نتيجة البحث: تفسير الآية و صورتها و تلاوتها


سورة الأحقاف آية 20
وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ

التفسير الميسر ويوم يعرض الذين كفروا على النار للعذاب، فيقال لهم توبيخًا: لقد أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها، فاليوم - أيها الكفار- تُجْزَون عذاب الخزي والهوان في النار؛ بما كنتم تتكبرون في الأرض بغير الحق، وبما كنتم تخرجون عن طاعة الله.

تفسير الجلالين
20 - (ويوم يعرض الذين كفروا على النار) بأن تكشف لهم يقال لهم (أذهبتم) بهمزة وهمزتين وبهمزة ومدة وبها وتسهيل الثانية (طيباتكم) بإشغالكم بلذاتكم (في حياتكم الدنيا واستمتعتم) تمتعتم (بها فاليوم تجزون عذاب الهون) أي الهوان (بما كنتم تستكبرون) تتكبرون (في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون) به وتعذبون بها

تفسير القرطبي
قوله تعالى{ويوم يعرض} أي ذكرهم يا محمد يوم يعرض.
{على النار}أي يكشف الغطاء فيقربون من النار وينظرون إليها.
{أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها}أي يقال لهم أذهبتم، فالقول مضمر.
وقرأ الحسن ونصر وأبو العال ويعقوب وابن كثير {أأذهبتم} بهمزتين مخففتين، واختاره أبو حاتم.
وقرأ أبو حيوة وهشام {آذهبتم}بهمزة واحدة مطولة على الاستفهام.
الباقون بهمزة واحدة من غير مد على الخبر، وكلها لغات فصيحة ومعناها التوبيخ، والعرب توبخ بالاستفهام وبغير الاستفهام، وقد تقدم.
واختار أبو عبيد ترك الاستفهام لأنه قراءة أكثر أئمة السبعة نافع وعاصم وأبي عمرو وحمزة والكسائي، مع من وافقهم شيبة والزهري وابن محيصن والمغيرة بن أبي شهاب ويحيى بن الحارث والأعمش ويحيى بن وثاب وغيرهم، فهذه عليها جلة الناس.
وترك الاستفهام أحسن، لأن إثباته يوهم أنهم لم يفعلوا ذلك، كما تقول : أنا ظلمتك؟ تريد أنا لم أظلمك.
وإثباته حسن أيضا، يقول القائل : ذهبت فعلت كذا، يوبخ ويقول : أذهبت فعلت كل ذلك جائز.
ومعنى {أذهبتم طيباتكم} أي تمتعتم بالطيبات في الدنيا واتبعتم الشهوات واللذات، يعني المعاصي.
{فاليوم تجزون عذاب الهون}أي عذاب الخزي والفضيحة.
قال مجاهد : الهون الهوان.
قتادة : بلغة قريش.
{بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق}أي تستعلون على أهلها بغير استحقاق.
{وبما كنتم تفسقون} في أفعالكم بغيا وظلما.
وقيل {أذهبتم طيباتكم}أي أفنيتم شبابكم في الكفر والمعاصي.
قال ابن بحر : الطيبات الشباب والقوة، مأخوذ من قولهم : ذهب أطيباه، أي شبابه وقوته.
قال الماوردي : ووجدت الضحاك قاله أيضا.
قلت : القول الأول أظهر، روى الحسن عن الأحنف بن قيس أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : لأنا أعلم بخفض العيش، ولو شئت لجعلت أكبادا وصلاء وصنابا وصلائق، ولكني أستبقي حسناتي، فإن الله عز وجل وصف أقواما فقال {أذهبتم طباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها } وقال أبو عبيد في حديث عمر : لو شئت لدعوت بصلائق وصناب وكراكر وأسنمة.
وفي بعض الحديث : وأفلاذ.
قال أبو عمرو وغيره : الصلاء بالمد والكسر الشواء، سمي بذلك لأنه يصلى بالنار.
والصلاء أيضا : صلاء النار، فإن فتحت الصاد قصرت وقلت : صلى النار.
والصناب : الأصبغة المتخذة من الخردل والزبيب.
قال أبو عمرو : ولهذا قيل للبرذون : صنابي، وإنما شبه لونه بذلك.
قال : والسلائق بالسين هو ما يسلق من البقول وغيرها.
وقال غيره : هي الصلائق بالصاد، قال جرير : تكلفني معيشة آل زيد ** ومن لي بالصلائق والصناب والصلائق : الخبز الرقاق العريض.
وقد مضى هذا المعنى في [الأعراف].
وأما الكراكر فكراكر الإبل، واحدتها كركرة وهي معروفة، هذا قول أبي عبيد.
وفي الصحاح : والكركرة رحى زور البعير، وهي إحدى النفثات الخمس.
والكركرة أيضا الجماعة من الناس.
وأبو مالك عمرو بن كركرة رجل من علماء اللغة.
قال أبو عبيد : وأما الأفلاذ فإن واحدها فلذ، وهي القطعة من الكبد.
قال أعشى باهلة : تكفيه حزة فلذ إن ألم بها ** من الشواء ويروي شربه الغمر وقال قتادة : ذكر لنا أن عمر رضي الله عنه قال : لو شئت كنت أطيبكم طعاما، وألينكم لباسا، ولكني أستبقي طيباتي للآخرة.
ولما قدم عمر الشام صنع له طعام لم ير قط مثله قال : هذا لنا! فما لفقراء المسلمين الذين ماتوا وما شبعوا من خبز الشعير فقال خالد بن الوليد : لهم الجنة، فاغرورقت عينا عمر بالدموع وقال : لئن كان حظنا من الدنيا هذا الحطام، وذهبوا هم في حظهم بالجنة فلقد باينونا بونا بعيدا.
وفي صحيح مسلم وغيره أن عمر رضي الله عنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مشربته حين هجر نساءه قال : فالتفت فلم أر شيئا يرد البصر إلا أهبا جلودا معطونة قد سطع ريحها، فقلت : يا رسول الله، أنت رسول الله وخيرته، وهذا كسرى وقيصر في الديباج والحرير؟ قال : فاستوى جالسا وقال : (أفي شك أنت يا ابن الخطاب.
أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا) فقلت : استغفر لي فقال : (اللهم اغفر له).
وقال حفص بن أبي العاص : كنت أتغدى عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخبز والزيت، والخبز والخل، والخبز واللبن، والخبز والقديد، وأقل ذلك اللحم الغريض.
وكان يقول : لا تنخلوا الدقيق فإنه طعام كله، فجيء بخبز متفلع غليظ، فجعل يأكل ويقول : كلوا، فجعلنا لا نأكل، فقال : ما لكم لا تأكلون؟ فقلنا : والله يا أمير المؤمنين نرجع إلى طعام ألين من طعامك هذا، فقال : يا بن أبي العاص أما ترى بأني عالم أن لو أمرت بعناق سمينة فيلقى عنها شعرها ثم تخرج مصلية كأنها كذا وكذا، أما ترى بأني عالم أن لو أمرت بصاع أو صاعين من زبيب فأجعله في سقاء ثم أشن عليه من الماء فيصبح كأنه دم غزال، فقلت : يا أمير المؤمنين، أجل ما تنعت العيش، قال : أجل والله الذي لا إله إلا هو لولا أني أخاف أن تنقص حسناتي يوم القيامة لشاركناكم في العيش ولكني سمعت الله تعالى يقول لأقوام {أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها}.
{فاليوم تجزون عذاب الهون}أي الهوان.
{بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق}أي تتعظمون عن طاعة الله وعلى عباد الله.
{وبما كنتم تفسقون}تخرجون عن طاعة الله.
وقال جابر : اشتهى أهلي لحما فاشتريته لهم فمررت بعمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : ما هذا يا جابر؟ فأخبرته، فقال : أو كلما اشتهى أحدكم شيئا جعله في بطنه أما يخشى أن يكون من أهل هذه الآية {أذهبتم طيباتكم} الآية.
قال ابن العربي : وهذا عتاب منه له على التوسع بابتياع اللحم والخروج عن جلف الخبز والماء، فإن تعاطي الطيبات من الحلال تستشره لها الطباع وتستمرئها العادة فإذا فقدتها استسهلت في تحصيلها بالشبهات حتى تقع في الحرام المحض بغلبة العادة واستشراه الهوى على النفس الأمارة بالسوء.
فأخذ عمر الأمر من أوله وحماه من ابتدائه كما يفعله مثله.
والذي يضبط هذا الباب ويحفظ قانونه : على المرء أن يأكل ما وجد، طيبا كان أو قفارا، ولا يتكلف الطيب ويتخذه عادة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يشبع إذا وجد، ويصبر إذا عدم، ويأكل الحلوى إذا قدر عليها، ويشرب العسل إذا اتفق له، ويأكل اللحم إذا تيسر، ولا يعتمد أصلا، ولا يجعله ديدنا.
ومعيشة النبي صلى الله عليه وسلم معلومة، وطريقة الصحابة منقولة، فأما اليوم عند استيلاء الحرام وفساد الحطام فالخلاص عسير، والله يهب الإخلاص، ويعين على الخلاص برحمته.
وقيل : إن التوبيخ واقع على ترك الشكر لا على تناول الطيبات المحللة، وهو حسن، فإن تناول الطيب الحلال مأذون فيه، فإذا ترك الشكر عليه واستعان به على ما لا يحل له فقد أذهبه.
والله أعلم.

تفسير ابن كثير لما ذكر تعالى حال الداعين للوالدين البارين بهما، وما لهم عنده من الفوز والنجاة، عطف بحال الأشقياء العاقين للوالدين فقال: {والذي قال لوالديه أفّ لكما} وهذا عام في كل من قال هذا، ومن زعم أنها نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر رضي اللّه عنهما فقوله ضعيف، لأن عبد اللّه بن أبي بكر رضي اللّه عنهما أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه وكان من خيار أهل زمانه، وإنما هذا عام في كل من عق والديه وكذب بالحق فقال لوالديه: أف لكما. روى ابن أبي حاتم، عن عبد اللّه بن المديني قال: إني لفي المسجد حين خطب مروان فقال: إن اللّه تعالى قد أرى أمير المؤمنين في يزيد رأياً حسناً، وإن يستخلفه، فقد استخلف أبو بكر عمر رضي اللّه عنهما، فقال عبد الرحمن بن أبي بكر رضي اللّه عنهما: أهرقلية؟ إن أبا بكر رضي اللّه عنه واللّه ما جعلها في أحد من ولده، ولا أحد من أهل بيته، ولا جعلها معاوية في ولده إلا رحمة وكرامة لولده، فقال مروان: ألست الذي قال لوالديه: أُفٍ لكما؟ فقال عبد الرحمن رضي اللّه عنه: ألست ابن اللعين الذي لعن رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم أباك، قال وقد سمعتهما عائشة رضي اللّه عنها فقالت: يا مروان! أنت القائل لعبد الرحمن رضي اللّه عنه كذا وكذا؟ كذبت، ما فيه نزلت، ولكن نزلت في فلان بن فلان، ثم انتحب مروان، ثم نزل عن المنبر، حتى أتى باب حجرتها فجعل يكلمها حتى انصرف ""أخرجه ابن أبي حاتم، ورواه البخاري بإسناد آخر ولفظ آخر"". وروى النسائي، عن محمد بن زياد قال: قال لما بلغ معاوية رضي اللّه عنه لابنه قال مروان: سنة أبي بكر وعمر رضي اللّه عنهما، فقال عبد الرحمن بن أبي بكر رضي اللّه عنهما: سنة هرقل وقيصر، فقال مروان: هذا الذي أنزل اللّه تعالى فيه: {والذي قال لوالديه أُفٍ لكما}، فبلغ ذلك عائشة رضي اللّه عنها فقالت: كذب مروان، واللّه ما هو به، ولو شئت أن أسمي الذي أنزلت فيه لسميته، ولكن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لعن أبا مروان ومروان في صلبه، فمروانٌ فضَضٌ من لعنة اللّه ""أخرجه النسائي في سننه"". ومعنى فضض : قطعة . وقوله: {أتعداني أن أخرج}؟ أي أبعث، {وقد خلت القرون من قبلي} أي قد مضى الناس فلم يرجع منهم مخبر، {وهما يستغيثان اللّه} أي يسألان اللّه فيه أن يهديه ويقولان لولدهما: {ويلك آمن إن وعد اللّه حق، فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين}. قال اللّه تعالى: {أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين} أي دخلوا في زمرة أشباههم وأضرابهم من الكافرين الخاسرين أنفسهم وأهليهم يوم القيامة، وقوله: {أولئك} بعد قوله {والذي قال} دليل على ما ذكرناه من أنه جنس يعم كل من كان كذلك، وقال الحسن وقتادة: هو الكافر الفاجر العاق لوالديه المكذب بالبعث، وقوله تبارك وتعالى: {ولكل درجات مما عملوا} أي لكل عذاب بحسب عمله، {وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون} أي لا يظلمهم مثقال ذرة فما دونها، قال عبد الرحمن بن زيد: درجات النار تذهب سَفَالاً، ودرجات الجنة تذهب علواً، وقوله عزَّ وجلَّ: {ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها}، أي يقال لهم ذلك تقريحاً وتوبيخاً، وقد تورع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه عن كثير من طيبات المآكل والمشارب وتنزه عنها وقال: إني أخاف أن أكون من الذين قال اللّه لهم: {أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها}، وقوله عزَّ وجلَّ: {فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون} جُوزوا من جنس عملهم، فكما متعوا أنفسهم واستكبروا عن اتباع الحق، وتعاطوا الفسق والمعاصي، جازاهم اللّه تبارك وتعالى بعذاب الهون، وهو الإهانة والخزي والآلام الموجعة، والحسرات المتتابعة، والمنازل في الدركات المفظِعة، أجارنا اللّه سبحانه وتعالى من ذلك كله.

ِترجمة معني الآية

ِاردو | Espanol | Française | English | Malaysian | Indonesian | বাঙালি