم}.

تفسير ابن كثير يقول تعالى ناهياً عباده المؤمنين عن كثير من الظن، وهو التهمة والتخون للأهل والناس في غير محله، لأن بعض ذلك يكون إثماً محضاً، قال عمر ابن الخطاب رضي اللّه عنه: لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن إلا خيراً وأنت تجد لها في الخير محملاً، وعن عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما قال: رأيت النبي صلى اللّه عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول: (ما أطيبك وأطيب ريحك! ما أعظمك وأعظم حرمتك! والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند اللّه تعالى حرمة منك، ماله ودمه وأن يظن به إلا خيراً) ""أخرجه ابن ماجة في سننه"". وعن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا، وكونوا عباد اللّه إخواناً) ""أخرجه البخاري والإمام مالك"". وعن أنًس رضي اللّه عنه قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد اللّه إخواناً ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام) ""أخرجه مسلم والترمذي وصححه"". وروى الطبراني، عن حارثة بن النعمان رضي اللّه عنه قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (ثلاث لازمات لأمتي: الطيرة والحسد وسوء الظن) فقال رجل: وما يذهبهن يا رسول اللّه ممن هن فيه؟ قال صلى اللّه عليه وسلم: (إذا حسدت فاستغفر اللّه، وإذا ظننت فلا تحقق، وإذا تطيرت فامض) ""رواه الطبراني"". وروى أبو داود، عن زيد رضي اللّه عنه قال: أتي ابن مسعود رضي اللّه عنه برجل فقيل له هذا فلان تقطر لحيته خمراً، فقال عبد اللّه رضي اللّه عنه: (إنا قد نهينا عن التجسس، ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به) ""رواه أبو داود وسماه ابن أبي حاتم في روايته الوليد بن عقبة "". وروى الإمام أحمد، عن أبي الهيثم عن دجين كاتب عقبة قال: قلت لعقبة إن لنا جيراناً يشربون الخمر، وأنا داع لهم الشرط فيأخذونهم، قال: لا تفعل، ولكن عظهم وتهددهم، قال: ففعل فلم ينتهوا، قال، فجاءه دجين، فقال: إني قد نهيتهم وإني داع لهم الشرط، فتأخذهم، فقال له عقبة: ويحك لا تفعل، فإني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: (من ستر عورة مؤمن فكأنما استحيا موءودة من قبرها) ""رواه أحمد وأبو داود والنسائي"". {ولا تجسسوا} أي على بعضكم بعضاً، والتجسس غالباً يطلق في الشر ومنه الجاسوس، وأما التحسس فيكون غالباً في الخير، كما قال عزَّ وجلَّ إخباراً عن يعقوب: {يا بنيَّ اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح اللّه}. وقال الأوزاعي: التجسس البحث عن الشيء، والتحسس الاستماع إلى حديث القوم، أو يتسمع على أبوابهم، والتدابر: الصرم. وقوله تعالى: {ولا يغتب بعضكم بعضاً} فيه نهي عن الغيبة، وقد فَسّرها الشارع كما جاء في الحديث الذي رواه أبو داود، عن أبي هريرة، قال، قيل: يا رسول اللّه ما الغيبة؟ قال صلى اللّه عليه وسلم: (ذكرك أخاك بما يكره) قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال صلى اللّه عليه وسلم: (إن كان فيه ما تقول فقد أغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهتّه) وعن عائشة رضي اللّه عنها قالت، قلت للنبي صلى اللّه عليه وسلم: حسبك من صفية كذا وكذا، تعني قصيرة، فقال صلى اللّه عليه وسلم: (لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته) قالت: وحكيت له إنساناً، فقال صلى اللّه عليه وسلم: (ما أحب أني حكيت إنساناً، وإن لي كذا وكذا) ""أخرجه أبو داود والترمذي"". والغيبة محرمة بالإجماع، ولا يستثنى من ذلك إلا ما رجحت مصلحته، كما في الجرح والتعديل والنصيحة، كقوله صلى اللّه عليه وسلم، لما استأذن عليه ذلك الرجل الفاجر: (ائذنوا له بئس أخو العشيرة) وكقوله صلى اللّه عليه وسلم لفاطمة بنت قيس رضي اللّه عنها وقد خطبها معاوية وأبو الجهم: (أما معاوية فصعلوك وأما أبو الجهم فلا يضع عصاه عن عاتقه) وكذا ما جرى مجرى ذلك، ثم بقيتها على التحريم الشديد، وقد ورد فيها الزجر الأكيد ولهذا شبهها تبارك وتعالى بأكل اللحم من الإنسان الميت كما قال عزَّ وجلَّ: {أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه} أي كما تكرهون هذا طبعاً فاكرهوا ذاك شرعاً، فإن عقوبته أشد من هذا، وهذا من التنفير عنها والتحذير منها، وثبت في الصحاح والحسان والمسانيد من غير وجه أنه صلى اللّه عليه وسلم قال في خطبة حجة الوداع: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا) وروى أبو داود، عن أبي هريرة قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (كل المسلم على المسلم حرام، ماله، وعرضه، ودمه، حسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم) ""رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن غريب"". وعن البراء بن عازب رضي اللّه عنه قال: خطبنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى أسمع العواتق في بيوتها، أو قال: في خدورها، فقال: (يا معشر من آمن بلسانه لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من يتبع عورة أخيه يتبع اللّه عورته، ومن يتبع اللّه عورته يفضحه في جوف بيته) ""رواه الحافظ أبو يعلى وأبو داود بنحوه"". طريق أُخْرى : عن ابن عمر أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (يا معشر من آمن بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من يتبع عورات المسلمين يتبع اللّه عورته ومن يتبع اللّه عورته يفضحه ولو في جوف رحله) قال، ونظر ابن عمر يوماً إلى الكعبة فقال: ما أعظمك وأعظم حرمتك، وللمؤمن أعظم حرمة عند اللّه منك. عن أنَس بن مالك قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (لما عرج بي مررت بقوم لهم أظافر من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، قلت: من هولاء يا جبريل؟ قال: هولاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم) ""أخرجه أبو داود والإمام أحمد"". وروى ابن أبي حاتم، عن سعيد الخدري قال، قلنا: يا رسول اللّه حدّثنا ما رأيت ليلة أسري بك؟ قال: (ثم انطلق بي إلى خلق من خلق اللّه كثير، رجال ونساء، موكل بهم رجال يعمدون إلى عرض جنب أحدهم، فيجذون منه الجذة مثل النعل، ثم يضعونها في فيِّ أحدهم، فيقال له: كل كما أكلت - وهو يجد من أكله الموت يا محمد لو يجد الموت وهو يكره عليه - فقلت: يا جبرائيل من هولاء؟ قال: هولاء الهمازون اللمازون أصحاب النميمة، فيقال {أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه} وهو يكره على أكل لحمه) وروى الحافظ البيهقي، عن عبيد مولى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن امرأتين صامتا على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وأن رجلاً أتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه! إن ههنا امرأتين صامتا، وإنهما كادتا تموتان من العطش، أراه قال بالهاجرة، فأعرض عنه أو سكت عنه، فقال: يا نبي اللّه إنهما واللّه قد ماتتا، أو كادتا تموتان، فقال: (ادعهما) فجاءتا، قال، فجيء بقدح أو عس، فقال لإحداهما: (قيئي) فقاءت من قيح ودم وصديد، حتى قاءت نصف القدح، ثم قال للأًخْرى: (قيئي) فقاءت قيحاً ودماً وصديداً ولحماً ودماً عبيطاً وغيره، حتى ملأت القدح، ثم قال: (إن هاتين صامتا عما أحل اللّه لهما، وأفطرتا على ما حرم اللّه عليهما، وجلست إحداهما إلى الأُخْرى فجعلتا تأكلان لحوم الناس) ""أخرجه الحافظ البيهقي والإمام أحمد"". وروى الحافظ أبو يعلى، عن ابن عمر أن ماعزاً جاء إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه إني قد زنيت، فأعرض عنه، حتى قالها أربعا، فلما كان في الخامسة قال: (زنيت؟) قال: نعم، قال: (وتدري ما الزنا؟) قال: نعم، أتيت منها حراماً ما يأتي الرجل من امرأته حلالاً، قال: (ما تريد إلى هذا القول؟) قال: أُريد أن تطهّرني، قال، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (أدخلت ذلك منك في ذلك منها، كما يغيب الميل في المكحلة والرشا في البئر؟) قال: نعم يا رسول اللّه، قال، فأمر برجمه فرُجم، فسمع النبي صلى اللّه عليه وسلم رجلين يقول أحدهما لصاحبه: ألم تر إلى هذا الذي ستر اللّه عليه، فلم تدعه نفسه حتى رُجم رجْم الكلب؟ ثم سار النبي صلى اللّه عليه وسلم حتى مرَّ بجيفة حمار، فقال: (أين فلان وفلان؟ إنزلا فكلا من جيفة هذا الحمار) قالا: غفر اللّه لك يا رسول اللّه، وهل يؤكل هذا؟ قال صلى اللّه عليه وسلم: (فما نلتما من أخيكما آنفاً أشد أكلاً منه، والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها) ""أخرجه الحافظ أبو يعلى وإسناده صحيح"". وروى الإمام أحمد، عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنه قال: كنا مع النبي صلى اللّه عليه وسلم فارتفعت ريح جيفة منتنة، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (أتدرون ما هذه الريح؟ هذه ريح الذين يغتابون الناس؟) ""أخرجه الإمام أحمد في مسنده""وقوله عزَّ وجلَّ: {واتقوا اللّه} أي فيما أمركم به ونهاكم عنه فراقبواه في ذلك واخشوا منه، {إن اللّه تواب رحيم} أي تواب على من تاب إليه {رحيم} لمن رجع إليه واعتمد عليه، قال الجمهور من العلماء: طريق المغتاب للناس في توبته أن يقلع عن ذلك، ويعزم على أن لا يعود، وهل يشترط الندم على ما فات؟ فيه نزاع، وأن يتحلل من الذي اغتابه، وقال آخرون: لا يشترط أن يتحلله، فإنه إذا أعلمه بذلك ربما تأذى أشد مما لم يعلم بما كان منه، فطريقه إذاً أن يثني عليه بما فيه في المجالس التي كان يذمه فيها، وأن يرد عنه الغيبة بحسبه وطاقته، لتكون تلك بتلك؛ كما قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: (من حمى مؤمناً من منافق يغتابه بعث اللّه إليه ملكاً يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم، ومن رمى مؤمناً بشيء يريد سبه حبسه اللّه تعالى على جسر جهنم حتى يخرج مما قال) ""أخرجه أبو داود وأحمد"". وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (ما من امرئ يخذل امرءاً مسلماً في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه، إلا خذله اللّه تعالى في مواطن يحب فيها نصرته، وما من امرئ ينصر امرءاً مسلماً في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره اللّه عزَّ وجلَّ في مواطن يحب فيها نصرته) ""أخرجه أبو داود"".

ِترجمة معني الآية

ِاردو | Espanol | Française | English | Malaysian | Indonesian | বাঙালি