نتيجة البحث: تفسير الآية و صورتها و تلاوتها


سورة الحجرات آية 9
وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ

التفسير الميسر وإن طائفتان من أهل الإيمان اقتتلوا فأصلحوا -أيها المؤمنون- بينهما بدعوتهما إلى الاحتكام إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والرضا بحكمهما، فإن اعتدت إحدى الطائفتين وأبت الإجابة إلى ذلك، فقاتلوها حتى ترجع إلى حكم الله ورسوله، فإن رجعت فأصلحوا بينهما بالإنصاف، واعدلوا في حكمكم بأن لا تتجاوزوا في أحكامكم حكم الله وحكم رسوله، إن الله يحب العادلين في أحكامهم القاضين بين خلقه بالقسط. وفي الآية إثبات صفة المحبة لله على الحقيقة، كما يليق بجلاله سبحانه.

تفسير الجلالين
9 - (وإن طائفتان من المؤمنين) الآية نزلت في قضية هي أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب حمارا ومر على ابن ابي فبال الحمار فسد ابن ابي أنفه فقال ابن رواحة والله لبول حماره أطيب ريحا من مسكك فكان بين قوميهما ضرب بالأيدي والنعال والسعف (اقتتلوا) جمع نظرا إلى المعنى لأن كل طائفة جماعة وقرىء اقتتلا (فأصلحوا بينهما) ثني نظرا إلى اللفظ (فإن بغت) تعدت (إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء) ترجع (إلى أمر الله) الحق (فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل) بالانصاف (وأقسطوا) إعدلوا (إن الله يحب المقسطين)

تفسير القرطبي
فيه عشر مسائل: الأولى: قوله تعالى {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا}روى المعتمر بن سليمان عن أنس بن مالك قال : قلت : يا نبي الله، لو أتيت عبدالله بن أبي؟ فانطلق إليه النبي صلى الله عليه وسلم، فركب حمار وانطلق المسلمون يمشون، وهي أرض سبخة، فلما أتاه النبي صلى الله عليه وسلم قال : إليك عني فوالله لقد أذاني نتن حمارك.
فقال رجل من الأنصار : والله لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحا منك.
فغضب لعبدالله رجل من قومه، وغضب لكل واحد منهما أصحابه، فكان بينهم حرب بالجريد والأيدي والنعال، فبلغنا أنه أنزل فيهم هذه الآية.
وقال مجاهد : نزلت في الأوس والخزرج.
قال مجاهد : تقاتل حيان من الأنصار بالعصي والنعال فنزلت الآية.
ومثله عن سعيد بن جبير : أن الأوس والخزرج كان بينهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قتال بالسعف والنعال ونحوه، فأنزل الله هذه الآية فيهم.
وقال قتادة : نزلت في رجلين من الأنصار كانت بينهما مداراة في حق بينهما فقال أحدهما : لآخذن حقي عنوة، لكثرة عشيرته.
ودعاه الآخر إلى أن يحاكمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبي أن يتبعه، فلم يزل الأمر بينهما حتى تواقعا وتناول بعضهم بعضا بالأيدي والنعال والسيوف، فنزلت هذه الآية.
وقال الكلبي : نزلت في حرب سُمير وحاطب، وكان سمير قتل حاطبا، فاقتتل الأوس والخزرج حتى أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت.
وأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أن يصلحوا بينهما.
وقال السدي : كانت امرأة من الأنصار يقال لها : أم زيد تحت رجل من غير الأنصار، فتخاصمت مع زوجها، أرادت أن تزور قومها فحبسها زوجها وجعلها في عُلِّيّة لا يدخل عليها أحد من أهلها، وأن المرأة بعثت إلى قومها، فجاء قومها فأنزلوها لينطلقوا بها، فخرج الرجل فاستغاث أهله فخرج بنو عمه ليحولوا بين المرأة وأهلها، فتدافعوا وتجالدوا بالنعال، فنزلت الآية.
والطائفة تتناول الرجل الواحد والجمع والأثنين، فهو مما حمل على المعنى دون اللفظ، لأن الطائفتين في معنى القوم والناس.
وفي قراءة عبدالله {حتى يفيؤوا إلى أمر الله فإن فاؤوا فخذوا بينهم بالقسط}.
وقرأ ابن أبي عبلة {اقتتلتا}على لفظ الطائفتين.
وقد مضى في آخر [التوبة]القول فيه.
وقال ابن عباس في قوله عز وجل {وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين} [الروم : 2] قال : الواحد فما فوقه، والطائفة من الشيء القطعة منه.
{فأصلحوا بينهما} بالدعاء إلى كتاب الله لهما أو عليهما.
{فإن بغت إحداهما على الأخرى} تعدت ولم تجب إلى حكم الله وكتابه.
والبغي : التطاول والفساد.
{حتى تفيء إلى أمر الله} أي ترجع إلى كتابه.
{فإن فاءت} أي فإن رجعت {فأصلحوا بينهما بالعدل}أي احملوهما على الإنصاف.
{وأقسطوا} أقسطوا أيها الناس فلا تقتتلوا.
وقيل : أقسطوا أي اعدلوا.
{إن الله يحب المقسطين} أي العادلين المحقين.
الثانية: قال العلماء : لا تخلو الفئتان من المسلمين في اقتتالهما، إما أن يقتتلا على سبيل البغي منهما جميعا أو لا.
فإن كان الأول فالواجب في ذلك أن يمشي بينهما بما يصلح ذات البين ويثمر المكافة والموادعة.
فإن لم يتحاجزا ولم يصطلحا وأقامتا على البغي صير إلى مقاتلتهما.
وأما إن كان الثاني وهو أن تكون إحداهما باغية على الأخرى، فالواجب أن تقاتل فئة البغي إلى أن تكف وتتوب، فإن فعلت أصلح بينها وبين المبغي عليها بالقسط والعدل.
فإن التحم القتال بينهما لشبهة دخلت عليهما وكلتاهما عند أنفسهما محقة، فالواجب إزالة الشبهة بالحجة النيرة والبراهين القاطعة على مراشد الحق.
فإن ركبتا متن اللجاج ولم تعملا على شاكلة ما هديتا إليه ونصحتا به من اتباع الحق بعد وضرحه لهما فقد لحقتا بالفئتين الباغيتين.
والله أعلم.
الثالثة: في هذه الآية دليل على وجوب قتال الفئة الباغية المعلوم بغيها على الإمام أو على أحد من المسلمين.
وعلى فساد قول من منع من قتال المؤمنين، واحتج بقوله عليه السلام : (قتال المؤمن كفر).
ولو كان قتال المؤمن الباغي كفرا لكان الله تعالى قد أمر بالكفر، تعالى الله عن ذلك وقد قاتل الصديق رضي الله عنه : من تمسك بالإسلام وامتنع من الزكاة، وأمر ألا يتبع مُوَلٍّ، ولا يجهز على جريح، ولم تحل أموالهم، بخلاف الواجب في الكفار.
وقال الطبري : لو كان الواجب في كل اختلاف يكون بين الفريقين الهرب منه ولزوم المنازل لما أقيم حد ولا أبطل باطل، ولوجد أهل النفاق والفجور سبيلا إلى استحلال كل ما حرم الله عليهم من أموال المسلمين وسبي نسائهم وسفك دمائهم، بأن يتحزبوا عليهم، ويكف المسلمون أيديهم عنهم، وذلك مخالف لقوله عليه السلام : (خذوا على أيدي سفهائكم).
الرابعة: قال القاضي أبو بكر بن العربي : هذه الآية أصل في قتال المسلمين، والعمدة في حرب المتأولين، وعليها عول الصحابة، وإليها لجأ الأعيان من أهل الملة، وإياها عني النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : (تقتل عمارا الفئة الباغية).
وقوله عليه السلام في شأن الخوارج : (يخرجون على خير فرقة أو على حسين فرقة)، والرواية الأولى أصح، لقوله عليه السلام : (تقتلهم أولى الطائفتين إلى الحق).
وكان الذي قتلهم علي بن أبي طالب ومن كان معه.
فتقرر عند علماء المسلمين وثبت بدليل الدين أن عليا رضي الله عنه كان إماما، وأن كل من خرج عليه باغ وأن قتال واجب حتى يفيء إلى الحق وينقاد إلى الصلح، لأن عثمان رضي الله عنه قتل والصحابة برآء من دمه، لأنه منع من قتال من ثار عليه وقال : لا أكون أول من خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته بالقتل، فصبر على البلاء، واستسلم للمحنة وفدى بنفسه الأمة.
ثم لم يمكن ترك الناس سدي، فعرضت على باقي الصحابة الذين ذكرهم عمر في الشوري، وتدافعوها، وكان علي كرم الله وجهه أحق بها وأهلها، فقبلها حوطة على الأمة أن تسفك دماؤها بالتهارج والباطل، أو يتخرق أمرها إلى ما لا يتحصل.
فربما تغير الدين وانقض عمود الإسلام.
فلما بويع له طلب أهل الشام في شرط البيعة التمكن من قتلة عثمان وأخذ القود منهم، فقال لهم علي رضي الله عنه : ادخلوا في البيعة واطلبوا الحق تصلوا إليه.
فقالوا : لا تستحق بيعة وقتلة عثمان معك تراهم صباحاً ومساءً.
فكان علي في ذلك أشد رأيا وأصوب قيلا، لأن عليا لو تعاطى القود منهم لتعصبت لهم قبائل وصارت حربا ثالثة، فانتظر بهم أن يستوثق الأمر وتنعقد البيعة، ويقع الطلب من الأولياء في مجلس الحكم، فيجري القضاء بالحق.
ولا خلاف بين الأمة أنه يجوز للإمام تأخير القصاص إذا أدى ذلك إلى إثارة الفتنة أو تشتيت الكلمة.
وكذلك جرى لطلحة والزبير، فإنهما ما خلعا عليا من ولاية ولا اعترضا عليه في ديانة، وإنما رأيا أن البداءة بقتل أصحاب عثمان أولى.
قلت : فهذا قول في سبب الحرب الواقع بينهم.
وقال جلة من أهل العلم : إن الوقعة بالبصرة بينهم كانت على غير عزيمة منهم على الحرب بل فجأة، وعلى سبيل دفع كل واحد من الفريقين عن أنفسهم لظنه أن الفريق الآخر قد غدر به، لأن الأمر كان قد انتظم بينهم، وتم الصلح والتفرق على الرضا.
فخاف قتلة عثمان رضي الله عنه من التمكين منهم والإحاطة بهم، فاجتمعوا وتشاوروا واختلفوا، ثم أتفقت آراوهم على أن يفترقوا فريقين، ويبدأوا بالحرب سحرة في العسكرين، وتختلف السهام بينهم، ويصيح الفريق الذي في عسكر علي : غدر طلحة والزبير.
والفريق الذي في عسكر طلحة والزبير : غدر علي.
فتم لهم ذلك على ما دبروه، ونشبت الحرب، فكان كل فريق دافعا لمكرته عند نفسه، ومانعا من الإشاطة بدمه.
وهذا صواب من الفريقين وطاعة لله تعالى، إذ وقع القتال والامتناع منهما على هذه السبيل.
وهذا هوالصحيح المشهور.
والله أعلم.
الخامسة: قوله تعالى {فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله} أمر بالقتال.
وهو فرض على الكفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين، ولذلك تخلف قوم من الصحابة رضي الله عنهم عن هذه المقامات، كسعد بن أبي وقاص وعبدالله بن عمرو ومحمد بن مسلمة وغيرهم.
وصوب ذلك علي بن أبي طالب لهم، واعتذر إليه كل واحد منهم بعذر قبله منه.
ويروي أن معاوية رضي الله عنه لما أفضى إليه الأمر، عاتب سعدا على ما فعل، وقال له : لم تكن ممن أصلح بين الفئتين حين أقتتلا، ولا ممن قاتل الفئة الباغية.
فقال له سعد : ندمت على تركي قتال الفئة الباغية.
فتبين أنه ليس على الكل درك فيما فعل، وإنما كان تصرفا بحكم الاجتهاد وإعمالا بمقتضى الشرع.
والله أعلم.
السادسة: قوله تعالى {فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل} ومن العدل في صلحهم ألا يطالبوا بما جرى بينهم من دم ولا مال، فإنه تلف على تأويل.
وفي طلبهم تنفير لهم عن الصلح واستشراء في البغي.
وهذا أصل في المصلحة.
وقد قال لسان الأمة : إن حكمة الله تعالى في حرب الصحابة التعريف منهم لأحكام قتال أهل التأويل، إذ كان أحكام قتال أهل الشرك قد عرفت على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم وفعله.
السابعة: إذا خرجت على الإمام العدل خارجة باغية ولا حجة لها، قاتلهم الإمام بالمسلمين كافة أو من فيه كفاية، ويدعوهم قبل ذلك إلى الطاعة والدخول في الجماعة، فإن أبوا من الرجوع والصلح قوتلوا.
ولا يقتل أسيرهم ولا يتبع مدبرهم ولا يُذَفَّف على جريحهم، ولا تسبي ذراريهم ولا أموالهم.
وإذا قتل العادل الباغي، أو الباغي العادل وهو وليه لم يتوارثا.
ولا يرث قاتل عمدا على حال.
وقيل : إن العادل يرث الباغي، قياسا على القصاص.
الثامنة: وما استهلكه البغاة والخوارج من دم أو مال ثم تابوا لم يؤاخذوا به.
وقال أبو حنيفة : يضمنون.
وللشافعي قولان.
وجه قول أبي حنيفة أنه إتلاف بعدوان فيلزم الضمان.
والمعول في ذلك عندنا أن الصحابة رضي الله عنهم في حروبهم لم يتبعوا مدبرا ولا ذَفّفُوا على جريح ولا قتلوا أسيرا ولا ضمنوا نفسا ولا مالا، وهم القدوة.
وقال ابن عمر : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (يا عبدالله أتدري كيف حكم الله فيمن بغى من هذه الأمة)؟ قال : الله ورسوله أعلم.
فقال : (لا يجهز على جريحها ولا يقتل أسيرها ولا يطلب طلب هاربها ولا يقسم فيئها).
فأما ما كان قائما رد بعينه.
هذا كله فيمن خرج بتأويل يسوغ له.
وذكر الزمخشري في تفسيره : إن كانت الباغية من قلة العدد بحيث لا منعة لها ضمنت بعد الفيئة ما جنت، وإن كانت كثيرة ذات منعة وشوكة لم تضمن، إلا عند محمد بن الحسن رحمه الله فإنه كان يفتي بأن الضمان يلزمها إذا فاءت.
وأما قبل التجمع والتجند أو حين تتفرق عند وضع الحرب أوزارها، فما جنته ضمنته عند الجميع.
فحمل الإصلاح بالعدل في قوله {فأصلحوا بينهما بالعدل}على مذهب محمد واضح منطبق على لفظ التنزيل.
وعلى قول غيره وجهه أن يحمل على كون الفئة الباغية قليلة العدد.
والذي ذكروا أن الغرض إماتة الضغائن وسل الأحقاد دون ضمان الجنايات، ليس بحسن الطباق المأمور به من أعمال العدل ومراعاة القسط.
قال الزمخشري : فإن قلت : لم قرن بالإصلاح الثاني العدل دون الأول؟ قلت : لأن المراد بالاقتتال في أول الآية أن يقتتلا باغيتين أو راكبتي شبهة، وأيتهما كانت فالذي يجب على المسلمين أن يأخذوا به في شأنهما إصلاح ذات البين وتسكين الدهماء بإراءة الحق والمواعظ الشافية ونفي الشبهة، إلا إذا أصرّتا فحينئذ تجب المقاتلة، وأما الضمان فلا يتجه.
وليس كذلك إذا بغت إحداهما، فإن الضمان متجه على الوجهين المذكورين.
التاسعة: ولو تغلبوا أي البغاة على بلد فأخذوا الصدقات وأقاموا الحدود وحكموا فيهم بالأحكام، لم تثن عليهم الصدقات ولا الحدود، ولا ينقض من أحكامهم إلا ما كان خلافا للكتاب أو السنة أو الإجماع، كما تنقض أحكام أهل العدل والسنة، قال مطرف وابن الماجشون.
وقال ابن القاسم : لا تجوز بحال.
وروي عن أصبغ أنه جائز.
وروي عنه أيضا أنه لا يجوز كقول ابن القاسم.
وبه قال أبو حنيفة، لأنه عمل بغير حق ممن لا تجوز توليته.
فلم يجز كما لو لم يكونوا بغاة.
والعمدة لنا ما قدمناه من أن الصحابة رضي الله عنهم، لما أنجلت الفتنة وارتفع الخلاف بالهدنة والصلح، لم يعرضوا لأحد منهم في حكم.
قال ابن العربي : الذي عندي أن ذلك لا يصلح، لأن الفتنة لما انجلت كان الإمام هو الباغي، ولم يكن هناك من يعترضه والله أعلم.
العاشرة: لا يجوز أن ينسب إلى أحد من الصحابة خطأ مقطوع به، إذ كانوا كلهم اجتهدوا فيما فعلوه وأرادوا الله عز وجل، وهم كلهم لنا أئمة، وقد تعبدنا بالكف عما شجر بينهم، وألا نذكرهم إلا بأحسن الذكر، لحرمة الصحبة ولنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن سبهم، وأن الله غفر لهم، وأخبر بالرضا عنهم.
هذا مع ما قد ورد من الأخبار من طرق مختلفة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن طلحة شهيد يمشي على وجه الأرض، فلو كان ما خرج إليه من الحرب عصيانا لم يكن بالقتل فيه شهيدا.
وكذلك لو كان ما خرج إليه خطأ في التأويل وتقصيرا في الواجب عليه، لأن الشهادة لا تكون إلا بقتل في طاعة، فوجب حمل أمرهم على ما بيناه.
ومما يدل على ذلك ما قد صح وانتشر من أخبار علي بأن قاتل الزبير في النار.
وقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (بشر قاتل ابن صفية بالنار).
وإذا كان كذلك فقد ثبت أن طلحة والزبير غير عاصيين ولا أثمين بالقتال، لأن ذلك لو كان كذلك لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم في طلحة : (شهيد).
ولم يخبر أن قاتل الزبير في النار.
وكذلك من قعد غير مخطئ في التأويل.
بل صواب أراهم الله الاجتهاد.
وإذا كان كذلك لم يوجب ذلك لعنهم والبراءة منهم وتفسيقهم، وإبطال فضائلهم وجهادهم، وعظيم غنائهم في الدين، رضي الله عنهم.
وقد سئل بعضهم عن الدماء التي أريقت فيما بينهم فقال {تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون} [البقرة : 141].
وسئل بعضهم عنها أيضا فقال : تلك دماء طهر الله منها يدي، فلا أخضب بها لساني.
يعني في التحرز من الوقوع في خطأ، والحكم على بعضهم بما لا يكون مصيبا فيه.
قال ابن فورك : ومن أصحابنا من قال : إن سبيل ما جرت بين الصحابة من المنازعات كسبيل ما جرى بين إخوة يوسف مع يوسف، ثم إنهم لم يخرجوا بذلك عن حد الولاية والنبوة، فكذلك الأمر فيما جرى بين الصحابة.
وقال المحاسبي : فأما الدماء فقد أشكل علينا القول فيها باختلافهم.
وقد سئل الحسن البصري عن قتالهم فقال : قتال شهده أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وغبنا، وعلموا وجهلنا، واجتمعوا فاتبعنا، واختلفوا فوقفنا.
قال المحاسبي : فنحن نقول كما قال الحسن، ونعلم أن القوم كانوا أعلم بما دخلوا فيه منا، ونتبع ما اجتمعوا عليه، ونقف عند ما اختلفوا فيه ولا نبتدع رأيا منا، ونعلم أنهم اجتهدوا وأرادوا الله عز وجل، إذ كانوا غير متّهمين في الدين، ونسأل الله التوفيق.

تفسير ابن كثير يقول تعالى آمراً بالإصلاح بين الفئتين الباغيتين بعضهم على بعض: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما} فسماهم مؤمنين مع الاقتتال، وبهذا استدل البخاري وغيره، على أنه لا يخرج عن الإيمان بالمعصية وإن عظمت، لا كما يقوله الخوارج والمعتزلة، وهكذا ثبت أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خطب يوماً ومعه على المنبر الحسن بن علي رضي اللّه عنهما، فجعل ينظر إليه مرة، وإلى الناس أُخرى ويقول: (إن ابني هذا سيد ولعل اللّه تعالى أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين) ""أخرجه البخاري عن أبي بكرة رضي اللّه عنه"". فكان كما قال صلى اللّه عليه وسلم، أصلح اللّه تعالى به بين أهل الشام وأهل العراق، بعد الحروب الطويلة والواقعات المهولة، وقوله تعالى: {فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر اللّه} أي حتى ترجع إلى أمر اللّه ورسوله، وتسمع للحق وتطيعه، كما ثبت في الصحيح: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً) قيل: يا رسول اللّه أنصره مظلوماً فكيف أنصره ظالماً؟ قال صلى اللّه عليه وسلم: (تمنعه من الظلم فذاك نصرك إياه) وروى الإمام أحمد، عن أنَس رضي اللّه عنه قال، قيل للنبي صلى اللّه عليه وسلم: لو أتيت عبد اللّه بن أُبي، فانطلق إليه النبي صلى اللّه عليه وسلم، وركب حماراً، وانطلق المسلمون يمشون وهي أرض سبخة، فلما انطلق النبي صلى اللّه عليه وسلم إليه قال: إليك عني فواللّه لقد آذاني ريح حمارك، فقال رجل من الأنصار: واللّه لحمار رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أطيب ريحاً منك، قال: فغضب لعبد اللّه رجال من قومه، فغضب لكل واحد منهما أصحابه، قال: فكان بينهم ضرب بالجريد والأيدي والنعال، فبلغنا أنه أنزلت فيهم: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما} ""أخرجه أحمد ورواه البخاري بنحوه"". وذكر سعيد بن جبير: أن الأوس والخزرج كان بينهما قتال بالسعف والنعال، فأنزل اللّه تعالى هذه الآية، فأمر بالصلح بينهما، وقال السدي: كان رجل من الأنصار يقال له عمران، كانت له امرأة تدعى أم زيد، وإن المرأة أرادت أن تزور أهلها فحبسها زوجها، وجعلها في علية له، لا يدخل عليها أحد من أهلها، وإن المرأة بعثت إلى أهلها فجاء قومها وأنزلوها، لينطلقوا بها، وإن الرجل كان قد خرج، فاستعان أهل الرجل، فجاء بنو عمه ليحولوا بين المرأة وبين أهلها فتدافعوا واجتلدوا بالنعال، فنزلت فيهم هذه الآية، فبعث إليهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وأصلح بينهم وفاءوا إلى أمر اللّه تعالى. وقوله عزَّ وجلَّ: {فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن اللّه يحب المقسطين} أي اعدلوا بينهما بالقسط وهو العدل {إن اللّه يحب المقسطين}، روى ابن أبي حاتم، عن عبد اللّه بن عمرو رضي اللّه عنهما قال: إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (إن المقسطين في الدنيا على منابر من لؤلؤ بين يدي الرحمن عزَّ وجلَّ بما أقسطوا في الدنيا) ""أخرجه ابن أبي حاتم والنسائي"". وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (المقسطون عند اللّه تعالى يوم القيامة على منابر من نور على يمين العرش، الذين يعدلون في حكمهم وأهاليهم وما ولوا) ""أخرجه مسلم والنسائي وابن أبي حاتم عن عبد اللّه بن عمرو"". وقوله تعالى: {إنما المؤمنون أخوة} أي الجميع أخوة في الدين كما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم لا يظلمهُ ولا يسلمه) وفي الصحيح: (واللّه في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) وفي الصحيح أيضاً: (إذا دعا المسلم لأخيه بظهر الغيب قال الملك: آمين ولك بمثله( والأحاديث في هذا كثيرة. وقوله تعالى: {فأصلحوا بين أخويكم} يعني الفئتين المقتتلتين {واتقوا اللّه} أي في جميع أموركم {لعلكم ترحمون}. وهذا تحقيق منه تعالى للرحمة لمن اتقاه.

ِترجمة معني الآية

ِاردو | Espanol | Française | English | Malaysian | Indonesian | বাঙালি