نتيجة البحث: تفسير الآية و صورتها و تلاوتها


سورة البقرة آية 34
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ

التفسير الميسر واذكر -أيها الرسول- للناس تكريم الله لآدم حين قال سبحانه للملائكة: اسجدوا لآدم إكرامًا له وإظهارًا لفضله، فأطاعوا جميعًا إلا إبليس امتنع عن السجود تكبرًا وحسدًا، فصار من الجاحدين بالله، العاصين لأمره.

تفسير الجلالين
34 -(و) اذكر (إذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) سجود تحيةٍ بالانحناء (فسجدوا إلا إبليس) هو أبو الجن كان بين الملائكة (أبى) امتنع عن السجود (واستكبر) تكبّر عنه وقال : أنا خير منه (وكان من الكافرين) في علم الله

تفسير القرطبي
فيه عشر مسائل: الأولى: قوله تعالى: {وإذ قلنا} أي واذكر.
وأما قول أبي عبيدة : إن {إذ} زائدة فليس بجائز، لأن إذ ظرف.
وقال{قلنا} ولم يقل قلت لأن الجبار العظيم يخبر عن نفسه بفعل الجماعة تفخيما وإشادة بذكره.
والملائكة جمع ملك، وروي عن ابن جعفر بن القعقاع أنه ضم تاء التأنيث من الملائكة إتباعا لضم الجيم في {اسجدوا}.
ونظيره {الحمد لله}.
0 الثانية: قوله تعالى{اسجدوا} السجود معناه في كلام العرب التذلل والخضوع، قال الشاعر : بجمع تضل البلق في حجراته ** ترى الأكم فيها سجدا للحوافر الأكم : الجبال الصغار.
جعلها سجدا للحوافر لقهر الحوافر إياها وأنها لا تمتنع عليها.
وعين ساجدة، أي فاترة عن النظر، وغايته وضع الوجه بالأرض.
قال ابن فارس : سجد إذا تطامن، وكل ما سجد فقد ذل.
والإسجاد : إدامة النظر.
قال أبو عمرو : وأسجد إذا طأطأ رأسه، قال : فضول أزمتها أسجدت ** سجود النصارى لأحبارها قال أبو عبيدة : وأنشدني أعرابي من بني أسد : وقلن له أسجد لليلى فأسجدا يعني البعير إذا طأطأ رأسه.
ودراهم الإسجاد : دراهم كانت عليها صور كانوا يسجدون لها، قال : وافى بها كدراهم الإسجاد الثالثة: استدل من فضل آدم وبنيه بقوله تعالى للملائكة {اسجدوا لآدم}.
قالوا : وذلك يدل على أنه كان أفضل منهم.
والجواب أن معنى {اسجدوا لآدم} اسجدوا لي مستقبلين وجه آدم.
وهو كقوله تعالى {أقم الصلاة لدلوك الشمس} [الإسراء: 78 ] أي عند دلوك الشمس وكقوله{ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين} [ص: 72 ] أي فقعوا لي عند إتمام خلقه ومواجهتكم إياه ساجدين.
وقد بينا أن المسجود له لا يكون أفضل من الساجد بدليل القبلة.
فإن قيل : فإذا لم يكن أفضل منهم فما الحكمة في الأمر بالسجود له؟ قيل له : إن الملائكة لما استعظموا بتسبيحهم وتقديسهم أمرهم بالسجود لغيره ليريهم استغناءه عنهم وعن عبادتهم.
وقال بعضهم : عيروا آدم واستصغروه ولم يعرفوا خصائص الصنع به فأمروا بالسجود له تكريما.
ويحتمل أن يكون الله تعالى أمرهم بالسجود له معاقبة لهم على قولهم{أتجعل فيها من يفسد فيها} لما قال لهم{إني جاعل في الأرض خليفة} [البقرة: 30 ] وكان علم منهم أنه إن خاطبهم أنهم قائلون هذا، فقال لهم{إني خالق بشرا من طين} [ص: 71 ] وجاعله خليفة، فإذا نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين.
والمعنى : ليكون ذلك عقوبة لكم في ذلك الوقت على ما أنتم قائلون لي الآن.
فإن قيل : فقد استدل ابن عباس على فضل البشر بأن الله تعالى أقسم بحياة رسوله صلى الله عليه وسلم فقال{لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون}[الحجر: 72 ].
وأمنه من العذاب بقوله {ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر} [الفتح: 2 ].
//////////////وقال للملائكة{و من يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم} 21@ 29 .
قيل له : إنما لم يقسم بحياة الملائكة كما لم يقسم بحياة نفسه سبحانه، فلم يقل : لعمري.
وأقسم بالسماء والأرض، ولم يدل على أنهما أرفع قدرا من العرش والجنان السبع.
وأقسم بالتين والزيتون.
وأما قول سبحانه{ومن يقل منهم إني إله من دونه} 21@ 29 .
فهو نظير قوله لنبيه عليه السلام{لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين} 39@ 65 فليس فيه إذا دلالة، والله أعلم.
+ واختلف الناس في كيفية سجود الملائكة لآدم بعد اتفاقهم على أنه لم يكن سجود عبادة، فقال الجمهور : كان هذا أمرا للملائكة بوضع الجباه على الأرض، كالسجود المعتاد في الصلاة، لأنه الظاهر من السجود في العرف والشرع، وعلى هذا قيل : كان ذلك السجود تكريما لآدم وإظهارا لفضله، وطاعة لله تعالى، وكان آدم كالقبلة لنا.
ومعنى {لآدم} : إلى آدم، كما يقال صلى للقبلة، أي إلى القبلة.
وقال قوم : لم يكن هذا السجود المعتاد اليوم الذي هو وضع الجبهة على الأرض ولكنه مبقى على أصل اللغة، فهو من التذلل والانقياد، أي اخضعوا لآدم وأقروا له بالفضل.
{فسجدوا} أي امتثلوا ما أمروا به.
واختلف أيضا هل كان ذلك السجود خاصا بآدم عليه السلام فلا يجوز السجود لغيره من جميع العالم إلا لله تعالى، أم كان جائزا بعده إلى زمان يعقوب عليه السلام، لقوله تعالى{ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا} 12@ 100 فكان آخر ما أبيح من السجود للمخلوقين؟ والذي عليه الأكثر أنه كان مباحا إلى عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن أصحابه قالوا له حين سجدت له الشجرة والجمل : نحن أولى بالسجود لك من الشجرة والجمل الشارد، فقال لهم : (لا ينبغي أن يسجد لأحد إلا لله رب العالمين).
""روى ابن ماجة في سننه والبستي في صحيحه عن أبي واقد"" قال : لما قدم معاذ بن جبل من الشام سجد لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما هذا) فقال : يا رسول الله، قدمت الشام فرأيتهم يسجدون لبطارقتهم وأساقفتهم، فأردت أن أفعل ذلك بك، قال : (فلا تفعل فإني لو أمرت شيئا أن يسجد لشيء لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها حتى لو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه).
لفظ البستي.
ومعنى القتب أن العرب يعز عندهم وجود كرسي للولادة فيحملون نساءهم على القتب عند الولادة.
وفي بعض طرق معاذ : ونهى عن السجود للبشر وأمر بالمصافحة.
قلت : وهذا السجود المنهي عنه قد اتخذه جهال المتصوفة عادة في سماعهم وعند دخولهم على مشايخهم واستغفارهم، فيرى الواحد منهم إذا أخذه الحال بزعمه يسجد للأقدام لجهله سواء أكان للقبلة أم غيرها جهالة منه، ضل سعيهم وخاب عملهم.
+ قوله{إلا إبليس} نصب على الاستثناء المتصل، لأنه كان من الملائكة على قول الجمهور : ابن عباس وابن مسعود وابن جريج وابن المسيب وقتادة وغيرهم، وهو اختيار الشيخ أبي الحسن، ورجحه الطبري، وهو ظاهر الآية.
قال ابن عباس : وكان اسمه عزازيل وكان من أشراف الملائكة وكان من الأجنحة الأربعة ثم أبلس بعد.
روى سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال : كان إبليس من الملائكة فلما عصى الله غضب عليه فلعنه فصار شيطانا.
وحكى الماوردي عن قتادة : أنه كان من أفضل صنف من الملائكة يقال لهم الجنة.
وقال سعيد بن جبير : إن الجن سبط من الملائكة خلقوا من نار وإبليس منهم، وخلق سائر الملائكة من نور.
وقال ابن زيد والحسن وقتادة أيضا : إبليس أبو الجن كما أن آدم أبو البشر ولم يكن ملكا، و روى نحوه عن ابن عباس وقال : اسمه الحارث.
وقال شهر بن حوشب وبعض الأصوليين : كان من الجن الذين كانوا في الأرض وقاتلتهم الملائكة فسبوه صغيرا وتعبد مع الملائكة وخوطب، وحكاه الطبري عن ابن مسعود.
والاستثناء على هذا منقطع، مثل قوله تعالى{ما لهم به من علم إلا اتباع الظن} 4@ 175 وقوله{إلا ما ذكيتم} 5@ 3 .
في أحد القولين، وقال الشاعر : ليس عليك عطش ولا جوع إلا الرقاد والرقاد ممنوع واحتج بعض أصحاب هذا القول بأن الله جل وعز وصف الملائكة فقال{لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} 66@ 6، وقوله تعالى{إلا إبليس كان من الجن} 18@ 50 .
والجن غير الملائكة.
أجاب أهل المقالة الأولى بأنه لا يمتنع أن يخرج إبليس من جملة الملائكة لما سبق في علم الله بشقائه عدلا منه، لا يسأل عما يفعل، وليس في خلقه من نار ولا في تركيب الشهوة حين غضب عليه ما يدفع أنه من الملائكة.
وقول من قال : إنه كان من جن الأرض فسبي، فقد روي في مقابلته أن إبليس هو الذي قاتل الجن في الأرض مع جند من الملائكة، حكاه المهدوي وغيره.
وحكى الثعلبي عن ابن عباس : أن إبليس كان من حي من أحياء الملائكة يقال لهم الجن خلقوا من نار السموم، وخلقت الملائكة من نور، وكان اسمه بالسريانية عزازيل، وبالعربية الحارث، وكان من خزان الجنة وكان رئيس ملائكة السماء الدنيا وكان له سلطانها وسلطان الأرض، وكان من أشد الملائكة اجتهادا وأكثرهم علما، وكان يسوس ما بين السماء والأرض، فرأى لنفسه بذلك شرفا وعظمة، فذلك الذي دعاه إلى الكفر فعصى الله فمسخه شيطانا رجيما.
فإذا كانت خطيئة الرجل في كبر فلا ترجه، وإن كانت خطيئته في معصية فارجه، وكانت خطيئة آدم عليه السلام معصية، وخطيئة إبليس كبرا.
والملائكة قد تسمى جنا لاستتارها، وفي التنزيل{وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا} 37@ 158، وقال الشاعر في ذكر سليمان عليه السلام : وسخر من جن الملائك تسعة قياما لديه يعملون بلا أجر وأيضا لما كان من خزان الجنة نسب إليها فاشتق اسمه من اسمها، والله أعلم.
وإبليس وزنه إفعيل، مشتق من الإبلاس وهو اليأس من رحمة الله تعالى.
ولم ينصرف، لأنه معرفة ولا نظير له في الأسماء فشبه بالأعجمية، قال أبو عبيدة وغيره.
وقيل : هو أعجمي لا اشتقاق له فلم ينصرف للعجمة والتعريف، قاله الزجاج وغيره.
+قوله تعالى{أبى} معناه امتنع من فعل ما أمر به، ومنه الحديث الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : (إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول يا ويله - وفي راوية : يا ويلي - أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار).
خرجه مسلم.
يقال : أبي يأبى إباء، وهو حرف نادر جاء على فعل يفعل ليس فيه حرف من حروف الحلق، وقد قيل : إن الألف مضارعة لحروف الحلق.
قال الزجاج : سمعت إسماعيل بن إسحاق القاضي يقول : القول عندي أن الألف مضارعة لحروف الحلق.
قال النحاس : ولا أعلم أن أبا إسحاق روى إسماعيل نحوا غير هذا الحرف.
+قوله تعالى{واستكبر }الاستكبار : الاستعظام، فكأنه كره السجود في حقه واستعظمه في حق آدم، فكان ترك السجود لآدم تسفيها لأمر الله وحكمته.
وعن هذا الكبر عبر عليه السلام بقوله : (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر).
في رواية فقال رجل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة.
قال : (إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس).
"" أخرجه مسلم"".
ومعنى بطر الحق : تسفيهه وإبطاله.
وغمط الناس : الاحتقار لهم والازدراء بهم.
ويروى{وغمص} بالصاد المهملة، والمعنى واحد، يقال : غمصه يغمصه غمصا واغتمصه، أي استصغره ولم يره شيئا.
وغمص فلان النعمة إذا لم يشكرها.
وغمصت عليه قولا قاله، أي عبته عليه.
وقد صرح اللعين بهذا المعنى فقال{أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين} 38@ 76.
{أأسجد لمن خلقت طينا} 17@ 61 .
{لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون} 15@ 26 فكفره الله بذلك.
فكل من سفه شيئا من أوامر الله تعالى أو أمر رسوله عليه السلام كان حكمه حكمه، وهذا ما لا خلاف فيه.
و روى ابن القاسم عن مالك أنه قال بلغني أن أول معصية كانت الحسد والكبر، حسد إبليس آدم، وشح آدم في أكله من الشجرة.
وقال قتادة : حسد إبليس آدم، على ما أعطاه الله من الكرامة فقال : أنا ناري وهذا طيني.
وكان بدء الذنوب الكبر، ثم الحرص حتى أكل آدم من الشجرة، ثم الحسد إذ حسد ابن آدم أخاه.
+قوله تعالى{وكان من الكافرين }قيل : كان هنا بمعنى صار، ومنه قوله تعالى{فكان من المغرقين}.
وقال الشاعر : بتيهاء قفر والمطي كأنها قطا الحزن قد كانت فراخا بيوضها أي صارت.
وقال ابن فورك.
{كان} هنا بمعنى صار خطأ ترده الأصول.
وقال جمهور المتأولين : المعنى أي كان في علم الله تعالى أنه سيكفر، لأن الكافر حقيقة والمؤمن حقيقة هو الذي قد علم الله منه الموافاة.
قلت : وهذا صحيح، لقوله صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري : (وإنما الأعمال بالخواتيم).
وقيل : إن إبليس عبدالله تعالى ثمانين ألف سنة، وأعطي الرياسة والخزانة في الجنة على الاستدراج، كما أعطي المنافقون شهادة أن لا إله إلا الله على أطراف ألسنتهم، وكما أعطي بلعام الاسم الأعظم على طرف لسانه، فكان في رياسته والكبر في نفسه متمكن.
قال ابن عباس : كان يرى لنفسه أن له فضيلة على الملائكة بما عنده، فلذلك قال : أنا خير منه، ولذلك قال الله عز وجل{ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين} 38@ 75 أي استكبرت ولا كبر لك، ولم أتكبر أنا حين خلقته بيدي والكبر لي فلذلك قال{وكان من الكافرين} 38@ 74 .
وكان أصل خلقته من نار العزة، ولذلك حلف بالعزة فقال{فبعزتك لأغوينهم أجمعين} 38@ 82 .
فالعزة أورثته الكبر حتى رأى الفضل له على آدم عليه السلام.
وعن أبي صالح قال : خلقت الملائكة من نور العزة وخلق إبليس من نار العزة.
+ قال علماؤنا - رحمة الله عليهم - : ومن أظهر الله تعالى على يديه ممن ليس بنبي كرامات وخوارق للعادات فليس ذلك دالا على ولايته، خلافا لبعض الصوفية والرافضة حيث قالوا : إن ذلك يدل على أنه ولي، إذ لو لم يكن وليا ما أظهر الله على يديه ما أظهر.
ودليلنا أن العلم بأن الواحد منا ولي لله تعالى لا يصح إلا بعد العلم بأنه يموت مؤمنا، وإذا لم يعلم أنه يموت مؤمنا لم يمكنا أن نقطع على أنه ولي لله تعالى، لأن الولي لله تعالى من علم الله تعالى أنه لا يوافي إلا بالإيمان.
ولما اتفقنا على أننا لا يمكننا أن نقطع على أن ذلك الرجل يوافي بالإيمان، ولا الرجل نفسه يقطع على أنه يوافي بالإيمان، علم أن ذلك ليس يدل على ولايته لله.
قالوا : ولا نمنع أن يطلع بعض أوليائه على حسن عاقبته وخاتمة عمله وغيره معه، قال الشيخ أبو الحسن الأشعري وغيره.
وذهب الطبري إلى أن الله تعالى أراد بقصة إبليس تقريع أشباهه من بني آدم، وهم اليهود الذين كفروا بمحمد عليه السلام مع علمهم بنبوته، ومع قدم نعم الله عليهم وعلى أسلافهم.
+ واختلف هل كان قبل إبليس كافر أو لا؟ فقيل : لا، وإن إبليس أول من كفر.
وقيل : كان قبله قوم كفار وهم الجن وهم الذين كانوا في الأرض.
واختلف أيضا هل كفر إبليس جهلا أو عنادا على قولين بين أهل السنة، ولا خلاف أنه كان عالما بالله تعالى قبل كفره.
فمن قال إنه كفر جهلا قال : إنه سلب العلم عند كفره.
ومن قال كفر عنادا قال : كفر ومعه علمه.
قال ابن عطية : والكفر عنادا مع بقاء العلم مستبعد، إلا أنه عندي جائز لا يستحيل مع خذل الله لمن يشاء.

تفسير ابن كثير وهذه كرامة عظيمة من اللّه تعالى لآدم امتَنَّ بها على ذريته، حيث أخبر أنه تعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم وقد دل على ذلك أحاديث أيضاً كثيرة منها حديث الشفاعة المتقدم، وحديث موسى عليه السلام: (رب أرني آدم الذي أخرجنا ونفسه من الجنة، فلما اجتمع به قال: أنت آدم الذي خلقه اللّه بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته؟) قال وذكر الحديث كما سيأتي إن شاء اللّه. والغرض أن اللّه تعالى لما أمر الملائكة بالسجود لآدم دخل إبليس في خطابهم، لأنه وإن لم يكن من عنصرهم إلا أنه كان قد تشبه بهم وتوسم بأفعالهم، فلهذا دخل في الخطاب لهم وذم في مخالفة الأمر. قال طاوس عن ابن عباس: كان إبليس قبل أن يركب المعصية من الملائكة اسمه عزازيل وكان من سكان الأرض، وكان من أشد الملائكة اجتهاداً، وأكثرهم علماً، فذلك دعاه إلى الكبر، وكان من حيٍّ يسمون جناً وقال سعيد بن المسيب: كان إبليس رئيس ملائكة سماء الدنيا. وقال ابن جرير عن الحسن: ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قط وإنه لأصل الجن، كما أن آدم أصل الإنس، وهذا إسناد صحيح عن الحسن. وقال شهر بن حوشب: كان إبليس من الجن الذين طردتهم الملائكة فأسره بعض الملائكة فذهب به إلى السماء، رواه ابن جرير، وعن سعد بن مسعود قال: كانت الملائكة تقاتل الجن فسبي إبليس وكان صغيراً فكان مع الملائكة يتعبد معها فلما أُمروا بالسجود لآدم سجدوا فأبى إبليس فلذلك قال تعالى: {إلا إبليس كان من الجن} وقال أبو جعفر: {وكان من الكافرين} يعني من العاصين. قال قتادة في قوله تعالى {وإذا قلنا للملائكة اسجدوا لآدم}: فكانت الطاعة للّه والسجدة لآدم، أكرم اللّه آدم أن اسجد له ملائكته، وقال بعض الناس: كان هذا سجود تحية وسلام وإكرام كما قال تعالى: {ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا} وقد كان هذا مشروعاً في الأمم الماضية ولكنه نسخ في ملتنا. قال معاذ: (قدمت الشام فرأيتهم يسجدون لأساقفتهم وعلمائهم فأنت يا رسول اللّه أحق أن يسجد لك، فقال: (لا، لو كنت آمراً بشراً أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها) ورجحه الرازي. وقال بعضهم: بل كانت السجدة للّه وآدم قبلة فيها، والأظهر أن القول الأول أولى والسجدة لآدم كانت إكراما وإعظاماً واحتراماً وسلاماً، وهي طاعة للّه عزّ وجلّ لأنها امتثال لأمره تعالى، وقد قوّاه الرازي في تفسيره وضعَّف ما عداه من القولين الآخرين، وهما: كونه جعل قبلة إذ لا يظهر فيه شرف، والآخر أن المراد بالسجود الخضوع لا الانحناء ووضع الجبهة على الأرض، وهو ضعيف كما قال. وقال قتادة في قوله تعالى {فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين}: حسد عدوّ اللّه إبليس آدم عليه السلام على ما أعطاه اللّه من الكرامة وقال: أنا ناري وهذا طيني، وكان بدء الذنوب الكبر، استكبر عدوّ اللّه أن يسجد لآدم عليه السلام. قلت: وقد ثبت في الصحيح:( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر) وقد كان في قلب إبليس من الكبر، والكفر والعناد ما اقتضى طرده وإبعاده عن جناب الرحمة وحضرة القدس، قال بعض المعربين {وكان من الكافرين}: أي وصار من الكافرين بسبب امتناعه، كما قال: {فكان من المغرقين}، وقال: {فتكونا من الظالمين}، وقال الشاعر: بتيهاء قفر والمطي كأنها ** قطا الحزن قد كانت فراخاً بيوضها أي قد صارت، وقال ابن فورك تقديره: وقد كان في علم اللّه من الكافرين، ورجَّحه القرطبي، وذكر ههنا مسألة فقال، قال علماؤنا: من أظهر اللّه على يديه ممن ليس بنبي كرامات وخوارق للعادات فليس ذلك دالاً على ولايته خلافاً لبعض الصوفية والرافضة. قلت: وقد استدل بعضهم على أن الخارق قد يكون على يدي غير الولي، بل قد يكون على يد الفاجر والكافر أيضاً بما ثبت عن ابن صياد أنه قال: هو الدخ، حين خبأ له رسول اللّه صلى اللَه عليه وسلم : {فارتقب يوم تأت السماء بدخان مبين}، وبما كان صدر عنه، أنه كان يملأ الطريق إذا غضب حتى ضربه عبد اللّه بن عمر، وبما تثبتت به الأحاديث الدجال بما يكون على يديه من الخوارق الكثيرة، من أنه يأمر السماء أن تمطر فتمطر والأرض أن تنبت فتنبت، وتتبعه كنوز الأرض مثل اليعاسيب وأنه يقتل ذلك الشاب ثم يحييه إلى غير ذلك من الأمور المهولة. وكان الليث بن سعد يقول: إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء ويطير في الهواء فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنّة.

ِترجمة معني الآية

ِاردو | Espanol | Française | English | Malaysian | Indonesian | বাঙালি