نتيجة البحث: تفسير الآية و صورتها و تلاوتها


سورة الفتح آية 25
هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ ۚ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۖ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا

التفسير الميسر كفار قريش هم الذين جحدوا توحيد الله، وصدُّوكم يوم "الحديبية" عن دخول المسجد الحرام، ومنعوا الهدي، وحبسوه أن يبلغ محل نحره، وهو الحرم. ولولا رجال مؤمنون مستضعفون ونساء مؤمنات بين أظهر هؤلاء الكافرين بـ "مكة"، يكتمون إيمانهم خيفة على أنفسهم لم تعرفوهم؛ خشية أن تطؤوهم بجيشكم فتقتلوهم، فيصيبكم بذلك القتل إثم وعيب وغرامة بغير علم، لكنَّا سلَّطناكم عليهم؛ ليدخل الله في رحمته من يشاء فيَمُنَّ عليهم بالإيمان بعد الكفر، لو تميَّز هؤلاء المؤمنون والمؤمنات عن مشركي "مكة" وخرجوا من بينهم، لعذَّبنا الذين كفروا وكذَّبوا منهم عذابًا مؤلمًا موجعًا.

تفسير الجلالين
25 - (هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام) أي عن الوصول إليه (والهدي) معطوف على كم (معكوفا) محبوسا حال (أن يبلغ محله) أي مكانه الذي ينحر فيه عادة وهو الحرم بدل اشتمال (ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات) موجودون بمكة مع الكفار (لم تعلموهم) بصفة إيمان (أن تطؤوهم) أي تقتلوهم مع الكفار لو اذن لكم في الفتح بدل اشتمال من هم (فتصيبكم منهم معرة) أي إثم (بغير علم) منكم به وضمائر الغيبة للصنفين بتغليب الذكور وجواب لو لا محذوف أي لاذن لكم في الفتح لكن لم يؤذن فيه حينئذ (ليدخل الله في رحمته من يشاء) كالمؤمنين المذكورين (لو تزيلوا) تميزوا عن الكفار (لعذبنا الذين كفروا منهم) من أهل مكة حينئذ بأن نأذن لكم في فتحها (عذابا أليما) مؤلما

تفسير القرطبي
قوله تعالى : {هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله } فيه ثلاث مسائل: الأولى: قوله تعالى : {هم الذين كفروا } يعني قريشا، منعوكم دخول المسجد الحرام عام الحديبية حين أحرم النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه بعمرة، ومنعوا الهدي وحبسوه عن أن يبلغ محله.
وهذا كانوا لا يعتقدونه، ولكنه حملتهم الأنفة ودعتهم حمية الجاهلية إلى أن يفعلوا ما لا يعتقدونه دينا، فوبخهم الله على ذلك وتوعدهم عليه، وأدخل الأنس على رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيانه ووعده.
الثانية قوله تعالى: {والهدي معكوفا} أي محبوسا.
وقيل موقوفا.
وقال أبو عمرو بن العلاء : مجموعا.
الجوهري : عكفه أي حبسه ووقفه، يَعْكِفه ويَعْكُفه عَكْفا، ومنه قوله تعالى {والهدي معكوفا}، يقال ما عكفك عن كذا.
ومنه الاعتكاف في المسجد وهو الاحتباس.
{أن يبلغ محله} أي منحره، قاله الفراء.
وقال الشافعي رضي الله عنه : الحرم.
وكذا قال أبو حنيفة رضي الله عنه، المحصر محل هديه الحرم.
والمحل بكسر الحاء : غاية الشيء.
وبالفتح : هو الموضع الذي يحله الناس.
وكان الهدي سبعين بدنة، ولكن الله بفضله جعل ذلك الموضع له محلا.
وقد اختلف العلماء في هذا على ما تقدم بيانه في [البقرة] عند قوله تعالى {فإن أحصرتم} والصحيح ما ذكرناه.
في صحيح مسلم عن أبي الزبير عن جابر بن عبدالله قال : نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة.
وعنه قال : اشتركنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحج والعمرة كل سبعة في بدنة.
فقال رجل لجابر : أيشترك في البدنة ما يشترك في الجزور؟ قال : ما هي إلا من البدن.
وحضر جابر الحديبية قال : ونحرنا يومئذ سبعين بدنة، اشتركنا كل سبعة في بدنة.
وفي البخاري عن ابن عمر قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم معتمرين، فحال كفار قريش دون البيت، فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدنة وحلق رأسه.
قيل : إن الذي حلق رأسه يومئذ خراش بن أمية بن أبي العيص الخزاعي، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين أن ينحروا ويحلوا، ففعلوا بعد توقف كان منهم أغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقالت له أم سلمة : لو نحرت لنحروا، فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم هديه ونحروا بنحره، وحلق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه ودعا للمحلقين ثلاثا وللمقصرين مرة.
ورأى كعب بن عجرة والقمل يسقط على وجهه، فقال : (أيؤذيك هوامك ) ؟ قال نعم، فأمره أن يحلق وهو بالحديبية.
خرجه البخاري والدارقطني.
وقد مضى في [البقرة].
الثالثة: قوله تعالى {والهدي} والهَديُ والهَدِيّ لغتان.
وقرئ {حتى يبلغ الهَدْيُ محله}[البقرة : 196] بالتخفيف والتشديد، الواحدة هدية.
وقد مضى في [البقرة]أيضا.
وهو معطوف على الكاف والميم من {صدوكم}.
و{معكوفا} حال، وموضع {أن}من قوله {أن يبلغ محله} نصب على تقدير الحمل على {صدوكم} أي صدوكم وصدوا الهدي عن أن يبلغ.
ويجوز أن يكون مفعولا له، كأنه قال : وصدوا الهدي كراهية أن يبلغ محله.
أبو علي : لا يصح حمله على العكف، لأنا لا نعلم {عكف}جاء متعديا، ومجيء {معكوفا}في الآية يجوز أن يكون محمولا على المعنى، كأنه لما كان حبسا حمل المعنى على ذلك، كما حمل الرفث على معنى الإفضاء فعدي بإلى، فإن حمل على ذلك كان موضعه نصبا على قياس قول سيبويه، وجرا على قياس قول الخليل.
أو يكون مفعولا له، كأنه قال : محبوسا كراهية أن يبلغ محله.
ويجوز تقدير الجر في {أن} لأن عن تقدمت، فكأنه قال : وصدوكم عن المسجد الحرام، وصدوا الهدي {عن} أن يبلغ محله.
ومثله ما حكاه سيبويه عن يونس : مررت برجل إن زيد وإن عمرو، فأضمر الجار لتقدم ذكره.
قوله تعالى:{ ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم } فيه ثلاث مسائل: الأولى: قوله تعالى {ولولا رجال مؤمنون} يعني المستضعفين من المؤمنين بمكة وسط الكفار، كسلمه بن هشام وعياش بن أبي ربيعة وأبي جندل بن سهيل، وأشباههم.
{لم تعلموهم} أي تعرفوهم.
وقيل لم تعلموهم أنهم مؤمنون.
{أن تطؤوهم} بالقتل والإيقاع بهم، يقال : وطئت القوم، أي أوقعت بهم.
و{أن} يجوز أن يكون رفعا على البدل من رجال، ونساء كأنه قال ولولا وطؤكم رجالا مؤمنين ونساء مؤمنات.
ويجوز أن يكون نصبا على البدل من الهاء والميم في {تعلموهم} ، فيكون التقدير : لم تعلموا وطأهم، وهو في الوجهين بدل الاشتمال.
{لم تعلموهم} نعت لـ {رجال} و {نساء}.
وجواب {لولا}محذوف، والتقدير : ولو أن تطؤوا رجالا مؤمنين ونساء مؤمنات لم تعلموهم لأذن الله لكم في دخول مكة، ولسلطكم عليهم، ولكنا صُنّا من كان فيها يكثم إيمانه.
وقال الضحاك : لولا من في أصلاب الكفار وأرحام نسائهم من رجال مؤمنين ونساء مؤمنات لم تعلموا أن تطؤوا آباءهم فتهلك أبناؤهم.
الثانية: قوله تعالى {فتصيبكم منهم معرة بغير علم } المعرة العيب، وهي مفعلة من العُرّ وهو الجرب، أي يقول المشركون : قد قتلوا أهل دينهم.
وقيل : المعنى يصيبكم من قتلهم ما يلزمكم من أجله كفارة قتل الخطأ، لأن الله تعالى إنما أوجب على قاتل المؤمن في دار الحرب إذا لم يكن هاجر منها ولم يعلم بإيمانه الكفارة دون الدية في قوله {فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة} [النساء : 92] قاله الكلبي ومقاتل وغيرهما.
وقد مضى في [النساء] القول فيه.
وقال ابن زيد {معرة}إثم.
وقال الجوهري وابن إسحاق : غرم الدية.
قطرب : شدة.
وقيل غم.
الثالثة: قوله تعالى: {بغير علم} تفضيل للصحابة وإخبار عن صفتهم الكريمة من العفة عن المعصية والعصمة عن التعدي، حتى لو أنهم أصابوا من ذلك أحدا لكان عن غير قصد.
وهذا كما وصفت النملة عن جند سليمان عليه السلام في قولها {لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون} [النمل : 18].
قوله تعالى: {ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا } فيه أربع مسائل: الأولى: قوله تعالى: {ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا } اللام في {ليدخل}متعلقة بمحذوف، أي لو قتلتموهم لأدخلهم الله في رحمته.
ويجوز أن تتعلق بالإيمان.
ولا تحمل على مؤمنين دون مؤمنات ولا على مؤمنات دون مؤمنين لأن الجميع يدخلون في الرحمة.
وقيل : المعنى لم يأذن الله لكم في قتال المشركين ليسلم بعد الصلح من قضى أن يسلم من أهل مكة، وكذلك كان أسلم الكثير منهم وحسن إسلامه، ودخلوا في رحمته، أي جنته.
الثانية: قوله تعالى {لو تزيلوا} أي تميّزوا، قاله القتبي.
وقيل : لو تفرقوا، قاله الكلبي.
وقيل : لو زال المؤمنون من بين أظهر الكفار لعذب الكفار بالسيف، قاله الضحاك.
ولكن الله يدفع بالمؤمنين عن الكفار.
وقال علي رضي الله عنه : سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية {لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا} فقال : (هم المشركون من أجداد نبي الله ومن كان بعدهم وفي عصرهم كان في أصلابهم قوم مؤمنون فلو تزيل المؤمنون عن أصلاب الكافرين لعذب الله تعالى الكافرين عذابا أليما).
الثالثة: هذه الآية دليل على مراعاة الكافر في حرمة المؤمن، إذ لا يمكن أذية الكافر إلا بأذية المؤمن.
قال أبو زيد قلت لابن القاسم : أرأيت لو أن قوما من المشركين في حصن من حصونهم، حصرهم أهل الإسلام وفيهم قوم من المسلمين أسارى في أيديهم، أيحرق هذا الحصن أم لا ؟ قال : سمعت مالكا وسئل عن قوم من المشركين في مراكبهم : أنرمي في مراكبهم بالنار ومعهم الأسارى في مراكبهم؟ قال : فقال مالك لا أرى ذلك، لقوله تعالى لأهل مكة {لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما}.
وكذلك لو تترس كافر بمسلم لم يجز رميه.
وإن فعل ذلك فاعل فأتلف أحدا من المسلمين فعليه الدية والكفارة.
فإن لم يعلموا فلا دية ولا كفارة، وذلك أنهم إذا علموا فليس لهم أن يرموا، فإذا فعلوه صاروا قتلة خطأ والدية على عواقلهم.
فإن لم يعلموا فلهم أن يرموا.
وإذا أبيحوا الفعل لم يجز أن يبقى عليهم فيها تباعة.
قال ابن العربي : وقد قال جماعة إن معناه لو تزيلوا عن بطون النساء وأصلاب الرجال.
وهذا ضعيف، لأن من في الصلب أو في البطن لا يوطأ ولا تصيب منه معرة.
وهو سبحانه قد صرح فقال {ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤوهم} وذلك لا ينطلق على من في بطن المرأة وصلب الرجال، وإنما ينطلق على مثل الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، وأبي جندل بن سهيل.
وكذلك قال مالك : وقد حاصرنا مدينة الروم فحبس عنهم الماء، فكانوا ينزلون الأسارى يستقون لهم الماء، فلا يقدر أحد على رميهم بالنبل، فيحصل لهم الماء بغير اختيارنا.
وقد جوز أبو حنيفة وأصحابه والثوري الرمي في حصون المشركين وإن كان فيهم أسارى من المسلمين وأطفالهم.
ولو تترس كافر بولد مسلم رمي المشرك، وإن أصيب أحد من المسلمين فلا دية فيه ولا كفارة.
وقال الثوري : فيه الكفارة ولا دية.
وقال الشافعي بقولنا.
وهذا ظاهر، فإن التوصل إلى المباح بالمحظور لا يجوز، سيما بروح المسلم، فلا قول إلا ما قاله مالك رضي الله عنه.
والله أعلم.
قلت : قد يجوز قتل الترس، ولا يكون فيه اختلاف إن شاء الله، وذلك إذا كانت المصلحة ضرورية كلية قطعية.
فمعنى كونها ضرورية : أنها لا يحصل الوصول إلى الكفار إلا بقتل الترس.
ومعنى أنها كلية : أنها قاطعة لكل الأمة، حتى يحصل من قتل الترس مصلحة كل المسلمين، فإن لم يفعل قتل الكفار الترس واستولوا على كل الأمة.
ومعنى كونها قطعية : أن تلك المصلحة حاصلة من قتل الترس قطعا.
قال علماؤنا : وهذه المصلحة بهذه القيود لا ينبغي أن يختلف في اعتبارها، لأن الفرض أن الترس مقتول قطعا، فإما بأيدي العدو فتحصل المفسدة العظيمة التي هي استيلاء العدو على كل المسلمين.
وإما بأيدي المسلمين فيهلك العدو وينجو المسلمون أجمعون.
ولا يتأتى لعاقل أن يقول : لا يقتل الترس في هذه الصورة بوجه، لأنه يلزم منه ذهاب الترس والإسلام والمسلمين، لكن لما كانت هذه المصلحة غير خالية من المفسدة، نفرت منها نفس من لم يمعن النظر فيها، فإن تلك المفسدة بالنسبة إلى ما حصل منها عدم أو كالعدم.
والله أعلم.
الرابعة: قراءة العامة {لو تزيلوا} إلا أبا حيوة فإنه قرأ {تزايلوا} وهو مثل {تزيلوا} في المعنى.
والتزايل : التباين.
و{تزيلوا} تفعلوا، من زلت.
وقيل : هي تفيعلوا.
{لعذبنا الذين كفروا} قيل : اللام جواب لكلامين، أحدهما {لولا رجال}والثاني {لو تزيلوا}.
وقيل جواب {لولا} محذوف، وقد تقدم.
{ولو تزيلوا} ابتداء كلام.

تفسير ابن كثير يقول تعالى مخبراً عن الكفار ومشركي العرب، من قريش ومن مالأهم على نصرتهم على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: {هم الذين كفروا} أي هم الكفار دون غيرهم {وصدوكم عن المسجد الحرام} أي وأنتم أحق به وأنتم أهله في نفس الأمر {والهدي معكوفاً أن يبلغ محله} أي وصدوا الهدي أن يصل إلى محله، وهذا من بغيهم وعنادهم، وكان الهدي سبعين بدنة، وقوله عزَّ وجلَّ: {ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات} أي بين أظهرهم ممن يكتم إيمانه ويخفيه منهم، خيفة على أنفسهم من قومهم، لكنا سلطانكم عليهم فقتلتموهم وأبدتم خضراءهم، ولكن بين أفنائهم من المؤمنين والمؤمنات أقوام لا تعرفونهم حالة القتل، ولهذا قال تعالى: {لم تعلموهم أن تطأوهم فتصيبكم منهم معرة} أي إثم وغرامة {بغير علم ليدخل اللّه في رحمته من يشاء} أي يؤخر عقوبتهم ليخلص من بين أظهرهم المؤمنين، وليرجع كثير منهم إلى الإسلام، ثم قال تبارك وتعالى: {لو تزيلوا} أي لو تميز الكفار من المؤمنين الذين بين أظهرهم {لعذبنا الذين كفروا منهم عذاباً أليماً} أي لسلطانكم عليهم فقتلتموهم قتلاً ذريعاً. عن جنيد بن سبيع قال: (قاتلت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أول النهار كافراً، وقاتلت معه آخر النهار مسلماً، وفينا نزلت: {ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات}، قال: كنا تسعة نفر سبعة رجال وامرأتين) ""أخرجه الحافظ الطبراني، قال ابن كثير: الصواب عن حبيب بن سباع"". وقال ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي اللّه عنهما في قوله تعالى: {لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذاباً أليماً} يقول: لو تزيل الكفار من المؤمنين لعذبهم اللّه عذاباً أليماً بقتلهم إياهم، وقوله عزَّ وجلَّ: {إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية} وذلك حين أبوا أن يكتبوا: بسم اللّه الرحمن الرحيم، وأبوا أن يكتبوا: هذا ما قاضى عليه محمد رسول اللّه {فأنزل اللّه سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى} وهي قول: لا إله إلا اللّه، كما قال ابن جرير عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: {وألزمهم كلمة التقوى} قال: (لا إله إلا اللّه) ""أخرجه ابن جرير ورواه الترمذي، وقال: حديث غريب""، وقال ابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب إن أبا هريرة رضي اللّه عنه أخبره أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللّه فمن قال: لا إله إلا اللّه فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على اللّه عزَّ وجلَّ)، وأنزل اللّه عزَّ وجلَّ في كتابه وذكر قوماً فقال: {إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا اللّه يستكبرون}، وقال اللّه جلَّ ثناؤه: {وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها} وهي لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه، فاستكبروا عنها واستكبر عنها المشركون يوم الحديبية، فكاتبهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على قضية المدة ""أخرجه ابن أبي حاتم، قال ابن كثير: ورواه بهذه الزيادات ابن جرير، والظاهر أنها مدرجة من كلام الزهري""، وقال مجاهد: كلمة التقوى الاخلاص، وقال عطاء: هي لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على شيء قدير، وقال علي رضي اللّه عنه: {وألزمهم كلمة التقوى} قال: لا إله إلا اللّه واللّه أكبر، وقال ابن عباس {وألزمهم كلمة التقوى} يقول شهادة أن لا إله إلا الله وهي رأس كل تقوى، وقال سعيد بن جبير: {وألزمهم كلمة التقوى} لا إله إلا اللّه والجهاد في سبيله، {وكانوا أحق بها وأهلها} كان المسلمون أحق بها وكانوا أهلها {وكان اللّه بكل شيء عليماً} أي هو عليم بمن يستحق الخير ممن يستحق الشر. ذكر الأحاديث الواردة في قصة الحديبية وقصة الصلح . روى الإمام أحمد عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم رضي اللّه عنهما قالا: خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يريد زيارة البيت، لا يريد قتالاً، وساق معه الهدي سبعين بدنة، وكان الناس سبعمائة رجل، فكانت كل بدنة عن عشرة، وخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، حتى إذا كان بعسفان، لقيه بشر بن سفيان الكعبي، فقال: يا رسول اللّه هذه قريش قد سمعت بمسيرك فخرجت معها العوذ المطافيل، قد لبست جلود النمور، يعاهدون اللّه تعالى أن لا تدخلها عليها عنوة أبداً، وهذا خالد بن الوليد في خيلهم قد قدموه إلى كراع الغميم، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (يا ويح قريش قد أكلتهم الحرب، ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر الناس؟ فإن أصابوني كان الذي أرادوا، وإن أظهرني اللّه تعالى دخلوا في الإسلام وهم وافرون، وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة، فماذا تظن قريش؟ فواللّه لا أزال أجاهدهم على الذي بعثني اللّه تعالى به حتى يظهرني اللّه عزَّ وجلَّ أو تنفرد هذه السالفة) ثم أمر الناس فسلكوا ذات اليمين بين ظهري الحمض على طريق تخرجه على ثنية المرار والحديبية من أسفل مكة، قال: فسلك بالجيش تلك الطريق، فلما رأت خيل قريش فترة الجيش قد خالفوا عن طريقهم ركضوا راجعين إلى قريش، فخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، حتى إذا سلك ثنية المرار بركت ناقته، فقال الناس: خَلأت، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (ما خلأت)وما ذلك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة، واللّه لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألوني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها ثم قال صلى اللّه عليه وسلم للناس: (انزلوا) قالوا: يا رسول اللّه ما بالوادي من ماء ينزل عليه الناس، فأخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سهماً من كنانته، فأعطاه رجلاً من أصحابه فنزل في قليب من تلك القلب، فغرزه فيه، فجاش بالماء حتى ضرب الناس عنه بعطن فلما اطمأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا بديل بن ورقاء في رجال من خزاعة، فقال لهم كقوله لبشر بن سفيان، فرجعوا إلى قريش، فقالوا: يا معشر قريش إنكم تعجلون على محمد صلى اللّه عليه وسلم، إن محمداً لم يأت لقتال إنما جاء زائراً لهذا البيت معظماً لحقه فاتهموهم ""هذا جزء لحديث طويل أخرجه الإمام أحمد وعبد الرزاق، وقد اقتصرنا على هذا القدر لنذكر رواية البخاري رحمه اللّه"". وروى البخاري رحمه اللّه في صحيحه، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه قالا: خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه، فلما أتى ذا الحليفة، قلد الهدي وأشعره، وأحرم منها بعمرة، وبعث عيناً من خزاعة وسار حتى إذا كان بغدير الأشطاط أتاه عينه فقال: إن قريشاً قد جمعوا لك جموعاً وقد جمعوا لك الأحابيش، وهم مقاتلوك وصادوك ومانعوك فقال صلى اللّه عليه وسلم: (أشيروا أيها الناس عليّ، أترون أن نميل على عيالهم وذراري هؤلاء الذين يريدون أن يصدونا عن البيت، أم ترون أن نؤم البيت فمن صدنا عنه قاتلناه)؟ فقال أبو بكر رضي اللّه عنه: يا رسول اللّه خرجت عامداً لهذا البيت لا تريد قتل أحد ولا حرباً، فتوجه له، فمن صدنا عنه قاتلناه، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: (فامضوا على اسم اللّه تعالى)، حتى إذا كانوا ببعض الطريق، قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: (إن خالد بن الوليد في خيل لقريش طليعة، فخذوا ذات اليمين فواللّه ما شعر بهم خالد حتى إذا هم بقترة الجيش، فانطلق يركض نذيراً لقريش، وسار النبي صلى اللّه عليه وسلم حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها بركت به راحلته، فقالت الناس: حل حل، فألحت، فقالوا: خلأت القصواء، خلأت القصواء، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: (ما خلأت القصواء، وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل)؛ ثم قال صلى اللّه عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات اللّه تعالى إلا أعطيتهم إياها) ثم زجرها، فوثبت، فعدل عنهم، حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء يتبرضه الناس تبرضاً فلم يلبث الناس حتى نزحوه، وشُكي إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم العطش، فانتزع صلى اللّه عليه وسلم من كنانته سهماً، ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، فواللّه ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه، فبينما هم كذلك إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه من خزاعة وكانوا عبية نصح رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من أهل تهامة فقال: إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي نزلوا عدا مياه الحديبية معهم العوذ المطافيل، وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: (إنا لم نجيء لقتال أحد، ولكن جئنا معتمرين، وإنَّ قريشاً قد نهكتهم الحرب فأضرت بهم، فإن شاءوا ماددتهم مدة ويخلوا بيني وبين الناس، فإن أظهر فإن شاءوا أن يدخلوا فما دخل فيه الناس فعلوا وإلا فقد حموا، وإن هم أبوا فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي أو لينفذن اللّه أمره) قال بديل: سأبلغهم ما تقول، فانطلق حتى أتى قريشاً فقال: إنا قد جئنا من عند هذا الرجل وسمعناه يقول قولاً، فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا، فقال سفهاؤهم: لا حاجة لنا أن تخبرنا عنه بشيء، وقال ذوو الرأي منهم: هات ما سمعته يقول، قال: سمعته يقول: كذا وكذا، فحدثهم بما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقام عروة بن مسعود فقال أي قوم: ألستم بالوالد؟ قالوا: بلى، قال: وألست بالولد؟ قالوا: بلى، قال: فهل تتهمونني؟ قالوا: لا، قال: ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ فلما بلحوا علي جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني؟ قالوا: بلى، قال: فإن هذا قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها، ودعوني آته، قالوا: ائته، فأتاه فجعل يكلم النبي صلى اللّه عليه وسلم، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم له نحواً من قوله لبديل بن ورقاء، فقال عروة عند ذلك: أي محمد أرأيت إن استأصلت قومك هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أصله قبلك؟ وإن تك الأُخْرى فإني واللّه لأرى وجوهاً، وإني لأرى أشواباً من الناس خليقاً أن يفروا ويدعوك، فقال له أبو بكر رضي اللّه عنه: امصص بظر اللات، أنحن نفر وندعه؟ قال: من ذا؟ قالوا: أبا بكر، قال: أما والذي نفسي بيده لولا يد لك عندي لم أجزك بها لأجبتك. قال: وجعل يكلم النبي صلى اللّه عليه وسلم، فلما كلمه أخذ بلحيته صلى اللّه عليه وسلم والمغيرة بن شعبة رضي اللّه عنه قائم على رأس النبي صلى اللّه عليه وسلم ومعه السيف وعليه المغفر، وكلما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي صلى اللّه عليه وسلم ضرب يده بنعل السيف، وقال: أخر يدك عن لحية رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. فرفع عروة رأسه، وقال: من هذا؟ قال: المغيرة بن شعبة، قال: أي غدر، ألست أسعى في غدرتك؟ - وكان المغيرة بن شعبة رضي اللّه عنه صحب قوماً في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم، ثم جاء فأسلم - فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: (أما الإسلام فأقبل، وأما المال فلست منه في شيء)، ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم بعينيه، قال: فواللّه ما تنخّم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يُحِدَّون النظر إليه تعظيماً له صلى اللّه عليه وسلم؛ فرجع عروة إلى أصحابه. فقال: أي قوم واللّه لقد وفدت على الملوك، ووفدت على كسرى وقيصر والنجاشي، واللّه ما رأيت ملكاً قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمداً، واللّه إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون النظر إليه تعظيماً له، وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها، فقال رجل منهم من بني كنانة: دعوني آته، فقالوا: ائته، فلما أشرف على النبي صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه رضي اللّه عنهم، قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: (هذا فلان وهو من قوم يعظمون البدن فابعثوها له)، فبعثت له، واستقبله الناس يلبون، فلما رأى ذلك قال: سبحان اللّه ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت، فلما رجع إلى أصحابه، قال: رأيت البدن قد قلدت وأشعرت، فما أرى أن يصدوا عن البيت، فقام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص، فقال: دعوني آته، فقالوا: ائته، فلما أشرف عليهم قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: (هذا مكرز وهو رجل فاجر) فجعل يكلم النبي صلى اللّه عليه وسلم، فبينما هو يكلم إذ جاءه سهيل بن عمرو، وقال معمر: أخبرني أيوب عن عكرمة أنه قال: لما جاء سهيل بن عمرو قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: (قد سهل لكم من أمركم). قال معمر، قال الزهري في حديثه: فجاء سهيل بن عمرو فقال: هات اكتب بيننا وبينك كتاباً، فدعا النبي صلى اللّه عليه وسلم بعلي رضي اللّه عنه، وقال: (اكتب بسم اللّه الرحمن الرحيم)، فقال سهيل بن عمرو: أما الرحمن فواللّه ما أدري ما هو، ولكن اكتب: باسمك اللهم كذا كنت تكتب، فقال المسلمون: واللّه لا نكتبها إلا بسم اللّه الرحمن الرحيم، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: (اكتب باسمك اللهم) ثم قال: (هذا ما قضى عليه محمد رسول اللّه)، فقال سهيل: واللّه لو كنا نعلم أنك رسول اللّه ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب: محمد بن عبد اللّه، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: (واللّه إني لرسول اللّه وإن كذبتموني، اكتب: محمد ابن عبد اللّه). يتبع. . . تابع { هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ . . . . . } قال الزهري: وذلك لقوله: (واللّه لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات اللّه تعالى إلا أعطيتهم إياها)، فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم: (على أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به)، فقال سهيل: واللّه لا تتحدث العرب أنا أخذنا ضغطة، ولكن ذلك من العام المقبل، فكتب، فقال سهيل: وعلى أن لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا، فقال المسلمون: سبحان اللّه كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلماً؟ فبينما هم كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده، قد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، فقال سهيل: هذا يا محمد أول من أقاضيك عليه أن ترده إليَّ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: (إنا لم نقض الكتاب بعد)، قال: فواللّه إذاً لا أصالحك على شيء أبداً، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: (فأجزه لي) قال: ما أنا بمجيز ذلك لك، قال: (بلى فافعل) قال: ما أنا بفاعل، قال مكرز: بلى قد أجزناه لك، قال أبو جندي: أي معشر المسلمين أرد إلى المشركين وقد جئت مسلماً، ألا ترون ما قد لقيت؟ وكان قد عذب عذاباً شديداً في اللّه عزَّ وجلَّ، قال عمر رضي اللّه عنه: فأتيت نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقلت: ألست نبي اللّه حقاً؟ قال صلى اللّه عليه وسلم: (بلى) قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال صلى اللّه عليه وسلم: (بلى) قلت: فلم نعطى الدنية في ديننا إذاً؟ قال صلى اللّه عليه وسلم: (إني رسول اللّه ولست أعصيه وهو ناصري) قلت: أولست كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال صلى اللّه عليه وسلم: (بلى أفأخبرتك أنا نأتيه العام) قلت: لا، قال صلى اللّه عليه وسلم: (فإنك آتيه ومطوف به) قال، فأتيت أبا بكر، فقلت: يا أبا بكر! أليس هذا نبي اللّه حقاً؟ قال: بلى، قلت: ألسنا على الحق وعدوّنا على الباطل؟ قال: بلى، قلت: فلم نعطى الدنية في ديننا إذاً؟ قال: أيها الرجل إنه رسول اللّه وليس يعصي ربه وهو ناصره، فاستمسك بغرزه، فواللّه إنه على الحق، قلت: أوليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: بلى، قال: أفأخبرك أنك تأتيه العام؟ قلت: لا، قال: فإنك تأتيه وتطوف به. قال الزهري: قال عمر رضي اللّه عنه: فعملت لذلك أعمالاً، قال: فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لأصحابه: (قوموا فانحروا ثم احلقوا) قال: فواللّه ما قام منهم رجل، حتى قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل صلى اللّه عليه وسلم على أُمّ سلمة رضي اللّه عنها، فذكر لها ما لقي من الناس، قالت له أُم سلمة رضي اللّه عنها: يا نبي اللّه أتحب ذلك؟ اخرج ثم لا تكلم أحداً منهم كلمة، حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك، نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضاً حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غماً، ثم جاءه نسوة مؤمنات فأنزل اللّه عزَّ وجلَّ: {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات - حتى بلغ - بعصم الكوافر} فطلق عمر رضي اللّه عنه يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك، فتزوج إحدهما معاوية بن أبي سفيان، والأُخْرى صفوان ابن أُميّة، ثم رجع النبي صلى اللّه عليه وسلم إلى المدينة، فجاءه أبو بصير رجل من قريش وهو مسلم، فأرسولا في طلبه رجلين، فقالوا: العهد الذي جعلت لنا، فدفعه إلى الرجلين، فخرجا به، حتى إذا بلغا ذا الحليفة فنزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بصير لأحد الرجلين: واللّه إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيداً، فاستله الآخر، فقال: أجل، واللّه إنه لجيد، لقد جربت منه، ثم جربت، فقال أبو بصير: أرني أنظر إليه، فأمكنه منه، فضربه حتى برد، وفر الآخر، حتى أتى المدينة فدخل المسجد يعدو، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين رآه: (لقد رأى هذا ذعراً) فلما انتهى إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: قتل واللّه صاحبي، وإني لمقتول، فجاء أبو بصير، فقال: يا رسول اللّه قد واللّه أوفى اللّه ذمتك قد رددتني إليهم، ثم نجاني اللّه تعالى منهم، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: (ويل أمه مسعر حرب لو كان معه أحد) فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم، فخرج حتى أتى سيف البحر، قال: وتفلت منهم أبو جندل بن سهيل، فلحق بأبي بصير، فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير، حتى اجتمعت منهم عصابة، فواللّه ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشام، إلا اعترضوا لها فقتلوهم، وأخذوا أموالهم، فأرسلت قريش إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم تناشده اللّه والرحم، لما أرسل إليهم فمن أتاه منهم فهو آمن، فأرسل النبي صلى اللّه عليه وسلم إليهم، وأنزل اللّه عزَّ وجلَّ: {وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة - حتى بلغ - حمية الجاهلية} وكانت حميتهم أنهم لم يقروا أنه رسول اللّه ولم يقروا ببسم اللّه الرحمن الرحيم، وحالوا بينهم وبين البيت ""أخرجه البخاري في صحيحه"" وقال الإمام أحمد، عن أنَس رضي اللّه عنه قال: إن قريشاً صالحوا النبي صلى اللّه عليه وسلم وفيهم سهيل بن عمرو فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم لعلي رضي اللّه عنه: (اكتب بسم اللّه الرحمن الرحيم) فقال سهيل: لا ندري ما بسم اللّه الرحمن الرحيم، ولكن اكتب: باسمك اللهم، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: (اكتب من محمد رسول اللّه) قال: لو نعلم أنك رسول اللّه لاتبعناك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: (اكتب من محمد بن عبد اللّه) واشترطوا عليه صلى اللّه عليه وسلم، أن من جاء منكم لا نرده عليكم، ومن جاءكم منا رددتموه علينا، فقال: يا رسول اللّه أنكتب هذا؟ قال صلى اللّه عليه وسلم: (نعم إنه من ذهب منا إليهم فأبعد اللّه) ""أخرجه أحمد وروا مسلم في صحيحه"". وروى الإمام أحمد، عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: نحر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم الحديبية سبعين بدنة، فيها جمل لأبي جهل، فلما صدت عن البيت حنت كما تحن إلى أولادها ""أخرجه الإمام أحمد"".

ِترجمة معني الآية

ِاردو | Espanol | Française | English | Malaysian | Indonesian | বাঙালি