نتيجة البحث: تفسير الآية و صورتها و تلاوتها


سورة آل عمران آية 110
كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ۚ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ

التفسير الميسر أنتم - يا أمة محمد - خير الأمم وأنفع الناس للناس، تأمرون بالمعروف، وهو ما عُرف حسنه شرعًا وعقلا وتنهون عن المنكر، وهو ما عُرف قبحه شرعًا وعقلا وتصدقون بالله تصديقًا جازمًا يؤيده العمل. ولو آمن أهل الكتاب من اليهود والنصارى بمحمد صلى الله عليه وسلم وما جاءهم به من عند الله كما آمنتم، لكان خيرا لهم في الدنيا والآخرة، منهم المؤمنون المصدقون برسالة محمد صلى الله عليه وسلم العاملون بها، وهم قليل، وأكثرهم الخارجون عن دين الله وطاعته.

تفسير الجلالين
110 - (كنتم) يا أمة محمد في علم الله تعالى (خير أمة أخرجت) أظهرت (للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان) الإيمان (خيراً لهم منهم المؤمنون) كعبد الله بن سلام رضي الله عنه وأصحابه (وأكثرهم الفاسقون) الكافرون

تفسير القرطبي
قوله تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس} فيه ثلاث مسائل روى الترمذي عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في قوله تعالى{كنتم خير أمة أخرجت للناس} قال : (أنتم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها عند الله).
وقال : هذا حديث حسن.
وقال أبو هريرة : نحن خير الناس للناس نسوقهم بالسلاسل إلى الإسلام.
وقال ابن عباس : هم الذين هاجروا من مكة إلى المدينة وشهدوا بدرا والحديبية.
وقال عمر بن الخطاب : من فعل فعلهم كان مثلهم.
وقيل : هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم، يعني الصالحين منهم وأهل الفضل.
وهم الشهداء على الناس يوم القيامة؛ كما تقدم في البقرة.
وقال مجاهد {كنتم خير أمة أخرجت للناس} على الشرائط المذكورة في الآية.
وقيل : معناه كنتم في اللوح المحفوظ.
وقيل : كنتم مذ آمنتم خير أمة.
وقيل : جاء ذلك لتقدم البشارة بالنبي صلى الله عليه وسلم وأمته.
فالمعنى كنتم عند من تقدمكم من أهل الكتب خير أمة.
وقال الأخفش : يريد أهل أمة، أي خير أهل دين؛ وأنشد : حلفت فلم أترك لنفسك ريبة ** وهل يأثمن ذو أمة وهو طائع وقيل : هي كان التامة، والمعنى خلقتم ووجدتم خير أمة.
{فخير أمة} حال.
وقيل : كان زائدة، والمعنى أنتم خير أمة.
وأنشد سيبويه : وجيران لنا كانوا كرام ** ومثله قوله تعالى {كيف نكلم من كان في المهد صبيا} [مريم : 29].
وقوله {واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم} [الأعراف : 86].
وقال في موضع آخر {واذكروا إذ أنتم قليل}.
وروى سفيان عن ميسرة الأشجعي عن أبي حازم عن أبي هريرة {كنتم خير أمة أخرجت للناس} قال : تجرون الناس بالسلاسل إلى الإسلام.
قال النحاس : والتقدير على هذا كنتم للناس خير أمة.
وعلى قول مجاهد : كنتم خير أمة إذ كنتم تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر.
وقيل : إنما صارت أمة محمد صلى الله عليه وسلم خير أمة لأن المسلمين منهم أكثر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيهم أفشى.
فقيل : هذا لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كما قال صلى الله عليه وسلم : (خير الناس قرني) أي الذين بعثت فيهم.
الثانية: وإذا ثبت بنص التنزيل أن هذه الأمة خير الأمم؛ فقد روى الأئمة من حديث عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم).
الحديث وهذا يدل على أن أول هذه الأمة أفضل ممن بعدهم، وإلى هذا ذهب معظم العلماء، وإن من صحب النبي صلى الله عليه وسلم ورآه ولو مرة في عمره أفضل ممن يأتي بعده، وإن فضيلة الصحبة لا يعدلها عمل.
وذهب أبو عمر بن عبدالبر إلى أنه قد يكون فيمن يأتي بعد الصحابة أفضل ممن كان في جملة الصحابة، وإن قوله عليه السلام : (خير الناس قرني) ليس على عمومه بدليل ما يجمع القرن من الفاضل والمفضول.
وقد جمع قرنه جماعة من المنافقين المظهرين للإيمان وأهل الكبائر الذين أقام عليهم أو على بعضهم الحدود، وقال لهم : ما تقولون في السارق والشارب والزاني.
وقال مواجهة لمن هو في قرنه : (لا تسبوا أصحابي).
وقال لخالد بن الوليد في عمار : (لا تسب من هو خير منك) وروى أبو أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (طوبى لمن رآني وآمن بي وطوبى سبع مرات لمن لم يرني وآمن بي).
وفي مسند أبي داود الطيالسي عن محمد بن أبي حميد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر.
قال : كنت جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : (أتدرون أي الخلق أفضل إيمانا) قلنا الملائكة.
قال : (وحق لهم بل غيرهم) قلنا الأنبياء.
قال : (وحق لهم بل غيرهم) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أفضل الخلق إيمانا قوم في أصلاب الرجال يؤمنون بي ولم يروني يجدون ورقا فيعملون بما فيها فهم أفضل الخلق إيمانا).
وروى صالح بن جبير عن أبي جمعة قال : قلنا يا رسول الله، هل أحد خير منا؟ قال : (نعم قوم يجيؤون من بعدكم فيجدون كتابا بين لوحين فيؤمنون بما فيه ويؤمنون بي ولم يروني).
وقال أبو عمر : وأبو جمعة له صحبة واسمه حبيب بن سباع، وصالح بن جبير من ثقات التابعين.
وروى أبو ثعلبة الخشني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (إن أمامكم أياما الصابر فيها على دينه كالقابض على الجمر للعامل فيها أجر خمسين رجلا يعمل مثله عمله) قيل : يا رسول الله، منهم؟ قال : (بل منكم).
قال أبو عمر : وهذه اللفظة "بل منكم" قد سكت عنها بعض المحدثين فلم يذكرها.
وقال عمر بن الخطاب في تأويل قوله {كنتم خير أمة أخرجت للناس} قال : من فعل مثل فعلكم كان مثلكم.
ولا تعارض بين الأحاديث؛ لأن الأول على الخصوص، والله الموفق.
وقد قيل في توجيه أحاديث هذا الباب : إن قرنه إنما فضل لأنهم كانوا غرباء في إيمانهم لكثرة الكفار وصبرهم على أذاهم وتمسكهم بدينهم، وإن أواخر هذه الأمة إذا أقاموا الدين وتمسكوا به وصبروا على طاعة ربهم في حين ظهور الشر والفسق والهرج والمعاصي والكبائر كانوا عند ذلك أيضا غرباء، وزكت أعمالهم في ذلك الوقت كما زكت أعمال أوائلهم، ومما يشهد لهذا قوله عليه السلام : (بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ فطوبى للغرباء).
ويشهد له أيضا حديث أبي ثعلبة، ويشهد له أيضا قوله صلى الله عليه وسلم : (أمتي كالمطر لا يُدْرَى أوله خير أم آخره).
ذكره أبو داود الطيالسي وأبو عيسى الترمذي، ورواه هشام بن عبيدالله الرازي عن مالك عن الزهري عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره).
ذكره الدارقطني في مسند حديث مالك.
قال أبو عمر : هشام بن عبيدالله ثقة لا يختلفون في ذلك.
وروي أن عمر بن عبدالعزيز لما ولي الخلافة كتب إلى سالم بن عبدالله أن اكتب إلي بسيرة عمر بن الخطاب لأعمل بها؛ فكتب إليه سالم : إن عملت بسيرة عمر؛ فأنت أفضل من عمر لأن زمانك ليس كزمان عمر، ولا رجالك كرجال عمر.
قال : وكتب إلى فقهاء زمانه، فكلهم كتب إليه بمثل قول سالم.
وقد عارض بعض الجلة من العلماء قوله صلى الله عليه وسلم : (خير الناس قرني) بقوله صلى الله عليه وسلم : (خير الناس من طال عمره وحسن عمله وشر الناس من طال عمره وساء عمله).
قال أبو عمر : فهذه الأحاديث تقتضي مع تواتر طرقها وحسنها التسوية بين أول هذه الأمة وآخرها.
والمعنى في ذلك ما تقدم ذكره من الإيمان والعمل الصالح في الزمان الفاسد الذي يرفع فيه من أهل العلم والدين، ويكثر فيه الفسق والهرج، ويذل المؤمن ويعز الفاجر ويعود الدين غريبا كما بدا غريبا ويكون القائم فيه كالقابض على الجمر، فيستوي حينئذ أول هذه الأمة بآخرها في فضل العمل إلا أهل بدر والحديبية، ومن تدبر آثار هذا الباب بان له الصواب، والله يؤتي فضله من يشاء.
الثالثة: قوله تعالى {تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} مدح لهذه الأمة ما أقاموا ذلك واتصفوا به.
فإذا تركوا التغيير وتواطؤوا على المنكر زال عنهم اسم المدح ولحقهم اسم الذم، وكان ذلك سببا لهلاكهم.
وقد تقدم الكلام في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أول السورة.
قوله تعالى {ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم} أخبر أن إيمان أهل الكتاب بالنبي صلى الله عليه وسلم خير لهم، وأخبر أن منهم مؤمنا وفاسقا، وأن الفاسق أكثر.

تفسير ابن كثير يخبر تعالى عن هذه الأمة المحمدية بأنهم خير الأمم، قال البخاري: عن أبي هريرة رضي اللّه عنه: {كنتم خير أمة أخرجت للناس} قال: خير الناس، تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام، والمعنى: أنهم خير الأمم وأنفع الناس للناس، ولهذا قال: {تأمرون بالمعروف وتنهون عن النكر وتؤمنون باللّه}، قال الإمام أحمد: قام رجل إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم وهو على المنبر فقال: يا رسول اللّه أي الناس خير؟ قال: (خير الناس أقرأهم وأتقاهم للّه وآمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر وأوصلهم للرحم) وعن ابن عباس في قوله تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس} قال: هم الذين هاجروا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من مكة إلى المدينة. والصحيح أن هذه الآية عامة في جميع الأمة كل قرن بحسبه، وخير قرونهم الذين بعث فيهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، كما قال في الآية الأخرى: وكذلك جعلناكم أمة وسطا} أي خيارا {لتكونوا شهداء على الناس} الآية. وفي مسند أحمد وجامع الترمذي من رواية حكيم بن معاوية بن حيدة عن أبيه قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (أنتم توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على اللّه عزّ وجلّ) وهو حديث مشهور، وقد حسَّنه الترمذي، وإنما حازت هذه الأمة قصب السبق إلى الخيرات، بنبيِّها محمد صلوات اللّه وسلامه عليه، فإنه أشرف خلق اللّه وأكرم الرسل على اللّه، وبعثه اللّه بشرع كامل عظيم، لم يعطه نبي قبله ولا رسول من الرسل، فالعمل على منهاجه وسبيله، يقوم القليل منه ما لا يقوم العمل الكثير من أعمال غيرهم مقامه، وفي الحديث: (وجعلت أمتي خير الأمم) "رواه الإمام أحمد عن علي بن أبي طالب" وقد وردت أحاديث يناسب ذكرها ههنا: عن أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (أعطيت سبعين ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب وجوههم كالقمر ليلة البدر، قلوبهم على قلب رجل واحد، فاستزدت ربي فزادني مع كل واحد سبعين ألفاً)، فقال أبو بكر رضي اللّه عنه: فرأيت أن ذلك آت على أهل القرى ومصيب من حافات البوادي "رواه الإمام أحمد" حديث آخر: قال الإمام أحمد، عن ابن مسعود رضي اللّه عنه قال، قال النبي صلى اللّه عليه وسلم : (عرضت عليّ الأمم بالموسم فراثت (تأخرت) عليّ أمتي، ثم رأيتهم فأعجبتني كثرتهم وهيئتهم، قد ملئوا السهل والجبل، فقال: أرضيت يا محمد؟ فقلت: نعم! قال: فإن مع هؤلاء سبعين ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب وهم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون)، فقام عكاشة بن محصن فقال: يا رسول اللّه ادع اللّه أن يجعلني منهم، فقال: (أنت منهم)، فقام رجل آخر فقال: ادع اللّه أن يجعلني منهم، فقال: (سبقك بها عكاشة) حديث آخر: قال الطبراني، عن عمران بن حصين قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاً بغير حساب ولا عقاب)، قيل: من هم؟ قال: (هم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون) حديث آخر: ثبت في الصحيحين من رواية الزهري عن سعيد بن المسيب، أن أبا هريرة حدثه قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: (يدخل الجنة من أمتي زمرة وهم سبعون ألفاً تضيء وجوههم إضاءة القمر ليلة البدر)، قال أبو هريرة: فقام عكاشة بن حصين الأسدي يرفع نمرة ثوب من صوف عليه، فقال: يا رسول اللّه : ادع اللّه أن يجعلني منهم، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (اللهم اجعله منهم)، ثم قام رجل من الأنصار فقال مثله، فقال: (سبقك بها عكاشة) حديث آخر: عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: (عرضت عليَّ الأمم فرأيت النبي ومعه الرهيط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد، إذ رفع لي سواد عظيم فظننت أنهم أمتي؛ فقيل لي هذا موسى وقومه، ولكن انظر إلى الأفق، فنظرت فإذا سواد عظيم، فقيل لي: انظر إلى الأفق الآخر فإذا سواد عظيم، فقيل لي: هذه أمتك ومعهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب) ثم نهض فدخل منزله فخاض الناس في أولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، فقال بعضهم: فلعلهم الذين صحبوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وقال بعضهم: فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام ولم يشركوا بالله شيئاً وذكروا أشياء، فخرج عليهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: (ما الذي تخوضون فيه؟) فأخبروه، فقال: (هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون)، فقام عكاشة بن محصن فقال: ادع اللّه أن يجعلني منهم، قال: (أنت منهم)، ثم قام رجل آخر فقال: ادع اللّه أن يجعلني منهم، قال: (سبقك بها عكاشة) "رواه مسلم" حديث آخر: قال الحافظ أبو بكر بن عاصم في كتاب السنن، عن محمد بن زياد: سمعت أبا أمامة الباهلي يقول: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: (وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفاً، مع كل ألف سبعون ألفاً لا حساب عليهم ولا عذاب، وثلاث حثيات من حثيات [حَثَيات: مفردها حَثْي وهو ما غرف باليد] ربي عزّ وجلّ) حديث آخر: قال أبو القاسم الطبراني: عن عامر بن زيد البكالي أنه سمع عتبة بن عبد السلمي رضي اللّه عنه يقول، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (إن ربي عزّ وجلّ وعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفاً بغير حساب، ثم يشفع كل ألف لسبعين ألفاً، ثم يحثي ربي عزّ وجلّ بكفيه ثلاث حثيات) فكبر عمر وقال: إن السبعين الأول يشفعهم اللّه في آبائهم وأبنائهم وعشيرتهم، وأرجو أن يجعلني اللّه في إحدى الحثيات الأواخر. قال الحافظ المقدسي في كتابه صفة الجنة: لا أعلم لهذا الإسناد علة، واللّه أعلم. حديث آخر: قال الإمام أحمد: عن عطاء بن يسار أن رفاعة الجهني حدثه قال: أقبلنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى إذا كنا بالكديد - أو قال بقديد - فذكر حديثاً وفيه ثم قال: (وعدني ربي عزّ وجلّ أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفاً بغير حساب، وإني لأرجو أن لا يدخلوها حتى تبوءوا أنتم ومن صلح من أزواجكم وذرياتكم مساكن في الجنة) قال الضياء: وهذا عندي على شرط مسلم. حديث آخر: قال عبد الرزاق، أنبأنا معمر عن قتادة عن النضر بن أنَس قال، قال رسول اللّه: (إن اللّه وعدني أن يدخل الجنة من أمتي أربعمائة ألف)، قال أبو بكر رضي اللّه عنه: زدنا يا رسول اللّه، قال: (واللّه هكذا)، قال عمر: حسبك يا أبا بكر، فقال أبو بكر: دعني وما عليك أن يدخلنا اللّه الجنة كلنا. قال عمر: إن اللّه إن شاء أدخل خلقه الجنة بكف واحد، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : (صدق عمر) هذا الحديث بهذا الإسناد تفرد به عبد الرزاق. قال الضياء: وقد رواه الحافظ أبو نعيم الأصبهاني عن قتادة عن أنَس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي مائة ألف)، فقال له أبو بكر: يا رسول اللّه زدنا، قال: (وهكذا)، وأشار سليمان بن حرب بيده كذلك، قلت: يا رسول اللّه زدنا، فقال عمر: إن اللّه قادر على أن يدخل الناس الجنة بحفنة واحدة، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (صدق عمر) هذا حديث غريب من هذا الوجه. حديث آخر: عن أنَس، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاً)، قالوا: زدنا يا رسول اللّه، قال: (لكل رجل سبعون ألفاً)، قالوا: زدنا وكان على كثيب، فقالوا: فقال: (هكذا) وحثا بيديه، قالوا: يا رسول اللّه: أَبْعَد اللّهُ من دخل النار بعد هذا) "رواه الحافظ أبو يعلى، قال ابن كثير: وإسناده جيد. " ومن الأحاديث الدالة على فضيلة هذه الأمة وشرفها وكرامتها على اللّه عزّ وجلّ، وأنها خير الأمم في الدنيا والآخرة ما ثبت في الصحيحين عن عبد اللّه بن مسعود قال، قال لنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (أما ترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة) فكبرنا، ثم قال: (أما ترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة) فكبرنا، ثم قال: (إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة) حديث آخر: قال الإمام أحمد بسنده عن ابن بريدة عن أبيه، أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (أهل الجنة عشرون ومائة صف هذه الأمة من ذلك ثمانون صفاً) حديث آخر قال الطبراني عن أبي هريرة: لما نزلت: {ثلة من الأولين وثلة من الآخرين} قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (أنتم ربع أهل الجنة أنتم ثلث أهل الجنة، أنتم نصف أهل الجنة، أنتم ثلثا أهل الجنة) حديث آخر : عن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (نحن الآخرون الأولون يوم القيامة، نحن أول الناس دخولاً الجنة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، وأوتيناه من بعدهم، فهدانا اللّه لما اختلفوا فيه من الحق، فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه، الناس لنا فيه تبع، غداً لليهود، وللنصارى بعد غد) "رواه الحافظ أبو يعلى، قال ابن كثير: وإسناده جيد" فهذه الأحاديث في معنى قوله تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون باللّه} فمن اتصف من هذه الأمة بهذه الصفات دخل معهم في هذا المدح، كما قال قتادة: بلغنا أن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه في حجة حجها رأى من الناس دَعَة، فقرأ هذه الآية: {كنتم خير أمة أخرجت للناس}، ثم قال: من سره أن يكون من هذه الأمة فليؤد شرط اللّه فيها، رواه ابن جرير، ومن لم يتصف بذلك أشبه أهل الكتاب الذين ذمهم اللّه بقوله تعالى: {كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه} الآية، ولهذا لما مدح تعالى هذه الأمة على هذه الصفات، شرع في ذم أهل الكتاب وتأنيبهم، فقال تعالى: {ولو آمن أهل الكتاب} أي بما أنزل على محمد، {لكان خيراً لهم، منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون} أي قليل منهم من يؤمن باللّه وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم، وأكثرهم على الضلالة والكفر والفسوق والعصيان. ثم قال تعالى مخبراً عباده المؤمنين، ومبشراً لهم: أن النصر والظفر لهم على أهل الكتاب الكفرة الملحدين فقال تعالى: {لن يضروكم إلا أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون}، هكذا وقع فإنهم يوم خيبر أذلهم اللّه وأرغم أنوفهم، وكذلك من قبلهم من يهود المدينة بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة كلهم أذلهم اللّه، وكذلك النصارى بالشام كسرهم الصحابة في غير ما موطن، وسلبوهم ملك الشام أبد الآبدين ودهر الداهرين، ولا تزال عصابة الإسلام قائمة بالشام حتى ينزل عيسى ابن مريم وهم كذلك، ويحكم بملة الإسلام وشرع محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية، ولا يقبل إلا الإسلام. ثم قال تعالى: {ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من اللّه وحبل من الناس} أي ألزمهم اللّه الذلة والصغار أينما كانوا فلا يؤمنون {إلا بحبل من اللّه} أي بذمة من اللّه وهو عقد الذمة لهم، وضربت الجزية عليهم وإلزامهم أحكام الملة، {وحبل من الناس} أي أمان منهم لهم كما في المهادن والمعاهد والأسير إذا أمنه واحد من المسلمين ولو امرأة، قال ابن عباس: {إلا بحبل من اللّه وحبل من الناس} أي بعهد من اللّه وعهد من الناس، وقوله: {وباءوا بغضب من اللّه} أي ألزموا، فالتزموا بغضب من اللّه وهم يستحقونه، {وضربت عليهم المسكنة} أي ألزموها قدراً وشرعاً، ولهذا قال: {ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات اللّه ويقتلون الأنبياء بغير حق} أي إنما حملهم على ذلك الكبر والبغي والحسد، فأعقبهم ذلك الذلة والصغار والمسكنة أبداً متصلاً بذل الآخرة. ثم قال تعالى: {ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون} أي إنما حملهم على الكفر بآيات اللّه وقتل رسول اللّه - وقُيِّضوا لذلك - أنهم كانوا يكثرون العصيان لأوامر اللّه والغشيان لمعاصي اللّه والاعتداء في شرع اللّه، فعياذاً بالله من ذلك، واللّه عزّ وجلّ المستعان.

ِترجمة معني الآية

ِاردو | Espanol | Française | English | Malaysian | Indonesian | বাঙালি