نتيجة البحث: تفسير الآية و صورتها و تلاوتها


سورة آل عمران آية 103
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ

التفسير الميسر وتمسَّكوا جميعًا بكتاب ربكم وهدي نبيكم، ولا تفعلوا ما يؤدي إلى فرقتكم. واذكروا نعمة جليلة أنعم الله بها عليكم: إذ كنتم -أيها المؤمنون- قبل الإسلام أعداء، فجمع الله قلوبكم على محبته ومحبة رسوله، وألقى في قلوبكم محبة بعضكم لبعض، فأصبحتم -بفضله- إخوانا متحابين، وكنتم على حافة نار جهنم، فهداكم الله بالإسلام ونجَّاكم من النار. وكما بيَّن الله لكم معالم الإيمان الصحيح فكذلك يبيِّن لكم كل ما فيه صلاحكم؛ لتهتدوا إلى سبيل الرشاد، وتسلكوها، فلا تضلوا عنها.

تفسير الجلالين
103 - (واعتصموا) تمسكوا (بحبل الله) أي دينه (جميعا ولا تفرقوا) بعد الإسلام (واذكروا نعمة الله) إنعامه (عليكم) يا معشر الأوس والخزرج (إذ كنتم) قبل الإسلام (أعداءً فألف) جمع (بين قلوبكم) بالإسلام (فأصبحتم) فصرتم (بنعمته إخواناً) في الدين والولاية (وكنتم على شفا) طرف (حفرة من النار) ليس بينكم وبين الوقوع فيها إلا أن تموتوا كفاراً (فأنقذكم منها) بالإيمان (كذلك) كما بين لكم ما ذكر (يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون)

تفسير القرطبي
فيه مسألتان: الأولى: قوله تعالى {واعتصموا} العصمة المَنْعَة؛ ومنه يقال للبذرقة : عصمة.
والبذرقة : الخفارة للقافلة، وذلك بأن يرسل معها من يحميها ممن يؤذيها.
قال ابن خالويه : البذرقة ليست بعربية وإنما هي كلمة فارسية عربتها العرب؛ يقال : بعث السلطان بذرقة مع القافلة.
والحبل لفظ مشترك، وأصله في اللغة السبب الذي يوصل به إلى البغية والحاجة.
والحبل : حبل العاتق.
والحبل : مستطيل من الرمل؛ ومنه الحديث : والله ما تركت من حبل إلا وقفت عليه، فهل لي من حج؛ والحبل الرسن.
والحبل العهد؛ قال الأعشى : وإذا تُجوزها حبال قبيلة ** أخذت من الأخرى إليك حبالها يريد الأمان والحبل الداهية؛ قال كثير : فلا تعجلي يا عز أن تتفهمي ** بنصح أتى الواشون أم بحبول والحبالة : حبالة الصائد.
وكلها ليس مرادا في الآية إلا الذي بمعنى العهد؛ عن ابن عباس.
وقال ابن مسعود : حبل الله القرآن.
ورواه علي وأبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن مجاهد وقتادة مثل ذلك.
وأبو معاوية عن الهجري عن أبي الأحوص عن عبدالله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن هذا القرآن هو حبل الله).
وروى تقي بن مخلد حدثنا يحيى بن الحميد حدثنا هشيم عن العوام بن حوشب عن الشعبي عن عبدالله بن مسعود {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا} قال : الجماعة؛ روي عنه وعن غيره من وجوه، والمعنى كله متقارب متداخل؛ فإن الله تعالى يأمر بالألفة وينهى عن الفرقة فإن الفرقة هلكة والجماعة نجاة.
ورحم الله ابن المبارك حيث قال : إن الجماعة حبل الله فاعتصموا ** منه بعروته الوثقى لمن دانا الثانية: قوله تعالى {ولا تفرقوا} يعني في دينكم كما افترقت اليهود والنصارى في أديانهم؛ عن ابن مسعود وغيره.
ويجوز أن يكون معناه ولا تفرقوا متابعين للهوى والأغراض المختلفة، وكونوا في دين الله إخوانا؛ فيكون ذلك منعا لهم عن التقاطع والتدابر؛ ودل عليه ما بعده وهو قوله تعالى {واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا}.
وليس فيه دليل على تحريم الاختلاف في الفروع؛ فإن ذلك ليس اختلافا إذ الاختلاف ما يتعذر معه الائتلاف والجمع، وأما حكم مسائل الاجتهاد فإن الاختلاف فيها بسبب استخراج الفرائض ودقائق معاني الشرع؛ وما زالت الصحابة يختلفون في أحكام الحوادث، وهم مع ذلك متآلفون.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (اختلاف أمتي رحمة) وإنما منع الله اختلافا هو سبب الفساد.
روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة أو اثنتين وسبعين فرقة والنصارى مثل ذلك وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة).
قال الترمذي : هذا حديث صحيح.
وأخرجه أيضا عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه سلم : (ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حَذْوَ النعل بالنعل حتى لو كان منهم من يأتي أمه علانية لكان من أمتي من يصنع ذلك وإن بني إسرائيل تفرقت اثنتين وسبعين ملة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة) قالوا : من هي يا رسول الله؟ قال : (ما أنا عليه وأصحابي).
أخرجه من حديث عبدالله بن زياد الإفريقي، عن عبدالله بن يزيد عن ابن عمر، وقال : هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
قال أبو عمر : وعبدالله الإفريقي ثقة وثقه قومه وأثنوا عليه، وضعفه آخرون.
وأخرجه أبو داود في سننه من حديث معاوية بن أبي سفيان عن النبي صلى الله عليه وسلم : (قال ألا إن مَن قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين ملة وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين اثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة وإنه سيخرج من أمتي أفواج تجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله).
وفي سنن ابن ماجة عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من فارق الدنيا على الإخلاص لله وحده وعبادته لا شريك له وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة مات والله عنه راض).
قال أنس : وهو دين الله الذي جاءت به الرسل وبلغوه عن ربهم قبل هَرَج الأحاديث واختلاف الأهواء، وتصديق ذلك في كتاب الله في آخر ما نزل، يقول الله {فإن تابوا} [التوبة : 11] قال : خلعوا الأوثان وعبادتها {وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة}، وقال في آية أخرى {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين}.
أخرجه عن نصر بن علي الجهضمي عن أبي أحمد عن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أنس.
قال أبو الفرج الجوزي : فإن قيل هذه الفرق معروفة؛ فالجواب أنا نعرف الافتراق وأصول الفِرق وأن كل طائفة من الفرق انقسمت إلى فرق، وإن لم نحط بأسماء تلك الفرق ومذاهبها، فقد ظهر لنا من أصول الفرق الحرورية والقَدَرِية والجهمية والمرجئة والرافضة والجبرية.
وقال بعض أهل العلم : أصل الفرق الضالة هذه الفرق الست، وقد انقسمت كل فرقة منها اثنتي عشرة فرقة، فصارت اثنتين وسبعين فرقة.
انقسمت الحرورية اثنتي عشرة فرقة؛ فأولهم الأزرقية - قالوا : لا نعلم أحدا مؤمنا؛ وكفّروا أهل القبلة إلا من دان بقولهم.
والأباضية - قالوا : من أخذ بقولنا فهو مؤمن، ومن أعرض عنه فهو منافق.
والثعلبية - قالوا : إن الله عز وجل لم يقض ولم يُقَدِّر.
والخازمية - قالوا : لا ندري ما الإيمان، والخلق كلهم معذورون.
والخَلَفية - زعموا أن من ترك الجهاد من ذكر أو أنثى كفر.
والكوزية - قالوا : ليس لأحد أن يمس أحدا لأنه لا يعرف الطاهر من النجس ولا أن يؤاكله حتى يتوب ويغتسل.
والكنزية - قالوا : لا يسع أحدا أن يعطي ماله أحدا؛ لأنه ربما لم يكن مستحقا بل يكنزه في الأرض حتى يظهر أهل الحق.
والشمراخية - قالوا : لا بأس بمس النساء الأجانب لأنهن رياحين.
والأخنسية - قالوا : لا يلحق الميت بعد موته خير ولا شر.
والحكمية - قالوا : مَن حاكم إلى مخلوق فهو كافر.
والمعتزلة - قالوا : اشتبه علينا أمر علي ومعاوية فنحن نتبرأ من الفريقين.
والميمونية - قالوا : لا إمام إلا برضا أهل محبتنا.
وانقسمت القَدَرية اثنتي عشرة فرقة : الأحمرية - وهي التي زعمت أن في شرط العدل من الله أن يملك عباده أمورهم، ويحول بينهم وبين معاصيهم.
والثنوية - وهي التي زعمت أن الخير من الله والشر من الشيطان.
والمعتزلة - وهم الذين قالوا بخلق القرآن وجحدوا صفات الربوبية.
والكَيْسانية وهم الذين قالوا : لا ندري هذه الأفعال من الله أو من العباد، ولا نعلم أيثاب الناس بُعد أو يعاقبون.
والشيطانية - قالوا : إن الله تعالى لم يخلق الشيطان.
والشريكية - قالوا : إن السيئات كلها مقدرة إلا الكفر.
والوهمية - قالوا : ليس لأفعال الخلق وكلامهم ذات، ولا للحسنة والسيئة ذات.
والزِّبْرية - قالوا : كل كتاب نزل من عند الله فالعمل به حق، ناسخا كان أو منسوخا.
والمسعدية - زعموا أن من عصى ثم تاب لم تقبل توبته والناكثية - زعموا أن من نكث بيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا إثم عليه.
والقاسطية - تبعوا إبراهيم بن النظام في قوله : من زعم أن الله شيء فهو كافر.
وانقسمت الجهمية اثنتي عشرة فرقة : المعطلة - زعموا أن كل ما يقع عليه وهم الإنسان فهو مخلوق.
وإن من ادعى أن الله يُرى فهو كافر.
والمريسية قالوا : أكثر صفات الله تعالى مخلوقة.
والمَلْتزقة - جعلوا الباري سبحانه في كل مكان.
والواردية - قالوا لا يدخل النار من عرف ربه، ومن دخلها لم يخرج منها أبدا.
والزنادقة - قالوا : ليس لأحد أن يثبت لنفسه ربا؛ لأن الإثبات لا يكون إلا بعد إدراك الحواس.
وما لا يدرك لا يثبت.
والحرقية - زعموا أن الكافر تحرقه النار مرة واحدة ثم يبقى محترقا أبدا لا يجد حر النار.
والمخلوقية - زعموا أن القرآن مخلوق.
والفانية - زعموا أن الجنة والنار يفنيان، ومنهم من قال لم يخلقا.
والعبدية - جحدوا الرسل وقالوا إنما هم حكماء.
والواقفية - قالوا : لا نقول إن القرآن مخلوق ولا غير مخلوق.
والقبرية - ينكرون عذاب القبر والشفاعة.
واللفْظِية - قالوا لفظنا بالقرآن مخلوق.
وانقسمت المرجئة اثنتي عشرة فرقة : التاركية - قالوا ليس لله عز وجل على خلقه فريضة سوى الإيمان به، فمن آمن به فليفعل ما شاء.
والسائبية - قالوا : إن الله تعالى سيب خلقه ليفعلوا ما شاؤوا.
والراجية - قالوا : لا يسمى الطائع طائعا ولا العاصي عاصيا، لأنا لا ندري ما له عند الله تعالى.
والسالبية - قالوا : الطاعة ليست من الإيمان.
والبهيشية - قالوا : الإيمان علم ومن لا يعلم الحق من الباطل والحلال من الحرام فهو كافر.
والعملية - قالوا : الإيمان عمل.
والمنقوصية - قالوا : الإيمان لا يزيد ولا ينقص.
والمستثنية - قالوا : الاستثناء من الإيمان.
والمشبهة - قالوا : بصر كبصر ويد كيد.
والحشوية - قالوا : حكم الأحاديث كلها واحد؛ فعندهم أن تارك النفل كتارك الفرض.
والظاهرية - الذين نفوا القياس.
والبِدعية - أول من ابتدع هذه الأحداث في هذه الأمة.
وانقسمت الرافضة اثنتي عشرة فرقة : العلوية - قالوا : إن الرسالة كانت إلى علي وأن جبريل أخطأ.
والأمِرِية - قالوا : إن عليا شريك محمد في أمره.
والشيعة - قالوا : إن عليا رضي الله عنه وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم ووليه من بعده، وإن الأمة كفرت بمبايعة غيره.
والإسحاقية - قالوا : إن النبوة متصلة إلى يوم القيامة، وكل من يعلم علم أهل البيت فهو نبي.
والناووسية - قالوا : علي أفضل الأمة، فمن فضل غيره عليه فقد كفر.
والإمامية - قالوا : لا يمكن أن تكون الدنيا بغير إمام من ولد الحسين، وإن الإمام يعلِّمه جبريل عليه السلام، فإذا مات بدل غيره مكانه.
والزيدية - قالوا : ولد الحسين كلهم أئمة في الصلوات، فمتى وجد منهم أحد لم تجز الصلاة خلف غيرهم، برهم وفاجرهم.
والعباسية - زعموا أن العباس كان أولى بالخلافة من غيره.
والتناسخية - قالوا : الأرواح تتناسخ؛ فمن كان محسنا خرجت روحه فدخلت في خلق يسعد بعيشه.
والرجعية - زعموا أن عليا وأصحابه يرجعون إلى الدنيا، وينتقمون من أعدائهم.
واللاعنة - يلعنون عثمان وطلحة والزبير ومعاوية وأبا موسى وعائشة وغيرهم.
والمتربصة - تشبهوا بزي النُّساك ونصبوا في كل عصر رجلا ينسبون إليه الأمر، يزعمون أنه مهدي هذه الأمة، فإذا مات نصبوا آخر.
ثم انقسمت الجبرية اثنتي عشرة فرقة : فمنهم المضطرية - قالوا : لا فعل للآدمي، بل الله يفعل الكل.
والأفعالية - قالوا : لنا أفعال ولكن لا استطاعة لنا فيها، وإنما نحن كالبهائم نقاد بالحبل.
والمفروغية - قالوا : كل الأشياء قد خلقت، والآن لا يخلق شيء.
والنجارية - زعمت أن الله تعالى يعذب الناس على فعله لا على فعلهم.
والمنانية - قالوا : عليك بما يخطر بقلبك، فافعل ما توسمت منه الخير.
والكسبية - قالوا : لا يكتسب العبد ثوابا ولا عقابا.
والسابقية - قالوا : من شاء فليعمل ومن شاء فلا يعمل، فإن السعيد لا تضره ذنوبه والشقي لا ينفعه بره.
والحِبية - قالوا : من شرب كأس محبة الله تعالى سقطت عنه عبادة الأركان.
والخوفية - قالوا : من أحب الله تعالى لم يسعه أن يخافه، لأن الحبيب لا يخاف حبيبه.
والفكرية - قالوا : من ازداد علما أسقط عنه بقدر ذلك من العبادة.
والخشبية - قالوا : الدنيا بين العباد سواء، لا تفاضل بينهم فيما ورثهم أبوهم آدم.
والمنية - قالوا : منا الفعل ولنا الاستطاعة.
وسيأتي بيان الفرقة التي زادت في هذه الأمة في آخر سورة "الأنعام" إن شاء الله تعالى.
وقال ابن عباس لسماك الحنفي : يا حنفي، الجماعة الجماعة!! فإنما هلكت الأمم الخالية لتفرقها؛ أما سمعت الله عز وجل يقول {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا}.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ويكره لكم ثلاثا قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال).
فأوجب تعالى علينا التمسك بكتابه وسنة نبيه والرجوع إليهما عند الاختلاف، وأمرنا بالاجتماع على الاعتصام بالكتاب والسنة اعتقادا وعملا؛ وذلك سبب اتفاق الكلمة وانتظام الشتات الذي يتم به مصالح الدنيا والدين، والسلامة من الاختلاف، وأمر بالاجتماع ونهى عن الافتراق الذي حصل لأهل الكتابين.
هذا معنى الآية على التمام، وفيها دليل على صحة الإجماع حسبما هو مذكور في موضعه من أصول الفقه والله أعلم.
قوله تعالى {واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها} أمر تعالى بتذكر نعمه وأعظمها الإسلام واتباع نبيه محمد عليه السلام؛ فإن به زالت العداوة والفرقة وكانت المحبة والألفة.
والمراد الأوس والخزرج؛ والآية تعم.
ومعنى {فأصبحتم بنعمته إخوانا} أي صرتم بنعمة الإسلام إخوانا في الدين.
وكل ما في القرآن {أصبحتم} معناه صرتم؛ كقوله تعالى {إن أصبح ماؤكم غورا} [الملك : 30] أي صار غائرا.
والإخوان جمع أخ، وسمي أخا لأنه يتوخى مذهب أخيه، أي يقصده.
وشفا كل شيء حرفه، وكذلك شفيره ومنه قوله تعالى {على شفا جرف هار} [التوبة : 109].
قال الراجز : نحن حفرنا للحجيج سَجْلَه ** نابتة فوق شفاها بَقْلَه وأشفى على الشيء أشرف عليه؛ ومنه أشفى المريض على الموت.
وما بقي منه إلا شفا أي قليل.
قال ابن السكيت : يقال للرجل عند موته وللقمر عند امّحاقه وللشمس عند غروبها : ما بقي منه إلا شفا أي قليل.
قال العجاج : ومربأ عال لمن تشرفا ** أشرفته بلا شفًى أو بشَفَى قوله "بلا شفى" أي غابت الشمس.
"أو بشفى" وقد بقيت منها بقية.
وهو من ذوات الياء، وفيه لغة أنه من الواو.
وقال النحاس : الأصل في شفا شَفَو، ولهذا يكتب بالألف ولا يمال.
وقال الأخفش : لما لم تجز فيه الإمالة عرف أنه من الواو؛ ولأن الإمالة بين الياء، وتثنيته شفوان.
قال المهدوي : وهذا تمثيل يراد به خروجهم من الكفر إلى الإيمان.

تفسير ابن كثير عن عبد اللّه بن مسعود: {اتقو اللّه حق تقاته} قال: أن يطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر، وروي مرفوعاً عن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (اتقو اللّه حق تقاته أن يطاع فلا يعصى، ويشكر فلا يكفر، ويذكر فلا ينسى) ""رواه الحاكم في المستدرك وقال: صحيح على شرط الشيخين، قال ابن كثير: والأظهر أنه موقوف"" وروي عن أنس أنه قال: لا يتقي اللّه العبدُ حق تقاته حتى يخزن لسانه، وقد ذهب سعيد بن جبير وأبو العالية إلى أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: {فاتقو اللّه ما استطعتم} وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: {اتقو اللّه حق تقاته} قال: لم تنسخ ولكن حق تقاته أن يجاهدوا في سبيله حق جهاده، ولا تأخذهم في اللّه لومة لائم، ويقوموا بالقسط ولو على أنفسهم وآبائهم وأبنائهم. وقوله تعالى: {ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}، أي حافظوا على الإسلام في حال صحتكم وسلامتكم، لتموتوا عليه، فإن الكريم قد أجرى عادته بكرمه، أنه من عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بعث عليه، فعياذاً باللّه من خلاف ذلك. روى الإمام أحمد عن مجاهد: أن الناس كانوا يطوفون بالبيت وابن عباس جالس معه محجن عصا منعطفة الرأس فقال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللّه حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، ولو أن قطرة من الزقوم قطرت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم، فكيف بمن ليس له طعام إلا الزقوم!؟) ""رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة"" وقال الإمام أحمد، عن عبد اللّه بن عمرو قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتدركه منيته وهو يؤمن باللّه واليوم الآخر ويأتي إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه) وفي الحديث الصحيح عن جابر قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن باللّه عزّ وجلّ) وعن أنَس قال: كان رجل من الأنصار مريضاً فجاءه النبي صلى اللّه عليه وسلم يعوده فوافقه في السوق فسلم عليه، فقال له: (كيف أنت يا فلان)؟ قال بخير يا رسول اللّه أرجو اللّه وأخاف ذنوبي، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (لا يجتمعان في قلب عبد في هذا الموطن إلا أعطاه اللّه ما يرجو وآمنه مما يخاف) ""رواه الحافظ البزار والترمذي والنسائي"". وقوله تعالى: {واعتصموا بحبل اللّه جميعاً ولا تفرقوا} قيل: {بحبل اللّه} أي بعهد اللّه كما قال في الآية بعدها: {ضربت عليه الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من اللّه وحبل من الناس} أي بعهد وذمة، وقيل: {بحبل اللّه} يعني القرآن كما في حديث الحارث الأعور عن علي مرفوعاً في صفة القرآن: (هو حبل اللّه المتين وصراطه المستقيم) وروى ابن مردويه عن عبد اللّه رضي اللّه عنه قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (إن هذا القرآن هو حبل اللّه المتين، وهو النور المبين، وهو الشفاء النافع، عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن اتبعه) وقوله تعالى: {ولا تفرقوا} أمرهم بالجماعة ونهاهم عن التفرقة، وقد وردت الأحاديث المتعددة بالنهي عن التفرق، والأمر بالاجتماع والائتلاف، كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (إن اللّه يرضى لكم ثلاثاً، ويسخط لكم ثلاثاً: يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل اللّه جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه اللّه أمركم، ويسخط لكم ثلاثاً: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال) وقوله تعالى: {واذكروا نعمة اللّه عليكم إذا كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً} إلى آخر الآية، وهذا السياق في شأن الأوس والخزرج، فإنه قد كان بينهم حروب كثيرة في الجاهلية، وعداوة شديدة وضغائن وإحن، طال بسببها قتالهم والوقائع بينهم، فلما جاء اللّه بالإسلام فدخل فيه من دخل منهم صاروا إخواناً متحابين بجلال اللّه، متواصلين في ذات اللّه؛ متعاونين على البر والتقوى. قال اللّه تعالى: {هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن اللّه ألف بينهم} إلى آخر الآية. وكانوا على شفا حفرة من النار بسبب كفرهم فأنقذهم اللّه منها أن هداهم للإيمان. وقد امتن عليهم بذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم قسم غنائم حنين، فعتب من عتب منهم، بما فضَّل عليهم في القسمة بما أراده اللّه، فخطبهم فقال: (يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالاً فهداكم اللّه بي !! وكنتم متفرقين فألفكم اللّه بي !! وعالة فأغناكم اللّه بي !؟) فكلما قال شيئاً قالوا: اللّه ورسوله أمنُّ. وقد ذكر محمد بن إسحاق بن يسار وغيره: أن هذه الآية نزلت في شأن الأوس، والخزرج وذلك أن رجلاً من اليهود، مر بملأ من الأوس والخزرج، فساءه ما هم عليه من الاتفاق والألفة، فبعث رجلاً معه وأمره أن يجلس بينهم، ويذكرهم ما كان من حروبهم يوم بعاث وتلك الحروب ففعل، فلم يزل ذلك دأبه حتى حميت نفوس القوم، وغضب بعضهم على بعض، وتثاوروا ونادوا بشعارهم، وطلبو أسلحتهم وتواعدوا إلى الحرة، فبلغ ذلك النبي صلى اللّه عليه وسلم، فأتاهم فجعل يسكنهم ويقول: (أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟) وتلا عليهم هذه الآية فندموا على ما كان منهم واصطلحوا وتعانقوا، وألقوا السلاح رضي اللّه عنهم.

ِترجمة معني الآية

ِاردو | Espanol | Française | English | Malaysian | Indonesian | বাঙালি